هدف بايدن لطاقة الرياح 2030 يصطدم بعاصفة عكسية

توقعات إنتاج الطاقة هوت من 30 غيغاواط حددتها السلطات منذ عامين إلى 16.4 غيغاواط فقط حالياً

قارب رفع قبالة الشاطئ بمشروع "ساوث فورك ويند"، أحد المشاريع التي يجري إنشاؤها في أميركا في عام 2022
قارب رفع قبالة الشاطئ بمشروع "ساوث فورك ويند"، أحد المشاريع التي يجري إنشاؤها في أميركا في عام 2022 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما وضع الرئيس جو بايدن في عام 2021 هدفاً لنشر مزارع توليد الطاقة من الرياح بقدرة 30 غيغاواط في غضون 9 سنوات، وُصفت هذه الخطة بأنها جريئة وطموحة. والأدهى من ذلك كله، أن الكثيرين اعتبروها سهلة المنال. لكن بعد عامين من ذلك، ساد انطباع آخر وهو أنها مستحيلة.

بعد سلسلة متتالية من الانتكاسات، بدءاً من مراجعات التكلفة الواقعية إلى رسوم الخسائر المحتملة التي تقدر بالمليارات، يبدو هدف توليد طاقة الرياح البحرية بأميركا المخطط له في عام 2030 أبعد ما يكون عن الواقع أكثر من أي وقت مضى.

فمن جانبها، خفضت "بلومبرغ إن إي إف" توقعاتها تدريجياً، بعد أن ساورتها الشكوك في وقت مبكر بشأن هذا الهدف. في يونيو الماضي، كانت التوقعات توليد 23.1 غيغاواط في عام 2030. ولكن مُنيت الصناعة بضربة أخرى الأسبوع الماضي بعد أن رفضت نيويورك بقوة مناشدات شركات التطوير لرفع الأسعار، مما أثار تساؤلات جادّة حول جدوى بعض مشاريعها. دفع ذلك آتين جايين، وهو كبير محللي طاقة الرياح في "بلومبرغ إن إي إف"، إلى خفض تقديراته بنسبة 29% اليوم الأربعاء.

يتوقع المحلل الآن أن يصل إجمالي طاقة الرياح الأميركية إلى 16.4 غيغاواط فقط بحلول نهاية العقد-أي أكثر بقليل من نصف الهدف الذي حدّده بايدن. قال جايين: "هدف الـ30 غيغاواط هو حلم بعيد المنال".

يهيمن المزيد من القلق على المشهد الأوسع في صناعة تُعتبر أساسية لتلبية التزامات الولايات المتحدة المتعلقة بالمناخ، بما في ذلك اتفاق باريس الذي تتعهد بموجبه أميركا بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى النصف على الأقل من مستويات 2005 بحلول نهاية العقد الحالي.

تمتلك مزارع توليد الرياح البحرية القدرة على توفير كميات هائلة من الطاقة للمدن الكبرى على امتداد سواحل الولايات المتحدة، التي يقيم بها أكثر من 40% من سكان أميركا.

أسعار الفائدة المرتفعة تُصعّب نشر التمويل للطاقة النظيفة

عاصفة متضخمة تضربها رياح معاكسة

في صناعة تسودها عبارات تورية لوصف التقلبات الجوية، أطلق المطورون على البيئة الحافلة بتحديات الرياح البحرية في أميركا بأنها "عاصفة متضخمة" تضربها "رياح معاكسة". رغم أن اختيار أكثر من 10 مواقع قبالة السواحل الشرقية للولايات المتحدة كان أمراً منطقياً من الناحية المالية، عندما صُممت لأول مرة منذ سنوات، إلا أن تكاليف كل مكون من مكونات المشاريع البالغة قيمتها مليارات الدولارات قد ارتفعت بشكل كبير، من المواد الخام التي تدخل في تركيب الهياكل الشاهقة إلى ائتمان الشركات الذي يمولها.

قبل عامين فقط، كانت الشركات تضع خططاً، وتوقّع اتفاقيات شراء طاقة ضخمة، بناءً على تكلفة متوقعة قدرها 77 دولاراً لكل ميغاواط في الساعة، حسب "بلومبرغ إن إي إف". أما اليوم، فقد قفزت التكلفة بـ48% إلى 114 دولاراً.

رغم ذلك، فالبيت الأبيض لا يتراجع. قال أنجيلو فيرنانديز هيرنانديز، المتحدث باسم البيت الأبيض، إن الإدارة الأميركية تستخدم كل أداة متاحة قانوناً لتعزيز فرص استخدام الرياح البحرية الأميركية وتحقيق هدفها البالغ 30 غيغاواط بحلول عام 2030، بما في ذلك الموافقة على مشاريع الرياح البحرية الكبرى والاستفادة من استثمارات البنية التحتية الفيدرالية لدعم سلسلة إمداد محلية جديدة.

قال إن الاستثمارات في صناعة الرياح البحرية الأميركية زادت بمقدار 7.7 مليار دولار منذ سنّ قانون الحد من التضخم العام الماضي، مع إحراز المزيد من التقدم بالتعاون مع الولايات والمطورين والجهات المعنية الأخرى.

تراجع المطورين

مع ذلك، ففي ظل ارتفاع تكاليف الإنشاءات، سرعان ما يتراجع المطورون عن خططهم أو يطلبون إعادة التفاوض على صفقاتهم. كانت كلٌ من "إكوينور" (Equinor ASA) و"بي بي" (BP Plc) و"أورستد" (Orsted A/S) و"إيفرسورس إنرجي" (Eversource Energy) أحدث شركات التطوير التي قوبلت طلباتها بالرفض. طلبت هذه الشركات من ولاية نيويورك السماح لها برفع أسعارها، وهو الأمر الذي رفضته لجنة الخدمة العامة في نيويورك بالإجماع في 14 أكتوبر، ما ترك المطورين في حيرة حول السبل المناسبة لها للاستمرار في تقديم خدماتها.

في معرض تعليقها على ذلك، قالت مولي موريس، رئيس شركة "إيكوينور رينيوابلز أميركاز" (Equinor Renewables Americas): "يتعين أن تكون هذه المشاريع مستدامة مالياً كي تتمكن من الاستمرار"، وذلك في إشارة إلى مزرعتي الرياح "إمباير" (Empire) و"بيكون" (Beacon) التابعتين للشركة واللتين يجري تطويرهما بالتعاون مع شركة "بي بي".

من جانبه، قال ديفيد هاردي، الرئيس التنفيذي لـ"أورستد" في منطقة الأميركتين، إن جدوى مشروع "صن رايز" (Sunrise) الذي تشارك في تطويره مع "إيفرسورس" في شرق لونغ آيلاند كان تحدياً كبيراً بسبب هذا القرار الذي اتخذته الولاية.

توربينات في مشروع "بلوك آيلاند"، أول مشروع لطاقة الرياح البحرية بأميركا
توربينات في مشروع "بلوك آيلاند"، أول مشروع لطاقة الرياح البحرية بأميركا المصدر: بلومبرغ

إعادة تفاوض وإلغاء صفقات

بشكل عام، سعى المطورون الذين يبنون مزارع توفر حوالي 9 غيغاواط في خمس ولايات أميركية بالساحل الشرقي إلى إعادة التفاوض على الصفقات. هذا بالإضافة إلى إلغاء عقود طاقة تتجاوز قيمتها 3 غيغاواط في الأشهر الأخيرة—وبتكلفة كبيرة. في يوليو الماضي، وافقت شركة "أفانغريد" (Avangrid Inc) على سداد غرامات بقيمة حوالي 48 مليون دولار للتخارج من صفقتها لتزويد الطاقة لثلاثة مرافق من مشروع الكومنولث قبالة سواحل ماساتشوستس.

في الشهر التالي، وافقت وحدة تابعة لشركة "شل" وشركاؤها في مشروع مشترك على دفع أكثر من 60 مليون دولار للتخارج من صفقاتها الخاصة. في أكتوبر، وافقت "أفانغريد" على سداد 16 مليون دولار لإنهاء عقود مشروع "بارك سيتي" بالقرب من ولاية كونيتيكت.

ربما تشارك الشركات في جولة جديدة من المزادات، على الرغم من أنه لا يزال يتعين انتظار ما إذا كان بإمكان المطورين التوفيق بين تكاليفهم واحتياجات الأسر.

قامت الشركات أيضاً بعمليات شطب ضخمة. فقد أعلنت شركة "إيفرسورس" عن ارتفاع تكلفة الخسائر في الربع الثاني بالنسبة إلى عمليات الرياح البحرية التابعة لها بعد خصم الضرائب بقيمة 331 مليون دولار، فيما أعلنت "أورستد" عن تكاليف محتملة بقيمة 2.3 مليار دولار على محفظتها من المشاريع في أميركا.

"جنرال إلكتريك" تشطب 20% من قوّتها العاملة في صناعة توربينات الرياح البرية في الولايات المتحدة

مناشدات لتدخل بايدن

ناشد حكّام 6 ولايات بايدن لاستخدام كل أداة فيدرالية متاحة لتتمكن مشاريع طاقة الرياح البحرية من المحافظة على المنافسة، محذرين من أنه بدون تدخلات من حكومة الولايات المتحدة، فإن نشر الرياح البحرية بأميركا مهدد بخطر التوقف.

هذه الولايات ليست هي الوحيدة التي تواجه ضغوط إعادة التفاوض على اتفاقيات شراء الطاقة الموقّعة قبل ارتفاع التكاليف.

كذلك طلب المطورون أقصى دعم ممكن للسياسة الضريبية بموجب قانون المناخ الشامل العام الماضي. وسع قانون الحد من التضخم نطاق الإعفاءات الضريبية بحيث يمكن لمشاريع طاقة الرياح البحرية عموماً المطالبة بمعدل أساسي قدره 30%، وفي بعض الحالات الحصول على حوافز إضافية لاستخدام المواد من مصادر أميركية والبناء فيما يُسمى بمجتمعات الطاقة، مثل مدن الفحم السابقة.

أما الآن، يرى بعض مطوري الرياح البحرية أن هذه الاعتمادات الإضافية-التي تصل نسبتها إلى 20%-تنطوي على أهمية حيوية لاستمرار النشاط.

بدون توفير المزيد من المساعدة، هددت "أورستد" بـ التخلي" عن بعض مشاريع الرياح البحرية الأميركية.

هدف مستعصٍ

إلى ذلك، قال تيموثي فوكس، المحلل في "كليرفيو إنرجي بارتنرز" (ClearView Energy Partners)، إن هدف بايدن البالغ 30 غيغاواط كان يوماً ما هدفاً طموحاً. أما الآن، فهو هدف يستعصي على التحقيق.

مع ذلك، كان هدف بايدن دائماً غاية غير ملزِمة تهدف في المقام الأول إلى التعبير عن حماس الإدارة لدعم صناعة الرياح البحرية الناشئة التي تعتمد على الموافقات على التصاريح ومبيعات التأجير وغيرها من الإجراءات من جانب إدارة البلاد.

قال فوكس إنه بهذا المعنى، ربما يكون قد خدم غرضه، مضيفاً أن الهدف هو إرسال إشارة إلى أطراف الصناعة بأنهم لديهم حلفاء في هذه الإدارة، ولديهم داعمون لصناعتهم، وما يحاولون تطويره.

حتى لو فاز بايدن بولاية ثانية، فإن هدف 2030 سيتجاوز الفترة التي سيقضيها في الرئاسة.

تريليون دولار إنفاق العالم المتوقع على طاقة الرياح البحرية بحلول 2031

قارب رفع قبالة الشاطئ بمشروع "ساوث فورك ويند"، أحد المشاريع التي يجري إنشاؤها في أميركا في عام 2022
قارب رفع قبالة الشاطئ بمشروع "ساوث فورك ويند"، أحد المشاريع التي يجري إنشاؤها في أميركا في عام 2022 المصدر: بلومبرغ

التضخم يرفع التكلفة

هناك نوعان من مشاريع طاقة الرياح البحرية الجاري إنشاؤها بالفعل في الولايات المتحدة، والتي كانت قادرة على توفير صفقات إمدادات طاقة قبل أن يؤدي التضخم إلى ارتفاع التكاليف. جرى بالفعل تشغيل مشروعين آخرين لعدة سنوات، وهما: المزرعة التجريبية التابعة لشركة "دومينيون إنرجي" (Dominion Energy Inc) قبالة سواحل فيرجينيا، ومشروع يضم خمس توربينات تابع لشركة "أورستيد" بالقرب من "بلوك آيلاند" في رود آيلاند. كانت هذه المشاريع الأربعة مجتمعة ستوفر أقل من 5% من هدف الولايات المتحدة لعام 2030.

ليس من الواضح توقيت تشغيل المشروعات الأخرى، إلا أن معظم التوقعات تشير إلى أنها ربما ستبدأ بالفعل. رجّح جايين أن يتم توصيل مزارع الرياح بالشبكة في أوائل 2030 والتي ربما كانت في السابق تمضي في المسار الصحيح لتوصيل الطاقة بحلول نهاية العقد.

قال فوكس، من "كليرفيو إنرجي": "المسألة لا تتعلق بما إذا كان هذه المزارع ستعمل أم لا. بل تتعلق بالوتيرة المتوقعة في البداية. فالرياح البحرية ينتظرها الكثير من إمكانات النمو في الولايات المتحدة؛ ويحتمل أن تكون على مسار أكثر انبساطاً مما كان متوقعاً في البداية".