كيف أصبح حال "إكس" بعد عام من استحواذ ماسك على "تويتر"؟

تراجع في عدد مستخدمي وموظفي الشركة وكذلك في إيراداتها مقابل زيادة في كمّ التغريدات المضللة عبر منصتها

صورة تعبيرية عن تأثير إيلون ماسك على شركة (X) بعد عام من استحواذه عليها
صورة تعبيرية عن تأثير إيلون ماسك على شركة (X) بعد عام من استحواذه عليها المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مرّ عام على استحواذ إيلون ماسك على "تويتر" في خطوة قال إنها "مهمة لمستقبل الحضارة"، لكن كل ما فعله كان تقليص حجم وسيلة التواصل الاجتماعي هذه على كافة الصعد. لقد انخفض عدد المشتركين الذين يستخدمون الموقع يومياً بنسبة 13% في سبتمبر مقارنة مع أكتوبر 2022، بحسب بيانات من شركة "أبتوبيا" (Apptopia)، كما تقلص عدد الموظفين إلى 1500 بعدما كانوا 7500 حين استحوذ ماسك على الشركة.

في غضون ذلك، فقدت المنصة، التي كانت يوماً مركز لقاءٍ للإعلاميين والناشطين السياسيين ومدمني الأخبار، كثيراً من أهميتها كمصدر تُنشر عبره المعلومات آنياً وكمنصة للنقاش.

ركّزت خطة ماسك للشركة التي أصبح اسمها اليوم "إكس" على التخفيف من الاعتماد على الإعلانات والتوجه نحو الاشتراكات المدفوعة. وقدّرت دراسة أجراها الباحث المستقل ترافيس براون عدد المستخدمين الذين يدفعون اشتراكاً شهرياً قدره 8 دولارات، بين 950 ألف و1.2 مليون. يعني ذلك أن " إكس" لم تقنع إلا أقل من 1% من المستخدمين بالاشتراك، بالتالي فإن أرباحها من خدمة الاشتراك أقل من 120 مليون دولار سنوياً، قبل احتساب رسوم متاجر التطبيقات من "أبل" و"غوغل".

تراجع الإعلانات

ما هذا المبلغ إلا نقطة في بحر الإيرادات الناجمة عن الإعلانات التي كانت "تويتر" تعوّل عليها في حقبة ما قبل ماسك، وقد بلغت نحو 4.5 مليار دولار في السنة الأخيرة الكاملة التي كانت الشركة خلالها مدرجةً في البورصة. في غضون ذلك، انخفض إنفاق كبار المعلنين مثل "مونديليز إنترناشونال" (Mondelez International) و"كوكا كولا" و"إي بي إم" و"إتش بي أو" (HBO) مقارنة مع حقبة ما قبل ماسك، ويُعزى ذلك بجزء كبير منه إلى السياسات التي طبّقها وجعلت الموقع فوضوياً ولا يمكن التنبؤ بجديده.

ينفق المعلنون الكبار الخمسة في "إكس" اليوم أموالاً أقل بنسبة 67% على الإعلانات بالمقارنة مع فترة ما قبل استحواذ ماسك على الشركة، بحسب البيانات الصادرة عن شركة معلومات السوق "سينسور تاور" (Sensor Tower)، فيما صرّحت بعض كبرى الشركات الإعلانية أنها لا تعتزم إنفاق أي أموال على "إكس".

امتنع المتحدث باسم "إكس" عن الإجابة على قائمة الأسئلة التي أرسلت إليه لإعداد هذا التقرير. إلا أن ماسك صرّح فيما مضى بأنه حسّن ما قال إنه كان قرارات عشوائية للشركة فيما يخص إدارة المحتوى، وأضاف مجموعة من الخصائص الجديدة ومنها منح إيرادات لمستخدمي "إكس" الذين يسهمون في حركة تصفح كبيرة، إلى جانب إبراز عدد مشاهدات التغريدات وإمكانية إرسال رسائل مباشرة كمقاطع صوتية.

وقال ماسك إن الشركة التي لم تكن تدرّ الربح تاريخياً قد تحقق تدفقاً نقدياً إيجابياً بحلول العام المقبل.

بما أن "إكس" لم تعد مدرجةً في البورصة، يصعب تحديد حجم الخسائر التي تكبدتها بسبب قيادة ماسك. في مارس، قالت شركة "فيدلتي"، التي احتفظت بأسهم في "تويتر" بعدما استحوذ ماسك عليها مقابل 44 مليار دولار، إنها تقدّر قيمة حصتها بثلث ما كانت عليه حين أُبرمت الصفقة. كان ماسك قد دعا قبيل شرائه الشركة إلى عدم الحكم على أدائه استناداً إلى الجانب المالي فحسب، وقال في مؤتمر "تيد" في أبريل 2022: "لا يهمني الجانب الاقتصادي البتة".

لكن نظراً لتحميله "تويتر" ديناً بنحو 13 مليار دولار يجعلها تدفع فوائد سنوية بأكثر من 1.2 مليار دولار بحسب تقديرات "بلومبرغ"، لا بدّ من السؤال عمّا إذا كانت الشركة قادرةً على الاستمرار مادياً فيما يعمل على تحقيق أهدافه الأخرى.

ماسك: "X" تتطلع لمنافسة "يوتيوب" و"لينكد إن" بمنتجات جديدة

انتشار المحتوى المضلل

حين اشترى ماسك "تويتر" قال إنه سيجعلها منصة لحرية التعبير، ولكن ترجمة ذلك على أرض الواقع أتت على شكل تخفيف لسياساتها الرامية لكبح نشر المعلومات المضللة، وكانت النتيجة الفعلية مكافأةً للمتصيدين عبر الإنترنت والمتطرفين.

في الوقت نفسه، عاقب ماسك الأطراف الذين يعتبرهم أعداء عقائديين، فجرّد مثلاً صحيفة "نيويورك تايمز" من العلامة الذهبية التي تؤكّد هويتها، في أكتوبر، وعرّف شبكة "إن بي آر" على أنها وسيلة إعلام تابعة للدولة، وشبّهها بوسائل الدعاية الناطقة باسم حكومتي روسيا والصين.

بسبب مثل هذه الخطوات، أصبح يصعب على المستخدمين الاعتماد على العلامات التي لطالما عوّلوا عليها من أجل التحقق من صحة المعلومات المنشورة. كما خففت "إكس" من القيود على إدارة المحتوى، فاتحة الباب أمام مئات المنشورات التي تتضمّن صوراً مضللة، مثل رسائل مزيفة من الرئيس جو بايدن أو مقطع من لعبة فيديو عُرضت على أنها مشهد من الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.

كانت فوضى المنشورات على المنصة جزءاً من خطة ماسك، فالرجل الذي لطالما انتقد سياسات وسائل التواصل الاجتماعي بحذف المحتوى، تبنّى سياسة تستند إلى تعزيز حرية التعبير وليس سعة الانتشار، ما يعني أن الشركة تترك المحتوى المضلل أو المسيء ولكنها تحدّ من عدد الأشخاص الذين يطّلعون عليه من خلال تعديل محرك التوصيات. لقد شهدت منصة "إكس" تحت هذه السياسة الجديدة ارتفاعاً كبيراً في عدد المنشورات العنيفة والمضللة، وفقاً لعدد من الباحثين.

"X" تختبر فرض دولار واحد سنوياً على المشتركين الجدد

حتى إن ماسك نفسه استخدم موقع "إكس" من أجل نشر دعابات متحيزة جنسياً عن النساء اللواتي وصفهن بـ"الخطيرات والعنيفات"، وقارن المستثمر والمتبرع السخي جورج سوروس بالشرير "ماغنيتو"، وأسهم في نشر نظريات مؤامرة بعد أحداث عنيفة مثل الهجوم على زوج النائبة نانسي بيلوسي وإطلاق النار في مدرسة في ناشفيل.

عمل شاق في الانتظار

عقّدت سياسات ماسك وسلوكه الشخصي علاقة "إكس" بالمعلنين الذين يحرصون على عدم نشر إعلاناتهم بجوار منشورات تؤيد النازية مثلاً. في الأشهر الأولى من عهد ماسك، تخلت علامات تجارية كبرى عديدة عن الموقع، مثل "ميرك أند كو" و"هيلتون" و"إيه تي أند تي" (AT&T). كما تضررت شراكات مهمة لها مع شركات مثل "إيلي ليلي" و"بيبسي" لدى ظهور حسابات مزيفة على الموقع تدّعي أنها تمثلها.

في مايو، عيّنت "إكس" ليندا ياكارينو، المديرة التنفيذية السابقة في شركة "إن بي سي يونيفرسال" رئيسةً تنفيذيةً لها، ويهدف تعيينها جزئياً لتحسين العلاقات مع المعلنين. إلا أن ماسك أعلن في تغريدة أنه بحلول سبتمبر، كانت مبيعات الإعلانات ما تزال منخفضة بأكثر من النصف.

كان يُفترض أن تساعد الاشتراكات المدفوعة التي طرحها ماسك في ديسمبر على جني إيرادات لا إعلانية، فيما تحدّ من الإزعاج الإلكتروني والتصيد عبر الإنترنت من خلال فرض بدل مالي مقابل استخدام المنصة من قبل ناشري مثل هذا المحتوى. لكن ثبت العكس، لأن الأطراف السيئة كانوا مستعدين للدفع مقابل الحصول على علامات التوثيق التي منحت حساباتهم المزيفة طابعاً شرعياً وضمنت حصولهم على معاملة خاصة من خوارزميات "تويتر" لنشر محتواهم. فيما أن المستخدمين العاديين لم يجدوا أسباباً مقنعة ليدفعوا المال، ما قوّض احتمال أن تمكّن الاشتراكات "إكس" من التخلي عن الإعلانات.

ماسك: إيرادات الإعلانات على "X" تراجعت بعنف أثناء الحرب

أمام ماسك عمل شاق بعد عام انخفضت فيه قيمة الشركة بمليارات الدولارات. وقد تحدث عن إمكانية تحويل "إكس" إلى "تطبيق لكل شيء" يمكنه أن يجني الأموال من منتجات منها التسوق أو خدمات الدفع، ولكن لم تنطلق أي من هذه الخدمات بعد. وهو كان قد ألمح في السابق أنه يرغب في إدراج " إكس" في البورصة في مرحلة ما، ولكن ليفعل ذلك عليه أن يجعل قيمة الشركة تفوق 44 مليار دولار، وهو المبلغ الذي دفعه كي يستحوذ عليها. وإذا ما رغب بأن يخرج شركته من الحفرة التي علقت فيها، فعليه أن يقنع المعلنين والمستخدمين أنها ما تزال تقدم شيئاً يستحق أن يدفعوا المال من أجله.