حرب الميزانية تضع نتنياهو بين مطرقة الأسواق وسندان السياسة

سيارة مسلحة داخل إحدى قواعد المدفعية التابعة للجيش الإسرائيلي بالقرب من الحدود مع لبنان في شمال إسرائيل، بتاريخ 10 نوفمبر 2023
سيارة مسلحة داخل إحدى قواعد المدفعية التابعة للجيش الإسرائيلي بالقرب من الحدود مع لبنان في شمال إسرائيل، بتاريخ 10 نوفمبر 2023 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ألقت المبالغ المخصصة لمدارس اليهود المتدينين (الحريديم) ولغيرها من القضايا التي يدعمها اليمينيون في الائتلاف الحاكم، برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحت مقصلة المحاسبة، لاسيما في ظل التكلفة اليومية التي يتكبدها اقتصاد إسرائيل في حربها ضد "حماس"، والبالغة نحو 260 مليون دولار.

تتسبب الحرب في خسائر مروّعة في الأرواح. كما أنها أصبحت أكثر تكلفة بالنسبة لإسرائيل، بما يزيد عما كان متوقعاً في البداية، وتفرض ضغطاً على المالية العامة.

لكن دفعات الدعم المثيرة للجدل أشعلت المناقشات في إسرائيل، ودفعت بالأسواق إلى حافة الهاوية، فيما يستعد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في غضون أيام للكشف عن موازنة جديدة تغطي ما تبقى من عام 2023، ومن ثم تقديم خطط العام المقبل.

اقرأ أيضاً: التصعيد مع "حماس" يختبر مرونة اقتصاد إسرائيل لأقصى حد

 بتسلئيل سموتريتش وبنيامين نتنياهو
بتسلئيل سموتريتش وبنيامين نتنياهو المصدر: بلومبرغ

أموال الائتلاف

يتضمن برنامج الإنفاق الإسرائيلي ما يسمى بـ"أموال الائتلاف"، أو الإنفاق التقديري المخصص للأحزاب الخمسة التي تتألف منها حكومة نتنياهو، الأكثر اتساماً بالطابع الديني في تاريخ إسرائيل.

تم تخصيص رقم قياسي قدره 14 مليار شيكل (3.6 مليار دولار) من التحويلات التي تمت الموافقة عليها في مايو الماضي جزئياً، لصالح المدارس الدينية، والتي أعفي بعضها من تدريس مواد مثل اللغة الإنجليزية والرياضيات. تشمل المشاريع المفضلة الأخرى، تطوير المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة.

على الرغم من أن هذه المخصصات لا تشكّل سوى جزء محدود من الميزانية الإجمالية للفترة 2023-2024، إلا أنها أصبحت مؤشراً على الأولويات المتنافسة، في وقت تواجه فيه إسرائيل أسوأ صراع مسلح منذ نصف قرن.

بدأت الحرب في 7 أكتوبر عندما حشدت "حماس"، المصنّفة من قبل الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، قواها من غزة متجهة صوب المستوطنات الإسرائيلية الجنوبية، وقتلت حوالى 1200 شخص. شنت إسرائيل غارات جوية انتقامية وهجمات برية منذ ذلك الوقت، وقتلت أكثر من 11 ألف شخص في غزة، وفقاً لوزارة الصحة التابعة لـ"حماس".

ولكن ما يحدث لأموال الائتلاف قد يحدد نطاق تحمّل الأسواق لحكومة أقرت بالفعل أن الحرب تلحق خسائر اقتصادية بنحو 8 مليارات دولار، وفقاً لتقديرات وزارة المالية.

يقول رافي غوزلان، كبير الاقتصاديين في "آي بي آي إنفستمنت هاوس" (IBI Investment House): "طالما أن الحكومة تتمسك بأموال الائتلاف، فإنها ستدفع المزيد مقابل ديونها".

سيكون قرار المتداولين العالميين مهماً مع تحوّل الحكومة بشكل متزايد إلى السندات لدفع تكلفة الحرب. فقد تضخم عجز ميزانيتها بأكثر من سبعة أضعاف في أكتوبر مقارنة بالعام السابق. علاوة على ذلك، أعلنت وزارة المالية عن خطط لزيادة الاقتراض بـ75% في نوفمبر مقارنة بالشهر الماضي.

اقرأ أيضاً: توقعات بهبوط الشيكل الإسرائيلي تحت وطأة الحرب رغم تدخل البنك المركزي

مخاطر الديون الحكومية

عوّضت الأصول الإسرائيلية، من الشيكل إلى السندات، معظم خسائرها إن لم يكن كلها، مقارنة بالفترة التي تلت بداية الأحداث. لكن هالة من المخاطر لا تزال تخيم على ديون الحكومة.

ارتفعت تكلفة تأمين السندات السيادية الإسرائيلية ضد التخلف عن السداد بأكثر من ضعف ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب. كما أن علاوة المخاطرة، أو الفارق بين سعر الشراء والبيع، التي يطالب بها المستثمرون للاحتفاظ بالسندات الإسرائيلية المقومة بالدولار على سندات الخزانة الأميركية لا تزال أعلى بنحو 25 نقطة أساس.

التمويل غير المسبوق للبرامج الدينية وبناء المستوطنات في الضفة الغربية كان مثار شكوك قبل فترة طويلة من الحرب التي قلبت الاقتصاد البالغ حجمه 520 مليار دولار، وسط تحذيرات المنتقدين من أن ذلك سيعرقل النمو.

لكن من الواضح أكثر الآن، كما جاء على لسان نتنياهو أنه ملتزم بدفع "أي ثمن اقتصادي تفرضه علينا هذه الحرب".

وفق خطط ميزانية عام 2023 التي حددها سموتريتش، من المقرر أن يزيد الإنفاق بمقدار 35 مليار شيكل، يوجّه معظمها إلى الجيش، ويموّل الجزء الأكبر منها عبر الديون.

اقرأ أيضاً: الاحتياطيات الأجنبية في إسرائيل تتراجع 7 مليارات دولار في شهر

أموال غير مستغلة

تبلغ أموال الائتلاف التي لم يتم استخدامها بعد نحو 8 مليارات شيكل. ومع ذلك، عارضت الأحزاب في الائتلاف الحاكم حتى الآن تغيير مسار هذه الأموال بالكامل، أو وقف البرامج المخصصة لها، على رغم أنها تتجاوز إجمالي المبالغ المخصصة للمستشفيات العامة أو برامج التعليم العالي الممولة من قبل الدولة في ميزانية 2023.

اقترح سموتريتش، وهو مستوطن منذ نشأته، إلغاء مبالغ أقل مما اقترحته إدارة الميزانية بوزارة المالية، على الرغم من تعهده باستبعاد الإنفاق غير الضروري "لدعم الحرب".

أثار موقف الحكومة استياء مستثمرين وعدد من كبار المحللين. ففي رسالة بعثوا بها الأسبوع الماضي إلى نتنياهو وسموتريتش، دعا 300 خبير اقتصادي بارز من داخل إسرائيل وخارجها، المسؤولين إلى "العودة إلى رشدهما على الفور".

قالت مجموعة من المستثمرين والمحللين في الرسالة التي وقعها جوش أنغريست الحائز على جائزة "نوبل" في الاقتصاد، إن "الخطوة الأساسية والضرورية هي وقف تمويل أي شيء غير ضروري للحرب، أولاً وقبل كل شيء بالنسبة إلى أموال الائتلاف".

زيادة عجز الميزانية

تتفاقم التوقعات بعد تحول محدود في العام الماضي شهد تحقيق إسرائيل أول فائض في ميزانيتها منذ عام 2000 على الأقل، مع انخفاض الإنفاق العسكري للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.

قال سموتريتش إن عجز الميزانية قد يصل إلى 4% من الناتج المحلي هذا العام، و5% في 2024. تعد هذه النسبة أكثر من ضعف التوقعات السابقة للحكومة، ولكنها لا تزال أقل من نسبة 7.1% التي توقعتها "موديز إنفتسرز سيرفس" (Moody’s Investors Service).

اقرأ أيضاً: "موديز" تضع إسرائيل تحت المراجعة السلبية ترقباً لخفض تصنيفها

رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"

"من المرجح أن يزداد إنفاق إسرائيل على الدفاع في المستقبل، ولن ينخفض. وهذا من شأنه أن يخالف اتجاهاً تبنته لسنوات في رفع الإنفاق العسكري الإسرائيلي من نحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1990 إلى 4.5% في العام الماضي". - زياد داوود، كبير الاقتصاديين لشؤون الأسواق الناشئة، وجيرارد ديبيبو.

تمويل يضمن البقاء السياسي

بالنسبة إلى نتنياهو والحلفاء، قد يكون التمويل سبيلاً رئيسياً يضمن البقاء سياسياً. في مايو، هددت بعض الأحزاب بإسقاط الائتلاف ما لم يتم الاتفاق بشأن الإنفاق.

الخلاف حول هذه القضية واضح داخل وزارة المالية، من خلال الصدع بين سموتريتش وفصيل يديره تكنوقراط يُنظر إليهم على أنهم أقل تقديراً للمصالح السياسية.

دعت إدارة الميزانية إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لتغطية زيادة الإنفاق وانخفاض الإيرادات، بما في ذلك تحويل مسار أموال الائتلاف، وإغلاق بعض الوزارات الحكومية.

وفي رسالة إلى سموتريتش، حذر رئيس الإدارة، من أن القرارات المالية ستخضع للمراقبة المكثفة من قبل شركات التقييم الائتماني.

تقع مسؤولية وضع الميزانية الجديدة على عاتق سموتريتش. فقد صرح بأن الهدف هو "إصلاحات هيكلية تعزز النمو".

لكن المسؤول البالغ من العمر 43 عاماً، الذي يرأس حزباً قومياً متشدداً، يريد أيضاً الاحتفاظ بـ 1.2 مليار شيكل مخصصة لزيادة رواتب المعلمين في مدارس اليهود المتدينين مع مواصلة المزيد من الإنفاق على المستوطنات، وهو تمويل قال إنه "ضروري للحماية" في وقت تتزايد فيه التوترات في الضفة الغربية.

تواجه رمزية منح ميزات لفئة بعينها، وخصوصاً اليهود المتدينين الذين لا يمارس الكثير من منتسبيها الذكور العمل، ويُعفون من التجنيد في الجيش، موجة انتقادات.

كتب محافظان سابقان للبنك المركزي الإسرائيلي، وهما كارنيت فلوغ وجاكوب فرنكل، مقالة في عمود صحافي: "إذا لم يطرأ تغيير كبير على الميزانية، فإن إسرائيل تواجه خطر ضعف القدرة على الحوكمة"، في إشارة إلى أن النتيجة قد تكون تخفيض تصنيفها الائتماني.