التوتر يطال السوق الناشئة المفضلة عالمياً

الأجانب ضخوا مليارات الدولارات في الأسهم الهندية هذا العام، لكن أسهم الشركات الصغيرة تضاعفت مع اقتراب الانتخابات

أحد الباعة يتوسط معروضات المنتجات الهندية من النعال والأحذية الشعبية
أحد الباعة يتوسط معروضات المنتجات الهندية من النعال والأحذية الشعبية المصدر: بلومبرغ
Andy Mukherjee
Andy Mukherjee

Andy Mukherjee is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies and financial services. He previously was a columnist for Reuters Breakingviews. He has also worked for the Straits Times, ET NOW and Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كانت الهند أشد أسواق العالم الناشئة جاذبية هذا العام، فقد استمالت مليارات الدولارات من مستثمرين أجانب سحبوا استثماراتهم من معظم الاقتصادات النامية الأخرى التي تتابعها بيانات بلومبرغ. لكن هناك مخاوف تتوارى وراء هذه الحماسة الاستثمارية، إذ أن الوقت الذي يستغرقه اهتزاز حصن الاستقرار هذا قد يعتمد على مبيعات نعال لا يجاوز سعر زوج منها 4 دولارات.

تميزت الهند عن معظم ما سواها من الأسواق الناشئة بأنها سجلت نمواً اقتصادياً مرتفعاً يُتوقع أن يتجاوز 6% خلال 2023 و2024، وفقاً لصندوق النقد الدولي. حققت نيودلهي هذا النمو المرتفع وسط اضطرابات جرتها قوة الدولار وزيادة أسعار الفائدة الأميركية بمقدار 525 نقطة أساس. كما تجلت القوة الشرائية لأثرياء المناطق الحضرية عبر ما دفعوه لقاء غرف فندقية وقد بلغ 2400 دولار في الليلة خلال المباراة النهائية لكأس العالم للكريكيت التي أُقيمت في أحمد آباد بولاية غوجارات، مسقط رأس رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

رجحت شركة "مارسيلوس إنفستمنت مانجرز" (Marcellus Investment Managers) للاستشارات في مومباي أن مصدر غالبية هذا الإنفاق ربما يكون قرابة 200 ألف أسرة فقط تشكل نخبة "طبقة الأخطبوط"، التي تضاعفت ثرواتها 16 مرة على مدى العقدين الماضيين. وقد يتخطى إقبالهم على الشراء ببذخ السوق المحلية إلى الخارج، كما يتجلى في العجز التجاري الهندي القياسي الشهر الماضي، الذي بلغ 31 مليار دولار.

هبوط حاد في أسهم البنوك الهندية بفعل قوانين القروض الجديدة

لا تشكل فجوة الموارد هذه مخاوف جدية حتى الآن. أحد أسباب ذلك هو أن سيطرة البنك المركزي المحكمة على السيولة المحلية ساعدت في الحفاظ على استقرار الروبية. كما أن الهند ستُدرج في مؤشرات السندات العالمية لدى "جيه بي مورغان تشيس آند كو" اعتباراً من يونيو، وهي خطوة يُتوقع أن تجلب نحو 24 مليار دولار خلال فترة قصيرة.

مخاوف ائتمانية

لكن ما يثير القلق من منظور سوق الأسهم هو أن بنك الاحتياطي الهندي اتخذ أيضاً مزيداً من الخطوات المباشرة لكبح جماح الاستهلاك الذي تغذيه الديون. فطبقة "الأخطبوط" تملك أصولاً بيد أن من سواها تترتب عليه ديون. تمثل القروض الاستهلاكية خياراً جماهيرياً يمكن الأفراد من تلبية احتياجاتهم وسط ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة. لذا لعبت البنوك وشركات التمويل دوراً فاعلاً جداً في تسويق القروض للأفراد، واضطر البنك المركزي لأن يتدخل في نوفمبر لرفع متطلبات رأس المال مقابل القروض الشخصية غير المضمونة.

كان ذلك فعلاً حكيماً، فقد بات منح قروض الرهون العقارية عالية المخاطر للأفراد في الهند عالي الكفاءة على نحو مذهل بسبب التقنيات الرقمية الجديدة المستخدمة لجذب المقترضين وتحري أوضاعهم وتجميع قروضهم وإيجاد مؤسسات تقبل الودائع لتتحمل مخاطر الائتمان.

مع ذلك، قد تخرج قروض الأفراد، التي تنمو بمعدل ضعف إجمالي القروض الممنوحة، عن نطاق السيطرة. وربما يشكل ذلك أساساً لأزمات مستقبلية وسط ارتفاع معدلات البطالة وركود الأجور الحقيقية.

لكن الإجراء التحوطي، الذي اتخذه البنك المركزي لكبح القروض الشخصية، يمثل إشكالية لأسواق الأسهم. قد يشتري أبناء الطبقة التي تتمتع بقدرة شرائية حقيقية نعال "بيركنستوك" (Birkenstock) بقيمة 60 دولاراً، ولكن كيف ستستفيد السوق من ذلك النوع من الإنفاق؟ إن المخزون المتوفر محلياً تنتجه شركة "ريلاكسو فوتويرز" (Relaxo Footwears) التي تصنع نعالاً وأحذيةً قيمة كل زوج منها 4 دولارات لعموم الناس.

لذا، تدافع المستثمرون لشراء أسهمها، فارتفعت قيمة السهم إلى 145 ضعف ربحيته السنوية.

في الواقع، تُتداول معظم الأسهم الهندية التي تعتمد على إنفاق العامة، وليس النخبة فقط، عند مستويات مرتفعة جداً. قالت شركة "كوتاك سيكيوريتيز" للوساطة إن ذلك يأتي فيما "لا تشير البيانات وتعليقات الإدارات إلى انتعاش وشيك في الاستهلاك"، وأشارت إلى أن الربع الثالث "شهد طلباً ضعيفاً على السلع الاستهلاكية الأساسية والسلع المعمرة".

يتوقع المحللون زيادة الإنفاق على نطاق واسع خلال 2024، في ظل رهان يلقى إجماعاً على تعافي الطلب في المناطق الريفية بعد إحجام امتد عدة سنوات. كما أن حكومة مودي ستحاول توجيه أكبر قدر ممكن من الأموال عبر الدعم الحكومي قبل الانتخابات العامة المقررة بحلول مايو لتصرف الانتباه عن الانتقادات السياسية حول ارتفاع البطالة وتكاليف المعيشة. بينما قد تؤدي الزيادة التي يحدثها بنك الاحتياطي الهندي في تكاليف الاقتراض لسحب الزخم من أطروحة الاستهلاك والتعافي.

أثر السياسة

كانت الهند المستفيد الرئيسي من فتور نمو الاقتصاد الصيني بعد الوباء ومن تصدعات قطاع العقارات المثقل بالديون هناك. توقع كثير من المحللين أن يفقد بعض الاهتمام العالمي في سوق الأوراق المالية الهندي الذي اشتد إبان الوباء، لكنه بات يمثل أكثر من 15% من مؤشر "إم إس سي آي" للأسواق الناشئة، ارتفاعاً من 10% قبل عامين ونصف العام.

كما شهد الشهر الماضي سحب استثمارات بقيمة 700 مليون دولار من صناديق متداولة في البورصة تستثمر في الأسهم الصينية، فيما جمعت صناديق الاستثمار المتداولة التي تستهدف الأسهم الهندية 600 مليون دولار خلال نفس الفترة، ليصل إجمالي عائداتها هذا العام إلى 4.5 مليار دولار تقريباً.

مع ذلك، هناك علامات على وجود توتر حيال الشركات الصغيرة. على سبيل المثال، لم يشهد صندوق "آي شيرز" المتداول لأسهم الشركات الهندية الصغيرة المدرجة في مؤشر "إم إس سي آي"، والذي يضم أسهماً بقيمة سوقية أوسطها 2.4 مليار دولار، تدفقات داخلة منذ ما يقرب من شهرين، فيما يحظى صندوق "آي شيرز" المتداول لأسهم الشركات الهندية الكبيرة المدرجة في مؤشر "إم إس سي آي" بتدفقات ثابتة، ويبلغ متوسط رأسمال ما يضمه من شركات 30 مليار دولار. لا يصعب فهم سبب ذلك التباين، إذ أصبحت أسهم الشركات الهندية الصغيرة حالياً أغلى من أسهم الكبيرة.

الأسهم الهندية تتأهب لذروة قياسية بفضل الأموال الأجنبية

واقعياً، قد يكون تسعير أسهم الشركات الكبرى متعددة النشاطات، التي لم تحقق كثيراً من العوائد للمساهمين خلال العام أو العامين الماضيين، أكثر معقولية. ما تزال إمبراطورية البنية التحتية التي يسيطر عليها قطب الأعمال غوتام أداني تتعافى من وطأة انهيار تقييمها الذي أحاق بها بعدما دعا تقرير البيع على المكشوف الصادر عن شركة "هيندنبورغ ريسيرش" للأبحاث إلى تدقيق عالمي بشأن إدارة شركات المجموعة في يناير.

على الجانب الآخر، تعهدت شركة "ريلاينس إندستريز" التي يسيطر عليها منافسه موكيش أمباني بمرحلة جديدة من خلق القيمة في جميع القطاعات من تجارة التجزئة والاتصالات إلى التمويل والهيدروجين الأخضر بقيادة الجيل التالي من أبنائه الثلاثة. مع ذلك، يبدو أن هذا التعهد لم يلق استحسان المستثمرين حتى الآن، فيما تبدو البنوك الهندية الكبيرة مستهلكةً.

حتى لو لم يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مجدداً، فلن يسعى صناع السياسات في نيودلهي ومومباي إلى تحقيق النمو على حساب الاستقرار. لقد كان التحذير الذي أطلقه بنك الاحتياطي الهندي في 15 نوفمبر ضد "الوفرة" الائتمانية دليلاً على ذلك.

غير أن الغموض مايزال يكتنف مستقبل البلاد السياسي بعد انتخابات مايو، إذ قد يساعد حصول مودي على ولاية ثالثة مجموعات مثل أداني، التي تتفق بقوة مع سياساته. بينما قد يضر أي تغيير سياسي بأسهم الشركات الصغيرة مرتفعة السعر. إذا فقدت طبقة "الأخطبوط" ممن ينتعلون أحذية "بيركنستوك" قربها من السلطة، فقد يتخلى السوق عن إيمانه بالتقييم المفرط لنظيرتها الشعبية "ريلاكسو".