سام ألتمان انتصر في معركة "OpenAI" والآن عليه تحقيق السلام

الشركة تقول إن إقالة ألتمان جاءت بسبب انقطاع التواصل بينه وبين مجلس الإدارة

سام ألتمان
سام ألتمان المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أثبت سام ألتمان للعالم أن لا مجال للعبث معه. بعد أربعة أيام من خسارته منصبه كرئيس تنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" (OpenAI)، فيما مثّل انقلاباً مفاجئاً داخل مجلس الإدارة، عاد نجم الذكاء الاصطناعي، البالغ من العمر 38 عاماً، لمنصبه مجدداً بدعم من 730 موظفاً، من مجموع العاملين بالشركة الذين يبلغ عددهم 770 موظفاً، والذين هددوا بالاستقالة إذا لم يقرر مجلس الإدارة إعادة ألتمان إلى منصبه.

يعلم أي موظف أن مثل ذلك الدعم الهائل لمدير ما ليس أمراً معتاداً. قال ألفريد لين، المستثمر في "سيكويا كابيتال" (Sequoia Capital)، وهي شركة استثمرت في "أوبن إيه آي" وفي "لوبت" (Loopt)، أولى الشركات الناشئة التي أسسها ألتمان: "يبرهن ذلك بقوة على قدراته كرئيس تنفيذي. سيظل المنتقدون موجودين دوماً. لكن حقيقة أنه حصل على توقيع نحو 95% من الموظفين على البيان، أمر مذهل للغاية".

بطريقة ما، خرج ألتمان من هذه الواقعة أقوى من قبل، لكن الصراع حول "أوبن إيه آي" لم ينته بعد. لم يستعد ألتمان منصبه في مجلس إدارة الشركة، كما لم يستعده أحد أبرز حلفائه، وهو غريغ بروكمان، الرئيس السابق والمؤسس المشارك لـ"أوبن إيه آي"، الذي أُقيل من مجلس الإدارة، واستقال من منصبه في خطوة احتجاجية بعد فترة قصيرة من عزل ألتمان من منصبه. لكن آدم دانجيلو، الرئيس التنفيذي لشركة "كورا" (Quora) وأحد المشاركين في عزل ألتمان، لا يزال في منصبه.

غريغ بروكمان، المؤسس المشارك لـ"أوبن إيه آي"
غريغ بروكمان، المؤسس المشارك لـ"أوبن إيه آي" المصدر: بلومبرغ

تعديلات جديدة

قال بريت تايلور، رئيس مجلس الإدارة الجديد في "أوبن إيه آي"، في تدوينة نشرها في 29 نوفمبر، إن المجلس يعتزم إضافة مزيد من الأعضاء "المؤهلين والمتنوعين"، إلى جانب تحسين هيكل الحوكمة بالشركة. قد تحدد أي تغيرات كبيرة في الشركة أو في مجلس إدارتها على مدى الأشهر القليلة المقبلة قدراً كبيراً من نفوذ ألتمان في "أوبن إيه آي" على المدى الطويل.

اقرأ أيضاً: مجلس إدارة "OpenAI" يتفاوض مع ألتمان لعودته

قبل إقالة ألتمان من منصبه، كانت "أوبن إيه آي" تُعتبر شركة مستقرة تتفوق على أكبر عمالقة التقنية في السباق لتطوير الذكاء الاصطناعي. وكان ألتمان قائد الشركة الذكي صاحب الحضور الطاغي. لا يزال ألتمان شخصية تحظى باحترام على نطاق واسع، وقد خرج منتصراً في انقلاب طائش، لكن يُرجح أن يستمر في مواجهة تساؤلات حول خلافه مع مجلس الإدارة، وتعاملاته في مجال الأعمال، بشكل أوسع نطاقاً.

قالت مارغريت أومارا، المؤرخة لقطاع التقنية: "نحن الآن نرى سام ألتمان بكل تعقيداته. يمثل ذلك جانباً من مرحلة مواجهة الحقائق لأحد قادة وادي السيليكون".

توترات داخل الشركة

وافق ألتمان على إجراء تحقيق داخلي وشروط أخرى لكي يستعيد وظيفته. إن الطبيعة المفاجئة لإقالته، إلى جانب بيان من مجلس الإدارة مفاده أن ألتمان لم يكن "صريحاً باستمرار" في التواصل، ساهمت في بروز توقعات بظهور دليل إدانة.

لم يظهر شيء من هذا القبيل، لكن انكشفت مظاهر توتر داخل "أوبن إيه آي" حول جمع ألتمان تمويل مشروع خارجي للرقائق، بما في ذلك السعي للحصول على تمويل في الشرق الأوسط، وخلاف مع هيلين تونر، العضو السابق في مجلس الإدارة، حول ورقة بحثية توجه انتقادات للشركة كانت قد شاركت في كتابتها.

كان نمط ألتمان السلوكي هو السبب في فقدان مجلس الإدارة الثقة فيه، ولم يكن السبب تصرف واحد شائن، وفقاً لشخص مطّلع مباشرة على ما يدور في ذهن أعضاء مجلس الإدارة وطلب عدم ذكر اسمه في سياق الحديث عن قضايا سرية تتعلق بالشركة.

اقرأ أيضاً: "مايكروسوفت" تقود ضغوطاً لإعادة ألتمان إلى منصبه رئيساً لـ"أوبن إيه آي"

في أعقاب إقالة ألتمان، اتهم جيفري إرفينغ، الموظف السابق في "أوبن إيه آي"، ألتمان علانية بالكذب عليه في عدة مناسبات أثناء فترة عمله بالشركة، لكنه لم يضف أي تفاصيل. لم يرد إرفينغ على طلب بالتعليق. بات ماضي ألتمان موضع تدقيق جديد أيضاً.

اتخذ بول غراهام، مرشد ألتمان منذ فترة طويلة، خطوة إقالة ألتمان من منصبه كرئيس "واي كومبينيتور" (Y Combinator)، مسرّعة الشركات الناشئة، قبل أربعة أعوام، وذلك لأنه وضع مصالحه الشخصية فوق مصلحة الشركة، وفقاً لشخص مطلع على الأمر طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من اتخاذ رد فعل انتقامي ضده في مجاله المهني، مما يؤكد تقريراً نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في وقت سابق.

انقطاع التواصل

في مذكرة أُرسلت للموظفين في اليوم التالي لإقالة ألتمان، قال براد لايتكاب، مدير العمليات في "أوبن إيه آي" إن قرار مجلس الإدارة "لم يُتخذ رداً على مخالفات"، وإنما كان بسبب "انقطاع التواصل بين سام (ألتمان) ومجلس الإدارة". رفضت الشركة أن تدلي بمزيد من التعليقات.

قال أشخاص يعرفون ألتمان ويدعمونه إنه عادةً يجادل في وجهتي النظر في أي نقاش، فيما يرون أنه وسيلة مفيدة لاستكشاف الأفكار، لكنهم يقرّون أن ذلك قد يُساء تفسيره على أنه إطلاق وعود كاذبة أو يمكن أن يتسبب في إرباك الناس.

كتب جوشوا أتشيام، الباحث في "أوبن إيه آي"، على منصة "إكس": "يستخدم سام (ألتمان) الكلمات بدقة بشكل معقول في تجربتي. إذا أخبرك بما يعتزم أن يفعله، فهذا هو ما يعتزم أن يفعله. إذا أخبرك أنه يتفق معك من حيث المبدأ، فهو يتفق معك. هذه أمور مختلفة عن بعضها بعضاً. لا يستوعب الجميع ذلك".

اقرأ أيضاً: ألتمان يعود إلى "OpenAI" بعد أيام من عزله

فور إقالته من منصبه، أذعن ألتمان لفكرة أن يواصل مسيرته، واحتمال أن يؤسس شركة جديدة، وفقاً لشخص مطلع على الأمر طلب عدم ذكر اسمه في سياق الحديث عن أمور سرية. سرعان ما تلا ذلك استقالة بروكمان وموظفين رئيسيين آخرين، ودعمهم لألتمان. بحلول صبيحة يوم السبت، قال المصدر إن ألتمان أعاد التفكير في الأمر بعد أن هاتفه أعضاء مجلس الإدارة وسألوه ما إذا كان ممكناً أن يفكر في العودة للشركة. منحت "مايكروسوفت"، وهي الداعم المالي الأساسي لـ"أوبن إيه آي"، الموظفين وسيلة ضغط، إذ عرضت أن توظفهم إذا نفذوا تهديداتهم بالاستقالة.

رد فعل الموظفين

يعتبر رد فعل الموظفين منطقياً جزئياً بالمعايير المالية البسيطة. يملك عديد من موظفي "أوبن إيه آي" أسهماً في الشركة الناشئة، التي حصلت على تقييم بلغ 86 مليار دولار حديثاً في عطاء مخطط له، يتيح للموظفين فرصة لتسييل الأسهم التي يملكونها. بعد إقالة ألتمان من منصب الرئيس التنفيذي، فكر بعض المستثمرين في أن يتراجعوا عن إتمام الصفقة، مما مثّل حافزاً مالياً مباشراً للموظفين ليحثوا على عودة ألتمان.

لكن داعمي ألتمان يقولون إن سمعته داخل الشركة هي نتيجة للمصداقية التي كوّنها بين الموظفين عبر الاستماع لوجهات نظرهم، خصوصاً في المسائل التي ترتبط بقيم الشركة المعلنة. إن رسالة "أوبن إيه آي" هي توليد الذكاء العام الاصطناعي، وهي أنظمة ذكاء اصطناعي أذكى من الإنسان بشكل عام، بطريقة تفيد البشرية. أثنى أتشيام على نهج ألتمان في التعامل مع التمرد الداخلي حول مسائل الأمان في الذكاء الاصطناعي.

كتب أتشيام على "إكس": "أذكر أنني قلت لسام في 2020، أمام آخرين خلال ساعات العمل الرسمية للشركة، إنني أرى أن إصدار منتج فكرة سيئة. أي رئيس تنفيذي عادي كان يُفترض أن يطردني، لكن سام أخذ ما أقوله على محمل الجد وطلب نصيحتي".

قائد متفانٍ

يأخذ عديد من الموظفين هذا التكليف على محمل الجد. قال موظف في "أوبن إيه آي" طلب عدم الإفصاح عن هويته للحفاظ على العلاقات المهنية: "لدينا مهمة مشتركة تنطوي على بناء أداة خارقة بشكل آمن ولمنفعة البشرية جمعاء، ولدينا قائد يحظى بحضور قوي يسير بنا نحو ذلك الهدف. صعب للغاية ألا ننشغل تماماً بهذا الأمر".

قال ألتمان إنه لا يملك أسهماً في "أوبن إيه آي"، مما يؤكد التصور بأن اهتمامه بتطوير الذكاء الاصطناعي هو القضية الرئيسية في حياته. قال فينود خوسلا، أحد أوائل المستثمرين في "أوبن إيه آي": "كم عدد من تعرفهم ممن على استعداد لأن يفعلوا ذلك؟ إنه يركز على الرسالة بقوة، وقد أثبت ذلك بما لا يدع مجالاً للشك".

هذا الأمر ملحوظ على نحو خاص نظراً للسمعة التي كوّنها ألتمان خلال السنوات التي قضاها في "واي كومبينيتور" باعتباره شخصاً يتمتع بالذكاء، وصاحب باع طويل في إبرام الصفقات، وله قدرة فائقة على التواصل. في أثناء موجة الهوس بالذكاء الاصطناعي التي تلت طرح "تشات جي بي تي" في نوفمبر 2022، شحذ ألتمان قدراته على إثارة إعجاب قادة العالم والجهات التنظيمية والصحافة.

عادةً ما يروج رجال الأعمال لصناعاتهم على الساحة العامة، لكن ألتمان أبرز نفسه كشخص لا يتحدث عن منافع تطوير الذكاء الاصطناعي فحسب، ولكنه يرى أيضاً مخاطره الممكنة بوضوح. إن ما حدث في "أوبن إيه آي" قد عكر صفو تلك الصورة، لكن ألتمان لا تزال لديه قاعدة كبيرة من المؤيدين في وادي السيليكون. قالت أومارا: "يجسد ألتمان نوعاً من المثالية للعديدين، رغم أنه كان رأسمالياً دوماً".

مجلس الإدارة قبل الانقلاب

تجري "أوبن إيه آي" تغييرات شاملة في مجلس إدارة الشركة، إذ لم يتبق سوى عضو واحد من الأعضاء الستة في مجلس الإدارة فيما تمضي الشركة قدماً.

سام ألتمان

أُقيل ألتمان من منصب الرئيس التنفيذي وجرى إقصاؤه عن مجلس إدارة "أوبن إيه آي" في 17 نوفمبر، بعد أن زعم أعضاء المجلس أنه لم يكن "صريحاً باستمرار في التواصل". رغم أنه سرعان ما عاد لمنصب الرئيس التنفيذي بعد موجة احتجاجات من جانب موظفي الشركة، فهو لن يعود لمجلس الإدارة في الوقت الحالي.

غريغ بروكمان

بروكمان هو الرئيس السابق والمؤسس المشارك لـ"أوبن إيه آي". عُزل بروكمان من منصبه رئيساً لمجلس إدارة "أوبن إيه آي" حين أُقيل ألتمان من منصبه. استقال بروكمان من وظيفته، وكتب مذكرة نشرها على الإنترنت قال فيها: "بناءً على أخبار اليوم، أنا أستقيل". ضغط الموظفون على مجلس الإدارة من أجل عودة بروكمان مع ألتمان. عاد بروكمان لينضم للشركة من جديد، ويواصل منذ ذلك الحين نشر صور مبهجة تجمعه بالموظفين.

آدم دانجيلو

دانجيلو هو المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لـ"كورا" (Quora)، وهي خدمة للأسئلة والأجوبة عبر الإنترنت. كان دانجيلو أحد أوائل المسؤولين التنفيذيين في "فيسبوك"، كما أنه مؤسس "بو" (Poe)، وهي منصة تتيح للناس أن يسألوا أسئلة لعدد من روبوتات الدردشة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي. دانجيلو، الذي وافق على الإطاحة بألتمان، هو العضو الوحيد الباقي في مجلس الإدارة.

تاشا ماكولي

ماكولي رائدة أعمال ومهندسة الروبوتات، وهي خبيرة علمية في الإدارة العليا في "راند كورب" (Rand Corp.)، وفقاً لملفها الشخصي على منصة "لينكد إن". كما أنها عضو في مجلسي إدارة "إفكتيف فينتشرز" (Effective Ventures) و"80000 أورز" (80,000 Hours) وهما منظمتان قائمتان على الإيثار الفعال. وافقت ماكولي على عزل ألتمان من منصبه.

إيليا سوتسكيفر

يُعد سوتسكيفر، الباحث المرموق الذي يركز عمله على الشبكات العصبية، أحد المؤسسين المشاركين في "أوبن إيه آي" والعالِم الرئيسي بالشركة، ولاعباً أساسياً في الانقلاب الذي أطاح بألتمان. كتب سوتسكيفر، الذي اختلف مع ألتمان بشأن وتيرة تطوير الذكاء الاصطناعي، لاحقاً للتعبير عن أسفه "العميق" للدور الذي لعبه في عزل ألتمان، قائلاً إنه سيبذل "قصارى جهده لإعادة توحيد الشركة".

هيلين تونر

تعمل تونر في المجال الأكاديمي وترأس وحدة المنح البحثية للاستراتيجية والأبحاث المؤسِسة في مركز الأمن والتقنية الناشئة بجامعة جورج تاون. قبل انضمامها للمركز، عاشت تونر في بكين ودرست النظام الصيني المتكامل للذكاء الاصطناعي. اختلف ألتمان مع تونر حول ورقة بحثية نشرتها الأخيرة حديثاً انتقدت فيها "أوبن إيه آي". كانت تونر من الموافقين على عزل ألتمان.

الأعضاء الجدد في مجلس الإدارة

لاري سامرز

يعمل سامرز، وهو وزير الخزانة السابق في الولايات المتحدة وكبير الاقتصاديين سابقاً في البنك الدولي، أستاذاً ورئيساً فخرياً بجامعة هارفارد. قال سامرز إن الذكاء الاصطناعي ستكون له تداعيات سلبية وخيمة على العمل، كما حذر من كارثة اقتصادية إذا خسرت الولايات المتحدة ريادتها في قطاعي التقنية الحيوية والذكاء الاصطناعي لصالح الصين. سامرز مساهم مدفوع الأجر في "تلفزيون بلومبرغ".

بريت تايلور

تايلور، وهو رئيس مجلس الإدارة الجديد، قائد بارز في وادي السيليكون، تنحى عن منصبه كرئيس تنفيذي مشارك في "سيلز فورس" حديثاً. ساهم تايلور سابقاً في ابتكار "غوغل مابس" (Google Maps)، وتولى منصب رئيس التقنية في "فيسبوك"، وأسس تطبيق الإنتاجية "كويب" (Quip). يملك تايلور خبرة في رئاسة مجالس الإدارة خلال الفترات الانتقالية، مثلما فعل في "تويتر" قبل أن يستحوذ إيلون ماسك عليها.