هل يختفي الموز الذي اعتدناه من الأسواق؟

فطر مدمر يهدد بالقضاء على موز كافنديش وقد يكون تعديله وراثياً الأمل الوحيد لإنقاذه إن نجح

أقراط موز الكافانديش في مزارع  كولومبيا
أقراط موز الكافانديش في مزارع كولومبيا المصدر: شركة "دول" (Dole)
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كان شغف فرناندو غارسيا-باستيداس الأول هو القهوة، فقد عكف على زراعة البن في موطنه كولومبيا لثماني سنوات، سعياً لقهوة أقوى غنية النكهة. لكن شغفه ببنان الموز تزايد تدريجياً لأنه الفاكهة التي اعتاد رؤيتها يومياً فيما كان يترعرع في نارينيو، الإقليم المتاخم للإكوادور جنوباً والمطل على المحيط الهادئ غرباً.

بدأ غارسيا-باستيداس أبحاث الدكتوراه في جامعة فاخنينغن، التي تُعد مركزاً مهماً لعلوم الحياة والبحوث الزراعية في هولندا، حيث درس نبتات الموز البرية والرائجة استهلاكياً والمستنبتات النادرة والهجينة، وكذلك كيف تبدو الطبيعة أحياناً وكأنما تتآمر لتقضي عليها. جذب حسابه على منصة "إنستغرام" تحت اسم (drbananagarcia@) كثيراً من المتابعين على مر السنين.

في يوليو 2019، تلقى غارسيا-باستيداس استغاثة عبر "واتساب" من عامل مزرعة في لاغواخيرا بشمال شرق كولومبيا، وهي إحدى مناطق زراعة الموز الرئيسية في البلاد. عادة ما تكون أوراق الموز السليمة شديدة الخضرة، لكن الأوراق التي ظهرت في الصور التي أرسلها كانت أميل للصفرة وبدت حوافها كحواف الورق المحروق. يستذكر غارسيا-باستيداس ذلك قائلاً: "كل ما كان يدور في بالي هو: آمل ألا يكون الأمر كذلك، آمل ألا يكون الأمر كذلك، آمل ألا يكون الأمر كذلك".

انطلق بعد أسبوع من هولندا إلى كولومبيا متجهاً إلى المزرعة، حيث تجول فيها مرتدياً بدلة واقية وحذاء يليق بجراح. وترددت في ذهنه فيما كان يسمع صوت احتكاك قماش بنطاله ببعضه وهو يمشي تلك العبارة: "آمل ألا يكون الأمر كذلك، آمل ألا يكون الأمر كذلك، آمل ألا يكون الأمر كذلك".

سرعان ما رأى غارسيا-باستيداس نباتات متدلية ومتليفة. فقشر بحذر طبقات من ساق كاذبة لإحدى النبتات، التي قد يظنها الناس العاديون جذع النبات الفعلي، فرأى خطوطاً سوداء تسري عمودياً عبر الأوعية التي تنقل النسغ إلى الثمار. استذكر قائلاً: "حين رأيت ذلك، قلت: تباً، إنه فيوزاريوم (Fusarium)".

كان الاحتمال مقلقاً جداً لدرجة أنه قضى أسبوعين في حجر داخل غرفة فندقية في كولومبيا وخُصص له معاون. قال غارسيا-باستيداس: "لم أتمكن من التحدث مع أي شخص، ولا حتى مع عائلتي". آنذاك، بدا أن الاختبار الذي أجراه في أحد معامل بوغوتا قد أكد ما خلص إليه. ثم بعد شهر، ولدى إعادة فحص العينات التي أرسلتها الحكومة الكولومبية معه إلى هولندا، تأكد غارسيا-باستيداس من أن مبيد الموز قد حلّ بأرض كولومبيا.

صورة مجهرية إلكترونية لفطر المغزلاوية حادة الأبواغ (Fusarium Odoratissimum)
صورة مجهرية إلكترونية لفطر المغزلاوية حادة الأبواغ (Fusarium Odoratissimum) المصدر: مجموعة "آي أوف ساينس" (Eye of Science) من مكتبة "ساينس فوتو"

ما هو "فيوزاريوم"؟

على مدى 40 عاماً، كان المزارعون والعلماء والمنتجون الرئيسيون في الصناعة يراقبون بقلق متزايد كيف كان ما شاهده غارسيا-باستيداس وهو فطر المغزلاوية حادة الأبواغ (Fusarium odoratissimum) أو "السلالة المدارية الرابعة" (Tropical Race 4)، يغزو مزارع الموز في جنوب شرق آسيا. أبلغ غارسيا-باستيداس عن العثور عليه لأول مرة في 2013 في الأردن، بعيداً عن تلك المنطقة. لكنه سرعان ما امتد إلى حقول الموز في أفريقيا.

ينمو فطر المغزلاوية (الفيوزاريوم) بشكل طبيعي، وعادة ما ينتقل حين يلتصق التراب الملوث بالملابس أو الأحذية أو السيارات. ثم يتوغل في تربة حقول الموز فيهاجم الجذور ويغزو أوعية النبات معيقاً تدفق النسغ إليها، ما يؤدي إلى تعفنها من الداخل قبل ظهور ثمار الموز بوقت طويل.

إذا شققت قلب البصيلة التي تنمو تحت التربة وينبت منها الجذع الكاذب، ستجد المادة النباتية المصابة على شاكلة جمر هش كالذي تُخلفه النار المستعرة حين تخمد. لسوء الحظ، ما من علاج لهذا الفطر، ولا سبيل للوقاية منه. يظل الفطر القاتل كامناً في التربة حتى بعد أن يقضي على جميع النبتات، فيدمر الحقول ويجعلها غير صالحة لزراعة الموز في المستقبل.

كان الخوف دائماً هو أن يتسلل الفطر المدمر إلى أميركا اللاتينية، حيث يوفر الطقس الخالي من الصقيع والتربة الرسوبية الغنية الموقع الأول عالمياً لزراعة موز كافنديش الأكثر استهلاكاً في العالم. برغم وجود نحو ألف نوع من الموز، وبينها أنواع كثيرة تنمو بانسجام مع فطر الفيوزاريوم، إلا أن معظمها غير صالح للتجارة الدولية. تتسم ثمار تلك الأنواع بأنها بالغة الصغر أو ممتلئة بالبذور، ومنها ما هو هش جداً أو حامض، أو ما هو قاسٍ تغلب نكهته اللاذعة حلاوته.

على النقيض من ذلك، تنتج شتلات الكافنديش ثماراً رائعة تمتاز بطراوتها وحلاوتها. تبدأ رحلة نمو النباتات بعد عام على زراعتها، حيث تنبثق ساق ثانوية من الجذع الكاذب. ثم تبدأ مرحلة الإزهار، فيظهر الجزء الذي يتحول لاحقاً إلى ثمار الموز. تنبثق الثمار من الساق الثانوية حزمة يمكن أن يزيد وزنها على 35 كيلوغراماً. تحتوي كل حزمة على "أقراط"، كالتي تشتريها من متجر البقالة وبها بنان الموز.

تمتاز الثمار بصلابة كافية لتتحمل النقل لمسافات طويلة دون أن تنسحق، كما أنها لا تنضج سريعاً. أخيراً، لا تحتوي ثمار موز كافنديش على بذور بحكم بنيتها الجينية ثلاثية الصبغيات (11 كروموسوماً مختلفاً بثلاث نسخ لكل منها)، فضلاً عن تزايد غزارة محاصيلها باطراد.

لذلك، يمثل موز كافنديش 99% من صادرات الموز العالمية. فقد تجاوزت صادرات دول أميركا الوسطى والجنوبية، التي تتركز فيها السوق، 16 مليون طن. كما تأتي جميع الثمار المبيعة في متاجر البقالة، بغض النظر عن ملصق علامتها التجارية، من موز كافنديش المزروع في دول أميركا اللاتينية. كما تفوق مشتريات الأميركيين من الموز أي فاكهة أخرى، ومن دون كافنديش ستنهار تجارة الموز العالمية البالغة قيمتها 25 مليار دولار.

عملياً، يشوب موز كافنديش عيب واحد، ألا وهو قابليته الكبيرة للإصابة بفطر "السلالة المدارية الرابعة". الأمر الذي يجعل اكتشاف المرض في أكبر ممر لهذا الموز في العالم كارثة محققة. حالياً، وضع قرابة 32 كيلومتراً مربعاً تضم 17 مزرعة موز تحت الحجر الصحي في كولومبيا، وهي رسمياً رابع أكبر مصدر للموز في العالم.

تُمثل تلك المساحة فقط نحو 6% من المنطقة الإجمالية المخصصة لزراعة الموز للتصدير في البلاد. إلى ذلك، يُرجح استمرار انتشار الفطر المتواجد بالفعل في دول أخرى في أميركا الجنوبية، حيث اكتُشف في بيرو في 2021، وفي فنزويلا في مايو. من جانبها، تتأهب الإكوادور وكوستاريكا وغواتيمالا، التي تتصدر على التوالي صدارة التصنيف العالمي للدول المصدرة للموز، تحسباً لإصابة محاصيلها بالمرض الفتاك.

تقصي الحلول

بعد اكتشافه في كولومبيا، كثف المسؤولون الحكوميون ورابطة مزارعي الموز في البلاد جهود "الصحة النباتية" أملاً في منع تفشي الفطر خارج المزارع المصابة. كما انضمت "دول" (Dole) و"تشيكيتا براندز إنترناشيونال "(Chiquita Brands International)، أكبر شركتين لتجارة الموز، إلى شراكة "التحالف العالمي لمكافحة السلالة المدارية الرابعة" (Global Alliance Against TR4) التي تأسست في 2021 لمراقبة ومكافحة انتشار الفطر في أميركا اللاتينية.

إحدى الطرق التي تستكشفها الشركتان هي كيفية تعزيز مقاومة موز كافنديش. غير أن نجاعة هذه المقاربة موضع شك، إذ يفتقر كافنديش للقدرة على التكاثر كونه بلا بذور ويتكاثر فقط عبر "فسيلة" أو سويقة تنبثق من بصيلة لتحل محل النباتات مكتملة النمو. على الجانب الآخر، يُعد القضاء على الفطر شبه مستحيل أيضاً. فقد كان تبخير التربة من بين طرق جربتها دول أخرى، لكن السلالة الجديدة تعود فتستوطن المناطق كان يُعتقد خلوها من العدوى. ساعدت هذه التحديات على دفع جهود البحث في اتجاه التحصين الوراثي.

في أبريل، زرعت "دول" كثيراً من نباتات كافنديش المعدلة وراثياً في حقل ملوث بالفطر في كولومبيا. وقد جلبت الشركة تلك النباتات من "إيلو لايف سيستمز"، وهي شركة ناشئة في دورهام بولاية كارولينا الشمالية، حيث خضع بعضها لتعديل وراثي بغية تنشيط المورثات اللازمة لإنتاج بروتينات مقاومة للفطريات، ومن ثم تشكيل دفاعات لمكافحة الفطر المدمر. فيما أدخلت بروتينات من أنواع الموز المقاومة للفطر في الخارطة الوراثية للنبتات بغرض إنتاج فاكهة معدلة وراثياً.

قال تود راندز، الرئيس التنفيذي لشركة "إيلو": "تعتبر شركات الموز أن هذا الفطر يشكل تهديداً وجودياً... إننا لا نملك ترف الفشل".

تود راندز، الرئيس التنفيذي لشركة "إيلو لايف سيستمز" في دورهام بولاية نورث كارولينا
تود راندز، الرئيس التنفيذي لشركة "إيلو لايف سيستمز" في دورهام بولاية نورث كارولينا المصدر: بلومبرغ

تجارة الموز العالمية

يُعد موز كافنديش في حد ذاته وليد الفيوزاريوم نوعاً ما. فقد لفتت السلالة سالفة الذكر انتباه العالم الغربي للمرة الأولى في 1826 تقريباً، عندما جلب عالم الطبيعة البريطاني تشارلز تلفير هذا النوع من الموز من الصين. لكنه لم يتمتع بمكانته المهيمنة إلا بعد فترة طويلة من تأسيس تجارة الموز الحديثة.

بدأت تجارة الموز في 1870، بعد عودة قبطان بحري أميركي من جامايكا ومعه 160 حزمة من صنف عُرف باسم "غروس ميشيل"، حسبما ذكر دان كويبل في كتابه الصادر في 2007 بعنوان "الموز: مصير الفاكهة التي غيرت العالم". كان الأمر غريباً لدرجة أنه في معرض فيلادلفيا المئوي الذي أُقيم بعد ست سنوات، كانت السلعتان الجذابتان اللتان حظيتا بأكبر قدر من الاهتمام هما موز "غروس ميشيل"، الذي يُشار إليه أحياناً باسم "بيغ مايك"، وهاتف ألكسندر غراهام بيل.

بحلول القرن العشرين، كان الأميركيون يتناولون 15 مليون حزمة من موز "غروس ميشيل" سنوياً. ثم اكتشف فطر المغزلاوية حادة الأبواغ بعد ثلاث سنوات، تحديداً "السلالة المدارية الأولى"، في أحد حقول موز "غروس ميشيل" في بنما. فتك الفطر الشرس بملايين أفدنة الموز شيئاً فشيئاً بمعدلات ثابتة، ومعها أتى على ملايين الدولارات.

أحد مستودعات تعبئة الموز في بنما في 1948
أحد مستودعات تعبئة الموز في بنما في 1948 المصدر: مكتبة الكونغرس

حولت شركتا "يونايتد فروت" وهي تُعرف الآن باسم "تشيكيتا"و"ستاندرد فروت" التي أصبحت "دول"، اللتان انتزعتا مراكز مهيمنةً عبر تجارة الموز في أميركا اللاتينية على مر العقود وعمدتا إلى ممارسات وحشية في بعض الأحيان تجاه العمال والحكومات على حد سواء؛ تجارتهما من موز "غروس ميشيل" إلى كافنديش المقاوم لمرض "السلالة المدارية الأولى" بحلول منتصف الستينيات. فشهد عام 1965 آخر مبيعات موز "غروس ميشيل" في الولايات المتحدة. لم يكن موز الكافنديش يتمتع بتماسك "غروس ميشيل" أو مذاقه الحلو، لكنه كان الخيار الأفضل المتاح للتصدير على نطاق واسع.

قد يبدو اعتماد العالم على نوع واحد من الموز من قبيل قصر النظر، لكن الإنتاج الضخم أحادي الثقافة يضمن توليد عوائد مرتفعة وتكاليف يمكن السيطرة عليها من خلال توحيد أساليب الزراعة والحصاد. وهكذا بات الموز، الذي يُصدر إلى أماكن بعيدة، قلب تجارة عالمية قيمتها 25 مليار دولار.

قال غارسيا-باستيداس: "نسميه العملاق ذا الأقدام الطينية. إنها تجارة ضخمة قائمة على نوع واحد بسيط". لم تكتشف قابلية موز كافنديش للتأثر بمرض " السلالة المدارية الرابعة"حتى الثمانينيات، عندما بدأت زراعته في جنوب شرق آسيا.

شحنة موز بانتظار تحميلها في عربة مبردة تابعة لسكة حديد إلينوي المركزية
شحنة موز بانتظار تحميلها في عربة مبردة تابعة لسكة حديد إلينوي المركزية المصدر: مجموعة فرانك بي مور في لويزيانا والمجموعات الخاصة بمكتبة إيرل ك. لونغ وجامعة نيو أورليانز

هل يعيد التاريخ نفسه؟

كانت مزارع الموز الشاسعة في ماليزيا وإندونيسيا عرضة للخطر بشكل خاص. مع ذلك، اتسم رد فعل الحكومات هناك بالضعف أو حتى العجرفة. يروي كويبل أن إحدى المقالات في صحيفة "نيو ستريتس تايمز" الماليزية "صورت القضية على أنها تحدٍّ أكثر منها كارثة، وهو ما يمكن للمجتمع العلمي الذي يحظى بالاحترام في البلاد تفنيده بسهولة".

في غضون ذلك، كانت نباتات الموز تموت، فتضررت مزرعة "فريش ديل مونتي" (Fresh Del Monte) المقامة على مساحة خمسة آلاف فدان في سومطرة بشدة. كتب كويبل عن تفشي فطر "السلالة المدارية الرابعة" في جنوب شرق آسيا: "كان دماراً شاملاً وعارماً".

يحذو الفطر المدمر حذو سلفه من "السلالة الأولى"، حيث قفز عبر المحيط الهادئ ليصيب حقول الموز في أميركا اللاتينية. مع ذلك، يؤكد الباحثون أن الفطر كان كامناً في تربة مزارع الموز في آسيا طوال الوقت، وما كان الأمر إلا أنه برز فيها في نهاية المطاف. اعتبر غارسيا-باستيداس أن هذا هو المخيف في الأمر فعلاً.

عادة ما تكون أنواع فطر الفيوزاريوم أصنافاً متباينةً، وليست إلى سلالات تنشأ عبر التطور، ويُرجح وجودها منذ آلاف السنين. حتى أن إحدى أنواعه، ويُعرف باسم "السلالة الرابعة" (Race 4)، تصيب نباتات كافنديش المجهدة أو الضعيفة التي تنمو في البيئات شبه الاستوائية الباردة. كل ما تطلّبه انطلاق عنان فطر "السلالة المدارية الرابعة"، والذي يُعد مدمراً بشكل خاص كونه يصيب موز كافنديش في جميع الظروف المناخية، هو أن يُزرع نفس النوع من الموز المعرض للإصابة في مزيد من الحقول.

بدأت "دول" تعمل مع المؤسسة الهندوراسية للبحوث الزراعية بحلول 2016، في محاولة لتحديد أصناف الموز المقاومة للفطر. بعد خمس سنوات من هذا التعاون، أشارت الشركة الأميركية في تقرير رفعته إلى حكومة الولايات المتحدة إلى فطر "السلالة المدارية الرابعة" باعتباره تهديداً خطيراً، وتضمن التقرير فصلاً بعنوان "قد يفرض فطر (السلالة المدارية الرابعة) تكاليف باهظة وخسائر فادحة على شركاتنا".

في العام التالي، كتبت "دول": "قد لا نتمكن من منع انتشار فطر (السلالة المدارية الرابعة) أو تطوير نوع من الموز مقاوم تماماً للمرض". رفضت الشركة التعليق بشكل جوهري لهذا التقرير، لكنها قالت على لسان متحدث باسمها إنه "على الرغم من أن مخاطر تفشي الفطر محط اهتمام كبير، إلا أن (دول) منخرطة بقوة في مكافحته". لقد أنفقت الشركة حتى الآن قرابة 20 مليون دولار على جهود الحجر الصحي والوقاية من المرض. كما أنها تبحث عن طريقة أخرى لدرء مخاطر تفشي الفطر المدمر، ما دفعها لتتعاون مع شركة "إيلو لايف سيستمز".

آمال التعديل الوراثي

سافرت في يوليو إلى مدينة دورهام بولاية كارولينا الشمالية، حيث تعمل "إيلو" على مشروع تعديل الخارطة الوراثية لموز كافنديش. يقع المقر الرئيسي للشركة في مجمع شركات بضواحي المدينة، وهو موقع غير بارز لكن له تاريخ ميمون. تقع مختبرات "إيلو" في نفس المبنى الذي أمضت فيه ماري-ديل شيلتون، التي طورت أول محصول معدل وراثياً عن طريق إدخال مورث الخميرة في نبات التبغ في أوائل الثمانينيات، عقوداً في رئاسة أبحاث التقنية الحيوية لشركة "سينجنتا" (Syngenta).

كانت شركة العلوم والتقنية الزراعية، تحت قيادة شيلتون، هي أول شركة تسوق الذرة المعززة بالتقنية الحيوية لمكافحة الآفات الحشرية بعد تعديلها وراثياً لإنتاج البروتين المسؤول عن القضاء على يرقات حفار الذرة في أوروبا وجنوب غرب البلاد. بالنسبة للمزارعين، كان ذلك يعني عدم الاضطرار لرش الحقول بمبيدات حشرية.

مع ذلك، لم يخل الأمر من التعرض للانتقادات أو إثارة جدل شأنه شأن جميع حالات تعديل الأغذية وراثياً. على سبيل المثال، وجد علماء جامعة كورنيل في 1998 أن الذرة المعززة بالتقنية الحيوية لمكافحة الآفات الحشرية تنتج حبوب لقاح يمكن أن تقتل اليرقات التي تتحول إلى الفراشات الملكية، التي تعتبرها منظمة "الاتحاد الدولي لصون الطبيعة" من الأنواع المهددة بالانقراض.

يشير راندز، الرئيس التنفيذي لشركة "إيلو لايف سيستمز" منذ 2022، إلى تخصص الشركة باسم "الزراعة الجزيئية"، أو زراعة المكونات الغذائية مثل المُحليات والبروتينات والنشويات والنكهات من خلال إعادة بناء المسارات الطبيعية القائمة على إنتاج هذه المكونات داخل النباتات. على سبيل المثال، ركزت إحدى تقنيات "إيلو" الرائدة على اتباع المسار الجيني المسؤول عن إنتاج مُحلٍّ مفيد تجارياً في فاكهة الراهب الصينية، وإعادة إنتاجه في مورثات البطيخ وشمندر السكر والمحاصيل الأخرى المزروعة في الولايات المتحدة.

نباتات الموز في مختبرات "إيلو لايف سيستمز"
نباتات الموز في مختبرات "إيلو لايف سيستمز" المصدر: بلومبرغ

شراكة واعدة

أخبرني مات ديليو، نائب الرئيس التنفيذي لتطوير المنتجات في "إيلو" الذي يحمل درجة دكتوراه في علم أمراض النبات، عندما بدأنا التجول في الشركة أن عملها على موز كافنديش بدأ في 2020. وإدراكاً منها للتهديد الذي يشكله فطر "السلالة المدارية الرابعة"، تواصلت "إيلو" مع "دول" بشأن تدشين شراكة لمكافحته. أرشدني ديليو إلى الجناح الذي يضم غرف النمو الخاصة بالشركة الناشئة، وهي غرف بيضاء معقمة حرارتها مثبتة عند 27.8 درجة مئوية باستخدام مصابيح حرارية أسطوانية تتدلى من السقف.

كان الهواء في الداخل شديد الرطوبة، فنقلتني الأجواء بشكل غريب إلى حقول أميركا اللاتينية حيث يُزرع الموز. توزعت حاويات بلاستيكية شفافة، لكل منها رمز رقمي خاص، على ثلاثة رفوف على طول أحد الجدران. كان بداخل كل حاوية نبتة موز صغيرة وقد استقرت في وسط كيميائي من العناصر الغذائية والهرمونات لتغذية جذورها بالغة الصغر.

هذه هي النبتات المعدلة وراثياً التي تُكَاثِر "إيلو" من كل منها كثير من الفسائل المتطابقة. تضم بعض النبتات مورثات خارجية أدخلت إلى حمضها النووي، فيما تحتفظ النبتات الأخرى بنسخة من الخارطة الوراثية الأصلية بعد تعديلها وراثياً لإنتاج بروتين معين.

يستخرج علماء "إيلو" الفسائل ثم يغمرونها بمحلول يعج بأبواغ الفطر ليزعوها في التربة داخل غرفة نمو منفصلة لاختبار ما إذا كانت النبتات الصغيرة ستبدي علامات على مقاومة فطر "السلالة المدارية الرابعة". قال ديليو: " يستغرق الأمر 13 يوماً بعد ذلك للقضاء على النباتات أو بقائها".

مات ديليو، نائب الرئيس التنفيذي لتطوير المنتجات بشركة "إيلو"
مات ديليو، نائب الرئيس التنفيذي لتطوير المنتجات بشركة "إيلو" المصدر: بلومبرغ

تفاوتات جينية

يحتوي نبات كافنديش على أكثر من 30 ألف مورث، وهذا ينيف على مورثات البشر وهي نحو 20 ألفاً. لكن علماء "إيلو" حددوا قرابة 100 فقط ليدرسوها ويعود بعضها لمورثات كافنديش التي يمكن تحفيزها أو تعطيلها لبدء التعامل مع المرض، فيما يعود بعضها الآخر لمورثات أنواع موز أخرى قد تمنح هذا الصنف المعدل خاصية المقاومة.

توصلت "إيلو" إلى المورثات المستهدفة من خلال تحديد الاختلافات بين الخارطة الوراثية لكافنديش وتلك التابعة لأنواع الموز المقاومة لفطر "السلالة المدارية الرابعة" والأنواع ذات الصلة مثل الموز الهندي. إن حُددت الاختلافات قد يتبين المورث الذي قد يحمي صنف كافنديش. لقد استغرق الأمر ثلاث سنوات تقريباُ من العمل وكثيراً من علم الأحياء الحسابي.

يتميز الفيوزاريوم بتورية أبواغه، حيث تظل في سبات إلى أن تعثر على جذور الموز. لا يعرف الباحثون بالضبط كيف تقاوم بعض نباتات الموز الفطر المدمر. قد يكون التفسير في بعض الحالات هو أن الأنواع المقاومة تعطل الأبواغ عبر إنتاج مواد غروية والأصماغ بسرعة في المراحل الأولى من العدوى، وفقاً لشركة "إيلو".

تمنع هذه المواد الفيوزاريوم من الارتقاء إلى الجذع الكاذب، ما يمنح النبات وقتاً كافياً لتنشيط البروتينات المقاومة للفطريات. بينما تنشط دفاعات الأنواع الأكثر قابلية للإصابة، مثل موز كافنديش، بوتيرة أبطأ بكثير أو أنها لا تنشط على الإطلاق.

بعد انتهائنا من تفقد غرف النمو، دخلنا إلى المختبر حيث يبحث جاك ويلكنسون، مدير الاستكشاف في "إيلو"، في كيفية تعزيز قدرة نبتات كافنديش على مواجهة العدوى بسرعة أكبر. قال ويلكنسون: "إذا تمكنت فقط من إبطاء الإصابة بالفطر، سيمنح ذلك النبات فرصة ليحمي نفسه".

جاك ويلكنسون، مدير الاستكشاف في "إيلو"
جاك ويلكنسون، مدير الاستكشاف في "إيلو" المصدر: بلومبرغ

مسار التطوير

يستلزم "الاستكشاف" في مسمى ويلكنسون الوظيفي تحديد المادة المضادة للفطريات المناسبة. كان ويلكنسون قد عمل سابقاً في "كالجين"، مطورة بندورة "فلافر سافر" (Flavr Savr) وهي أول طعام نباتي معدل وراثياً تعتمده إدارة الغذاء والدواء الأميركية كغذاء آمن للاستهلاك الآدمي.

زرع ويلكنسون جينات الموز في أطباق زراعة الخلايا الصغيرة باستخدام خميرة معدلة وراثياً لتبدأ إنتاج البروتينات المضادة للفطريات. بمجرد تطويرها، يعزل مدير الاستكشاف مجموعة من البروتينات المختلفة عن الخميرة، ثم يجعلها في أطباق أخرى تحتوي على أبواغ الفيوزاريوم.

أراني ويلكنسون طبقاً زجاجياً يحتوي بروتينات مضادة للفطريات وبه نقاط سوداء صغيرة، وهي أبواغ فطر "السلالة المدارية الرابعة" وقد استقرت فيه بهدوء دون حراك. يعني سبات تلك الأبواغ أن البروتينات نجحت في تثبيط نمو الفيوزاريوم. لو لم تفعل، لتمددت الأبواغ على شكل خيوط سوداء طويلة.

تُرسَل البروتينات التي توقف أو تبطئ نمو الفيوزاريوم في طبق زجاجي صغير إلى مختبر زراعة الأنسجة قبالة مختبر ويلكنسون مباشرةً، وهو المحطة التالية في جولتي. حيث تعكف تايلور فريزر-دوغلاس، رئيسة فريق العلماء في برنامج تطوير الموز في "إيلو"، على إنتاج النباتات الفعلية.

تضيف تايلور كواشف إنزيمية تعمل على تغيير الخارطة الوراثية داخل خلايا نبتة كافنديش. لتعديل الأخيرة وراثياً، تستخدم فريزر-دوغلاس بكتيريا التربة لإدخال مورثات موز جديدة إلى خلاياها. تبدو نبتة كافنديش المعدلة وراثياً في مراحلها المبكرة مثل الفشار بالكراميل، وتستغرق من ستة إلى عشرة أشهر لتزهر. أخيراً، لا تُنقل النباتات إلى الحاويات البلاستيكية إلا بعد ظهور أوراق صغيرة.

تايلور فريزر-دوغلاس، رئيسة فريق العلماء في برنامج تطوير الموز في "إيلو"
تايلور فريزر-دوغلاس، رئيسة فريق العلماء في برنامج تطوير الموز في "إيلو" المصدر: بلومبرغ

توجد عدة غرف في الجزء الخلفي من مختبر زراعة الأنسجة، كل منها بحجم ثلاجة صناعية. تحوي الغرف مجتمعة على قرابة 450 نبتة موز خضعت للتنقيح بتوليفات مختلفة من المواد الوراثية، حيث ينمو بعضها في أطباق زجاجية، فيما تقبع الفسائل الصغيرة داخل حاويات بلاستيكية. الأمل هو أن تنجو نبتة واحدة على الأقل من براثن التربة المشبعة بفطر "السلالة المدارية الرابعة".

قالت فريزر-دوغلاس: "معظم الناس ليس لديهم فكرة أن الموز الذي يتناولونه كل يوم على وشك الانقراض. أريد أن يستمتع أطفالي بالموز كما فعلت".

يحاول آخرون مجاراة إنجاز "إبلو لايف سيستمز". يُعد جيمس ديل، رئيس برنامج تطوير ثمار الموز باستخدام التقنية الحيوية في جامعة كوينزلاند للتقنية بمدينة بريسبان في أستراليا، أحد رواد تطوير موز موسا كافنديشي. تشمل إنجازات ديل تطوير واحدة من أوائل أنواع موز كافنديش المعدل وراثياً في العالم عام 1994.

تجدر الإشارة إلى أنه لم يتناول أي شخص موزة واحدة معدلة وراثياً، وقد فعل ديل ذلك لأغراض بحثية فقط بعدما اخترق فطر "السلالة المدارية الرابعة" حدود أستراليا وبدأ يدمر محصول موز كافنديش. قال ديل: "لقد أدى تفشي المرض في أميركا الجنوبية إلى تغيير البيئة تماماً. قد يحتاج الناس حقاً إلى ثمرة معدلة وراثياً إن أردنا الاستمرار في زراعة موز كافنديش".

تحتوي نسخة موز كافنديش التي طورها ديل أخيراً واسمها "QCAV-4" على جين مستخلص من أحد أنواع الموز البري في جنوب شرق آسيا. ينشط الجين سالف الذكر المقاومة الجهازية في موز كافنديش، بحيث لا يضر "فيوزاريوم" بالفاكهة مطلقاً حتى لو غزا النبات. قال ديل إن معدل بقاء "QCAV-4" في التجارب الميدانية يزيد على 90%.

حالياً، تخضع السلالة المعدلة وراثياً لتقييم السلطات الأسترالية، حيث يُتوقع اتخاذ قرار بشأن صلاحيتها للاستهلاك الآدمي في إبريل 2024. إذا حصلت "QCAV-4" على موافقة السلطات، فستكون، على حد علم ديل، أول ثمرة موز معدلة وراثياً يُصرح باستهلاكها.

قال رئيس برنامج تطوير الموز باستخدام التقنية الحيوية إنه سيجري مزيداً من التجارب الميدانية في بيئات مختلفة بعد حصول السلالة المعدلة وراثياً على الموافقة.

إذا كان ثمة ما يجعل عشاق الموز، ومنهم مستهلكون وشركات وعلماء فاكهة، يشعرون بالتفاؤل بشأن المعركة مع هذا الفطر المدمر، فهو الاستجابة الحالية للتهديد مقارنة برد الفعل المتراخي إبان هجوم "السلالة المدارية الأولى" على غرب العالم.

لقد دمرت سلالة "غروس ميشيل" جزئياً في نهاية المطاف بسبب تهميش المشكلة بدل مواجهتها بشكل مباشر، حيث تجاهل المزارعون الفطر وفتحوا ببساطة حقولاً جديدة للزراعة. لكن الجميع أقوى وأكثر حزماً هذه المرة. يقول ديليو من "إيلو": "المهم أن ينجح أحدنا في درء المخاطر، لأن هذه الفاكهة مهمة جداً لكثير من الناس".

ماذا عن المستهلكين؟

غير أن استخدام تقنيات التلاعب بالجينات قد يكون عقبة بحد ذاته، إذ إن قبول المستهلكين للموز المعدل وراثياً غير مؤكد. لقد أقرت "دول" في إفصاحاتها لعام 2022 بأن المتسوقين والحكومات قد ينظرون إليه بشكل سلبي، وكتبت: "يُحتمل فرض قيود جديدة على المنتجات المعدلة وراثياً في المناطق الرئيسية لبعض منتجاتنا أو أن يقرر عملاؤنا شراء عدد أقل من المنتجات المعدلة وراثياً أو الامتناع عن شرائها".

أشارت إحدى الدراسات المنشورة في 2018، قبل اكتشاف غارسيا-باستيداس لفطر "السلالة المدارية الرابعة" في كولومبيا بأقل من عام، إلى أنه على الرغم من ثقة 88% من العلماء بأن الأغذية المعدلة وراثياً آمنة، إلا أن 37% فقط من الأميركيين يتفقون معهم.

كانت الولايات المتحدة قد أصدرت تشريعا اتحادياً في 2022 يقضي بطباعة مصطلحات "معدل وراثياً" أو"أُنتج باستخدام الهندسة الوراثية" على ملصقات الأغذية التي تحتوي على مكونات معدلة وراثياً، فيما وضع الاتحاد الأوروبي لوائح صارمة لتنظيم تسويق المحاصيل المعدلة وراثياً. يُذكر أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يستوردان كميات كبيرة من موز كافنديش.

مع ذلك، إذا أراد الناس الاستمرار في تناولها، فقد لا يكون لدينا خيار. يقول ديليو: "لقد استنفدنا جميع الحلول، ولم يبق أمامنا سوى اللجوء إلى التقنية الحيوية".

مقترحات التنويع

يرى علماء يعملون على مكافحة تفشي فطر"السلالة المدارية الرابعة" في أميركا الجنوبية ضرورة التنويع بدل استخدام الهندسة الوراثية، رغم كل ما تعد به من نجاحات. يقول ميغيل ديتا، اختصاصي أمراض النبات لدى منظمتي "التحالف الدولي للتنوع البيولوجي" و"المركز الدولي للزراعة الاستوائية" في كولومبيا: "أعرف أن الناس معتادون على تناول موز كافنديش، لكننا بحاجة لإعادة النظر في نظام إنتاج الموز برمته".

مع ذلك، أقر ديتا بأن تطوير صنف يتمتع بصفات موز كافنديش عبر الزراعة التقليدية أمر "صعب جداً". لكن لو أن صنفاً آخر سيسيطر على التجارة العالمية، فلا بد أن يكون مقاوماً للأمراض وعالي الإنتاجية ومستساغاً لدى مليارات من الناس، فضلاً عن تمتعه بقشرة سميكة بما يكفي لتسهيل نقله وخصائص نضج تحول دون فساده قبل بلوغه وجهاته.

قال ديل إن ذلك: "يُعد تحدياً كبيراً. حتماً، هناك أنواع من الموز المزروع تقليدياً، والتي تتمتع بمقاومة الأمراض وبعض هذه الخصائص، لكنني لم أر أي برامج زراعة تقليدية تنتج نوعاً قريب الشبه إلى موز كافنديش".

هذا لا يعني أن نهج الزراعة التقليدية ميؤوس منه. فقد طور باحثون برازيليون موزاً يقاوم "فيوزاريوم" في الثمانينيات، وكان طعمه أقرب إلى "التفاح أو الكمثرى غير الناضجة"، حسبما ذكر كويبل في كتابه. كما أعلنت شركة "تشيكيتا"، التي لم ترد على طلب للتعليق على الموضوع، عن شراكة مع باحثين جامعيين في فاخنينغن.

يستهدف المشروع، بقيادة غارسيا-باستيداس، إنتاج موز مقاوم لمرض "السلالة الرابعة المدارية" وطعمه مثل طعم موز كافنديش، بالإضافة إلى أنواع جديدة مقاومة لمجموعة مختلفة من الأمراض. وقد زُرعت أول دفعة تجريبية من الموز في الفلبين حديثاً.

في غضون ذلك، تبذل البلدان ما في وسعها لاحتواء انتشار المرض حتى إيجاد بديل، سواء كان معدلاً وراثياً أم لا. لقد استثمرت وزارة الزراعة والتنمية الريفية في كولومبيا، بالتعاون مع رابطة مزارعي الموز، ما يقرب من 5 ملايين دولار منذ 2019 في مشاريع مختلفة للصرف الصحي والاحتواء.

تشمل المشروعات بناء محطات غسيل في المزارع لتطهير التربة من مخلفات شاحنات النقل، وشراء نحو 42 ألف لتر من المطهرات لتنظيف المعدات، وتركيب أكثر من ألفي كيلومتر من الأسيجة السلكية لعزل نباتات الموز المنكوبة. تلك خطوات مهمة وإن لم تكن كافية على الأرجح. قال لي ديليو من "إيلو": "كان ما تعلمنا تكراراً في تاريخ أمراض النبات هو أنك حتى عندما تبذل جهود الحجر الصحي الضخمة تلك، فإنها توفر لك الوقت، لكن ليس الكثير".

 صوبة الأبحاث في شركة "إيلو"
صوبة الأبحاث في شركة "إيلو" المصدر: بلومبرغ

تجريب وترقب

اصطحبني رئيس "إيلو" التنفيذي في نهاية جولتي في مكاتبها بمدينة دورهام إلى دفيئة الأبحاث المقامة على مساحة 1500 متر تقريباً قبالة مجمع الشركات. خُصصت بعض المساحة لنباتات البطيخ وشمندر السكر التي تستخدمها "إيلو" لإنتاج مُحلي فاكهة الراهب. بينما خُصصت خمس مساحة الدفيئة لصفوف موز كافانديش الجديدة.

تُترك الفسائل التي نجت من الاختبار الأولي على مدى 13 يوماً، فيما تُودع النسخ الجينية منها في الدفيئة بنهاية المطاف. تتعرض النباتات لما قد يكون عادةً جرعة مميتة من فطر "السلالة الرابعة المدارية" بعدما تنمو لمدة شهرين تقريباً، وهو أكثر مما قد تواجهه النباتات في الحقول على أرض الواقع.

خلال جولتي مع ديليو عبر الدفيئة رأيت صفاً تلو آخر من نبتات كافنديش التي تعرضت للإصابة بالفطر بإجمالي مئة نبات تقريباً، حيث ذبُل بعضها وتحول إلى اللون الأسود أو مات. بينما بزغت نباتات أخرى ما تزال تكافح الفطر الشرس وسط نظيراتها الهالكة، وكان من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت النباتات ستبقى لمدة ستة أو تسعة أشهر أو أكثر من عام، ناهيك عن تحقيق الازدهار على نطاق واسع، أو الحصول على موافقة الجهات التنظيمية، أو الوصول إلى المستهلكين.

مع ذلك، كانت سيقانها الكاذبة ما تزال سليمة، فيما غمرت أشعة الشمس نصال أوراقها الخضراء المزدهرة. قد تكون الأقراط التي ستُعلق بحلول العام المقبل من صنف موز كافندش المقوى، الذي لا يختلف عن الأصل في شيء إلا بأن له قدرة مستحدثة على مقاومة غزو الفطر.