هل تصبح العملات المشفرة "صديقاً وقت الضيق" في 2024؟

شهد العام الجاري قفزات في أسعار "بتكوين" بـ167%، و"إيثريوم" بـ91%

زخرفة "بتكوين" رمزية جديدة على شجرة عيد الميلاد في مركز تعدين العملات المشفرة في نادفويستي، روسيا
زخرفة "بتكوين" رمزية جديدة على شجرة عيد الميلاد في مركز تعدين العملات المشفرة في نادفويستي، روسيا المصدر: بلومبرغ
Niall Ferguson
Niall Ferguson

International man of history. Author, @HooverInst senior fellow, @bopinion columnist. Latest book, DOOM: The Politics of Catastrophe out May 4. Opinions my own.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

نستشرف عاماً جديداً وسعيداً للعملات المشفرة يا رفاق! فمنذ بداية العام الحالي، قفزت "بتكوين" 167%، وارتفعت "إيثريوم" بـ91%. إذا كنت توقعت الارتفاع الهائل للعملات المشفرة قبل بداية عام 2023، فأنا أرفع لك القبعة.

قارن هذه العوائد مع فئات الأصول الأخرى، فقد صعد مؤشر "ناسداك" بـ36%، ومؤشر "إس أند بي 500" بـ19%، والذهب بـ10.7%. أما إذا كنت متعاملاً في النفط أو سلة واسعة من السلع، فقد انخفضت العوائد بين 10 و12%.

قبل عام مضى، اعتقد الكثير منا، وأنا منهم بالتأكيد، أن لعبة العملات المشفرة قد ولّت، وأنه سيثبُت صحة موقف المعارضين لها.

انفجرت فقاعة سام بانكمان فريد. (لم يفاجئني هذا التطور)، وقد تم إيداعه في السجن حالياً، بعد إدانته بسبع تهم بالاحتيال المالي، وانهارت بورصته "إف تي إكس" (FTX) منذ فترة طويلة. وبات مصير منصة "بينانس" المنافسة على المحك، بعد تحقيق أجرته وزارة العدل الأميركية. وأقر مؤسسها تشانغ بينغ تشاو بالذنب في انتهاكات بغسل الأموال، واستقال من منصبه كرئيس تنفيذي، ووافق على دفع غرامة 50 مليون دولار، في حين فُرضت غرامة على منصة "بينانس" نفسها تُقدر بـ4.3 مليار دولار.

بحلول هذا الوقت من العام الماضي، أقنعتني عاصفة السمعة التي اجتاحت بورصات العملات المشفرة بأن نظام التمويل القائم على سلسلة الكتل "بلوكتشين" بأكمله قد تهاوت أسسه، وأنه يجب عليّ فوراً بيع معظم عملات "بتكوين" و"إيثريوم" والرموز المشفرة الأخرى التي حصلتُ عليها منذ أن تحوّلت إلى الاستثمار في العملات المشفرة في 2017.

اقرأ أيضاً: عودة هوس عملات الميم.. و"بتكوين" تقترب من 45 ألف دولار

الشراء والاحتفاظ

كنت أحمقَ. فقد نسيتُ أول مبدأ في قواعد الاستثمار بالعملات المشفرة، ومفاده: إذا اشتريت، فعليك دائماً الاحتفاظ (بما اشتريت من العملات)، ولتتمسك بها بكل ما أوتيت من قوة.

ما يؤكد مدى الخطأ الذي ارتكبته في البيع بأقل سعر، أن نورييل روبيني، الذي كان قبل عام يبدي الشماتة في زوال جميع "العملات القذرة"، يطلق الآن (كما خمّنتُ) "فاتكوين" المعتمدة على سلسلة الكتل.

إذاً أعمق الدروس المستفادة من الاثني عشر شهراً الماضية هو أن بورصات العملات المشفرة-أو غيرها من الوسطاء-ليست ولم تكن أبداً العامل الحاسم بالنسبة إلى مستقبل التكنولوجيا المالية القائمة على سلاسل الكتل.

فلا ننسى أن نقطة البداية في ذلك كله كانت حلم إجراء المعاملات بين النظراء من دون وسطاء مثل البنوك، ومن دون المشكلة المرتبطة بمراقبة الدولة. وبإلقاء نظرة فاحصة على ما حدث، أرى أنه لم يكن من المفترض أن تكون هناك فترة تهيمن فيها البورصات على العملات المشفرة، وكان دورها المركزي يتناقض مع المفهوم الأصلي للتمويل اللامركزي.

كان السبب الوحيد لنشأة البورصات هو الصعوبة الفنية لتبادل العملات المشفرة فعلياً من دون وسيط. فقد استخدم المتعاملون الأوائل في العملات المشفرة موقع ويب يسمى "لوكال بتكوين" (LocalBitcoins)، والذي كان عمله أشبه بموقع إعلانات مبوّبة (Craigslist)، وهو موقع وشبكة إعلانية عبر الإنترنت.

وعمد المستخدمون إلى نشر إعلانات لشراء عملات "بتكوين" أو بيعها، ويقومون بتسوية هذه العملية بطريقة الدفع التي يختارونها. ولا يزال الأمر صعباً، إذ أستطيع أن أؤكد أنني تعرضتُ لنوبات القلق أثناء استخدام محفظتي العملات المشفرة الخاصتين بي "ليدجر" (Ledger) و"ميتاماسك" (Metamask). لكن الأمر أصبح أسهل.

اقرأ أيضاً: "ليدجر" تسعى لتمويل جديد يدعم نموها في صناعة محافظ العملات المشفرة

اللوائح التنظيمية

مع ذلك، فإن التعاملات الرئيسية في العملات المشفرة أصبحت الآن حكراً تقريباً على البورصات الخاضعة للوائح التنظيمية، والتي تبدو "كوين بيس" وكأنها الناجية منها، وبالتالي الفائزة. تظل العملات المشفرة صناعة محفوفة بالمخاطر، لأسباب منها مركزية العلاقة بين التمويل التقليدي واللامركزي.

ارتفاع "بتكوين" و"إيثريوم" يخبرنا بثلاثة أمور على مدى عام.

أولاً، بعد التضخم المنخفض تاريخياً على مدى عقدين، يشهد العالم قدراً كبيراً من سوء إدارة العملات النقدية، لدرجة أنه لا بد أن تستمر الشهية للعملات المشفرة في النمو. من بين 191 دولة في العالم تتوفر عنها بيانات من صندوق النقد الدولي، شهدت 22 دولة فقط ارتفاع أسعار المستهلكين بأقل من 10% منذ عام 2019. كما سجلت 68 دولة أخرى معدل تضخم على مدى أربع سنوات يتراوح بين 10% و19%؛ و42 دولة سجلت تضخماً يتراوح بين 20% و29%؛ و46 دولة بين 30% و99%، وللأسف، فقد شهدت 13 دولة ارتفاعاً في الأسعار بنسبة 100% أو أكثر. وستكون هذه المجموعة الأخيرة أكبر لو توفرت لدينا بيانات موثوقة عن لبنان وسوريا هذا العام.

ارتفعت الأسعار بثمانية أضعاف خلال أربع سنوات في الأرجنتين، و103 مرات في السودان، و159 مرة في زيمبابوي، وأكثر من 5 آلاف مرة في فنزويلا.

كلما كان التضخم أكثر كارثية، أصبحت العملات المشفرة أكثر جاذبية. والوضع الحالي في الأرجنتين دليل على ذلك. فيوم الأحد الماضي، أدى الاقتصادي الليبرالي خافيير مايلي اليمين الدستورية كرئيس للبلاد. وعلى النقيض من العملات المشفرة، كان هذا هو الشيء الصحيح الذي فهمته هذا العام: فقد أكدتُ لأصدقائي الأرجنتينيين طوال العام أنه عندما يصل معدل التضخم إلى 100%، فإن الناخبين سيختارون الخيار الجذري، وليس السائد.

اقرأ أيضاً: رئيس الأرجنتين يكشف عن إصلاحات واسعة لتحرير الاقتصاد

جذري إلى حد الانحراف

يعد مايلي جذرياً إلى حد الانحراف. فهو يصفف شعره مثل نجم موسيقى روك مسنّ في الستينيات، ويبدو أنه هرب من غلاف ألبوم فريق "ياردبيردس" القديم. يحتوي صولجانه الرئاسي على نقش فضي يصور كلاب الدرواس (الماستيف) الإنجليزية الخمسة وتحمل أسماء: كونان (سمي على اسم كلبه السابق الذي استنُسخت الكلاب الخمسة منه)، وميلتون على اسم اقتصادي السوق الحرة بجامعة شيكاغو "ميلتون فريدمان"، وموراي على اسم الاقتصادي النمساوي التحرري الذي تأثر به "موراي روثبارد"، وروبرت ولوكاس نسبة إلى "روبرت لوكاس"، وهو أحد عظماء مدرسة شيكاغو للفكر الاقتصادي الكلاسيكي الجديد.

خلطت بعض وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنجليزية بشكل خاطئ بين مايلي وشخصيات شعبوية يمينية مثل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو. ينتمي مايلي إلى نمط مختلف تماماً من الشخصيات. وفي وقت تتصاعد فيه معاداة السامية على مستوى العالم، أعلن عن نيته التحول إلى اليهودية، واختار أن يقوم بأول زيارة خارجية له كرئيس منتخب إلى قبر حاخام مغمور منتمٍ إلى حركة الحاسيديم اليهودية في كوينز.

قال مايلي للحشد في خطاب تنصيبه: "ليس لدينا بديل عن التعديل المالي الجذري"، محذراً إياهم من الركود المقبل. ورد الجمهور بـ "موتوسييرا! موتورسييرا! ("منشار! منشار!") - في إشارة إلى وعد مايلي بخفض الإنفاق العام. وقال لهم: "نو هاي بلاتا". ("ليس لدينا المزيد من المال")، لينطلقوا في التهليل. تعد خطته المقترحة لضبط الميزانية أكثر الخطط جرأة في العالم منذ أول فترة ولاية لمارغريت تاتشر كرئيسة لوزراء بريطانيا.

اقرأ أيضاً: الأرجنتين تخفض عملتها 54% ضمن حزمة قرارات صادمة لإنقاذ اقتصادها

خيار غير قابل للتطبيق

مع ذلك فقد تبيّن لمايلي أن رغبته المفضلة، أي تحويل العملة الأرجنتينية إلى الدولار، ليست خياراً قابلاً للتطبيق. فالبنك المركزي يفتقر إلى الدولارات، ومجرد ذكر الدولرة يهدد بدفع العملة المتعثرة إلى التضخم المفرط.

والنتيجة هي أن الأرجنتينيين الذين يتقاضون أجورهم بالبيزو، ويدخرونه لا بد أنهم يعانون المزيد من الانخفاض في قيمة عملتهم، والذي بدأ الأسبوع الماضي بخفض شديد في قيمتها.

ما الذي لن يقدمه كل أرجنتيني مقابل حفنة من عملات "بتكوين" في وقت كهذا؟

الدرس الثاني هو أن العملات المشفرة قد تطورت.

كانت أول مسيرة صعود للعملات المشفرة مدفوعة بالكامل تقريباً بالثقة في قدرة "بتكوين" على توفير أموال رقمية مقاومة للرقابة. لكن تعطلت هذه المسيرة جراء أول اختراق كبير لبورصة "إم تي دوت غوكس" (Mt.Gox) في عام 2011، ما أدى إلى خسارة 25 ألف عملة "بتكوين" تقريباً. وعلى الرغم من تعافي "بتكوين" سريعاً، فإن هذه الحقبة انتهت في عامي 2013 و2014، بعد إغلاق مكتب التحقيقات الفيدرالي لسوق الإنترنت المظلمة "سيلك رود" (Silk Road)، وانهيار بورصة "إم تي دوت غوكس"، التي كانت تسوّي في ذلك الوقت 70% من معاملات "بتكوين".

بدأت مسيرة الصعود الثانية للعملات المشفرة في 2016 تقريباً، وذلك بسبب الهوس بطروحات العملات الأولية التي أُطلقت بشكل أساسي على شبكة "إيثريوم". وكانت عمليات الطرح الأولي للعملات عبارة عن مبيعات مضاربة للرموز المميزة قام بها المستثمرون الأفراد من قبل فرق تتعهد ببناء سلاسل كتل أفضل للعقود الذكية للتنافس مع "إيثريوم". ومع ذلك، وبمجرد أن أصبح من الواضح أن هذه الشبكات لا تستضيف سوى قدر محدود من النشاط المُجدي، دخلت الصناعة "شتاءً آخر".

اقرأ أيضاً: شتاء التشفير يدفع "ديجيتال كارانسي" لإغلاق قسم إدارة الثروات

تبديد الشكوك

بدا أن السوق الصاعدة في 2020 تبدّد هذه الشكوك حول الجدوى، بدءاً من "صيف التمويل اللامركزي"، ثم حالات الهوس بمؤسسات التمويل اللامركزي المستقلة (DAOS) والرموز غير القابلة للاستبدال.

يبدو أن شبكات العملات المشفرة صارت تضم الآن نشاطاً من المستخدمين الطبيعيين، سواء على صعيد بيع الأفراد أو المؤسسات، على الرغم من أن الكثير منها كانت تتخذ طابع المضاربة الشديدة والمحفوفة بالمخاطر، وغالباً ما تتضمن رافعة ضخمة. كانت مستويات المخاطر المفرطة وضعف التخطيط المالي هما اللذان تسببا في انهيار مشاريع مثل "تيرا" (Terra)، وتبخر أموال مؤسسات مثل "ثري أروز كابيتال" (Three Arrows Capital).

واليوم، تظل القيمة الإجمالية للأصول المقفلة (TVL) على بروتوكولات العقود الذكية للتمويل اللامركزي بالحجم نفسه إلى حد كبير الذي كانت عليه في عام 2022. لكن وفقاً لتحليل أجراه زميلي ماني رينكون-كروز، من مؤسسة "هوفر" (Hoover)، فإن هذا يخفي تحوّلاً بعيداً عن الأدوات عالية المخاطر إلى أصول أكثر أماناً أقرب إلى السندات.

كانت بروتوكولات التمويل اللامركزي ضمن الأعلى استخداماً خلال السوق الصاعدة في 2020 مقارنة بمنصات الإقراض بالهامش والمنصات اللامركزية. على النقيض من ذلك، يشكّل التمويل اللامركزي اليوم في الغالب أصولاً تدرّ عائدات، والتي يمكن أن تشمل ليس مراكز الإقراض بفائدة فحسب، ولكن أيضاً أصولاً في العالم الحقيقي مثل سندات الخزانة.

اقرأ أيضاً: كيف تغيرت صناعة التشفير بعد عام من انهيار "إف تي إكس"؟

بروتوكولات مضاربة

لكن الأصول الأكثر أهمية التي تدر العائدات هذه الأيام هي بروتوكولات المضاربة على برمجيات التشفير، وهي ببساطة تمثل طرقاً للمستخدمين لتفويض رموز الشبكة الخاصة بهم للتحقق من سلامة شبكة "بلوكتشين" وتأمينها.

على سبيل المثال، يمكن للمستخدمين إيداع عملة "إيثر" الخاصة بهم في بروتوكول "ليدو" (LIDO)، الذي يكلف القائمين على المصادقة في شبكة "إيثريوم" ببناء كتل المعاملات على الشبكة للحصول على الرسوم بعملة "إيثر"، والتي يتم نقلها بعد ذلك إلى المستخدمين. (تتشابه المضاربة على برمجيات التشفير تقريباً مع مهام مستخدمي بتكوين الذين يتمكنون من استخدام العملة المشفرة للمشاركة في تعدينها).

تستخدم أكبر بروتوكولات التشفير اليوم ما يقرب من 56% من جميع القيمة الإجمالية للأصول المقفلة على شبكات التمويل اللامركزي، بزيادة من 0.1% في بداية عام 2021.

من غير الواضح ما الذي سيحققه هذا التركيز على العائد، ولكن يبدو من المحتمل أن صناعة التشفير في عامي 2024 و2025 ستستمر في تطوير طرق أكثر فائدة، وأقل مضاربة، لاستخدام بروتوكولات النظير إلى النظير.

الدرس الثالث الذي تعلمناه من عام 2023 هو أن التمويل التقليدي لا يزال يتبنى التشفير، على الرغم من جهود الجهات التنظيمية والمشرّعين في إحباطه.

اقرأ أيضاً: ناسداك تعيد توظيف تكنولوجيا طورتها لدخول عالم العملات المشفرة

طلبات اعتماد صناديق تشفير

من بين شركات إدارة الأصول التي تقدمت بطلباتها إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية هذا العام سعياً لاعتماد صناديق بتكوين" و"إيثر" متداولة في البورصة، شركتا "فرانكلين تيمبلتون" (Franklin Templeton) و"بلاك روك" (BlackRock)، إلى جانب أول شركة تقدمت بطلبها وهي "غريسكيل" (Grayscale)، التي أنشأت أول صناديق "بتكوين" متداولة في عام 2013.

تقدمت "غريسكيل" بطلب لتحويل صندوق "بتكوين" إلى صندوق متداول في عام 2017، لكنها انسحبت بعد تعليقات سلبية من لجنة الأوراق المالية والبورصات. واليوم، تمدد اللجنة الموعد النهائي لاعتماد الصناديق، مما يشير إلى أنها لا تجد سبباً مقنعاً بما فيه الكفاية يحملها على رفض اعتماد هذه الصناديق الاستثمارية.

وفي الوقت نفسه، سيُطلب من الشركات الأميركية التي لديها حيازات من العملات المشفرة تسجيل ما لديها من هذه الرموز بأحدث سعر أو "قيمة عادلة"، وفقاً لمجموعة جديدة من قواعد محاسبة التشفير التي صدرت قبل أيام قليلة من قبل مجلس معايير المحاسبة المالية.

سوف يشكّل اعتماد هذه الصناديق سبباً رئيسياً يدحض التنبؤات بشأن زوال التشفير. في الطبعة المنقحة لعام 2018 من كتابي "صعود المال"، أوضحتُ هذه النقطة، ولا زلتُ متمسكاً بها، وهي:

"بتكوين قابلة للنقل وللتسييل ومجهولة المصدر ونادرة. فهي الذهب الرقمي من حيث التصميم. بتفكير مبسط، نجد أن مبلغ 6 آلاف دولار هو سعر رخيص لهذا المخزن الجديد للقيمة. تم تعدين حوالي 17 مليون بتكوين حتى الآن. يبلغ عدد المليونيرات في العالم، وفقاً لـ"كريدي سويس" (Credit Suisse) 36 مليون شخص، وإجمالي ثرواتهم يبلغ 128.7 تريليون دولار. إذا قرر المليونيرات مجتمعين تحويل 1 في المئة فقط من ثرواتهم إلى بتكوين، فسيكون السعر أعلى من 75 ألف دولار، وستتجاوز تلك القيمة إذا تم تعديل جميع عملات بتكوين التي فُقدت أو جرى تخزينها.

اقرأ أيضاً: الطلب على العملات المشفرة يتجاوز بتكوين مع ارتفاع شهية المخاطرة

نقطة المنتصف

كان هذا النطاق صحيحاً تماماً تقريباً. ففي ذروتها التي وصلت إليها في نوفمبر 2021، بلغ سعر "بتكوين" 63,621 دولاراً، فيما وصلت في أدنى مستوياتها بعد عام إلى 15,460 دولاراً. السعر الحالي البالغ 43 ألف دولار هو تقريباً نقطة المنتصف بين السعرين السابقين.

اتجاه التبني هو الاتجاه الذي يجب أن ترحب به إذا كنت، مثلي، تعتقد أن المواطن الملتزم بالقانون لا ينبغي له أن يجعل معاملاته مفتوحة للتدقيق الحكومي.

إننا نقرأ الكثير هذه الأيام عن التعديل الأول للدستور الأميركي، وهو سمة من سمات الدستور التي تم التوصل إليها مؤخراً في جامعة "هارفارد" عندما تبنى الطلاب هتافات معادية لإسرائيل، ناهيك عن التعديل الثاني، الذي يميل إلى الظهور في الحملات التمهيدية للحزب الجمهوري.

لكن حرية التعبير والحق في حمل السلاح ليسا الحريتين الوحيدتين اللتين اهتم بهما القائمون على صياغة الدستور.

ينص التعديل الرابع على ما يلي:

"لا يجوز انتهاك حق الناس في أن يكونوا آمنين على أرواحهم ومنازلهم ووثائقهم وممتلكاتهم، في مواجهة عمليات التفتيش والمصادرة غير المبررة، ولا يجوز إصدار أي أوامر قضائية، إلا بناءً على سبب محتمل، مدعوماً بالقسَم أو الإقرار، وعلى وجه الخصوص وصف المكان المراد تفتيشه والأشخاص أو الأشياء المراد ضبطها".

من بين الأوراق البحثية الأكثر لفتاً للانتباه التي قرأتها هذا العام حول أي موضوع كانت "النقد الإلكتروني، والتبادل اللامركزي، والتعديل الرابع"، والتي كتبها بيتر فان فالكنبيرغ من "كوين سنتر" (Coin Center).

انتهاك الحقوق

يزعم فالكنبورغ في هذا البحث أن انتهاك حقوقنا بموجب "التعديل الرابع" بدأ في عام 1970 مع إقرار قانون الإبلاغ عن العملات والمعاملات الأجنبية. أصبح هذا القانون وتعديلاته اللاحقة، إلى جانب القوانين الأخرى ذات الصلة، تُعرف باسم "قانون السرية المصرفية".

يلزم قانون السرية المصرفية البنوك بالاحتفاظ بسجلات المشتريات النقدية للأدوات القابلة للتداول، وتقديم تقارير عن المعاملات النقدية التي يتجاوز إجماليها اليومي 10 آلاف دولار، والإبلاغ عن الأنشطة المشتبه بها التي قد تشير إلى غسل الأموال.

تُعرف التقارير التلقائية التي تلتزم المؤسسات المالية الأميركية بتقديمها باسم تقارير معاملات العملات وتقارير الأنشطة المشبوهة (SARs). وتتم مكافأة البنوك نظير امتثالها بذلك.

يرى البعض أن هذا التشريع يعارض بشكل واضح التعديل الرابع. كتب القاضي ويليام أو. دوغلاس في رأي معارض، قائلاً: "لست مستعداً بعدُ للموافقة على أن أميركا مهووسة بالشر، وأنه يتعين علينا التخلص من كل الحواجز الدستورية لمنح سلطاتنا المدنية الأدوات اللازمة للقبض على المجرمين".

لكن دوغلاس-وهو شخصية تقدمية بارزة، ومعروف بالتزامه القوي بالحريات المدنية-كان من أصوات الأقلية في هذا الصدد. فقد أيّدت المحكمة العليا المختصة بنظر قضيتي "كاليفورنيا بانكرز" ضد "شولتز" (1974)، والولايات المتحدة ضد ميلر (1974) قانون السرية المصرفية، والذي أرسى مبدأً مفاده أنه إذا سلّم شخص معلومات مالية إلى طرف ثالث مثل البنك، فإن المعلومات لم تعد خاصة.

واليوم، يواجه مبدأ الطرف الثالث هذا تحدياً لأن الكثير من بياناتنا الإلكترونية أصبحت الآن في أيدي أطراف ثالثة، وهي تلك التابعة لشركات التكنولوجيا الكبرى. منذ قضية "كاربنتر" ضد الولايات المتحدة (2018)، على سبيل المثال، تطلب السلطات مذكرة للحصول على سجل مواقع الهاتف المحمول الخاص بالشخص.

اقرأ أيضاً: وداعاً زمن الخصوصية.. هكذا يتم استغلال بياناتنا الوراثية تجارياً

سرية المعلومات المصرفية

مع ذلك، يواصل قانون سرية المعاملات المصرفية التوسع، ويرجع ذلك جزئياً إلى انخفاض المعاملات النقدية كحصة من إجمالي المعاملات، ولكن أيضاً بسبب المراقبة المتزايدة التي فرضت بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. ارتفع عدد عمليات المراقبة عن بعد (SAR) من 60 ألف حالة في تسعينيات القرن الماضي إلى 3.6 مليون حالة في عام 2022.

الإمكانية التي وفرتها تكنولوجيا "بلوكتشين" للمعاملات الحقيقية من النظير إلى النظير تشكل تحدياً أساسياً لنظام المراقبة المالية هذا. يعترف فالكنبورغ بأن "بتكوين" ليست "عملة مشفرة" حقاً؛ لأن الهويات يمكن استخلاصها من دفتر الأستاذ الذي يتم تسجيل كل معاملة فيه بشكل لا يمكن محوه.

ومع ذلك، فإن الابتكارات مثل "تورنيدو كاش" (Tornado Cash) تتيح الآن إجراء معاملات مجهولة المصدر من النظير إلى النظير. لا يوجد طرف ثالث معني، إلا إذا زعمت بأن مطوري البرمجيات هم أنفسهم الطرف الثالث، وتطلب منهم جمع البيانات عن المستخدمين.

يخلص فالكنبرغ إلى أن التمويل اللامركزي الحقيقي "ضروري للحفاظ على كرامة الإنسان واستقلاليته مع تحرك العالم على نحو متزايد نحو تكنولوجيات المدفوعات الخاضعة للوساطة والمراقبة بالكامل مثل "علي باي" (Alipay)، أو "ويتشات" (WeChat)، أو ما يسمى العملات الرقمية للبنك المركزي". النقد الإلكتروني المجهول وبرامج التبادل اللامركزي [هي] نهاية اللعبة لجميع شبكات العملات المشفرة.

لا تحتاج إلى أن تكون على معرفة شخصية بعضو مجلس الشيوخ إليزابيث وارين، أو رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات غاري غينسلر، حتى تدرك أنهما سيعارضان هذه الحجة بشدة. فهما وآخرون ملزمون بالمطالبة بفرض التزامات قانون السرية المصرفية على مطوري برامج التشفير، وكذلك المستخدمين الأفراد لهذا البرنامج.

ومع ذلك، فمن المؤكد أن هذا سيكون غير دستوري بموجب التعديل الرابع، لأنه قد يرقى إلى مستوى التفتيش من دون إذن قضائي ومصادرة المعلومات الخاصة.

السبب وراء احتمال انتصار الجهات التنظيمية في هذه المعركة واضح. فما دام هناك بانكمان فريد في هذا العالم، وإرهابيون يمكنهم الاستفادة من مشغلي العملات المشفرة عديمي الضمير، فسوف تستمر الحكومة في القول، في الواقع، إنه يجب احترام التعديل الرابع في حال حدوث انتهاك.

ومع ذلك، فإن ما لا تستطيع الحكومة فعله-رغماً عن إرادة الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان تشيس"، جيمي ديمون-أن تمنع العملات المشفرة تماماً، وتترك العدد المتضائل من البنوك الأميركية تجني فوائد احتكار المعاملات المالية.

عيد ميلاد سعيد للجميع. تمسك بحياتك الغالية بكل ما أوتيت. فقط لا تتوقع أن يحميك التعديل الرابع.