مواكبة شركات التأمين السعودية لنمو القطاع دونها 3 خطوات

الاندماج والاستحواذ خياران استراتيجيان لتعزيز الملاءة المالية للشركات وتنافسيتها وإعادة تشكيل القطاع

طبيب يحمل سماعة في إحدى المستشفيات.. حجم أقساط التأمين الصحي في المملكة بلغت 31.8 مليار ريال
طبيب يحمل سماعة في إحدى المستشفيات.. حجم أقساط التأمين الصحي في المملكة بلغت 31.8 مليار ريال المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تطمح السعودية لتعزيز مساهمة قطاع التأمين في الاقتصاد غير النفطي ليصل إلى 4.75% بحلول 2030. لكن هذا المستهدف يتطلب 3 خطوات رئيسية من قِبل الشركات، تتمثل بتحقيق وفورات الحجم عبر الدمج والاستحواذ، وطرح منتجاتٍ جديدة مبتكرة، وتركيز استثماراتها وتعظيم عائداتها، بما يسرّع إعادة تشكيل هذا القطاع.

قفزت أرباح شركات التأمين المدرجة ببورصة الرياض في الربع الثالث من العام الماضي بنحو 135% لتسجل 870 مليون ريال (232 مليون دولار)، ما انعكس ارتفاعاً بمساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 2.2% من 2.1% في الربع الثالث من 2022.

رغم هذا النمو، إلاّ أن التحديات التي تعترض القطاع والشركات العاملة فيه كثيرة، تبدأ من ضعف الوعي اللازم بشأن هذا القطاع، ولا تنتهي بمخاطر الاستثمار التي تواجهها الشركات.

قطاع التأمين في المملكة يتركز في 3 أقسام رئيسية، في مقدمتها التأمين الصحي، ثم التأمين العام، بالإضافة إلى تأمين الحماية والادخار.

التأمين الصحي، بشقيه الاختياري والإلزامي، أكبر أقسام القطاع بحجم أقساط تأمينية تناهز 31.8 مليار ريال، تمثل 59.7% من إجمالي الأقساط، وشهد نمواً بلغ 26.8% في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي مقارنة بالفترة المماثلة من 2022. في حين أن قيمة أقساط التأمين العام، الذي يشمل التأمين على المركبات والحوادث، بلغت خلال الفترة ذاتها نحو 13 مليار ريال.

الاندماج والاستحواذ

رغم نمو نشاطها، إلاّ أن شركات التأمين عانت على مدى سنوات من خسائر، ما أدّى إلى شطب 3 منها من السوق المالية الرئيسية "تداول"، قبل أن تحقق الشركات المتبقية وعددها 27 شركة مدرجة في "تداول"، أرباحاً صافية مجمّعة بلغت نحو 689 مليون ريال (184 مليون دولار)، وفق ما جاء في التقرير السنوي للبنك المركزي عن أداء سوق التأمين لعام 2022.

المتحدث باسم قطاع التأمين السعودي عادل العيسى أشار في مقابلة مع "الشرق" إلى أن 8 شركات تأمين استحوذت على 77.5% من إجمالي أقساط التأمين المكتتبة في السوق خلال الفترة ذاتها، في حين استحوذت الشركات الأخرى البالغ عددها 19 على النسبة المتبقية.

هذا الواقع يرتب على الشركات تدعيم موقفها لتتمكن من المنافسة، وزيادة حصتها في السوق السعودية، بحسب العيسى، الذي أشار إلى أن الاندماج والاستحواذ يعتبران من أهم الخيارات الاستراتيجية أمام الشركات لتوحيد الأنشطة وتعزيز المنافسة، وضخ المزيد من رؤوس الأموال.

اقرأ أيضاً: توسع فرص النمو يقفز بأرباح التأمين في السعودية 135% في 3 أشهر

خلال السنوات الماضية، شهدت السوق السعودية عمليات اندماج على غرار اندماج شركتي "ولاء" مع "ساب" و"ميتلايف"، و"سوليدرتي" مع "الجزيرة تكافل"، و"الأهلية" مع "اتحاد الخليج"، و"الدرع العربي" مع "الأهلي تكافل" و"الإنماء طوكيو مارين".

الرئيس التنفيذي لشركة "سي إيه آي أس" للخدمات الأكتوارية سليمان بن معيوف، الذي توقع حدوث عمليات اندماج واستحواذ مستقبلية، أشار في مقابلة مع "الشرق" إلى وجود أزمة أخرى أمام الشركات العاملة في القطاع قد تسرع هذه العمليات، وهي ضعف رؤوس الأموال لدى هذا الشركات، ما يعني "عدم وجود كيانات مالية قادرة على الوفاء بالتزاماتها ودفع التعويضات للمتضررين".

رفع الأسعار وزيادة الاستثمار

زيادة الاستثمارات وتعظيم عائداتها من النقاط التي تعمل الشركات على تقويتها أيضاً، وهو موقف أعلنت عنه شركة "التعاونية للتأمين"، الأكبر في المملكة، على لسان رئيسها التنفيذي عثمان القصبي في حديث سابق لـ"الشرق"، إذ أفصح أن شركته تستهدف رفع العائد على الاستثمار إلى 9% بحلول 2027.

العيسى أشار إلى أن الشركات قادرة على تحقيق زيادة في عوائد الاستثمار من خلال العديد من الاستراتيجيات والمبادرات المختلفة، مشدداً على ضرورة التركيز على تنويع المحافظ الاستثمارية وتوزيع المخاطر، وتخصيص الأصول الاستراتيجية بناءً على الأهداف المالية للشركة، والاستفادة من التقنية وتحليلات البيانات لتعزيز عملية صنع القرار الاستثماري، ومراقبة اتجاهات السوق والظروف المتغيرة.

قد يكون رفع أسعار الوثيقة التأمينية من أسهل الحلول لتعظيم إيرادات وأرباح أي شركة في العالم، لكن هذا الأمر ليس سهلاً على شركات التأمين في المملكة، نظراً لأن الأسعار لا تخضع لعملية العرض والطلب فقط، وإنما هناك اعتبارات تتعلق بحجم وأنواع الأخطار وقيمها والظروف الاقتصادية وأسعار إعادة التأمين العالمية التي تعتمد عليها أغلب شركات التأمين، وفق بن معيوف.

اقرأ أيضاً: موديز: إلزامية التأمين في السعودية تعزز ربحية القطاع في 2023 و2024

من جهته، أشار العيسى إلى أن أسعار التأمين تُبنى على أُسس علمية يتبناها الخبراء الأكتواريون. كما تتعاون شركات التأمين مع الجهة المشرفة على القطاع قبل أن تقرر أي زيادة في الأسعار، والتي تعتمد على التقارير الأكتوارية وتسعير الخدمات الطبية وتلك المتعلقة بالمركبات وغيرها، فضلاً عن الملاءة المالية والالتزامات وكفاية إعادة التأمين.

تحديات التأمين على المركبات

يبلغ عدد المركبات في السعودية حوالي 14.9 مليون مركبة، في حين أن عدد الوثائق الصادرة للمركبات لم يتجاوز 7.6 مليون وثيقة، ما يعني وجود فجوة تصل نسبتها إلى نحو 50%.

العيسى اعتبر أن هذه الفجوة تعود بشكل رئيسي إلى "عدم وجود الوعي الكافي بأهمية تأمين المركبات"، فضلاً عن وجود اختلاف بين فترة وثيقة التأمين "12 شهراً" وفترة رخصة السير "ثلاثة أعوام". ونبّه إلى أن هذا الواقع، بالإضافة إلى ارتفاع عدد حوادث السير، عوامل مؤثرة على أسعار وثائق التأمين، ونتائج الشركات.

إضافةً لما سبق، فإن التأمين على المركبات يواجه معضلة ارتفاع أسعار قطع الغيار، وتكاليف الإصلاح في الوكالات والورش، فضلاً عن تزايد أعداد حالات الاحتيال على التأمين التي تكلّف شركات التأمين خسائر مادية كبيرة من حيث الإثبات والتحقق، وفق المتحدث باسم القطاع.

اقرأ أيضاً: "السيادي" السعودي يدخل قطاع التأمين بالمملكة عبر حصة في "إعادة"

من جهته، اعتبر بن معيوف أن العمليات الاحتيالية تكبد شركات التأمين خسائر مالية ضخمة، داعياً إلى إيجاد حلول لهذه الأزمة، على غرار إنشاء جهة مختصة لمكافحة الاحتيال التأميني.

أما العيسى، فاعتبر أن أحد الحلول المطروحة لهذه المعضلة يتمثل في التعاون والتكاتف بين الأطراف المعنية لرفع الوعي المروري ومكافحة الاحتيال، وتفعيلها لمنع التجاوزات.

منتجات جديدة وتعديلات

في ما يتعلق بالمنتجات التأمينية الجديدة، توقع العيسى أن توسع الشركات مستقبلاً نطاق منتجاتها مبتعدةً عن المنتجات التقليدية والإلزامية أو التي تتطلب ميزانية كبيرة. بينما توقع بن معيوف أن ترى السوق تغطيات تأمينية تختص بالأمن السيبراني، والأخطار الخاصة في المدن الذكية مثل "نيوم"، و"أمالا"، و"القدية"، و"ذا لاين"، وغيرها.

تدرك الجهات التنظيمية هذه التحديات، ما دفعها إلى إنشاء هيئة مستقلة للتأمين والتي بدأت أعمالها في نوفمبر الماضي، بعد أن كان القطاع يخضع لمشرّعين هما البنك المركزي ومجلس الضمان الصحي التعاوني.

كما أن شركات التأمين وإعادة التأمين بدأت بتطبيق المعيار الدولي المحاسبي رقم 17 (IFRS17) الخاص بعقود التأمين بدءاً من يناير 2023، ما سيوفر معلومات أكثر دقة وشفافية وجودة، وفقاً لما صرح به العيسى.

من جهته أشار بن معيوف إلى أن هيئة التأمين ألزمت الشركة المساهمة أو فروع الشركة الأجنبية المزاولة لأنشطة التأمين أو إعادة التأمين، بوضع سياسة استثمارية مكتوبة ومعتمدة من مجالس الإدارات، بهدف تنظيم عمليات الاستثمار وطرق إدارة المحافظ الاستثمارية.

كما ألزمت هيئة التأمين شركات التأمين بتحليل 10 مخاطر للاستثمار كحد أدنى وهي: ‌مخاطر السوق، ومخاطر الائتمان، ومخاطر أسعار الفائدة، ومخاطر أسعار صرف العملات، ومخاطر السيولة، ومخاطر العمليات، ومخاطر الدول، ‌والمخاطر القانونية، ومخاطر إعادة التأمين، وأخيراً مخاطر التقنية.