هل تتعثر "أبل" بسبب التشاحن الأميركي الصيني في 2024؟

رياح معاكسة قد تواجه الشركة في سوق الهواتف الذكية هذا العام في ظل التوترات الجيوسياسية وعودة قوية لـ"هواوي"

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم تراهن أي شركة تقنية أميركية على الارتباط الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة بقدر ما فعلت "أبل"، إذ أنها تعتمد على العمال الصينيين لتصنيع هواتف "أيفون" وعلى مستهلكيها ليشتروها.

يبدو أن ذلك يجعل تدهور علاقات القوتين العظميين العالميتين خطراً استثنائياً على الشركة وعلى رئيسها التنفيذي تيم كوك، الذي كان مسؤولاً عن قرار "أبل" بتعهيد الإنتاج إلى الصين قبل فترة طويلة من بلوغه قمة هرم الشركة خلفاً لستيف جوبز في 2011.

لكن حتى فترة قريبة، لم يتباطأ نشاط الشركة بقدر يُذكر بسبب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي بدأت خلال رئاسة دونالد ترمب واشتدت خلال رئاسة جو بايدن. لقد شنّ بايدن حملة قوية للحيلولة دون تطوير الصين لأشباه الرقائق المتطورة، كما نعت الرئيس الصيني شي جين بينغ بـ"الدكتاتور". وقد سعى شي لتفعيل استراتيجية تحد من اعتماد الصين على التقنية الآتية من الغرب، لكن كل ذلك لم يبد مهماً.

لقد حصّلت "أبل" في 2023 إيرادات قدرها نحو 73 مليار دولار في المنطقة التي تطلق عليها الصين الكبرى، وهي تشمل عملياتها في تايوان وهونغ كونغ، مقارنةً مع 32 مليار دولار في 2014. تباطأ النشاط في الصين خلال 2023، لكن ليس بنفس وتيرة ما حدث في مناطق أخرى، وقد جاء نحو 19% من إيرادات "أبل" من الصين في العام المالي المنتهي في سبتمبر، بارتفاع طفيف عن 2022.

عاملون في أحد مصانع شركة "فوكسكون" في جانغجو، الصين
عاملون في أحد مصانع شركة "فوكسكون" في جانغجو، الصين المصدر: في سي جي/غيتي إيمجز

مخاطر وشيكة

رغم أن الشركة لم تتأثر بالاضطرابات الجيوسياسية، فإن "أبل" تستهل 2024 مع مخاطر قد تجرها إليها. سيكون ذلك فألاً سيئاً للشركات الأميركية الأخرى التي تواجه ضغوطاً متزايدة من جانب بكين، على هيئة لوائح تنظيمية ومنافسة نشطة من جانب الشركات المحلية، التي لطالما سعى صنّاع السياسات الصينيون لتمكينها.

في سبتمبر، أبلغت هيئات حكومية صينية في بعض المدن الموظفين أنهم لم يعد مسموحاً لهم جلب هواتف "أيفون" إلى مقار عملهم، وذلك في إطار خطة أشمل لإبعاد هواتف "أيفون" عن المكاتب التي تديرها الدولة. قالت "بلومبرغ نيوز" إن بعض الشركات والوحدات الحكومية في ثماني مقاطعات على الأقل طلبت من موظفيها حتى ديسمبر استخدام هواتف من إنتاج علامات تجارية محلية، وكانت تلك خطوة تصعيدية رئيسية في الحملة.

اعتماد الصين على التكنولوجيا الغربية لن يطول كثيراً

رد مسؤولون صينيون على التقرير المبدئي بشأن القيود الجديدة بالإشارة إلى أن الدولة لم تحظر الهواتف التي تصنعها "أبل" أو الشركات الأجنبية الأخرى، لكنهم ألمحوا أيضاً إلى "حوادث أمنية متعلقة بهواتف (أبل)".

وصف البيت الأبيض في سبتمبر تلك القيود بأنها "ردة فعل انتقامية شديدة وغير ملائمة". بدا كوك كأنما يقلل من أهمية التقرير في مقابلة مع "سي بي إس نيوز" (CBS News)، مشيراً إلى أنه لم ير أي تغيرات رسمية في السياسات.

تقدم صيني

ربما كان مستخدمو الهواتف الذكية الصينيون سيتجاهلون الحظر لولا وجود عامل آخر: التقدم التقني الذي أحرزته الشركات الصينية. قال جيمس لويس، الدبلوماسي الأميركي السابق الذي يعمل حالياً نائباً أول لرئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن الصين حاولت دفع "أبل" إلى خارج سوق الهواتف الذكية المحلية على مدى أكثر من عقد، لكنها لم تحقق نجاحاً يُذكر. أضاف: "ما تغيّر هو أنه أصبحت هنالك هواتف صينية ممتازة".

الولايات المتحدة تتخبط في سعيها لدعم صناعة الرقائق

في أغسطس، أعلنت شركة "هواوي تكنولوجيز " عن جهاز يكاد يقارن بهاتف "أيفون 15 بروماكس" وهو أعلى هواتف "أبل". يمثل هاتف "ميت 60 برو" الجديد عودة "هواوي" إلى سوق الهواتف المتطورة، وكانت مبيعاتها من الهواتف الذكية قد تخطت مبيعات "أبل" لفترة وجيزة في 2019 قبل تهميشها.

فرض ترمب ضوابط على الصادرات في 2020، ما حال دون حصول "هواوي" على الرقائق المتطورة من الموردين العالميين، ومنهم رائدة القطاع "تايوان سيميكوندكتور مانوفاكتشورينغ" . أدت تلك القيود إلى نفاد الرقائق المتطورة لدى "هواوي" وتراجعت حصتها السوقية في 2021 و2022.

منافسة قوية

لا يستخدم هاتف "ميت 60 برو" رقائق "تايوان سيميكوندكتور مانوفاكتشورينغ"، بل يعمل برقائق من إنتاج "سيميكوندكتور مانوفاكتشورينغ إنترناشونال"، وهي شركة تدعمها الدولة تتخذ من شنغهاي مقراً لها. في 2020، كانت أفضل رقائق "سيميكوندكتور مانوفاكتشورينغ إنترناشونال" بتقنية 14 نانومتر، وهو ما جعلها تتخلف سنوات عن أحدث ما توصلت له التقنية.

تعني القياسات الأصغر في الرقائق أن المعالج أسرع وأكثر فاعلية، إذ تستخدم أقوى هواتف "أبل" رقائق بتقنية 3 نانومتر. تستطيع "سيميكوندكتور مانوفاكتشورينغ إنترناشونال" الآن أن تصنع رقائق بتقنية 7 نانومتر التي تداني أحدث التقنيات، وقد جعلتها أقرب قليلاً إلى نقطة التكافؤ تقنياً مع "أبل".

ارتفعت حصة "هواوي" السوقية في سوق الهواتف المتطورة بشكل كبير من 11% في 2022 إلى 24% خلال الربع الثالث من 2023، وفقاً لشركة "آي دي سي" (IDC) للأبحاث. قالت نبيلة بوبال، مديرة الأبحاث في الشركة، إن النجاح الذي حققه الهاتف الجديد دفع "آي دي سي" لخفض توقعاتها لمبيعات "أبل" في الصين لعام 2024. قالت: "نجاح (هواوي) يؤثر بقوة على نمو (أبل) في الصين".

"هواوي" تنتقم فيما تداني الصين ركب تطور أشباه الموصلات

ما تزال "أبل" تحظى بقاعدة ضخمة من المحبين في الصين، وشهد المتجر الرئيسي للشركة في بكين طوابير طويلة في ديسمبر فيما كان الشراة ينتظرون دورهم ليحصلوا على هاتف "أيفون" الجديد. سعت "أبل" لتأكيد تمسكها بالبلاد، مشيرة إلى أن سلاسل إمداد الشركة توظف نحو خمسة ملايين شخص في الصين. خلال زيارة إلى بكين في مارس، ألقى كوك خطاباً يشيد بالعلاقة "التعاضدية" بين "أبل" والصين.

تحوط خارج الصين

لكن يبدو أن كوك يحاول خلف الكواليس أن يتحوط فيما تشتد عدوانية الخطاب بين الصين والولايات المتحدة، إلى جانب مخاوف حول مخاطر تركُّز سلاسل الإمداد التي أثارتها القيود المفروضة بسبب فيروس "كوفيد-19" والاحتجاجات العنيفة في أحد مصانع "أيفون" في أواخر 2022. كثفت "أبل" جهودها لنقل جانب من التصنيع إلى الهند وجنوب شرق آسيا. ويتجه موردون مثل "فوكسكون تكنولوجي غروب" التايوانية و"تاتا غروب" للتوسع أو التخطيط لمصانع جديدة في الهند، حيث تسعى "أبل" أيضاً لبيع مزيد من الهواتف.

"تاتا" تعتزم فتح مصنع أيفون جديد وتسريع توسع "أبل" في الهند

يبدو تنويع سلاسل الإمداد ولو جزئياً محاولةً منطقيةً لخفض تأثر "أبل" بالارتدادات الجيوسياسية. لكن قد يكون لذلك تأثير عكسي، إذ أن "أبل" من الشركات الرئيسية من ناحية التشغيل في الصين، وربما تكون الحملة التي تشنها الحكومة على هواتف "أيفون" بمثابة تحذير من نقل الوظائف إلى خارج البلاد.

في نوفمبر، قدّمت كبيرة مسؤولي أبل التنفيذيين في الصين إيزابيل جي ماهي ما بدا على أنه ردٌ على ذلك عبر مقابلة نادرة مع الإعلام الحكومي، أشادت فيها بالمصنّعين الصينيين الذين يلعبون دوراً حيوياً في سلاسل إمداد الشركة.

إذا كان هدف المقابلة هو تهدئة التوترات فربما لم تكن كافية، إذ تلتها قيود جديدة في شركات تدعمها الدولة في الشهر التالي، ما هدد بإقصاء نحو 80 مليون شخص يعملون في شركات تملكها الحكومة عن سوق "أبل"، فيما تقدم الشركات الصينية المنافسة بدائل موثوقة على نحو متزايد للفئة ذاتها. قال لويس من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "ما تزال هواتف (أبل) هي الأفضل في السوق، لكن الفارق يتضاءل سنوياً".