لماذا سحبت فنزويلا قواتها من حدود غيانا؟

منطقة إيسيكويبو المتنازع عليها تعاني من نقص الطرق الجيدة والمياه والكهرباء

نيكولاس مادورو، رئيس فنزويلا، يدلي بصوته خلال التصويت على الاستفتاء بالعاصمة كاراكاس في فنزويلا
نيكولاس مادورو، رئيس فنزويلا، يدلي بصوته خلال التصويت على الاستفتاء بالعاصمة كاراكاس في فنزويلا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اختلفت فنزويلا وغيانا حول حدودهما المشتركة على مدى أكثر من قرن، ولكن تصاعدت حدة التوتر الناجم عن الخلاف منذ العثور على مكامن كبيرة من النفط بمنطقة إيسيكويبو المتنازع عليها. مع أوائل ديسمبر الماضي، أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عن عزمه ضم إيسيكويبو، والتي تغطي ثلثي أراضي غيانا تقريباً. بعد أيام قليلة، التقى مادورو ورئيس غيانا عرفان علي واتفقا على تجنب استخدام القوة لحل النزاع. في حين دفع وصول سفينة حربية تابعة للبحرية الملكية البريطانية، لإجراء مناورات مشتركة مع غيانا، مادورو إلى نشر ما يفوق 5 آلاف جندي والعديد من السفن والطائرات بمنطقة الساحل الشرقي لبلاده، أوضح وزير الدفاع الفنزويلي أنه سحب قواته بعد انسحاب السفينة الحربية. يسعى الزعماء عبر كافة أنحاء القارة -حيث تسود حالة عدم الاستقرار السياسي مع ندرة الصراع المسلح بين البلدان تاريخياً- إلى وقف تصعيد النزاع.

1. ما سبب الصراع؟

تركز تهديدات مادورو على حقوق تنقيب تمنحها غيانا لشركات النفط الكبرى بالمحيط الأطلسي، شمال إيسيكويبو وهي منطقة تبلغ مساحتها 61,600 ميل مربع يدعي البلدان أنها تابعة لهما. تقع معظم ثروات النفط المكتشفة في غيانا بصورة رئيسية في حوض ستابروك، حيث اكتشفت شركة "إكسون موبيل" 11 مليار برميل من الموارد البحرية، وهو أكبر اكتشاف خلال العقد الماضي. ينتج تحالف متعدد الشركات بقيادة "إكسون" جميع صادرات النفط في غيانا، والتي بلغت 333 ألف برميل من النفط يومياً تقريباً نوفمبر الماضي، ما يعادل ثلثي إنتاج فنزويلا. يُرجح نمو عوائد هذه الصادرات إلى 7.5 مليار دولار خلال 2030 من مليار دولار السنة الماضية، بحسب شركة "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy). الشركات الأخرى المشاركة هي "هيس" و"سينوك" الصينية. ستلحق بهم شركة "شيفرون"، التي لديها عمليات في فنزويلا، النصف الأول من السنة الحالية في أعقاب إتمام صفقة استحواذ على "هيس" بقيمة 53 مليون دولار. بحسب بلاتس (Platts)، فإن الإنتاج بطريقه لبلوغ مليون برميل يومياً مع نهاية العقد الحالي.

ما هي سيناريوهات النزاع بين غيانا وفنزويلا على ثروات النفط؟

خريطة توضح النزاع الحدودي القائم بين غيانا وفنزويلا
خريطة توضح النزاع الحدودي القائم بين غيانا وفنزويلا المصدر: بلومبرغ

2. ما خطط مادورو؟

بعد إجراء استفتاء وسط مزاعم بأنه كشف عن دعم واسع لقرار فنزويلا الاستيلاء على المنطقة، أكد مادورو أنه سيتحرك لإنشاء ولاية فنزويلية جديدة يطلق عليها اسم غيانا إيسيكويبو. ويعتزم منح الجنسية لسكان أراضي الغابة منخفضة الكثافة السكانية وتأسيس شركتين جديدتين مملوكتين للدولة وقاعدة عسكرية جديدة، والبدء في إصدار تراخيص نفط ومعادن لتطوير المنطقة. ترقى هذه الإجراءات إلى مستوى مهمة صعبة لبلد يعاني من واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية بالتاريخ الحديث رغم كونها على رأس أكبر احتياطيات النفط عالمياً. ورغم ذلك، تشمل ميزانية فنزويلا خلال 2024 تكاليف الدفاع عن إيسيكويبو للمرة الأولى. تزداد الأهداف صعوبة خاصة أن مادورو يملك تمويلاً محدوداً وأن معظم منطقة إيسيكويبو تعوزها الطرق الملائمة والمياه وخدمات الكهرباء. أصدر مادورو أيضاً إنذاراً نهائياً مدته 3 شهور لشركات النفط التي تعمل وسط الأراضي المتنازع عليها للخروج منها، وهو إجراء قد يعرض علاقته مع دول حليفة مقربة مثل الصين للخطر، حيث تملك حصصاً لها هناك.

غيانا تعزز إجراءاتها الأمنية لحماية أراضيها من فنزويلا

3. ما سياق الأحداث؟

يعود نزاع البلدان الجارة في أميركا الجنوبية حول حدودهما للقرن الـ19، إذ تطالب فنزويلا بكامل المساحة الواقعة غرب نهر إيسيكويبو، ما يمثل ثلثي ما تعتبره غيانا أراضيها تقريباً. خلال 1899، أعطت هيئة تحكيم دولية بريطانيا الإقليم. بعد ذلك، وقّعت الدولتان اتفاقية في جنيف لحل النزاع خلال 1966، وهي نفس السنة التي حصلت فيها غيانا على استقلالها عن بريطانيا. بعد عقود من المفاوضات الثنائية وجهود وساطة أكثر من قبل الأمم المتحدة فشلت في تحقيق نتائج، أحالت المؤسسة الدولية النزاع لمحكمة العدل الدولية خلال 2018، كما توقعت غيانا وما زالت ترغب في أن تفصل بالقضية. لكن فنزويلا لا تعترف بالولاية القضائية لمحكمة العدل الدولية. وتزعم أن اتفاقية جنيف كافية لإصدار القرار الصحيح الوحيد من الناحية القانونية.

فنزويلا تصعّد مع غيانا وتخطط لمنح تراخيص في المنطقة المتنازع عليها

جنود يسيرون خلال موكب احتفال فنزويلا بعيد الاستقلال بالعاصمة كاراكاس
جنود يسيرون خلال موكب احتفال فنزويلا بعيد الاستقلال بالعاصمة كاراكاس المصدر: بلومبرغ

4. ماذا يمكن أن يُسفر عنه الصراع؟

الوضع معقد جراء الطريقة التي قد يتقاطع بها هذا النزاع مع الأزمة السياسية الحالية في فنزويلا، إذ من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية خلال 2024 إذ تكشف استطلاعات الرأي أن مادورو متخلف بشدة عن مرشحة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو. يساور الشك الخبراء العسكريون في أن الخلاف مع غيانا سينتهي إلى صراع مسلح عملياً ما لم ير مادورو أن قبضته على السلطة عرضة للخطر. إذا وحدت المعارضة صفوفها قبل الانتخابات الرئاسية المقررة السنة الحالية، وفرضت عليه تقديم تنازلات نحو انتخابات حرة ونزيهة، يعتقد المحللون أن مادورو يمكن أن يصعّد من الوضع ويصدر مرسوماً طارئاً وربما يؤجل الانتخابات. رغم ما تعانيه من مشكلات اقتصادية، تملك فنزويلا قوة عسكرية أكبر للغاية مقارنة بغيانا، إذ يقدر بعض الخبراء الفارق بواقع واحد مقابل 100. رغم ذلك، إذا تدخل حلفاء غيانا، فقد يتغير ميزان القوة. يتفاخر المسؤولون في غيانا بالتحالف العسكري الدولي لبلادهم مع الولايات المتحدة الأميركية علاوة على بلدان أخرى.

إكسون تركز على إنتاج النفط في غيانا لدعمها بالنزاع مع فنزويلا

5. كيف كان رد فعل المجتمع الدولي وسوق النفط؟

عبّر أعضاء المجتمع الدولي، ولا سيما الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، عن قلقهم إزاء تصاعد حدة التوترات وطالبوا بإطلاق عملية حوار. لعبت البرازيل دوراً قوياً مع دول أخرى في الدعوة لعقد اجتماع بتاريخ 14 ديسمبر الماضي بين رئيسي فنزويلا وغيانا الذي أسفر عن صدور ما يُسمى "إعلان أرغيل". في حين لم يكن هناك أي رد فعل ملموس بسوق النفط حتى الآن، ذكرت "إكسون" أنها تراقب الوضع بشدة، وأشار مايك ويرث الرئيس التنفيذي لـ"شيفرون" إلى أن اللجوء للمحادثات أكثر احتمالاً من الحرب. أخيراً، أكد رئيس غيانا أن شركات النفط الأجنبية "تواصل العمل بقوة" على خطط الإنتاج رغم تهديدات فنزويلا بالاستيلاء على المنطقة.