معضلة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أمر جيد

جيروم باول، رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" الأميركي
جيروم باول، رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" الأميركي المصدر: غيتي إيمجز
محررو بلومبرغ
محررو بلومبرغ

الهيئة التحريرية في (رأي بلومبرغ)

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

جاءت أحدث البيانات الاقتصادية في الولايات المتحدة على نحو أفضل مما راود أغلب الناس قبل عام. فالتضخم سرعان ما انخفض بوتيرة أكبر بكثير مما توقعه بنك الاحتياطي الفيدرالي، وحتى الآن وصل إلى مستوى دون التباطؤ الاقتصادي المفاجئ وارتفاع معدلات البطالة التي كان العديد من الاقتصاديين يرجّحون حدوثه. في ظل عودة السيطرة على الأسعار، فإن المستثمرين واثقون من أن الخطوة التالية بالنسبة إلى أسعار الفائدة هي خفضها. والشغل الشاغل هو توقيت الخفض ومقداره.

من الحكمة توخي الحذر. فقد أصبح الهبوط السلس المأمول معقولاً على نحو متزايد، ولكن هذا لن يجعل مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي أسهل على الإطلاق. وفي اجتماعهم هذا الأسبوع، يتعين على صانعي السياسة النقدية في البنك المركزي تقييم المخاطر والشكوك التي لا يزال من الممكن أن تقلب التوقعات.

إعلان الانتصار

تؤكد الأرقام الجديدة التقدم الذي أُحرز حتى الآن فيما يتعلق بالتضخم. فقد ارتفع المقياس المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي -وهو مؤشر الأسعار لما يُسمى بنفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية- بنسبة 2.9% في ديسمبر مقارنة بالعام السابق، بانخفاض من 3.2% في العام حتى نوفمبر.

إذا كان هناك أي شيء، فإن هذا يقلل من وتيرة تراجع التضخم الأخيرة. بالنسبة إلى النصف الثاني من عام 2023، ارتفعت أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية بنسبة 1.9% فقط بمعدل سنوي، مما أعاد هذا المقياس إلى هدف "الاحتياطي الفيدرالي" البالغ 2%.

مع ذلك، من السابق لأوانه إعلان الانتصار. فالمزج بين الإجراءات المالية الصارمة والطلب الاستهلاكي الثابت، إلى جانب معدلات البطالة المنخفضة للغاية وانخفاض التضخم، هو أمر موضع ترحيب بالفعل- ولكنه في الوقت نفسه يثير الحيرة. توقعات العام الماضي دُحضت على كافة الأصعدة، وهو ما يدعو إلى التواضع عند التنبؤ بالوجهة التي ستمضي بها الأمور من هذا الحدّ.

تقلص رهانات خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في مارس

العودة إلى الوضع الطبيعي

في ظاهر الأمر، فإن اقتصاداًً ينمو، مع سوق عمل قوية وارتفاع الأجور، لا يحتاج إلى طلب إضافي وأسعار فائدة أقل. تعتمد معنويات السوق جزئياً على افتراض مفاده أن التشديد النقدي الصارم الذي بدأه بنك الاحتياطي الفيدرالي في ربيع عام 2022 يمكن، بل وينبغي، أن يتراجع بمجرد أن يفسح انخفاض التضخم المجال لذلك: بعبارة أخرى، مع كبح التضخم، يجب أن تعود السياسة النقدية إلى وضعها الطبيعي. هذا المنطق مثار تساؤل. فأولاً، لم يتمكن بنك الاحتياطي الفيدرالي بعد من تحقيق التضخم المستهدف. ثانياً، كما تظهر مجموعة التوقعات الخاطئة الأخيرة، فإن ما كان أمراً طبيعياً قبل الجائحة ربما لم يعد مجدياً.

على سبيل المثال، أدى الاضطراب في سوق العمل إلى تشويه العلاقة بين الاستقالة والوظائف الشاغرة، مما يتعذر معه تقييم مدى تضييق الظروف، وبالتالي معرفة الوجهة التي ينبغي أن تصل إليها أسعار الفائدة.

على أية حال، لابد أن الحجة المؤيدة لخفض أسعار الفائدة تؤثر على توقعات الطلب، وليس على التقدم المحرز فحسب حتى الآن في الحد من ارتفاع الأسعار.

في الواقع، من المرجح أن يتراجع الطلب في الأشهر المقبلة، وذلك بفضل ارتفاع تكاليف الاقتراض، والنمو الضعيف في الدخل الحقيقي المتاح، وتقلص المدخرات.

الاقتصاد المحيّر

يدرك "الاحتياطي الفيدرالي" هذا الاحتمال، ونظراً للتأخير قبل تأثير التغييرات بأسعار الفائدة على الاقتصاد، سوف يرغب في تخفيف السياسة تحسباً لأي تطور. لكن من المؤسف أنه إذا توقع البنك المركزي الأمر بفارغ الصبر، ولم يتراجع الطلب كما هو متوقع، فإن الاقتصاد المفرط في التحفيز قد يقلب مسار انتصار البنك المركزي الواضح على التضخم.

جرت الأمور على هذا النحو دائماً، وهو أن السياسة النقدية ليست سهلة. ومع ذلك، ومع استمرار الاقتصاد في مساره الحالي، فإن معضلة "الاحتياطي الفيدرالي" تمثل مشكلة جيدة. فهي لم تعد صراعاً من أجل ضرورة رفع أسعار الفائدة، بل فقط من أجل وتيرة تيسير مستقبلي. وفي الوقت الحالي، يستطيع البنك أن يتحلى بالصبر، حيث يتوقع أغلب المستثمرين عدم خفض أسعار الفائدة قبل شهر مارس. وبحلول ذلك الوقت، ستكون البيانات قد سلطت المزيد من الضوء على الاتجاه الذي قد يتجه إليه هذا الاقتصاد المحيّر.