"إيلي ليلي" تدخل إمبراطورية عقاقير السمنة من باب الحظ

طرحت الشركة "زيباوند" الجديد لإنقاص الوزن الذي يُتوقع أن يصبح الدواء الأكثر مبيعاً في التاريخ

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لو أن "إيلي ليلي" أخذت بنصيحة ريتشارد ديماركي، لكانت على الأرجح أول مقتحمي سوق أدوية خفض الوزن، التي قُدّر حجمها بنحو 80 مليار دولار، إذ كان ديماركي قبل ثلاثة عقود أحد العلماء العاملين في شركة صناعة الأدوية القائمة في أنديانابوليس، حيث أجرى بحوثاً على هرمون بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون المعوي فأثبتت إحدى تجاربه المصغّرة أن حقنه في الجسم يخفض وزن الإنسان.

خلُص ديماركي إلى أن تلك النتيجة واعدة جداً، فطلب وشريكه براءة اختراع. ما كان على "إيلي ليلي" إلا أن تصنع منتجاً يستند إلى هذه التقنية، لتصبح المالكة الحصرية لحقوق بيع أدوية إنقاص الوزن لعقد على الأقل.

لم يحدث ذلك لأنهم "لم يكونوا مهتمين بالأمر"، حسب ما روى ديماركي متحدثاً من مكاتب شركته "أم بي أكس بيوساينسز" (MBX Biosciences) وهي واحدة من ستّ شركات متخصصة بالبيولوجيا الحيوية أسسها انطلاقاً من بحوث بدأها إبان عمله لدى عملاقة صناعة الأدوية.

ركّزت "إيلي ليلي" بعدها على تخصّصها المربح في مجال داء السكري وعلى البحث عن عقار آخر يضاهي نجاح دوائها الأكثر مبيعاً "بروزاك" وهو مضاد للاكتئاب، وعلى تطوير أدوية علاج السرطان. كان زملاؤه ومديروه يقولون إن السمنة ليست مرضاً، وأن لا أحد سيحقن نفسه بإبرة كي ينقص وزنه.

قال الرجل الذي بلغ من عمره 71 عاماً: "كنت أسمع ذلك تكراراً، ولا يسعني أن أزعم أنني كنت أسمعه من شخص واحد، بل كان ذلك لسان حال البنية التحتية للشركة برمتها."

ريتشارد ديماركي
ريتشارد ديماركي المصدر: بلومبرغ

فرصة ضائعة

في نهاية المطاف، ارتأى ديماركي أن يحقق ثروة لنفسه من الأدوية المتنوعة التي يمكن صنعها بواسطة بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون، طالما "إيلي ليلي" لا تعير لذلك بالاً، فاستقال من منصبه في 2003 قبل شهرين من صدور براءة اختراعه، منهياً مسيرة استمرت 22 عاماً في الشركة. لقد باع منذئذ ثلاث شركات بيولوجيا حيوية متخصصة بالسمنة والسكري، اثنتان منها إلى شركة "نوفو نورديسك"، منافسة "إيلي ليلي" الأشد، لقاء مبالغ لم يكشف عنها، والثالثة لشركة "روش" مقابل نحو 537 مليون دولار.

قال ديماركي إن البحوث حول بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون لمعالجة السمنة "توقفت ببساطة" لدى "إيلي ليلي" بعد مغادرته، فيما أوضح جيفري إيميك، أحد نواب الرئيس لشؤون تطوير المنتجات الذي يعمل في "إيلي ليلي" منذ التسعينات أن اهتمام الشركة بأدوية إنقاص الوزن "كان يشتد ثم يخبو"، وأضاف: "لم نظنّ أنها ستكون فعّالة بهذا القدر".

انتهت صلاحية براءة الاختراع في 2017، وفي العام التالي، طرحت "نوفو" عقار "أوزمبيك" المصنوع من بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون، الذي على الرغم من كونه معدّاً لعلاج داء السكري، إلا أنه جعل حقن إنقاص الوزن جزءاً من الثقافة العامة. وأسهم هذا الدواء إلى جانب دواء "وويغوفي" (Wegovy) المتخصص بمعالجة السمنة في تحقيق إيرادات بنحو 33 مليار دولار لصالح شركة الأدوية الدنماركية حتى الآن.

الأكثر مبيعاً

تأمل "إيلي ليلي" الآن أن تتمكن من تعويض الوقت الضائع، فقد طرحت في ديسمبر حقن "زيباوند" (Zepbound) لتخفيف الوزن، التي يتوقع أن تصبح الدواء الأكثر مبيعاً في التاريخ. إذ دخلت هذه الحقنة من "ليلي" سوقاً شهيتها مفتوحة أصلاً لأدوية خفض الوزن لدرجة أنه يصعب على شركات الأدوية مواكبة الطلب، كما أن دواءها يساعد على الأرجح في إنقاص الوزن بما يفوق جميع الأدوية التي طرحتها "نوفو" حتى الآن.

أما المستثمرون، فوضعوا آمالهم عند "ليلي"، التي أصبحت في أغسطس أول شركة أدوية تتجاوز قيمتها السوقية عتبة 500 مليار دولار، وتداني حالياً 600 مليار، أي ما يفوق القيمة السوقية لشركة "تسلا".

يقف دواء "زيباوند" إلى جانب دواء "مونجارو" المصنوع من بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون لمعالجة السكري خلف بعض هذه الحماسة تجاه الشركة، إلا أن أسهم "ليلي" استمرت بالارتفاع بفضل توقعات بأن أدويتها ستتيح إنقاص مزيد من الوزن وتقلّل من المضاعفات وتحمل مزيداً من الفوائد الصحية. قال جون لي، المحلل لدى شركة "ترويست سيكوريتيز" (Truist Securities)، إن الشعار المرفوع في أوساط المستثمرين اليوم هو "ما عليكم إلا أن تشتروا أسهم (ليلي)".

تخلّفت "ليلي" إلى حدّ ما في سباق أدوية معالجة السمنة، لكن حين تبوّأ رئيسها التنفيذي ديفيد ريكس منصبه في 2017، كلف كبير علمائها دانيال سكوفرونسكي بأن يبحث عن أفضل أبحاث داء السكري الواعدة لدى الشركة.

أدوية إنقاص الوزن فعّالة.. لكن الحصول عليها صعب

وقع سكوفرونسكي على دراسة صغيرة حول مدى سلامة استخدام مركّب يحمل اسم "تيرزيباتيد"، وهو مزيج من بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون مع هرمون آخر. وفيما كان يطالع التقرير، لفته أمر غريب هو أن بعض المشاركين فقدوا كثيراً من الوزن خلال تلقيهم الدواء، لدرجة أنهم انسحبوا من التجربة.

قال في مقابلة مع بلومبرغ بزنيسويك في يناير على هامش مؤتمر "جيه بي مورغان" للرعاية الصحية في سان فرانسيسكو، وكان فيه أحد نجوم هذا العام: "كان ذلك أشبه بإشارة ضوئية خضراء عملاقة". ما إن اطلع ريكس على الدراسة حتى تحرك بأقصى سرعة لطرح الدواء في السوق. وبعد خمس سنوات، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على عقار "زيباوند" لإنقاص الوزن.

مواكبة الابتكار

تطول قائمة الشركات التي خفت بريقها بعدما أخفقت في اللحاق بركب الابتكار، منها "بلوكبستر" مع خدمات البثّ الرقمي و"نوكيا" مع الهواتف الذكية و"كوداك" مع التصوير الرقمي. لكن في عالم شركات الأدوية، أن تصل أولاً قد لا يصبّ دائماً في مصلحتك. مثلاً، قادت شركة "ميرك" تطوير الستاتينات، لكن دواء "ليبيتور" من "فايزر" ظل حتى 2020 الأكثر مبيعاً في التاريخ. ويتربع دواء "هوميرا" (Humira) لعلاج التهاب المفاصل على العرش اليوم. تؤشر الأدلة الأولية إلى أن "زيباوند" يسير على الطريق نفسه. فبعد شهر من طرح الدواء، ازداد إدراجه في وصفات الأطباء بنسبة 192% مقارنة مع الأسبوع الذي سبق ذلك، حسب "بي أم أو كابيتال ماركتس" (BMO Capital Markets)، في حين استغرقت أدوية "نوفو" ثلاثة إلى أربعة أضعاف هذا الوقت لتبلغ ذات المستوى من النمو.

قال دانيال دراير، وهو أحد العلماء الذين أسهموا في اكتشاف وظيفة هرمون بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون في مستشفى مساتشوستس العام: "من العبارات التي أحبها في مجال تطوير الأدوية: أن يحالفك الحظ أفضل من أن تكون جيداً". لكن مشكلة الشركات المتداولة في البورصة ويحاسبها مساهموها هي أن الحظ يتقلب.

تعود المنافسة بين "إيلي ليلي" و"نوفو نورديسك" إلى زهاء قرن، وقد بدأت مع أحد أهم ابتكارات الطب المعاصر. في الماضي، كان تشخيص إصابة شخص بالسكري يوازي حكماً بالإعدام، إذ لا يتجاوز العمر المتوقع أن يعيشه خمس سنوات، واستمر ذلك حتى اكتشاف حقن الأنسولين في 1922. بعد ذلك بفترة قصيرة، بدأت "ليلي" بضخ هذا الهرمون في السوق الأميركية، وكذلك فعلت "نوفو" في الأسواق خارج أميركا الشمالية. وخلال المئة سنة التي تلت، سعت الشركتان للتفوق، فابتكرت "نوفو" حقن أنسولين ذات مفعول أطول، فيما ابتكرت "ليلي" أول كمية من الأنسولين الصناعي الحيوي، ما أسهم في خفض الأسعار وتسهيل الإنتاج واسع النطاق، ثم ابتكرت "نوفو" قلم حقن الأنسولين.

أوروبا تخاطر بخسارة ملياري يورو سنوياً في بحوث الدواء

متنافستان لدودتان

بدأ بعدها السباق نحو تطوير الأدوية التي تحتوي على بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون في محاولة لضبط معدل سكر الدم دون استخدام الأنسولين. كلّفت الشركتان صانعي الأدوية لديهما بالعمل على هذه المهمة، وتولاّها ديماركي في "ليلي" و"لوتي بيير كنودسن" في "نوفو"، وسرعان ما لاحظا أن الهرمون يساعد على خفض الوزن. قالت كنودسن، كبيرة الاستشاريين العلميين في "نوفو" حالياً: " لا يمكن إنكار قدرة بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون على إنقاص الوزن".

إلا أن الشركتين سارتا في طريقين مختلفين بعد ذلك. قال ديماركي "كانت (ليلي) شركة مختلفة تماماً عن (نوفو)".

تتفوّق "نوفو" في مجال واحد هو السكري، إذ تأسست الشركة بهدف التسويق للأنسولين. فأحد مؤسسيها عالم فاز بجائزة نوبل وزوجته مصابة بالسكري، والآخر طبيب متخصص بداء السكري. حتى إن تصميم مقر الشركة قرب كوبنهاغن مستوحى من شكل جزئية أنسولين. تعرضت كنودسن لنصيب من الاستهانة بعلاجات السمنة من زملائها الذين يعتبرون أن "نوفو" منشغلة بإنتاج الأنسولين بالقدر الأقصى الذي تستطيع إنتاجه، إلا أن الأشخاص الأكبر تأثيراً في الشركة اقتنعوا بأبحاثها، وقالت: "تلقيت دعماً من القيادة".

في "ليلي"، كان الوضع مختلفاً، فالمنتجات متنوعة أكثر، فعلى الرغم من أن الأنسولين كان يحقق أرباحاً ثابتة، لم يكن يُنظر إليه على أنه جوهرة التاج. قال ديماركي: "في كثير من الدوائر، كان يُنظر إليه على أنه سلعة، ولم يكن بين المنتجات التي تتصدر اهتمام الشركة".

ثورة الطب الحيوي تحتاج إلى اقتصاديين صالحين

ركزت "ليلي" على علاجات لأمراض أخرى، محققة بعض النجاح. فقد أسهم عقار "بروزاك" بـ35% من إجمالي مبيعات الشركة في التسعينيات. ولكن في آخر أيام ديماركي في "ليلي"، كانت الشركة تنتظر يوماً تخشاه، وقد سماه منسوبوها "العام X"، في إشارة إلى عام 2001 الذي ينتهي فيه حظر إنتاج شركات أخرى لعقار "بروزاك" بموجب براءة اختراعه.

طرح دواء "نوفو"

كان سيدني توريل يشغل منصب الرئيس التنفيذي حينها، وقد سعى لإنهاء اعتماد الشركة على منتج أساسي واحد. فطرح نحو عشرة منتجات مخصصة لمعالجة أمراض مختلفة، لم تكن السمنة بينها، وإن كان "بروزاك" يوصف أحياناً لخفض الوزن رغم أن ذلك ليس الغرض منه.

فيما استمرت البحوث على بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون لمعالجة السكري. (حتى إن "ليلي" حصلت على الموافقة لأول عقار من هذا النوع هو "بييتا" (Byetta) عام 2005). قال ديماركي إن الموارد التي كان يحتاجها "خصصت لتطوير منتجات أخرى اعتبرها تقليدية". بحلول 2008، كبّد انتهاء صلاحية براءات الاختراع "ليلي" خسارة بقيمة ثلث إيراداتها، وسبب لها تراجعاً أكبر في الأرباح.

مقر "نوفو نورديسك" قرب كوبنهاغن
مقر "نوفو نورديسك" قرب كوبنهاغن المصدر: بلومبرغ

في غضون ذلك، كانت كنودسن تواصل دفع أبحاثها قدماً في "نوفو". قالت: "كنت مصمّمة، وناضلت من أجل مشروع بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون"، وقد ازداد الدعم لها كلما حققت بحوثها مزيداً من النتائج الإيجابية.

حين صنفت الرابطة الأميركية للطب السمنة مرضاً في 2013، كانت الحقنة قد أصبحت شبه جاهزة لدى الشركة التي تنشط في دولة معدل السمنة فيها أقل بكثير منه في إنديانا، معقل "ليلي". في العام التالي، أصبح "ساكسيندا" أول دواء من بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون مخصص لإنقاص الوزن يحظى بموافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية. فتمكنت "نوفو" من بيع الدواء قانونياً بعد أن طعنت بصلاحية براءة اختراع ديماركي التي احتفظت "ليلي" بملكيتها. قال أرتي راي، المحامي الخبير بالملكية الفكرية والأستاذ في كلية الحقوق في جامعة "ديوك" إن موقف "ليلي" كان "ضعيفاً نسبياً" لعدم طرحها لمنتج فعلي. وقد رفض متحدث باسم "ليلي" التعليق.

في ذلك الوقت، كان ألزهايمر محطّ اهتمام "ليلي"، فقد أنفقت 3 مليارات دولار على بحوث علاجات له، حتى إنها اشترت منزل طفولة ألويس ألزهايمر، الطبيب النفسي الألماني الذي اكتشف المرض كما اشترت مجهره الأصلي. (تُعرف "ليلي" باهتمامها بالقطع التاريخية، إذ يضمّ مقرها مجسماً لصيدلية مؤسس الشركة العقيد إيلي ليلي الأولى ومتحفاً يعرض فيه بعض مقتنياته، ومنها بزته العسكرية التي تعود للحرب الأهلية وكرسي هزاز لوالده غوستاف ومكتب من طراز كوين آن من مكتبته المنزلية).

يغني عن جراحة

شغل ريكس سابقاً منصب رئيس قسم الأدوية الحيوية في "ليلي"، حيث كان يشرف على معظم البحوث حول ألزهايمر، وبحلول 2017 حين عُيّن رئيساً تنفيذياً لم تكن هذه البحوث قد أتت ثمارها بعد، فقد أخفقت تجارب كثيرة في مراحلها الأخيرة دون التوصل إلى حقن تعد بأن تصبح العلاج الأول من نوعه الذي يُبطئ تقدم الأمراض التنكسية. إلا أن علاجات السكري استمرت تدرّ الأموال على الشركة، بالأخص دواء "تروليسيتي" (Trulicity) الأكثر مبيعاً. في تلك اللحظة بالذات، اتخذ ريكس القرار الأكثر ربحية في مسيرته المهنية، حين أرسل سكوفرونسكي للبحث عن فرص في مجال البحوث حول السكري.

ما إن لاحظ ريكس قدرة "تيرزيباتيد" على إنقاص الوزن، حتى أمر سكوفرونسكي "بالإسراع قدر الإمكان في العمل على تطويره".

بعد سنتين، اصطحب ريكس ابنته في زيارة إلى جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وأراها صالة لورنس للعلوم حيث أمضى مخيماً صيفياً. فيما كان يقف خارج الصالة، تلقى اتصالاً من رئيس قسم داء السكري في الشركة ليبلغه عن نتائج إحدى التجارب على " تيرزيباتيد" في المرحلة المتوسطة. فقد أظهرت الدراسة التي شملت 318 شخصاً أن بعضهم فقد نحو 11 كيلوغراماً في 26 أسبوعاً خلال تلقيهم الدواء، وهو وزن كان يُعتقد سابقاً أنه لا يمكن التخلص منه إلا عبر عملية جراحية. حينها أدرك ريكس أن "النجاح العظيم للدواء ليس مجرد احتمال بل إنه أكيد".

يلتقي سنوياً آلاف الباحثين والأطباء والمديرين التنفيذيين في مجال الرعاية الصحية المتخصصين بمشاكل السمنة من أجل التعارف والاطلاع على البحوث وتداول الأفكار خلال فعاليات "أسبوع السمنة". أقيمت هذه الفعالية في دالاس في أكتوبر وقد تجلّى خلالها بوضوح صراع الصدارة في مجال أدوية إنقاص الوزن. فقد تدلّت لافتة "ويغوفي" الضخمة التي علقتها "نوفو" الراعي الأكبر للفعالية من سقف الصالة، فيما اختارت "ليلي" موقعاً استراتيجياً لكشكها الأحمر الساطع عند المدخل. لم يكن "زيباوند" قد حصل على موافقة إدارة الدواء والغذاء بعد، مع ذلك كان حديث الساعة، فقد اصطفّ الأطباء واختصاصيو الرعاية الصحية قرب كشك "ليلي" لتناول القهوة بالحليب مع الكراميل الخالية من السكر في أكواب تحمل علامة "ليلي".

دواء أنجع

كسر "زيباوند" حاجزاً جديداً في مجال علاجات السمنة، فهو دواء ذو ناهضين يحاكي تأثير هرمونين مختلفين، إذ تمزج الحقنة بين بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون وهرمون معوي آخر هو عديد الببتيد المعدي المثبط الذي يساعد على خفض مستوى السكر في الدم ويساعد أيضاً على زيادة الأيض.

قال الخبراء إن الهرمونين يعملان معاً لإنقاص مزيد من الوزن والحدّ من المضاعفات الجانبية. وفي دراسات منفصلة، ساعد "زيباوند" بعض الناس على خفض أوزانهم بما بلغ 20.9% خلال 72 أسبوعاً، مقارنة مع 14.9% بعد 68 أسبوعاً من تلقي عقار "ويغوفي". (لن تظهر نتيجة تجربة مقارنة بين الاثنين إلا بعد عام).

قال محللون من "غولدمان ساكس" إن "(زيباوند) سيصبح الدواء المستقبلي الرائد في السوق" استناداً إلى تقارير عن تجاربه السريرية وإلى حضور "ليلي" القوي في سوق أدوية السكري وشبكة إمدادها الموثوقة.

تفوقت "ليلي" في مجال تطوير الأدوية التي تمزج بين الهرمونات، ما يفسّر الحماسة تجاه منتجاتها المقبلة. فهي تعمل أيضاً على إنتاج حقنة أخرى تحمل اسم "ريتاتروتيد" تمزج بين بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون وعديد الببتيد المعدي المثبط وغلوكاغون الذي يزيد وتيرة حرق السعرات، ويطلق عليها العلماء تسمية "ثلاثية G". في المرحلة المتوسطة من إحدى التجارب، ساعد "ريتاروتيد" المرضى على إنقاص نحو ثلث أوزانهم بعد مضي 48 أسبوعاً، كذلك تجري "ليلي" تجارب على بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون للحدّ من الغثيان والحفاظ على الكتلة العضلية، وتعمل على إنتاج الدواء على شكل أقراص.

قال ماثياس تشوب الذي عمل مع ديماركي لدى "ليلي" في نهاية التسعينيات وهو يدير حالياً مركز البحوث الطبية "هيلمهولتز ميونيخ" في ألمانيا إن "(ليلي) وصلت متأخرة ولكن لديها المركّبات الأفضل".

مقر "إيلي ليلي" في إنديانابوليس
مقر "إيلي ليلي" في إنديانابوليس المصدر: بلومبرغ

تحوّل عبر "تيك توك"

يعزى قدر كبير من الفضل في ذلك إلى سكوفرونسكي، الذي يشغل اليوم منصب المسؤول العلمي والطبي الأعلى في "ليلي". فقد تعيّن عليه تقليص وقت تطوير العقار إلى النصف، فحوّل قسم البحوث والتطوير في "ليلي" إلى ما يشبه شركة تقنية حيوية. (هو صاحب خبرة في هذا المجال، فقد انتقل إلى "ليلي" عام 2010 بموجب صفقة استحواذ بقيمة 300 مليون دولار على شركته الناشئة المتخصصة ببحوث ألزهايمر).

أطلق على المجموعة تسمية (GIP Bio) وحرّرها من قيود البيروقراطية التي تعرقل تطوير الأدوية، بما يشمل تقييم الجدوى التجارية للدواء التي يعتقد أنها تكبح الابتكار. ويعتبر سكوفرونسكي المنافسة أمراً مفيداً، قائلاً "أنا واثقٌ أننا نتحدّى (نوفو) لتصنع أدوية أفضل".

بات الانطباع بأن "زيباوند" أداة إنقاص وزن أكثر فعالية يصل إلى الجمهور العريض. على "تيك توك" الذي تنطلق منه آخر صيحات أدوية إنقاص الوزن، بدأ المؤثرون يتخلّون عن "ويغوفي" وينتقلون نحو الأحدث والأفضل. تقول "نوفو" إن لديها محفظة رائدة على مستوى القطاع، كما أن مكافئ "زيباوند" منها قيد الإعداد، وقال رئيسها التنفيذي لارس فرويرغارد يورغينسين "نخوض هذه المنافسة مع (إيلي ليلي) منذ مئة سنة".

من ناحيتهم، يقول الأطباء إن التكلفة عامل أساسي يدخل في اختيارهم لحقن إنقاص الوزن التي يأمرون بها للمرضى، بحسب لويس أرون، اختصاصي السمنة في مركز "ويل كورنيل" الطبي في نيويورك.

لقد سعّرت "ليلي" حقنة "زيبانود" بـ1060 دولاراً في الشهر، أي أرخص بـ289 دولاراً من "ويغوفي". صُدم العاملون في "نوفو" بالسعر الذي يقلّ بمقدار 20% عن ثمن عقارها، وهي نفس نسبة الوزن الإضافي الذي يساعد المرضى على التخلص منه بالمقارنة مع الدواء المنافس.

لم يقتصر خفض السعر على استقطاب المستهلكين، بل أتى أيضاً في إطار السعي لاستقطاب سوق التأمين المدرّ للأرباح، والذي يعدّ أساسياً من أجل رفع الإقبال على الدواء في الولايات المتحدة. إن ثلث شركات التأمين الخاصة فقط في الولايات المتحدة تغطي تكلفة علاجات خفض الوزن، أما برامج "مديكيد" التي يستفيد منها الأميركيون الأقل دخلاً والمعوّقون، فلا تغطي أي علاجات سمنة على الإطلاق، ويعود ذلك بجزء منه إلى استمرار الاعتقاد بأن السمنة ليست مرضاً، بل عامل مسبب للخطر.

إقناع شركات التأمين

تعمل شركتا الأدوية بجهد لإثبات أن أدوية إنقاص الوزن لها فوائد إضافية، وذلك من أجل تحفيز شركات التأمين على تغطية تكلفتها. اليد الطولى في هذا المجال هي لـ"نوفو"، إذ نشرت بيانات في نوفمبر أظهرت أن دواء "ويغوفي" أسهم في خفض الإصابات بالأزمات القلبية والوفيات لدى مرضى سمنة لهم تاريخ طبي من أمراض القلب الوعائية. كانت تلك الدراسة الأولى التي تظهر الفوائد الصحية لبيبتيد-1 شبيه غلوكاغون في مجالات غير ضبط معدل السكر في الدم وإدارة السكري. لقد "غير قواعد اللعبة"، حسب أوجين يانغ، رئيس قسم الوقاية في الجمعية الأميركية لطب القلب. أما الدراسة التي تجريها "ليلي" حول تأثير دوائها على مرضى السكري المصابين بأمراض القلب فيتوقع أن تنتهي منتصف العام.

يرى ريكس أن استقطاب شركات التأمين يجب أن يكون "جهداً مشتركاً"، فكلما زادت دراسات شركات الأدوية المختلفة التي تظهر المنافع الصحية والاقتصادية الإضافية لعلاج السمنة، يزيد احتمال أن تغطي شركات التأمين هذه العلاجات. قال: "يقتضي عملنا أن نصعّب عليهم أن يرفضوا تغطية هذه الأدوية". تدرس "ليلي" حالياً كيف يمكن لأدوية معالجة السمنة أن تحدّ من خطر الخضوع لعمليات استبدال الركبة والتعرض لانقطاع النفس النومي، فيما يعتقد ريكس أن الفوائد العلمية لعلاجات السمنة ستُحسم بحلول 2030.

يبدو مستقبل "ليلي" القريب مشرقاً، فبحسب أحد تقديرات "غولدمان ساكس"، ستهيمن الشركة على نصف سوق أدوية السمنة بحلول 2030، إلا أنها تواجه تحدياً على المدى الطويل. إذ تلهث وول ستريت خلف الشركة إلى حدّ غير مسبوق في تاريخ صناعة الأدوية، حيث ارتفع سعر أسهمها بنسبة 80% خلال العام الماضي، بالمقارنة مع ارتفاع بنسبة 50% في سعر سهم نوفو"، لدرجة أن ثمة شائعات بين المستثمرين والمحللين بأن "ليلي" ستصبح الشركة الأولى التي تبلغ قيمتها تريليون دولار.

خشية تراجع الإقبال

برغم المبيعات القوية لعام 2023، إذ حقق عقار "مونجارو" حوالي 5 مليارات دولار للشركة في العام الماضي، إلا أن تقييمها المرتفع يستند بأغلبه إلى الإيرادات المستقبلية. قال داميان كونوفير، محلل الأسهم في مجال الرعاية الصحية في شركة "مورنينغ ستار" (Morningstar) في مقابلة مع بلومبرغ بزنيسويك في ديسمبر، حين كان سعر السهم قوياً جداً: "صراحةً، لا أذكر أنني رأيت شركة أدوية ضخمة تُتداول أسهمها بقيمة أعلى من أرباحها بـ50 ضعفاً، هذا أمر غير مسبوق". (أصبحت نسبة السعر إلى الأرباح دون 50 ضعفاً بشكل طفيف الآن).

مع ذلك، لا تتمكّن شركات الأدوية دائماً من المحافظة على مكانتها. فحتى في أفضل الأحوال، قد تنتهي صلاحية براءات الاختراع، ما يخلّف ثغرات كبيرة في الإيرادات. وربما تحدث أمور كثيرة خلال ذلك. فأدوية السمنة ستواجه منافسة حتمية بما أن كل الشركات الضخمة تقريباً تعمل على ابتكار أدويتها الخاصة. كما أن المخاوف بشأن السلامة قد تؤدي لكبت الطلب على كثير من العلاجات ذات الشعبية.

إن التاريخ حافل على مدى القرن الماضي بصخب أحاط بعلاجات لإنقاص الوزن ثم فقدت بريقها. في أوروبا، تحقق الهيئات الناظمة بتقارير حول تسبب بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون بأفكار انتحارية، وقد أكدت "نوفو" و"ليلي" أنهما تركزان على سلامة المريض في الدرجة الأولى وأنهما تتعاونان مع تلك المراجعات.

إلى ذلك، ربما لن تلقى هذه الأدوية الإقبال المتوقع لها على المدى الطويل، فبعض الناس قد لا يتحمّلون أعراضها الجانبية المزعجة. ففي لويزيانا مثلاً، رفعت سيدة دعوى قضائية ضد كل من "نوفو" و"ليلي" على خلفية فرط التقيؤ بعد استخدامها "أوزمبيك" و"مونجارو" لدرجة أن أسنانها سقطت. قال متحدث باسم "نوفو" إن الدعوى لا تستند إلى أي أساس موضوعي وتعتزم الشركة مواجهتها. من جانبه، قال متحدث باسم "ليلي" إن مخاطر الدواء معلن عنها بوضوح، وإن الشركة ستدافع عن نفسها في وجه هذه الادعاءات.

تحديات المستقبل

لا يترك تقدير قيمة "ليلي" مجالاً لأخطاء، إذ يشير سعر السهم حالياً إلى أن الشركة ستبيع من عقار "زيباوند" ما قيمته 70 مليار دولار في 2030، بحسب تحليل من "غولدمان ساكس". إلا أن المحللين قالوا في ملاحظة "برأينا، السوق تبالغ في التفاؤل"، إذ تشير توقعات "غولدمان" إلى أن مبيعات الدواء لن تتجاوز 35 مليار دولار بحلول ذلك التاريخ. على سبيل المقارنة، بلغت مبيعات دواء "هوميرا" ذروة 21.2 مليار دولار في 2022.

فقدت "نوفو" بعض بريقها بسبب مشاكل إنتاج بشكل أساسي، تسببت في نقص بكميات "ويغوفي" و"أوزمبيك" في السوق، وتأخير طرح "ويغوفي" في الأسواق العالمية. كانت "نوفو" قد أعلنت العام الماضي عن استثمارات بقيمة 8.7 مليار دولار لتعزيز قدراتها التصنيعية.

وقال لي، المحلل في "رويست" الذي يتابع التداولات المتعلقة ببيبتيد-1 شبيه غلوكاغون عن كثب إن "كثيراً من صناديق التحوّط بدأت تبيع أسهم (نوفو) على المكشوف... هذا يغري ببيع أسهم (ليلي) على المكشوف".

واجهت "ليلي" بعض مشاكل التوريد في أدوية معالجة داء السكري، وهي تأمل بأن تتجنّبها مع "زيباوند". فقد أنفقت مليارات الدولارات على بناء منشآت وخطوط إنتاج. وقالت آنات أشكنازي، مديرة "ليلي" المالية إن الشركة لن تروج الدواء في الفصل الأول من العام لتتجنّب تفاقم الطلب، ولكن ما يتناقله الناس سيكون كافياً. أضافت: "الطبيعة الاجتماعية لهذا الدواء لا نظير لها".

التحدي الأكبر الذي ستواجهه الشركة هو أن تأتي بما يتفوق على "زيباوند". قال ديماركي، العالم الذي أطلق هذه الموجة في الأساس "على (ليلي) أن تطرح السؤال نفسه الذي كنا نسأله قبل ما بين 15 و 20 عاماً، ما هو النجم المقبل؟" في هذا الإطار، تقول "ليلي" إنها تعمل على أفكار طموحة، مثل علاجات للآلام المزمنة دون حاجة لمخدرات أفيونية، وتطوير علاج شاف لأمراض القلب، فيما تواصل العمل على إبطاء تقدم ألزهايمر.

في غضون ذلك، يعدّ ديماركي لإطلاق شركته الناشئة السابعة المتخصصة بالتقنية الحيوية، فيما يقدم استشارات لعدد من عملاقات صناعة الأدوية. لدى سؤاله عن شعوره فيما يرى أدوية السمنة تبصر النور أخيراً، قال: "هذا أمر مبهجٌ جداً... الآن السؤال هو ما الذي سنعمل عليه تالياً؟".