تراجع اقتصاد الصين يخذل طلابها في الخارج

مصروفات التعليم بالخارج التي بدت معقولة قبل سنوات قليلة لم تعد في متناول يد أبناء الطبقة المتوسطة

مايكل باي، الطالب الصيني، في صورة خارج مطعم "بوفيه كينغ" في غلاسكو، اسكتلندا
مايكل باي، الطالب الصيني، في صورة خارج مطعم "بوفيه كينغ" في غلاسكو، اسكتلندا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حين غادر مايكل باي الصين منذ عامين قاصداً اسكتلندا ليباشر دراسته في إحدى جامعاتها، كان لدى أسرته استثمارات في شركات تتنوع بين الفندقة والإعلام والعقارات في منطقة فاخرة بمدينة شنجن. لكن ما إن أنهى باي أداء اختبارات فصله الدراسي الأول، أبلغه والده في رسالة نصية بأنه أفلس، وبات ضحية اقتصاد يفتقر للزخم، وعقارات تتدهور أسعارها.

كتب والد باي في رسالته: "عليك أن تقترض رسوم التعليم من أصدقائك". لذا بدأ باي، 21 عاماً، يعمل في توصيل طلبات البقالة وغسل الصحون، كما عمل نادلاً كي يواصل دراسته في جامعة غلاسكو. قال باي، ولم يكن شديد الإفراط بالمبالغة: "ليس هناك مطعم صيني في هذه المدينة لم أعمل لديه".

تنتشر حالة باي بين أعداد متزايدة من أبناء الطبقة المتوسطة الصينية الذين يدرسون في الخارج، وتعتبر أسرهم أن ارتياد جامعة أو مدرسة ثانوية في الخارج يفتح أمامهم سبيلاً مؤكداً نحو الرخاء. في 2019، كان هناك أكثر من 700 ألف طالب صيني خارج البلاد، أي 18 ضعفاً نظيره في 2000، وفقاً لوزارة التعليم. لكن تكاليف التعليم بالخارج، التي كانت تبدو معقولة قبل بضع سنوات، لم تعد في متناول أيدي كثير منهم.

تطورات متلاحقة

خلال أول عقدين منذ بدأت إصلاحات دينغ شياو بينغ تفتح الصين على العالم، كانت معظم القلة القليلة من الطلاب الذين سافروا إلى الخارج إما متفوقين أكاديمياً حصلوا على منح، أو أبناء أسر فائقة الثراء.

لكن فيما رفع التطور السريع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 12740 دولاراً في 2022 من أقل من 1150 دولاراً في 2002، بدأت أسر أكثر تتصور أن بإمكان أبنائها أن يدرسوا في جامعات دولية. قالت مابل لو مياو، الأمينة العامة لمركز الصين والعولمة، وهو مؤسسة أبحاث مقرها في بكين: "تمكنت أسر الطبقة المتوسطة من إرسال أبنائها إلى الخارج بسهولة عبر بيع عقار".

اقرأ أيضاً: الصين تحظر على شركات التعليم الاستعانة بالمعلمين المقيمين في الخارج

قال المركز إن أكثر من تسعة من بين كل 10 طلاب صينيين في الخارج خلال العقد الماضي كانوا يدفعون مصاريفهم بأنفسهم، من دون الاعتماد على منح. لكن في ظل أن 70% من أصول الأسر مربوطة بالعقارات، فإن انهيار سوق العقارات في الصين كان يعني تحولاً مفاجئاً في المسار لكثير منهم.

لا يستطيع الراغبون ببيع شقق العثور على شراة حتى مع تخفيض كبير في الأسعار، كما خسر بعضهم ثرواتهم في البورصة. تتفاقم تلك المشاكل في ضوء اتجاه الشركات متعددة الجنسيات للعمل خارج الصين، واستغناء الشركات المحلية عن عشرات آلاف الوظائف.

قرر مايكل باي أن يعمل في عدد من الوظائف لدفع مصروفات الدراسة في ضوء الأزمة المالية التي يمر بها والداه
قرر مايكل باي أن يعمل في عدد من الوظائف لدفع مصروفات الدراسة في ضوء الأزمة المالية التي يمر بها والداه المصدر: بلومبرغ

المشكلة تتفاقم

اليوم، نظراً لأن كثيراً من الطلاب من أمثال باي يعملون في أعمال تشبه تلك التي كانت تباشرها أجيال سابقة من المهاجرين الأقل ثراءً، يشكك البعض في قيمة التعليم في الخارج.

تتفاقم المشكلة لأن أزمة نقص الوظائف المتخصصة ذات الرواتب العالية تضغط على بعض خريجي الجامعات ليخفضوا توقعاتهم لدى عودتهم لوطنهم. تراجعت رواتب نحو ثلث الصينيين العاملين في المكاتب في 2023، وفقاً لاستبيان من منصة التوظيف "جاوبين" (Zhaopin)، وهي أعلى نسبة خلال ست سنوات على الأقل.

قالت "تشيرزيو" (Cheersyou)، وهي شركة استشارات تعليمية في نيويورك، إن التمويل قلّما كان يمثل مشكلة قبل الجائحة، لكن 10% من الطلاب الصينيين الذين قدمت الشركة لهم استشارات حديثاً، غيروا خططهم للدراسة في الخارج بسبب نقص المال.

إميلي شيونغ، التي تواظب على حضور دررس تمهيدية في برمنغهام في إنجلترا على أمل ارتياد جامعة في الخارج أكدت: "أريد أن أكمل دراستي في الخارج بالتأكيد. لكن إن لم يستطع والداي دفع المصروفات، فلن أتمكن".

اقرأ أيضاً: المملكة المتحدة تمنح خريجي الجامعات المرموقة تأشيرات عمل

حين عادت شيونغ إلى منزلها لقضاء عطلة الشتاء، أبلغها والدها أن شركته تواجه متاعب، واضطر لأن يبيع أصولاً كي يواصل نشاطه، كما احتاج أيضاً إلى علاج طبي مكلف. رغم أن شيونغ عادت إلى برمنغهام، فقد أبلغتها والدتها أنها ربما ينبغي أن تفكر بأن تدرس في ماليزيا، حيث تكاليف الدراسة أقل مما هي عليه في إنجلترا. قالت شيونغ: "بريطانيا ستكون أفضل بالتأكيد. لكن ليس بمقدورنا أن نفعل سوى ما بإمكان أسرتي تحمل تكلفته".

مواصلة المسيرة

في الولايات المتحدة، حيث تفوق تكاليف الدراسة بكثير نظيراتها في أوروبا، فإن حال من يدفعون المصروفات بأنفسهم صعب على نحو خاص. قالت لي لين، التي بدأت تدرس في جامعة أوكلاند في ميشيغان خلال 2015، إن ما يرسله والداها من مال بدأ يتراجع في كل شهر، بعدما أثرت الجائحة على شركتهما التي تعمل في مجال العناية بالجمال والتدليك في مقاطعة غويجو.

اقرأ أيضاً: تايلر كوين: النفاق متجذر في الجامعات النخبوية الأميركية

كانت لين تعلم أنه ليس بإمكانها أن تطلب مساعدة مالية من الجامعة، إذ أن قلة من الطلاب الأجانب مؤهلون للحصول على منح في الولايات المتحدة. لكن لين تمكنت من إكمال دراستها وحصلت على شهادة جامعية في 2021 من خلال العمل كجليسة أطفال وبالتدريس وعبر الاقتراض من أصدقائها.

تعمل لين الآن محللة مالية في ميشيغان وترسل ألف دولار أو أكثر شهرياً إلى أسرتها لتساعدهم. ورغم أنها ربما لم تكن لتترك الصين لو كانت تعرف ما ينتظرها، قالت لين: "لم يكن أمامي خيار سوى أن أواصل المسيرة حين كنت في منتصف دراستي الجامعية، لذا صمدنا أنا وأسرتي لأتمكن من إكمالها".

وضع هش

قال اقتصاديون إن الأزمة التي ألمّت بهؤلاء الطلاب تبرز الوضع الهش للطبقة المتوسطة في الصين، التي لا تملك الكثير من المال لتركن إليه حين يتدهور الاقتصاد. إن النمو السريع خلال العقود الأخيرة أعطى أسراً كثيرة وهم الأمان المالي، لكنهم كانوا يفتقرون لتنوع الأصول الذي يتمتع به الأغنياء الحقيقيون.

اقرأ أيضاً: الصين تنتقد توقعات صندوق النقد الدولي بتباطؤ النمو الاقتصادي

قال ياشنغ هوانغ، أستاذ علم الاقتصاد والإدارة في "معهد ماساتشوستس للتقنية": "لدى الأثرياء الكثير ليعتمدوا عليه، أما الفقراء فيعتمدون بالأساس على الضروريات الأساسية. إن الطبقة الوسطى هي أكثر مواضع الاقتصاد حساسية".

رغم ذلك، بدأ باي ينظر لتجربته بإيجابية. وفيما يستمر بدراسة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي، بدأ حديثاً ببيع السيارات، وهو يجني ما يصل إلى أربعة آلاف جنيه إسترليني (خمسة آلاف دولار) شهرياً، وتلك قفزة كبيرة مقارنة مع العمل في مطاعم غلاسكو.

قال باي إن فهمه لأهمية الاعتناء بشؤونه المالية بات أفضل كثيراً. قال: "لو علمت أن أسرتي كانت ستواجه مصاعب، لكنت بدأت الادخار في وقت أبكر. جعلتني هذه التجربة شخصاً مختلفاً تماماً".