الاحتياطي الفيدرالي يوجه لكمة لأسعار السندات والأسهم

تعرضت السندات لضغوط متجددة وسط تكهنات بوجود إفراط في التفاؤل بشأن تراجع التضخم

أحد المشاة أمام مبنى بنك الاحتياطي الأسترالي (RBA) في سيدني، أستراليا،  14 يوليو 2023.
أحد المشاة أمام مبنى بنك الاحتياطي الأسترالي (RBA) في سيدني، أستراليا، 14 يوليو 2023. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

انخفضت السندات والأسهم في وول ستريت بعدما عززت البيانات الاقتصادية القوية وجهة النظر القائلة إن الاحتياطي الفيدرالي ليس مستعداً للإعلان عن نصر في حربه على التضخم حتى الآن. وتعرضت سندات الخزانة لضغوط متجددة وسط تكهنات بوجود إفراط في التفاؤل بشأن تراجع التضخم.

وفي علامة أخرى على أن أكبر اقتصاد في العالم لا يزال يقف على أسس متينة، وصل مقياس الخدمات الصادر عن "معهد إدارة التوريدات" إلى أعلى مستوى له منذ أربعة أشهر، بينما ارتفعت الأسعار. هزت هذه الأخبار عمليات التداول، في يوم كان فيه المستثمرون يحاولون استيعاب وجهات النظر الحذرة من بعض المتحدثين باسم بنك الاحتياطي الفيدرالي، بمن فيهم جيروم باول.

منعت هذه الضربات اللاعبين في السوق من تحقيق المزيد من الارتفاعات، وفقاً لخوسيه توريس من "إنترأكتيف بروكيرز". وقال ماركو كولانوفيتش، الخبير الاستراتيجي في بنك "جيه بي مورغان تشيس أند كو"، إنه "في غياب صدمة مادية، نعتقد أن التيسير النقدي هذا العام سيكون أكثر اعتدالاً مما توقعته الأسواق".

ارتفاع عوائد السندات

ارتفعت عوائد السندات الأميركية لأجل 10 سنوات بمقدار 14 نقطة أساس إلى 4.16%، واقتربت عوائد السندات لأجل عامين من 4.5%.

قضت تلميحات بنك الاحتياطي الفيدرالي تقريباً على احتمالات تحرك سعر الفائدة في مارس، كما تقلصت فرص خفض سعر الفائدة في شهر مايو. وسجل الدولار أقوى مستوياته منذ نوفمبر.

من جهته، انخفض مؤشر "S&P 500" من أعلى مستوى قياسي، لكنه كان بعيداً عن أدنى مستوياته في الجلسة، بعدما قادت شركة "إنفيديا" المكاسب في شركات صناعة الرقائق.

وحاول المتداولون استيعاب تصريحات المتحدثين باسم بنك الاحتياطي الفيدرالي، إذ كرر باول أن صنّاع السياسة من المرجح أن ينتظروا إلى ما بعد مارس لخفض أسعار الفائدة، وذلك في مقابلة أجريت يوم الخميس مع برنامج "60 دقيقة" على شبكة "سي بي إس"، والتي تم بثها مساء الأحد.

من جهته قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس نيل كاشكاري، إن المسؤولين لديهم الوقت لقياس البيانات الواردة قبل التخفيف، بينما أكد نظيره في شيكاغو أوستان جولسبي مجدداً أنه يود رؤية المزيد من بيانات التضخم الإيجابية.

​بالنسبة لتيري ويزمان من "ماكواري"، فإن تحول السوق في تقييمه للتوقيت الذي سيبدأ فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة، يبدو صحيحاً.

وأشار ويزمان: "كنا نعتقد دائماً أن يونيو هو الشهر الأكثر احتمالاً للخفض في ضوء حيطة بنك الاحتياطي الفيدرالي". وأضاف: "لكن ما يقلقنا هو ما إذا كانت القوة المستمرة لسوق العمل في الولايات المتحدة في يناير، تعني أن المستهلك سيظل قوياً، وبالتالي التراجع عن الاتجاه الانكماشي، وتوسيع السياسة النقدية المتشددة إلى أجل غير مسمى".

ارتفع المقياس الإجمالي للخدمات الصادر عن "أي إس أم" إلى 53.4 نقطة الشهر الماضي. وظل المؤشر فوق مستوى 50 نقطة الذي يشير إلى التوسع، لمدة عام. كما تجاوزت القراءة الأخيرة جميع التقديرات في استطلاع "بلومبرغ" للاقتصاديين، وقفز مقياس المجموعة للأسعار المدفوعة مقابل المواد، مما يدل على أن التكاليف ترتفع بوتيرة أسرع.

يقول جيفري روتش، من "أل بي أل فاينانشيال" إن الارتفاع الكبير في الأسعار المدفوعة يعكس في الغالب الزيادة في تكاليف الشحن. وأضاف أن المستثمرين يجب أن يتوقعوا انخفاض الأسعار إذا تحسنت الظروف في البحر الأحمر.

عدم التخلي عن الحذر

طالبت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، البنوك المركزية الكبرى في العالم بألا تتخلى عن حذرها في مكافحة التضخم، لأنه من السابق لأوانه القول ما إذا كانت الزيادات الحادة في أسعار الفائدة قد احتوت ضغوط الأسعار الأساسية.

في غضون ذلك، أظهر أحدث استطلاع أجرته "بلومبرغ ماركتس لايف بالس" أن المتسوقين الأميركيين لن يرتدعوا بسبب ارتفاع فواتير بطاقات الائتمان أو موجة تسريح العمال الأخيرة. وقال أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع البالغ عددهم 463 شخصاً، إن الإنفاق سيظل قوياً أو سيزداد قوة في عام 2024.

قال دومينيك بونينج، من بنك "أتش أس بي سي" إن القوة المستمرة للاقتصاد الأميركي مقارنة بمعظم نظرائه في مجموعة العشرة، "من أبرز الأسباب التي تجعلنا نتبنى وجهة نظر صعودية مضادة بشأن الدولار الأميركي منذ سبتمبر 2023".

وأضاف أن "قوة بيانات النشاط، من وجهة نظرنا، ستصعب على الاحتياطي الفيدرالي الوثوق في أن التضخم قد تم ترويضه بالكامل. على هذا النحو، نرى أن تسعير الفائدة في الولايات المتحدة أكثر عرضة للارتفاع من الاتجاه الهبوطي في الوقت الحالي".

بيل غروس الذي يعرف بأنه "ملك السندات"، أكد أنه يراهن على أن جزءاً من منحنى سعر الفائدة سيعود إلى نمط أكثر طبيعية، مما يزيل الانقلاب الذي استمر حتى بعد توقف بنك الاحتياطي الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة. وأضاف في منشور على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) أنه يشتري عقود سبتمبر 2024 المرتبطة بسعر التمويل لليلة واحدة، ويبيع عقد سبتمبر 2025.

معايير ائتمانية أكثر صرامة

في غضون ذلك، قال بنك الاحتياطي الفيدرالي إن البنوك الأميركية أبلغت عن معايير ائتمانية أكثر صرامة في الربع الرابع، على الرغم من أن نسبة تلك المعايير المتشددة تقلصت عن الفترة السابقة، وفقاً لمسح آراء كبار مسؤولي القروض حول ممارسات الإقراض المصرفي، المعروف باسم "SLOOS".

ويشير التقرير إلى أن الأزمة الائتمانية الشديدة التي كان يُخشى حدوثها في أعقاب انهيار أربعة مقرضين العام الماضي، لم تتحقق. وفي حين أثرت تكاليف الاقتراض المرتفعة على الأسر على نطاق أوسع، مع قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة إلى أعلى مستوى لها منذ عقدين من الزمن، فإن الاقتصاد ظل مرناً.

وقال مايكل شاول من "ماركت فيلد أسيت مانجمنت" إن "المسح لا يشير بشكل عام إلى الظروف النقدية التي من شأنها الدلالة على أن البنك المركزي أبقى أسعار الفائدة مرتفعة للغاية لفترة طويلة جداً، حتى لو أظهر تهدئة من الحالات المتساهلة للغاية التي سادت قبل عامين".

فقاعة "دوت كوم"

مع خروج مؤشر "S&P 500" من أفضل مستوياته في نحو أربعة عقود، أصبح الطريق أكثر صعوبة بالنسبة للمستثمرين مع الدخول في فبراير، الذي يعتبر ثالث أسوأ شهر بالنسبة للمقياس خلال الثلاثين عاماً الماضية، بعد سبتمبر وأغسطس، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".

بعد الارتفاع الشديد الذي بلغ نحو 20% منذ أكتوبر، والذي دفع المؤشر إلى تسجيل أول أرقامه القياسية منذ عامين، فإن هناك أسباباً وجيهة للقلق: فقد خضعت ضجة الذكاء الاصطناعي للامتحان مع أحدث دفعة من أرباح شركات التكنولوجيا الكبرى، وتبددت التكهنات المحمومة بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يبدأ في التيسير النقدي في الشهر المقبل، وتظل التقييمات مرتفعة نسبة إلى التاريخ، الأمر الذي يستحضر ذكريات فقاعة "دوت كوم" في نظر بعض الاستراتيجيين.

وقال مارك هاكين من "نايشون وايد" إنه "من الجدير أن نسأل أنفسنا، هل أخذنا في الاعتبار الكثير من الأخبار الجيدة، على الأقل في المدى القريب؟".

وأضاف: "على مدى العامين الماضيين، وخاصة خلال سنوات الانتخابات، تميل هذه الفترة من التقويم - من فبراير إلى مارس - إلى الانخفاض. إلى جانب ارتفاع المعنويات والمراكز، أتوقع أن أرى حركة جانبية إلى سلبية قليلاً خلال الأسابيع الستة إلى الثمانية القادمة مع تجاوزنا التقلبات الموسمية. بعد ذلك، تظل نظرتي للعام على المدى الطويل إيجابية".