الفضائح التي تهز أبحاث السرطان تهم الجميع

الذكاء الاصطناعي بإمكانه مساعدتنا لتجنب دفع ثمن أبحاث سيئة سواء كان مادياً أو صحياً

مبنى يجاور إيليوت هاوس بجامعة هارفرد في ولاية ماساتشوستس
مبنى يجاور إيليوت هاوس بجامعة هارفرد في ولاية ماساتشوستس المصدر: غيتي إيمجز
 Faye Flam
Faye Flam

Faye Flam is a Bloomberg Opinion columnist and host of the podcast "Follow the Science." She has written for the Economist, the New York Times, the Washington Post, Psychology Today, Science and other publications.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تعم الفوضى مجال علوم السرطان الحيوية، إذ ظهرت علامات على وجود ما يشوبه قبل سنوات من تكشف أحدث الفضائح، التي عثر فيها محققون على أدلة تلاعب في البيانات في عدد كبير من الأوراق البحثية الشهيرة الصادرة عن معهد "دانا فاربر" (Dana Farber) للسرطان المرتبط بـ"جامعة هارفرد".

تلك هي أحدث أزمة في عالم البحث الأكاديمي، حيث توجد ضرورة جليّة لضبط أفضل للجودة، أي وسيلة تمحيص أكثر إحكاماً من مراجعات الأقران. ويشير بعض الباحثين إلى أن الذكاء الاصطناعي بإمكانه تقديم العون في تحديد أي الأوراق البحثية بحاجة للتدقيق عن كثب أكثر من غيرها.

لكن فهم ما يحدث يتطلب منا أن ندرك كيف بلغنا هذه النقطة. وبدأت بعض الهيئات الرقابية للأبحاث منذ نحو عقد بقرع نواقيس الخطر، بعدما وجد علماء أن أقل من نصف الدراسات البارزة عن السرطان في المراحل التي تسبق التجارب السريرية والتي بلغت أفضل المنشورات العلمية، يمكن تكرارها.

المبالغة أمر طبيعي

خلص تقييم مشابه في 2021 إلى أن المبالغة معتادة، فقد وجد باحثون أن بإمكانهم تكرار 50 تجربة فقط من أصل 193 تجربة. وفي ما نجحوا في تكراره، أظهرت التجارب الثانية أحجام تأثير أصغر كثيراً، وكانت نتائج 15% فقط من هذه التجارب بالحجم الذي أُعلن في التجربة الأولى.

تلك هي نوعية التجارب التي تتم في أنابيب اختبار أو على الفئران لتحديد أي العلاجات يمكن اختبارها على البشر. كما أنها تؤثر أيضاً على كيفية إبلاغ من يخضعون للتجارب السريرية بالمخاطر والفوائد. لذا تؤثر النتائج على حياتهم.

اقرأ أيضاً: تنوّع الاختبارات الصحية المنزلية يحوّل الجميع إلى أطباء

رغم أن الأدلة على التلاعب في البيانات، وهي التهمة الموجهة للعلماء في معهد "دانا فاربر"، مشكلة مختلفة عن النتائج غير القابلة للتكرار، فإن المشكلتين تنبعان من الأسباب الجذرية نفسها. يشتهر العلماء ويكوّنون ثروات عبر التوصل لنتائج برّاقة من شأنها إحداث أثر كبير، لكن الناس يستفيدون من النتائج الموثوقة والقابلة للتكرار. بإمكاننا أيضاً أن نستفيد من نتائج دراسات تُظهر أي العلاجات لا يُرجّح أن تنجح، رغم أن نشرها صعب.

أدلة أضعف

مثلما حذرني في 2017 ويليام كايلين، الحائز على جائزة نوبل، فقد بدأ باحثون في مجال الطب الحيوي بطرح ادعاءات أكبر بأدلة أضعف. يعمل كايلين أيضاً في معهد "دانا فاربر" لكن الفضيحة الحالية لا تشمل أبحاثه.

يمكن للعلماء طبعاً أن يخطئوا. لكن ينبغي أن ينشروا البيانات الموجودة لديهم كما أوردتها القياسات تماماً، وأي رسوم بيانية ينبغي أن تمثل البيانات كما قيست. كما تُعتبر إضافة أي بيانات أو إزالتها أو تغييرها من دون شرح من ضروب الاحتيال.

وفيما تظل القضية قيد التحقيق، يعتزم معهد "دانا فاربر" سحب ست أوراق بحثية، وإصدار تصحيحات في عدد من الأبحاث الأخرى. ربما تكون المشاكل في بعض الأوراق البحثية عرضية، لكن ثمّة عدد هائل من هذه الأبحاث، وتلك الأخطاء ستظل تلقي بظلال الشك على النتائج.

اقرأ أيضاً: صانعة عقار "زانتاك" تتكتم لأربعة عقود على مخاطر سرطانية

بيّن إيفان أورانسكي، المؤسس المشارك في مدونة "ريتراكشن واتش" (Retraction Watch)، أن التلاعب في البيانات أمر شديد الشيوع، وقال: "ما يقلقني هو أننا سنواصل التعامل مع ذلك على أنه استثناء شاذ غريب، وهو ليس كذلك".

أسباب أخرى

من ناحية أخرى، ربما تكون دراسة لم يمكن تكرارها قد اتبعت كل القواعد، لكنك لست مستعداً أن تراهن بحياة المرضى على استنتاجات تلك الدراسة. ربما يكون الباحثون قد أساءوا تفسير بياناتهم أو أن التجربة قد تنجح فقط في أوضاع محددة جداً.

لماذا إذاً لم تحل مراجعة الأقران دون نشر النتائج الضعيفة والتلاعب الصريح؟ أحد الأسباب هو أن العديد من الأوراق البحثية لا تنشر البيانات الأولية، فيصعب اكتشاف التلاعب.

اقرأ أيضاً: فقدان الوزن المفاجئ مؤشر مبكر على الإصابة بالسرطان

لكن على مستوى أعمق، فإن مراجعة الأقران ليست مقياس ضبط الجودة الذي يفترضه كثير من الناس.

يُرجع بعض المؤرخين مراجعة الأقران إلى عام 1830، حين طرح الفيلسوف الإنجليزي ويليام ويويل الفكرة للأوراق البحثية التي كانت ستُنشر في المجلة العلمية الجديدة (Proceedings of the Royal Society of London). في المحاولة الأولى، تولى ويويل نفسه المهمة لكنه لم يتفق مع المراجع الثاني، فنتج عن ذلك التقليد القديم الذي يشتكي منه العلماء حول العالم.

قال براين أوزي، الخبير في العلوم الاجتماعية الذي يدرس المشاكل في عمليات التكرار في كلية كيلوغ للأعمال بجامعة نورث ويسترن، إن المراجعين تكون لديهم عادةً الخبرة الكافية لتقييم 90% أو 95% من البحث. قال: "أنت تترك نسبة 5% المتبقية على أمل أن يتناولها المراجع الآخر. لكن ربما يفعل المراجع الآخر ما فعلت أنت". هذا إلى جانب أن المراجعين يفتقرون للوقت ومنغمسين في طلبات مراجعة أخرى أو في التزاماتهم تجاه أبحاثهم.

تقنية جديدة

وجد أوزي أنه في مجال علم الاجتماع، حيث توجد أزمة في مسألة التكرار منذ فترة طويلة، يمكن لتقنية تعلم الآلة أن تشير للأبحاث الأكثر ترجيحاً في أن تفشل في محاولات تكرارها. استخدم أوزي بيانات تخص مئات محاولات التكرار، لتدريب نظام اختبره في 300 تجربة جديدة لديه بيانات تكرارها. كان نظام تعلم الآلة أدق من المراجعين أنفسهم، كما كان رخيصاً ويصدر نتائج فورية تقريباً.

اقرأ أيضاً: "روش" السويسرية تحدد مرضى سرطان الرئة بالذكاء الاصطناعي

ربما تساعد مثل هذه الأنظمة الخبراء على تحديد الأبحاث غير المتقنة والمخادعة عبر تقييمها بشكل أولي. كما أنها قد تساهم أيضاً في توجيه المراجعين ومحرري المجلات العلمية المرهقين من ضغط العمل بعيداً عن المؤسسات والعلماء المشهورين، الذين يميلون عادةً لأن يحصلوا على أكبر قدر من الاهتمام، وأن يتجهوا إلى فرق أبحاث أدنى صيتاً ليحصلوا على النتائج المهمة.

يكتب العلماء العديد من الأوراق البحثية الجديدة، لذا لن تضر إضافة طبقة جديدة من إجراءات ضبط الجودة وضخ مزيد من الوقت والمال في الفصل بين الأوراق البحثية الجيدة والسيئة. وإلا سندفع ثمن كل هذه الأبحاث السيئة، ليس فقط مادياً كدافعي ضرائب بل صحياً أيضاً.