كيف أخفقت خطة جاك دورسي بدفع إيلون ماسك لإنقاذ "تويتر"؟

مقتطفات من كتاب (Battle for the Bird) تبيّن كيف أسهم أبرز قائدين لـ"تويتر" في معضلتها الحالية

صورة تعبيرية للعصفور الأزرق الذي يرمز لـ"تويتر" وهو يفقد ريشه ويتحول إلى "إكس"
صورة تعبيرية للعصفور الأزرق الذي يرمز لـ"تويتر" وهو يفقد ريشه ويتحول إلى "إكس" المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أمسى إيلون ماسك على انزعاج متزايد يوم الجمعة الرابع من نوفمبر 2022، إذ لم يكد ينقضي أسبوع على إبرام صفقة استحواذه على شركة "تويتر" لقاء 44 مليار دولار، حتى بدأ المعلنون يغادرونها أرتالاً.

لقد خشيت شركات معروفة بالحرص على سمعة علاماتها التجارية من عودة "تويتر" إلى سابق عهدها كمنصة تُعرف باحتوائها على كثير من الإساءات، وذلك إثر تعهد إيلون ماسك بالقضاء على ما وصفه بفيروس حركة "الووك" الذهني، وهو مصطلح يستخدمه استهزاءً بنهج الرقابة الذي اعتبر أنه يسلب المتعة من منصة التواصل الاجتماعي المفضّلة لديه.

يعتقد ماسك أنه لا بدّ من استعادة ما يعتبره حرية التعبير على منصة "تويتر" لإنقاذها. وبرغم أنه لم يكن قد عدّل أي من سياسات حرية التعبير حتى ذاك اليوم، إلا أن حفنة شركات علّقت إعلاناتها على"تويتر"، ومنها خطوط "يونايتد إيرلاينز" الجوية و"أر إيه أي" (REI) و"فولكس واجن"، وبدأت القائمة تطول تدريجياً. شكّل ذلك مصدر قلق كبير له بما أن 90% من إيرادات "تويتر" مصدرها الإعلانات.

حرب على المعلنين

أبلغ ماسك موظفيه أنه لا يعرف سبب تدهور الأمور بهذه السرعة. وقد أمضى أسبوعه الأول بعدما سمى نفسه "كبير المغردين" يتملّق كبار الشركاء المعلنين لدى الشركة. حتى أنه سافر على متن طائرته، وهي من طراز "غلف ستريم"، إلى نيويورك لعقد سلسلة اجتماعات مع بعض كبار رواد قطاع التسويق، من أمثال مارك ريد من "دابليو بي بي" (WPP) وبيل كوينيغسبيرغ من "هورايزن ميديا" (Horizon Media). كما استقبل مفوّض الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية روجر غودويل في مكتب "تويتر" في تشيلسي، حيث تعهد له بأن يبقي المنصة مساحةً آمنةً لنشر المقاطع المصورة القيّمة لأبرز لحظات الدوري.

طالب ماسك بأجوبة لتبرير ما يحصل. فاتصل بكبيرة مسؤولي المبيعات التنفيذيين روبن ويلر للاستفسار عن مدى سوء الأوضاع، وكان عليها أن تجيب بحذر، لأن سلفها عاتب ماسك قبل ذلك بأيام خلال اجتماع، على قراره بتغريد دعابة عن دونالد ترمب. وما كادت تمرّ 24 ساعة على ذلك حتى اصطحبه حراس الأمن ليخرجوه من مبنى الشركة.

لقد ظهر جلياً أن ماسك لم يدرك بعد مدى قلق المعلنين حيال الاتجاه الجديد الذي تسلكه الشركة، كما بدا غافلاً عن أبعاد تأثير سلوكه الشخصي في مفاقمة مخاوفهم، فتحولت صراحته الزائدة التي أكسبته شعبية واسعة على "تويتر" إلى نقمة عليها بعد أن أصبح المسؤول عنها.

حاولت ويلر شرح ذلك إلى مديرها الجديد من خلال الإشارة إلى تغريدة كان قد نشرها قبل بضع ساعات فقط، هدد فيها بـ"الاستشراس" ضدّ المعلنين الذي توقفوا عن تخصيص أموال ليعلنوا عبر "تويتر"، وحذرته قائلة: "لا تريد أن تخوض حرباً ضد المعلنين"، ولكنه أجاب "سأخوض الحرب، وأنا انتصر في الحروب".

اقرأ أيضاً: رئيسة "X" التنفيذية تقر بتعليق بعض المعلنين إنفاقهم

رسم تعبيري لريشة زرقاء من عصفور "تويتر"
رسم تعبيري لريشة زرقاء من عصفور "تويتر" المصدر: بلومبرغ

قواعد تخدم المصلحة

أبلغته ويلر أن بعض مستخدمي "تويتر" يضغطون على المعلنين الذين ما يزالون يسوّقون عبر المنصة كي يقطعوا علاقتهم بها، فثارت حفيظة ماسك. بعد أن أنهى المكالمة، أرسل لها رسالة نصية ومررها أيضاً إلى يويل روث، رئيس قسم الثقة والسلامة في الشركة والمسؤول عن الفريق الموكل بتنفيذ قواعد "تويتر"، قال فيها: "يويل، من فضلك علّق كل حسابات (تويتر) التي تشارك بمضايقة معلنينا لإجبارهم على التوقف عن الإعلان عبر (تويتر)، هذا غير مقبول".

إلا أن الضغط على المعلنين من أجل توقفهم عن الإنفاق ليس مخالفةً لقواعد "تويتر"، حتى أنه لم يكن بأمر خارج عن المألوف. بالتالي، كان يستحيل تبرير تعليق حسابات المستخدمين بموجب القواعد الحالية للشركة، وبالتأكيد مثل هذه الخطوة تتعارض مع تعهد ماسك بالحفاظ على حرية التعبير. لكنه كان واضحاً في قراره بأنه إذا لم يكن لدى الشركة القواعد اللازمة التي تمكّنه من فرض إرادته، فهو سيحدثها بنفسه. اتصل بروث بعد الرسالة، وتذمّر خلال المكالمة المقتضبة بينهما من أن مضايقة المعلنين عبر "تويتر" أشبه بابتزاز للشركة، معلناً "أصبح الابتزاز الآن مخالفاً لقواعدنا".

فكر روث بالاستقالة بعد انتهاء المكالمة مباشرة، لكنه بدل ذلك تحدث إلى ويلر وطلب منها تهدئة ماسك. فعلاً نجحت بذلك، لينتقل ماسك سريعاً بعدها نحو التركيز على مشاكل أخرى. إلا أن الضغوط التي باتت عنواناً لرئاسته "تويتر" كانت قد بدأت تظهر منذ الأسابيع الأولى لولايته على الشركة، بحسب عدة أشخاص مطلعين على تعاملات ماسك وقراراته في ذلك الوقت طلبوا عدم كشف هوياتهم لتجنب إجراءات انتقامية ضدهم.

آنذاك، كان الرجل بصدد اكتشاف أن مبادئ حرية التعبير التي يتغنى بها لا تنفع بالحفاظ على المعلنين. وبدأ من يساعدونه على تنفيذ رؤيته بإدراك مدى سرعة استعداده للتخلي عن هذه المبادئ إن لم تخدم مصلحته.

دعم من دورسي

لعلّ جاك دورسي أكثر من يفهم التوترات المتعلقة بإدارة "تويتر"، فقد شارك في تأسيسها وتولى رئاستها مرتين، ثمّ شارك في ترتيب استحواذ ماسك عليها.

مع بدء تبلور صفقة الاستحواذ، كان دورسي ما يزال عضواً في مجلس إدارة الشركة، وقد تبادل رسائل مع ماسك وتحدث معه بانتظام، بحسب الرسائل الخاصة التي تضمنتها وثائق الدعوى القضائية حول عملية الاستحواذ.

أعرب دورسي في السابق عن قلقه من اعتماد "تويتر" على عوائد الإعلانات، وأخبر ماسك إنه سيكون من الأفضل إن لم تعد الشركة مدرجة في البورصة. كما قال في إحدى الرسائل النصية في مارس 2022 قبل بضعة أسابيع من تقديم ماسك لعرضه: "لا ينبغي أن يكون نموذج عملها مبني على الإعلانات... وإلا سيخلق ذلك مجالاً ستحاول الحكومات والمعلنون التأثير والسيطرة عبره. إذا كان هناك كيان مركزي خلفها، ستتعرض للهجوم".

مسيرة دورسي نفسه في "تويتر" لم تكن سلسة دائماً، وكان على قناعة بأن ماسك هو الأقدر على معالجة المشاكل التي تواجهها الشركة. لكن حتى لو أصاب في تحليله للعيوب التي تشوب نموذج عمل "تويتر"، إلا أن الحلّ الذي اقترحه لم يكن في مكانه.

تسبب ماسك بفوضى في "تويتر" حتى قبل استحواذه على الشركة. فبعدما وافق على شرائها في أبريل 2022، عاد وغير رأيه وحاول تخريب صفقته، وأمضى معظم ما تبقى من العام في محاربة "تويتر" أمام المحاكم.

وحين تخلى أخيراً عن معركته القضائية وأبرم الصفقة على مضد في أكتوبر من ذلك العام، بادر على الفور لطرد نصف العاملين في الشركة، بينهم معظم أعضاء الفريق الذين عينّهم دورسي وعمل معهم لسنوات.

اقرأ أيضاً: إلزام إيلون ماسك بالشهادة مجدداً في قضية انتهاكات صفقة "تويتر"

إقرار بالخطأ

ما كانت هذه البداية المتعثّرة إلا غيض من فيض ما سيأتي لاحقاً. فبعد مرور 16 شهراً على استحواذ ماسك على "تويتر"، انخفضت إيرادات الشركة إلى جزء يسير جداً مما كانت عليه في الحقبة السابقة. إذ ثبت أن خطة ماسك لإعادة حرية التعبير إلى "تويتر" التي وصفها بأنها بسيطة تعتمد على عدم التدخل، كانت مليئة بالخيبات والتخبط.

أقرّ دورسي أنه أخفق في محاولته تسليم الشركة. فقد خصص بعض الوقت في أبريل 2023 للرد على أسئلة حول "تويتر" عبر شبكة التواصل الاجتماعي المنافسة "بلوسكاي" التي أسهم في وضع تصور لها قبل وقت طويل من ظهور ماسك على الساحة.

طرح جيسون غولدمان، أحد أوائل أعضاء مجلس إدارة "تويتر" سؤالاً بسيطاً ولكن ملغوماً على دورسي على النحو التالي: "هل تعتقد أن إيلون أثبت أنه أفضل من يتولى (تويتر)؟".

أجاب دورسي بصراحته المعهودة، فكتب: "لا، ولا أعتقد أيضاً أنه تصرف بحكمة بعد أن أدرك أن توقيته كان خاطئاً، ولا أعتقد أنه كان على مجلس الإدارة إجباره على إتمام عملية الشراء، تدهور كلّ شيء بعد ذلك".

ترتيبات دورسي للصفقة

كانت شركة "تويتر" تمرّ أصلاً باضطرابات حين أتى ماسك ليعرض 44 مليار دولار في بداية 2022. فخلال السنتين اللتين سبقتا الاستحواذ، كان المستثمرون الناشطون يحاولون إزاحة دورسي، فقد حظرت "تويتر" رئيساً أميركياً لم تنته ولايته بعد، فيما وضعت الشركة لنفسها أهدافاً ماليةً لم تقترب من تحقيقها، وابتعد دورسي معنوياً عن الشركة قبل أن يستقيل من رئاستها في نوفمبر 2021، ما خلق الظروف المؤاتية ليأتي شخص مثل ماسك ويستغل الوضع.

كان دورسي متحمساً لاستقطاب ماسك، فهو معجب به كرجل أعمال، وغالباً ما يشير إليه على أنه "مغرده المفضّل".

فشلت محاولته في 2018 بإقناع ماسك بإلقاء خطاب تحفيزي في الشركة، ثمّ نجح في ذلك عام 2020. وفي 2021، زار دورسي ماسك في منشأته لإطلاق الصواريخ "ستار بايس" (Starbase) في تكساس بصحبة صديقه الموسيقي ريك روبين.

أبقى دورسي وماسك قنوات الحوار مفتوحة بينهما خلال فترة تبلور الاستحواذ، وقد احتفظ بنهاية المطاف بحصة بقيمة مليار دولار في "تويتر" حين استحوذ ماسك على الشركة وحوّلها إلى شركة خاصة. وعند إتمام الصفقة، احتفل دورسي علناً وهنّأ ماسك شخصياً. أرسل ماسك رسالة نصية لدورسي بعد لحظات من إعلان الصفقة في أبريل 2022، قال فيها: "لقد أخذت بنصيحتك"، وأجاب دورسي: "أعرف، وأقدر لك ذلك".

أرسل دورسي رسالة إلى ماسك في اليوم التالي على أمل ترتيب اتصال مع باراغ أغراوال الذي اختاره بنفسه لخلافته في منصب الرئيس التنفيذي للشركة قبل بضعة أشهر. وكتب في الرسالة: "أريد الحرص على أن باراغ يبذل كل جهد ممكن من أجل البناء نحو تحقيق أهدافك حتى الانتهاء من الصفقة.. إنه بارع جداً في إتمام المهام عند تكليفه بالسير في اتجاه محدد".

رؤساء "تويتر" التنفيذيون منذ نشأتها
رؤساء "تويتر" التنفيذيون منذ نشأتها المصدر: بلومبرغ، ألامي، غيتي

ماسك وأرغوال

أعدّ دورسي جدول أعمال يتضمن المشاكل التي تعمل عليها "تويتر" والإجراءات الفورية التي يتوجّب اتخاذها، بالإضافة إلى الأولويات طويلة المدى، وأرسله إلى ماسك ليراجعه، ومعه رابط اتصال عبر "غوغل ميت"، وكتب له: "تحقيق ذلك سيزيد سرعة العمل". واضح أن دورسي كان يأمل أن يحب المالك الجديد، الرئيس التنفيذي، بما أنه هو من اختار الاثنين.

إلا أن ذلك ظل في خانة الأماني، فماسك كان مستاءً أصلاً من أغراوال الذي تبادل معه رسائل نصية مقتضبة في السابق، بعد أن عاتبه أغراوال على بعض تغريداته. وكان ماسك قد أخفق في إقناع أغراوال بحذف حساب على "تويتر" يتتبع طائرته الخاصة، وباشر الملياردير شراء أسهم "تويتر" حين رفض أغراوال طلبه.

لا عجب إذاً أن الاتصال الذي رتبه دورسي كان كارثياً، فرؤية أغراوال لـ"تويتر" لم ترق لرئيسه الجديد. وقد تخللت المكالمة لحظة محرجة تمحورت حول فيجايا غادي، المحامية العليا في "تويتر" ومسؤولة السياسات في الشركة، التي شاركت عن كثب في قرار حظر ترمب ومنع تداول مقالات إخبارية عن الرئيس جو بايدن ونجله هانتر في الأيام الأخيرة التي سبقت الانتخابات الرئاسية عام 2020.

في نظر ماسك، كانت غادي تمثّل كلّ ما يبغضه في سياسات التعبير عن الرأي لدى "تويتر"، وطلب من أغراوال طردها. إلا أن الأخير رفض لأنه لم يكن واضحاً ما إذا كانت هذه الخطوة ملائمة فيما أن ماسك لم يكن مالك الشركة بعد، ولا يجدر به أن يأمر.

لم يتدخل دورسي للدفاع عن غادي التي عمل معها لحوالي عقد، كما لم يدافع عن أي من زملائه لاحقاً. وكتب ماسك لدورسي بعد انتهاء المكالمة: "أنا وأنت متفقان تماماً، ولكن باراغ يسير ببطء شديد ويحاول إرضاء أشخاص لن يكونوا سعداء مهما فعل".

أجاب دورسي: "اتضح على الأقل أنه لا يمكنكما العمل معاً، ساعد ما جرى على توضيح الأمور".

تسريح الموظفين

أظهرت المكالمة الهاتفية عزم ماسك تنقيح الشركة. ومع استلامه رسمياً زمام القيادة، راح يفصل الموظفين وفق هواه، وانتقد علناً نموذج عمل "تويتر"، كما هاجم الموظفين الذين اختلفوا معه بالرأي. ألغى أيضاً السياسة المطبقة منذ حقبة كورونا القاضية بمنح الموظفين إجازات للحفاظ على صحتهم الذهنية، وأمر بعودة الجميع للعمل من المكاتب بدوام كامل.

تخلّى ماسك كذلك عن النظام الذي تعتمده "تويتر" من أجل توثيق هوية المستخدمين من المشاهير، وألغى عديداً من إجراءات التحقق التي تتبعها الشركة. كانت "تويتر" تستند بشدّة إلى تقصي الحقائق وسياسات الإشراف على المحتوى منذ عام 2020 مع تفشي جائحة كورونا والانتخابات الرئاسية الأميركية المثيرة للجدل وما رافقهما من انتشار للمعلومات المضللة على المنصة.

إلا أن ماسك بادر سريعاً للتخلي عن هذا النهج، مانحاً المستخدمين حرية أوسع لقول ما يشاؤون، لكنه من خلال ذلك ألحق الضرر بسمعة "تويتر" كوجهة أولى للاطّلاع على الأخبار العاجلة.

على الرغم من كلّ علات دورسي كرجل أعمال، إلا أنه جعل العمل لدى "تويتر" تجربة مميزة، فكان يتغنّى أمام الموظفين بقوة "تويتر" ومكانتها في العالم. حتى أن كثيراً من موظفي "تويتر" ارتضوا تقاضي رواتب أقل ممّا كان بإمكانهم تحصيله في شركات أخرى مثل "ميتا بلاتفورمز" وشركة "ألفابيت" مالكة "غوغل" لأن دورسي أقنعهم بأن "تويتر" أكثر من مجرد شركة أخرى تبيع الإعلانات المستهدفة، وكان كثيراً ما يردد أمام الموظفين أنه يحبهم، وظلّ هذا شعوراً متبادلاً لسنين طويلة.

اقرأ أيضاً: إنفوغراف: عدد موظفي "تويتر" قد ينخفض إلى أدنى مستوى منذ 2017

إلا أن هذه العلاقة تدهورت مع تمسك دورسي بدعمه للمالك الجديد حين راح يفكك الشركة. وفيما لم يعترض مباشرة على النهج الذي اتبعه ماسك إلا أنه أقرّ بتأثيره. فعقب إقالة ماسك لنصف موظفي "تويتر" بعد أسبوع واحد من استحواذه على الشركة، نشر دورسي تغريدة حزينة معتذراً، قال فيها: "أنا ممتن لجميع من عملوا في (تويتر) وأحبهم جميهم، لا أتوقع أن يكون هذا الشعور متبادلاً الآن أو في أي وقت في المستقبل، وأتفهم ذلك".

من "تويتر" إلى "إكس"

حصل الكثير منذ اللحظة الأولى التي دخل فيها ماسك إلى مقرّ "تويتر" في سان فرانسيسكو، حاملاً حوض مغسلة من البورسلين، وخطة تغييرات شاملة للشركة. يعمل ماسك اليوم مع العدد القليل المتبقي من موظفي "تويتر" بعد أن طرد نحو 8 آلاف موظف أو دفعهم للاستقالة، وهو يأمل أن يحوّل "تويتر" إلى تطبيق "لكل شيء"، حيث يمكن للمستخدمين التسوق والتغريد والتعارف وإدارة أموالهم.

غيّر ماسك اسم "تويتر" الرسمي إلى "إكس" في يوليو 2023. وكتب حينها قائلاً "اسم (تويتر) كان منطقياً حين كان تطبيقاً لتبادل رسائل من 140 حرفاً، مثل العصافير المغردة"، ولكن كتطبيق لكلّ شيء، سيصبح "إكس" مختلفاً تماماً، لذا "سنودّع العصفور".

في غضون ذلك، تتواصل معاناة "X" في مجال الإعلانات بسبب إصرار ماسك على تغريد ما يشاء وقتما يشاء. في أبريل، غير اسمه على "تويتر" إلى "هاري بولز"، وفي يوليو نعت الرئيس التنفيذي لـ"ميتا" مارك زوكربرغ بـ"الجبان" وتحدّاه إلى "مباراة لقياس الرجولة".

ثمّ في نوفمبر، علّق داعماً لتغريدة وصفت بأنها معادية للسامية، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير لدى بعض كبار المعلنين، منهم "أبل" و"والت ديزني".

اعتذر ماسك عن تلك التغريدة من منبر مؤتمر "ديل بوك" (DealBook) بعد بضعة أيام، من دون أن يبذل الكثير من الجهد ليبدو نادماً، ثمّ توجّه بعد لحظات إلى المعلنين الذين قاطعوه من على المسرح نفسه قائلاً "اذهبوا إلى الجحيم".

اقرأ أيضاً: انتقادات واسعة لماسك بعد تأييده منشوراً "معادياً للسامية" على "إكس"

نهج هدّام

يجعل نهج ماسك منه عدواً لنفسه، بما أن الإعلانات ما تزال تشكل حوالي 75% من إيرادات شركته. وعلى عكس "ميتا" و"غوغل" اللتين تملكان أعمالاً ضخمة في مجال التسويق المباشر، بما أن أغلب عملائهما من المؤسسات الصغيرة، فإن "تويتر" تعوّل بالأساس على التسويق للعلامات التجارية، وهو نوع من الإعلانات غالباً ما تعتمده شركات كبرى مثل "كوكا كولا" و"أبل" و"ديزني" لبناء صورتها من دون أن تنتظر مبيعات فورية بالضرورة.

قبل التغريدة التي وصفت بأنها معادية للسامية ومؤتمر "ديل بوك"، كانت "إكس" تهدف إلى تحقيق حوالي 2.5 مليار دولار من الإعلانات في 2023، أي أكثر بقليل من نصف المبلغ الذي حققته الشركة في السنة التي سبقت استحواذ ماسك عليها، بحسب أشخاص مطّلعين على أعمال "إكس" طلبوا عدم كشف أسمائهم بما أنهم غير مخولين بالحديث علناً.

في مؤتمر "ديل بوك"، حمّل ماسك المعلنين المتلكئين في الإنفاق على "إكس" مسؤولية مشاكل الشركة المالية. وقال: "ستسبب هذه المقاطعة الإعلانية بالإجهاز على الشركة، وسيعلم العالم أن المعلنين هم من أقضوا عليها".

اقرأ أيضاً: تخفيض جديد لقيمة "إكس" بعد إعادة تقييم حصة "فيديليتي"

ولكن لن تكون "ديزني" قطعاً الملامة إذا ما فشلت "إكس"، فهذه المسؤولية تقع على عاتق ماسك وحده لأنه غير مستعد للتكيف مع متطلبات العمل في المجال الإعلاني. تختلف طريقة عمل "إكس" عن طريقة عمل شركتيه "تسلا" و"سبايس إكس" حيث حقق نجاحاته. فلا يمكن إصلاح منصة عالمية للتعبير عن الرأي من خلال كتابة شيفرة أفضل فحسب، أو عبر تحسين عمليات التصنيع أو الضغط على الموظفين ليعملوا لساعات أكثر.

غرّدت إستير كراوفورد، وهي مسؤولة منتجات تنفيذية بقيت في الشركة لبضعة أشهر تحت إدارة ماسك قبل تسريحها في جولة خفض إنفاق في فبراير، قائلة: "تعلمت كثيراً من مراقبة إيلون عن كثب، ومنه جيد وسيء وبشع... جرأته وشغفه وقدرته على السرد كلّها أمور ملهمة، ولكن افتقاره للأسلوب والتعاطف أمر مؤلم. لدى إيلون موهبة استثنائية في معالجة المشاكل الملموسة الصعبة، ولكن المنتجات التي تسهّل الاتصال والتواصل البشري تتطلّب نوعاً مختلفاً من الذكاء الاجتماعي".

أمل في المستقبل

قلّما يغرد دورسي اليوم، وحين يفعل، غالباً ما تعبر تغريداته عن اهتماماته الشخصية مثل البتكوين والموسيقى ودعم الحملة الانتخابية لروبرت ف. كنيدي جونيور. ولكن الواضح أن ما كان يتصوّره حين شجع ماسك على شراء الشركة لم يتحقق.

سبق أن اشتكى دورسي من أن إحدى عيوب "تويتر" هو امتلاكها سلطة هائلة تتيح لها التحكم بالتعبير عن الرأي حول العالم، وسيكون من الأفضل للعالم لو أن هذه القوة موزعة على عدّة أطراف.

مع ذلك، ما تزال شركة واحدة تمتلك السلطة لتحديد ما يمكنك أن تشاركه عبر "إكس"، ولكن هذه الشركة يسيطر عليها أغنى رجل في العالم، وليس لها مجلس إدارة أو مساهمون، ولا يبدو أنها ترى حرجاً في وضع سياسات اعتباطية تؤثر على حرية التعبير حول العالم.

أقر دورسي في مقابلة مع البرنامج السياسي عبر الإنترنت (Breaking Points) أن عهد ماسك في "تويتر" تعثّر قبل أن يبدأ رسمياً حين اتهم الشركة بالكذب حيال عدد المستخدمين، وردّت "تويتر" بمقاضاته.

قال: "أعتقد أن ذلك أسهم في إرساء آلية عمل أجبرته على التصرف بتعجل، وعلى أن يكون نافد الصبر وأن يتحرك بأسرع ما يمكن لطرح خصائص حتى دون تفكير متعمق، فبدا كل شيء متهوراً إلى حد ما".

مع ذلك، ما يزال لدى دورسي أمل فقده معظم زملائه السابقين منذ أمد طويل، فقد قال: "أنا واثق أنه سيجد حلاً... أنا أملك 3% من الشركة الجديدة، لذا فإنني داعم".