قصة معدنين سيحددان مستقبل الطاقة

النمو غير المتوازن في إنتاج النيكل والنحاس قد يبطئ الوصول لانبعاثات صفرية

حشد من العمال في منطقة موروالي الصناعية في إندونيسيا
حشد من العمال في منطقة موروالي الصناعية في إندونيسيا المصدر: أ.ف.ب
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

صنعت شركة "بي إتش بي" (BHP)، وهي أكبر شركة تعدين في العالم، مركزاً قوياً لنفسها بدعمٍ من هيمنتها على إنتاج معادن المستقبل. الأمر يجعل التحديات التي تواجهها مع اثنين من المكونات الرئيسية للتكنولوجيا النظيفة، درساً لا يُنسى في مجال التحول الطاقي.

تم الاعتراف بالنيكل والنحاس منذ فترة طويلة كمكونات حيوية للاقتصاد الخالي من الكربون. يساعد الأول على تجميع الطاقة في بطاريات أيونات الليثيوم المستخدمة في السيارات الكهربائية وخلايا تخزين الطاقة على نطاق الشبكة، في حين يُستخدم الثاني في كل مكان تتدفق فيه الكهرباء تقريباً، من الأسلاك والمحركات والتوربينات إلى المبادلات الحرارية والمحولات.

تحتاج إمدادات النيكل إلى النمو من نحو 3.4 مليون طن حالياً إلى أكثر من 5 ملايين طن في عام 2030 على أساس سنوي لإبقاء العالم على مساره للوصول إلى صافي صفر انبعاثات، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. يجب أن يرتفع إنتاج النحاس من 25 مليون طن إلى 35 مليون طن. في الحالة المثلى، ينبغي أن نشهد توسعاً سريعاً في المعروض من كلا المعدنين، مع التركيز بقوة على النحاس، حيث ينتج عمال المناجم نحو 10 أطنان مترية لكل طن من النيكل.

وفقاً لوكالة الطاقة الدولية يجب أن يرتفع إنتاج النحاس من 25 مليون طن إلى 35 مليون طن
وفقاً لوكالة الطاقة الدولية يجب أن يرتفع إنتاج النحاس من 25 مليون طن إلى 35 مليون طن المصدر: بلومبرغ

نمو غير متكافئ بالإنتاج

ما يحدث هو عكس ذلك تقريباً. الشركات الصينية التي تقوم بتكرير النيكل عالي الجودة من التربة الحمراء في شرق إندونيسيا تُغرق السوق، ما أدى إلى انخفاض الأسعار بنحو 40% على مدى الأشهر الـ12 الماضية، ودفع نحو نصف الإنتاج العالمي إلى الخسائر.

وفي حين انخفضت أسعار النحاس بنحو 7.7% خلال نفس الفترة، فإن كل منجم تقريباً يحقق أرباحاً. ومع ذلك، لا يزال هذا غير كاف لتحفيز المزيد من الإنتاج. إذ تقدر مؤسسة "فيتش ريتينغز" للتصنيف الائتماني أن العرض سينخفض بمقدار 1.2 مليون طن عن الطلب بحلول عام 2029.

اقرأ أيضاً: شركة تعدين مدعومة بالذكاء الاصطناعي تكتشف مخزوناً ضخماً من النحاس في زامبيا

من المرجح أن تكون الأخبار الأسوأ في نتائج النصف الأول التي أعلنتها "بي إتش بي" يوم الثلاثاء الماضي هي انخفاض قيمة أعمال النيكل الخاصة بها في أستراليا بنحو 2.5 مليار دولار، والتي كانت تعاني لسنوات عديدة قبل التنبؤ بآفاق أفضل مدعومةً بثورة بطاريات السيارات الكهربائية.

وقال المدير المالي ديفيد لامونت للمستثمرين: "لم نتوقع، نحن أو غيرنا في السوق، هذا النمو السريع للإمدادات الإندونيسية". قد ينتهي الأمر بتجميد الوحدة حتى تظهر علامات على تعافي السوق.

مع ذلك، فإن الأخبار الأكثر إيجابية بشأن النحاس ليست أفضل بكثير. تمتلك شركة "بي إتش بي" أكبر حفرة نحاس في العالم، "إسكونديدا"، وتتحدى أحياناً شركة "فري بورت ماك موران" (Freeport-McMoRan) للحصول على لقب أكبر منتج، لكن خططها لمعالجة العجز الوشيك في العرض مع تحول العالم إلى الطاقة النظيفة لا تتناسب مع حجم المشكلة.

تمتلك شركة "بي إتش بي" أكبر حفرة نحاس في العالم وتتحدى شركة "فري بورت ماك موران" في الحصول على لقب أكبر منتج
تمتلك شركة "بي إتش بي" أكبر حفرة نحاس في العالم وتتحدى شركة "فري بورت ماك موران" في الحصول على لقب أكبر منتج المصدر: بلومبرغ

استثمارات محدودة

تشير بعض نتائج الحفر الواعدة بالقرب من منجم "أولمبيك دام" (Olympic Dam) ضعيف الأداء في ولاية جنوب أستراليا والتقدم المحرز في معالجة خامات المعادن في منجم "إسكونديدا"، إلى استهلاك نحو مليار دولار أميركي سنوياً هذا العام والعام المقبل. هذا أقل بكثير من مبلغ 10.6 مليار دولار الذي يتم إنفاقه على المدى الطويل لبدء إنتاج مشروع البوتاس الكندي لشركة "بي إتش بي".

ومع إضافة الانخفاض في قيمة أعمال النيكل (2.5 مليار دولار) إلى إنفاق رأس المال البالغ 1.4 مليار دولار في هذا القسم هذا العام، فإن معدن البطارية يلتهم من قيمة حقوق المساهمين تقريباً ما يساوي حجم نفقات رأس المال البالغة 4.2 مليار دولار المخصصة للنحاس.

الزيادة المحتملة في حجم الإنتاج قد تأتي من جنوب أستراليا، حيث يُتوقع أن تبلغ مستويات الإنتاج أكثر من 500 ألف طن سنوياً بحلول نهاية العقد الحالي، مقارنة بتوقعات تتراوح بين 310 آلاف إلى 340 ألف طن لهذا العام. ومع ذلك، فإن العجز في سوق النحاس العالمية بحلول ذلك الوقت سيكون أكبر بكثير.

اقرأ أيضاً: سعر النحاس يقفز لأعلى مستوى في 11 أسبوعاً خشية إغلاق منجم بنما

لن يكون ذلك كافياً. قال الرئيس التنفيذي لشركة "بي إتش بي" مايك هنري في مؤتمر للصناعة في برشلونة العام الماضي، إنه يجب إنفاق نحو 250 مليار دولار على النمو بحلول عام 2030 لتلبية الطلب الناجم عن التحول إلى صافي صفر انبعاثات. وفي سوق عالمية تنتج فيها الشركة طناً واحداً من كل 14 طناً، ستحتاج "بي إتش بي" إلى إنفاق أكثر من 2.5 مليار دولار سنوياً لتحمّل نصيبها من هذا العبء، لكن التوجيهات هذا العام تبلغ 0.9 مليار دولار.

تحول أبطأ نحو الانبعاثات الصفرية

المشكلة تكمن في أن شركة "بي إتش بي" لا تملك الكثير من الخيارات الجذابة لحل مشكلة نقص إمدادات النحاس. في سيرو كولورادو شمال "إسكونديدا"، قد يكون هناك ما يصل إلى 6.1 مليون طن من النحاس بانتظار الاستخراج، لكن تم تعليق العمليات في ديسمبر لأن المنجم بحجمه الحالي صغير جداً، وقد يحتاج إلى إنفاق مليارات الدولارات على تحلية المياه إذا أراد العمل مرة أخرى.

ويبدو مشروع "ريزولوشن" (Resolution) مع شركة "ريو تينتو" (Rio Tinto) في أريزونا واعداً بشكل أكبر من الجهة النظرية، لكن الموافقة عليه تعثرت بسبب معارضة جماعات السكان الأصليين المحلية.

الأمر مثير للقلق، فانخفاض أسعار النيكل والليثيوم يعني أن المركبات الكهربائية لديها آفاق أفضل بكثير مما يوحي به الكساد الحالي في السوق، حيث تنخفض تكاليف المواد، ما يشجع على اعتماد هذه المركبات بشكل أكبر. أما النحاس فلديه مشكلة عكسية، إذ تعتبر الأسعار الحالية رائعة بالنسبة للمنتجين، لكنها تجعل كل منتج قادر على دعم عملية إزالة الكربون من اقتصادنا أكثر تكلفة قليلاً، وهذا لا يمكن إلا أن يبطئ التحول إلى انبعاثات صفرية.