لماذا تتداول السوق سهم "غولدمان" بأقل من قيمته؟

تقرير الإفصاح السنوي التفصيلي الشامل لـ"غولدمان" يذكرنا بالسبب الذي يدفع المستثمرين إلى الحذر تجاه أسهم بنوك الاستثمار

خوذات تحمل العلامة التجارية لـ"غولدمان ساكس" خلال حفل وضع حجر الأساس للمبنى الجديد لمجموعة "غولدمان ساكس" في دالاس، تكساس، الولايات المتحدة، يوم الثلاثاء 10 أكتوبر 2023.
خوذات تحمل العلامة التجارية لـ"غولدمان ساكس" خلال حفل وضع حجر الأساس للمبنى الجديد لمجموعة "غولدمان ساكس" في دالاس، تكساس، الولايات المتحدة، يوم الثلاثاء 10 أكتوبر 2023. المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من يتساءل عن سبب تداول أسهم بنوك الاستثمار دائماً بأسعار أقل من قيمتها مقارنة مع بقية الأسهم في السوق، عليه إلقاء نظرة سريعة على تقرير الإفصاح السنوي التفصيلي الشامل "10-K" الذي قدمه مصرف "غولدمان ساكس" يوم الجمعة الماضي.

أولاً: الأجور والتعويضات

يكشف التقرير فعلاً عن التعويضات المالية التي حصل عليها رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي ديفيد سولومون، الذي ارتفعت مكاسبه بنسبة 24% إلى 31 مليون دولار في سنةٍ انخفضت خلالها أرباح البنك الصافية بنسبة 24%.

وربما انطلاقاً من شعورها بأنها في موقف دفاعي، سلطت لجنة التعويضات المالية والأجور في مجلس الإدارة الضوء على سبعة عوامل لدعم قرارها، من بينها قيادة سولومون "الحازمة التي أدركت ضرورة تبسيط وتوضيح استراتيجية الشركة في المستقبل".

غير أن سولومون ليس وحده الذي حصل على قطعة أكبر من كعكة أصغر. فقد حصل الموظفون إجمالاً على أجور قيمتها 15.5 مليار دولار، تعادل 34% من الإيرادات الصافية، حتى بعد خصم تعويضات نهاية الخدمة. وعلى الرغم من أن هذه النسبة لا ترقى إلى مستوى نسبة الأجور الإجمالية في الأيام التي سبقت الأزمة المالية العالمية عندما بلغت نحو 46% في المتوسط من صافي الإيرادات، فإنها ترتفع باستمرار منذ عامين من نقطة القاع التي بلغت 30%.

وربما كان أحد أسباب ذلك اندفاع المصرف نحو إدارة أصول بديلة، حيث ترتفع الأجور المطلوبة. فهو واحد من أكبر خمسة لاعبين في هذه السوق المتخصصة، ويشرف على أصول قيمتها 295 مليار دولار تحت إدارته. وقد حقق في العام الماضي إيرادات تجاوزت ملياري دولار من رسوم الإدارة في هذا النشاط. وعلى الرغم من ضعف الأداء الفعلي، حصل الموظفو ن على حوافز جيدة. فقد انخفضت رسوم حوافز الأداء إلى 161 مليون دولار، ومع ذلك جنبت الشركة 407 ملايين دولار تعويضات مرتبطة بالأداء، توزع على 800 من العاملين المعنيين.

اقرأ أيضا: غولدمان يشارك مبادلة لاستثمار مليار دولار في الائتمان الخاص

تعمل شركات إدارة الأصول البديلة المتخصصة مثل "كارلايل غروب" على إعادة تقييم الكيفية التي تخصص من خلالها الرسوم لصالح العاملين والمساهمين، مع الميل إلى تخصيص حصة أكبر من رسوم الإدارة لصالح المساهمين، وحصة أكبر من رسوم حوافز الأداء لصالح الموظفين. والهدف من وراء ذلك هو تخصيص المصالح، بما يسمح بأن يربح من يعقدون الصفقات أموالاً أكثر في سنوات الرخاء وأن يعانوا في الأوقات العصيبة، مع تلبية رغبة حاملي الأسهم في وضوح الرؤية المستقبلية، أو إمكانية التنبؤ، في الوقت نفسه. وقد ورد في التقرير أن "غولدمان ساكس" يفعل الشيء نفسه، غير أنه قد يضطر إلى التحرك بوتيرة سريعة حتى يحقق للمساهمين الأرباح السلسة المنتظمة التي يطمحون إليها.

ثانياً: عدم انتظام الإيرادات

الإيرادات المنتظمة التي تحصل عليها الشركات العاملة في هذا المجال قليلة للغاية. ونرى في تقرير "10-K" لمصرف "غولدمان ساكس" إفصاحاً مفيداً يتعلق بتوزيع صافي إيرادات التداول اليومية. ففي العام الماضي، حقق البنك خسائر فعلية في 37 يوماً، بما يعادل 15% من إجمالي أيام التداول السنوية. ومع ذلك، عليك أن ترجع بالمقارنة إلى عام 2015 حتى ترى أنه حقق خسائر في نفس عدد الأيام. أما الاختلاف، فهو أن الخسائر أكبر. في عام 2015، كانت أكبر خسارة يومية تتراوح بين 50 مليون دولار و75 مليون دولار. وفي عام 2022، شهد البنك ثلاثة أيام خسر فيها ما يزيد على 100 مليون دولار، وفي العام الماضي شهد خسارة أخرى.

وعلى الجانب الآخر، حقق "غولدمان ساكس" أرباحاً في عدد من أيام التداول عوضت تلك الخسائر وتجاوزتها. ففي العام الماضي، سجل المصرف 52 يوماً حقق فيها أرباحاً تتجاوز 100 مليون دولار، متراجعاً عن أيام الربح في العام السابق التي بلغت 85 يوماً. ومعنى ذلك أنه ما يزال يعتمد على بضعة أيام فائقة الربحية لتحقيق أرقامه. وهو ما يتسبب في حالة من الشك وعدم اليقين بالنسبة للمساهمين.

رسالة من "بنك أوف أميركا" إلى "غولدمان ساكس": التزم بما تعرفه

ثالثاً: متطلبات رأس المال

من الصعب معرفة مقدار رأس المال الذي يحتاجه مصرف مثل "غولدمان ساكس". يعلن البنك عن العديد من نسب رأس المال، التي تتم معايرتها وفقاً لكل من المعايير "الموحدة" و"المتقدمة". وتتسم المعايير الموحدة بأنها أكثر تشدداً بشأن مخاطر الائتمان، فهي تتطلب رأس مال يزيد بنسبة 35% مقارنة بالمعايير المتقدمة. ولكنها لا تشمل المخاطر التشغيلية (أي المخاطر التي قد تنشأ عن أعطال الأنظمة أو الأخطاء البشرية أو المخالفات أو غيرها من التصرفات السيئة) والتي تعتبرها المعايير "المتقدمة" مخاطر كبيرة. ووفقاً للمعايير المتقدمة، يحتاج "غولدمان ساكس" إلى الاحتفاظ بمبلغ 16.7 مليار دولار من رأس المال لتغطية المخاطر التشغيلية، أي ما يعادل 19% من إجمالي ميزانية تغطية المخاطر.

وبقدر تعقيد هذه القواعد، بقدر ما هي في تغير مستمر. ففي يوليو من العام الماضي، اقترح بنك الاحتياطي الفيدرالي متطلبات جديدة تستبدل المعايير "المتقدمة" بـ"نهج موسع استناداً إلى المخاطر". ويمتاز هذا النهج في أنه، عند تطبيقه، يلغي استخدام النماذج الداخلية الحالية، مما يجعل متطلبات رأس المال أكثر شفافية بالنسبة للمستثمرين. أما عيوبه فتتمثل في "احتمال زيادة متطلبات رأس المال التنظيمي بنسبة 25% تقريباً على أساس كامل المراحل، إذا ظلت الأصول والالتزامات متسقة إلى حد كبير مع تلك التي كانت قائمة في ديسمبر 2023".

سهم "غولدمان ساكس" ليس وحده الذي يجري تداوله بمضاعف ربحية أقل بكثير من مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، فجميع بنوك الاستثمار لا يمكن التنبؤ بأرباحها، وتتنازعها التوترات بين المساهمين والموظفين حول كيفية تقسيم الأرباح، وتتعرض للأهواء التنظيمية بشأن مقدار رأس المال الذي يجب أن تحتفظ به. ولكن تقرير "غولدمان ساكس" الشامل "10-K" مفيد للتذكرة.