هال براندز: الولايات المتحدة تدير ظهرها للعالم مع ترمب أو بدونه

إذا لم تستطع أميركا تمرير مساعدات لأوكرانيا في ظل رئيس صديق لها، فلماذا تثق بها أي دولة أخرى؟

صورة تظهر العلمين الأميركي والأوكراني ومبنى الكونغرس الأميركي في العاصمة واشنطن
صورة تظهر العلمين الأميركي والأوكراني ومبنى الكونغرس الأميركي في العاصمة واشنطن المصدر: بلومبرغ
Hal Brands
Hal Brands

Prof JHU-SAIS, scholar AEI, Bloomberg Opinion columnist. https://bloomberg.com/opinion Co-author of The Lessons of Tragedy.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في فيلم "Butch Cassidy and the Sundance Kid"، تحاصر قوة من رجال القانون بول نيومان وروبرت ريدفورد، ولا يكون أمامهما سوى مهرب وحيد، هو القفز من جرف إلى مياه النهر في الأسفل. وفي مشهد من المشاهد الكلاسيكية في السينما الأميركية يقول صندانس إنه لن يقفز لأنه لا يستطيع السباحة، فيرد عليه بوتش مطمئناً: "من المحتمل أن يقتلك السقوط".

هذه استعارة تدعو للأسى بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية. فمع تقدم دونالد ترمب نحو الترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري، من الطبيعي أن نتساءل عما سيحدث إذا قاد الولايات المتحدة مرة أخرى رئيس غريب الأطوار ومندفع ومدمر في كثير من الأحيان. أن التكهن بتأثير ترمب يشبه التساؤل عما سيحدث بعد سقوط متهور وسريع.

ليست الأزمة الكبرى للسياسة الخارجية الأميركية خطراً مؤجلاً لن يتحقق إلا إذا فاز ترمب في نوفمبر القادم؛ بل إنها تحدث في الوقت الحالي، حيث تعاني أميركا في محاولة تقديم المساعدة التي تحتاجها أوكرانيا المحاصرة للبقاء على قيد الحياة.

لا يبدو أنهم يشعرون بأي ضرورة ملحة في "الكابيتول هيل"، إذ إنهم أجلوا قراراً حيوياً بتمويل خطة تشمل تعزيز أمن الحدود مع حزمة مساعدات لأوكرانيا؛ أولاً بسبب مفاوضات مطولة في مجلس الشيوخ لم تسفر عن أي شيء في النهاية؛ وثانياً بسبب عطلة لمدة أسبوعين أخذها مجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون بعد استلام مشروع القانون الذي أقره مجلس الشيوخ في نهاية المطاف؛ وثالثاً بسبب الجهود المحمومة الأخيرة للحفاظ على استمرار عمل الحكومة الأميركية بضعة أسابيع أخرى. ومع تردد وتباطؤ واشنطن، تتراكم آثار ذلك في ميدان المعركة.

زعماء الكونغرس يتوصلون لاتفاق لتجنب إغلاق الحكومة الأميركية

سقوط أفدييفكا

سقطت مدينة أفدييفكا الشرقية أواخر الشهر الماضي لأن القوات الأوكرانية افتقرت إلى القذائف والذخائر اللازمة لوقف الهجمات الروسية التي لا تنتهي. وحالياً، تضغط موسكو للمضي قدماً في معركتها. فالقوات الجوية الروسية، التي لعبت في السابق دوراً محدوداً وغير مؤثر في هذه الحرب، تدخل في القتال عبر تدمير وسحق المناطق التي يمكن للجيش الروسي التوغل فيها بعد ذلك. ربما كانت طائرات الرئيس فلاديمير بوتين، بطبيعة الحال، ضعيفة للغاية أمام الدفاعات الجوية الأوكرانية، لو كانت أوكرانيا تمتلك ما يكفي من أنظمة الدفاع الجوي لردع الطائرات الروسية وإبعادها.

وبالنسبة لأوكرانيا، ليست الأعباء المترتبة على نقص المساعدات الأميركية افتراضية أو محتملة، بل هي أعباء حقيقية، وتتفاقم يوماً بعد يوم من خلال الخسائر في الأرواح والأراضي. ونحن نرى، بوضوح شديد، كيف تخسر أوكرانيا هذه الحرب؛ ليس بسبب هجوم روسي عبقري خاطف، وإنما بسبب استمرار وتراكم الانتكاسات التي تحرم البلاد من أي أمل في النصر، وبالتالي تجبرها على قبول سلام هو في حقيقته هزيمة استراتيجية.

يعيدنا ذلك إلى السياسة الأميركية. ففي "مؤتمر ميونيخ للأمن" الذي عقد الشهر الماضي، وفي عواصم الدول في مختلف أنحاء العالم، يضغط شبح عودة ترمب بثقله على كاهل حلفاء الولايات المتحدة، ولأسباب وجيهة، بالنظر إلى أن ترمب يأتي بنفس تلك الأفعال التي أثارت قلق الكثير من أصدقاء الولايات المتحدة في المرة الأولى مثل حديثه عن رمي الحلفاء للذئاب، وخيالاته بشأن الهجوم على المؤسسات الديمقراطية الأميركية. غير أن المعضلة الأوكرانية ينبغي أن تكون أكثر إثارة للقلق عند أولئك الذين يعتمدون على الولايات المتحدة في ضمان أمنهم وسلامتهم.

بلومبرغ: على الغرب استغلال نقطة ضعف بوتين لأقصى درجة

من الصعب تصديق أن الولايات المتحدة ستدفع برجالها ونسائها للدفاع عن حلفائها عندما تأتي الأزمة التالية، طالما أنها تحجم حتى عن تقديم المال والسلاح لدعم أوكرانيا في صراع لم يُقتل فيه جندي أميركي واحد. كذلك يظهر المأزق الأوكراني أن العفونة في النظام السياسي الأميركي أعمق من مجرد ضجيج رئيس مارق.

الدور المخزي لترمب

لقد لعب ترمب دوره المخزي في مناقشة قضية أوكرانيا؛ فقد ساعدت مقاومته لإصلاح الحدود الجنوبية للولايات المتحدة (لأنه يريد استغلال هذه القضية في ترشحه للرئاسة في نوفمبر)، في إفشال الاتفاق الذي توصل إليه المفاوضون من الحزبين في مجلس الشيوخ. وفي الوقت الحالي، تشجع معارضته للمساعدات الأوكرانية حلفاءه في مجلس النواب ممن يُطلق عليهم الـ"ماغا" (MAGA)، وتخيف الجمهوريين من أصحاب التوجه الأممي.

غير أن النقاش الحالي يُظهر أن النظام السياسي الأميركي يمكن أن يقف عاجزاً أمام القضايا الاستراتيجية الحاسمة حتى عندما يصف الرئيس الأميركي أوكرانيا بأنها الجبهة المركزية في صراع كبير بين الاستبداد والديمقراطية، وعندما تؤيد أغلبية قوية من المشرعين في مجلسي النواب والشيوخ تقديم الدعم لهذا البلد. إذا كان هذا هو أفضل ما تستطيع أن تفعله الولايات المتحدة في عهد جو بايدن، فلن يحتاج الأمر دورة رئاسة ثانية لترمب حتى تحيط الشكوك بالدور العالمي لأميركا.

في مقال نشر مؤخراً في مجلة "فورين أفيرز" (Foreign Affairs)، قال وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس إن الخلل السياسي في الولايات المتحدة يشجع على عدم الاستقرار الجيوسياسي؛ حيث أن أمريكا المنقسمة تفتقر إلى الثبات والالتزام اللازمين لكبح قوى إثارة الفوضى في العالم. وكلما طال أمد المعضلة الأوكرانية، كلما بدا هذا التحذير أكثر تبصراً.

نحن نعيش في عصر أصبحت فيه العديد من الحقائق القديمة المتعلقة بالشؤون العالمية موضع شك وتساؤل؛ مثل تقدم الديمقراطية، وغياب الحرب بين القوى العظمى، والاستقرار النسبي في المناطق الرئيسية. وكذلك الأمر بالنسبة للحقيقة الكبرى التي تُعد أساس كل الحقائق الأخرى، وهي أن النظام السياسي الأميركي، على الرغم من كل عيوبه وسخافاته، سوف ينتج في نهاية المطاف سياسات تدفع العالم في اتجاه إيجابي. وبصرف النظر عما سيحدث في نوفمبر، فإن مأزق المساعدات الأوكرانية يدعو إلى الانتباه لأنه يعطي أصدقاء أميركا وأعداءها صورة أولية لما سيبدو عليه العالم عندما تتغير الحال. فربما تكون المسافة طويلة جداً باتجاه الهبوط.