هل يؤتي سخاء الإنفاق السعودي على الرياضة ثماره؟

رهانات كبيرة على دور الرياضات العالمية مثل الغولف وكرة القدم في مستقبل ما بعد النفط

لاعب نادي النصر السعودي كريستيانو رونالدو
لاعب نادي النصر السعودي كريستيانو رونالدو المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتجه المملكة العربية السعودية نحو مستقبل يتخطى الاعتماد على النفط؛ حيث تنفق بسخاءٍ غير مسبوق عى قطاعات جديدة. بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، يستثمر الصندوق السيادي السعودي المليارات في الرياضات العالمية، بما في ذلك الغولف وكرة القدم. وحوّل هذا الإنفاق السعودية إلى قوة لا يمكن تجاهلها في عالم الرياضة، بما يتماشى أيضاً مع سعيها لتنويع اقتصادها، وتشجيع السياحة، وتحسين جودة الحياة للمواطنين الذين تحرروا مؤخراً من بعض القيود المحافظة.

1. لماذا الرياضة؟

الهدف هو إلهام الشباب السعودي وتعزيز مكانة البلاد الدولية. كما تأمل الحكومة أن تسهم الفعاليات الرياضية في جذب 150 مليون سائح سنوياً بحلول عام 2030. وينوّه المسؤولون السعوديون بأن هذه الاستثمارات الضخمة جزء أساسي من "رؤية 2030" التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على عائدات النفط وخلق فرص عمل للمواطنين الذين يعانون البطالة. بينما يرى منتقدون، مثل منظمة العفو الدولية، هذه الجهود كـ"تبييض رياضي" يصرف النظر عن سجل حقوق الإنسان. مع ذلك، أعرب ولي العهد عن عدم اكتراثه بمثل هذه الانتقادات، مشيراً إلى أن استراتيجيته تحقق النتائج المرجوة على صعيد النمو الاقتصادي.

2. ما هي أكبر الاستثمارات الرياضية السعودية؟

صدمت السعودية عشاق لعبة الغولف عندما توصلت مسابقة "إل آي في" (LIV) الناشئة للغولف، في يونيو 2023، إلى صفقة مع منافستها "بي جي إيه تور" (PGA Tour)، وهي الهيئة التي يقع مقرها في الولايات المتحدة وتنظم تقليدياً أحداثاً رياضية بارزة، وفيما أثارت الصفقة جدلاً قانونياً وشكوكاً حول مستقبلها، أنفق صندوق الاستثمارات العامة ملايين الدولارات على كبار لاعبي الغولف ولم يُظهر أي علامة على كبح جماح طموحاته.

وفي رياضة كرة القدم، أتمّ الصندوق شراء نادي "نيوكاسل يونايتد" الإنجليزي المتعثر عام 2021، كما استحوذ على العديد من فرق كرة القدم السعودية. ومنذ ذلك الحين، جذبت المملكة بعضاً من أكبر نجوم كرة القدم للعب في الدوري السعودي، حيث انضم كريستيانو رونالدو إلى نادي النصر براتب سنوي يقدر بـ200 مليون دولار، وحاول نادي الهلال، لكنه فشل، جذب ليونيل ميسي مقابل 400 مليون دولار سنوياً. كما أن الأندية السعودية تضمّ حالياً أسماء بارزة، من ضمنهم البرازيلي نيمار والمهاجم الفرنسي كريم بنزيمة.

المملكة استقطبت أيضاً مدربين مشهورين، بما في ذلك ستيفن جيرارد وروبرتو مانشيني. وهي حالياً صاحبة العرض الوحيد لاستضافة كأس العالم 2034. وتهدف المملكة إلى جذب المزيد من نجوم كرة القدم وإعطاء دفعة إضافية للدوري المحلي من خلال موجة من عمليات خصخصة الأندية.

من التكنولوجيا إلى الرياضة.. السعودية تكثف جهود تحول اقتصادها

3. ما هي الرياضات الأخرى التي تُنفق فيها الأموال؟

تُعدُّ مدينة جدة الساحلية في السعودية موطناً لسباق سيارات "فورمولا 1" (F1) سنوياً. وفي الوقت عينه ضخ صندوق الاستثمارات العامة عشرات الملايين من الدولارات في بطولات سباقات السيارات الكهربائية، ودعم بطولات سيارات الدفع الرباعي والقوارب.

ومؤخراً، أبدى الصندوق اهتماماً بالتنس من خلال توقيع اتفاقية رعاية مدتها خمس سنوات مع "جولة اتحاد لاعبي التنس المحترفين" (ATP Tour)، كما يدعم "دوري المقاتلين المحترفين" للفنون القتالية المختلطة في محاولةٍ لجعل الرياض مركزاً جديداً لهذه الرياضة. وفي أواخر عام 2023، ذكرت "بلومبرغ" أن المملكة تدرس استثمار ما يصل إلى 5 مليارات دولار في دوري الكريكيت الممتاز في الهند.

4. هل يؤتي الإنفاق ثماره؟

حققت حملة دعم دوري كرة القدم المحلي نتائج متباينة حتى الآن. فبينما استحوذت الأندية السعودية على العشرات من أفضل اللاعبين الدوليين، لكنها لا تزال تكافح من أجل جلب المشجعين إلى ملاعبها. حيث يبلغ متوسط حضور المباريات 8321 متفرجاً فقط لموسم 2023-2024 الحالي حتى تاريخه، بانخفاض بنحو 10% عن الموسم السابق. ومع ذلك، فإن الجاذبية العالمية للنجوم الأجانب ساعدت المملكة على تأمين صفقات بث لمبارياتها في أكثر من 130 منطقة بمعدلات ذكرت "بلومبرغ" أنها أعلى بأربع مرات من معدلات الموسم السابق.

إنفوغراف: السعودية تحدد 7 أهداف لتطوير الرياضة في 2024

على الجانب الآخر، يبدو أن استثمار "نيوكاسل" قد أتى بثماره بعد أن تأهل النادي الإنجليزي إلى دوري أبطال أوروبا في موسمه الأول بعد صفقة الاستحواذ السعودية، وهو ما أدى إلى ارتفاع قيمة النادي السوقية أعلى كثيراً من سعر الشراء البالغ نحو 300 مليون جنيه إسترليني (382 مليون دولار).

5. كيف تؤثر الاندفاعة الرياضية على السعودية؟

تجذب هذه الصفقات انتباه الشباب في بلدٍ تبلغ نسبة من هم دون الثلاثين 63% من سكانه؛ والكثير منهم متحمسون لكرة القدم ويتابعون بشغف المسابقات الدولية كدوري أبطال أوروبا.

وأصبحت المرأة السعودية تشارك بشكل أكبر في كرة القدم، فقد أطلقت الدولة الموسم الرسمي الأول للدوري الممتاز لكرة القدم للسيدات في عام 2022، بعد سنواتٍ قليلة من السماح للإناث بحضور مباريات كرة القدم لأول مرة.

سوق الرياضة السعودية مرشحة للارتفاع 250% بحلول 2030

ربما تأمل الحكومة أن يؤدي التوجه الرياضي إلى تحسين صورة البلاد، ما يدعم في النهاية جاذبيتها كوجهة للسياحة. وتشكل الأحداث الكبرى مثل "إكسبو الرياض 2030"، وربما كأس العالم 2034، أول اختبار حقيقي فيما إذا كانت الجهود كافية لجلب ملايين الزوار الأجانب إلى المملكة.

6. ما هو صندوق الاستثمارات العامة؟

تم إنشاء الصندوق عام 1971، حيث قدّم قروضاً تنموية واحتفظ بحصص الاستثمارات الحكومية الخاملة في الشركات المدرجة في البورصة. ثم في عام 2015، تم وضع الصندوق تحت رئاسة ولي العهد. وبعد فترة وجيزة، شرع الأمير محمد بن سلمان في جهوده لإعادة تشكيل الدولة المحافظة التي يبلغ عدد سكانها الآن حوالي 32 مليون نسمة. يرى مراقبون أن صندوق الاستثمارات العامة ينشط بطريقة تشبه إلى حد كبير آلية عمل المكاتب العائلية، ما يتيح إدارة أموال الدولة بأسلوب يشبه عمليات شركات رأس المال الاستثماري، متخطياً بذلك الإجراءات البيروقراطية الرتيبة. ويشكل تحفيز السياحة أحد الأعمدة الرئيسية للصندوق، بعد أن كانت البلاد، حتى فترة قريبة، محدودة الانفتاح على السائحين الدوليين وتعتبر الأنشطة الترفيهية من المسائل المحظورة. ويقود الصندوق السيادي جهود تمويل إنشاء منتجعات فخمة ومراكز ترفيهية سعياً لاستقطاب الزائرين.

7. كم حجم الصندوق؟

منذ عام 2017، تضاعف حجم صندوق الاستثمارات العامة ثلاث مرات. وتمّ رفده بعشرات مليارات الدولارات التي كانت تذهب عادةً إلى وزارة المالية أو البنك المركزي، إلى جانب منحه الأراضي وحصة في شركة الطاقة الحكومية العملاقة أرامكو، أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم.

المستهدف هو الوصول بحجم الأصول تحت إدارة الصندوق إلى 2 تريليون دولار بحلول عام 2030، ليصبح أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم. وفي العام الماضي، بلغت قيمة أصوله نحو 760 مليار دولار، وكان الأكثر نشاطاً بين نظرائه على مستوى العالم، باستثمارات بلغت 31.6 مليار دولار.

8. هل يحقق الصندوق أهدافه؟

تمّ إنفاق مليارات الدولارات على المشاريع التي لا تزال في مراحلها الإنشائية الأولى، وجذب بعضها الكثير من الاستثمارات الأجنبية. لكن الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة أدّت إلى تعقيد جهود ولي العهد السعودي لتحويل تركيز الشرق الأوسط على التنمية الاقتصادية بدلاً من الخلافات القديمة. ويهدف الصندوق السيادي إلى استثمار 70 مليار دولار من رأس المال سنوياً بحلول 2025. ويتركّز أحد اهتمامته الرئيسية على عملية تطوير، قوبلت بالشك، تزيد استثماراتها عن 500 مليار دولار لتحويل مساحة واسعة من الصحراء إلى منطقة حضرية متطورة تقنياً تحمل اسم "نيوم".