الاحتياطي الفيدرالي سيخفف التشديد الكمي لكن هناك ما هو أهم

البنك المركزي الأميركي يحتاج لتقليص ميزانيته العمومية لإعادة بناء أدوات التحفيز دون زعزعة استقرار الأسواق

نقطة الوصول أهم ما في رحلة التيسير الكمي لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي
نقطة الوصول أهم ما في رحلة التيسير الكمي لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المصدر: بلومبرغ
Bill Dudley
Bill Dudley

Bill Dudley is a senior research scholar at Princeton University’s Center for Economic Policy Studies. He served as president of the Federal Reserve Bank of New York from 2009 to 2018, and as vice chairman of the Federal Open Market Committee. He was previously chief U.S. economist at Goldman Sachs.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مع استبعاد تخفيض أسعار الفائدة في الوقت الراهن، سيركز بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على موضوع مختلف في اجتماع صنع السياسة النقدية الأسبوع المقبل، وهو توقيت وطريقة تخفيف وتيرة التشديد الكمي، وهي عملية تقليص محفظة الأوراق المالية الضخمة التي جُمعت في السابق ضمن جهود دعم النشاط الاقتصادي.

من المفترض وضع الخطة النهائية مع حلول منتصف السنة الجارية. أياً كان ما سيحدث، فإن الوجهة أكثر أهمية من سرعة الوصول.

تؤثر حيازات الأوراق المالية لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على مقدار السيولة النقدية التي يمكن إتاحتها في الاقتصاد. تعمل مشتريات البنك المركزي الأميركي على وضع الأموال في حسابات مصرفية للأفراد، والتي تحتفظ بها البنوك بعد ذلك في صورة احتياطيات زائدة. وعندما تصبح الاحتياطيات المالية وفيرة، تصبح أسعار سوق المال مستقرة، بدعم من سعر الفائدة الذي يدفعه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على الاحتياطيات المالية. وعندما تصبح الاحتياطيات نادرة للغاية - كما حدث في سبتمبر 2019 - تتدافع البنوك للحصول على النقد وترتفع أسعار سوق المال وتصبح متقلبة.

وتيرة أقل

تكمن المشكلة في أنه لا أحد يعرف على وجه التحديد ما المستوى الذي تصبح عنده الاحتياطيات شحيحة. ويشبه محاولة العثور علي هذا المستوى عملية هبوط طائرة اعتماداً على مقياس ارتفاع غير دقيق. لهذا السبب، يحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى تسوية معدل هبوطه مع اقترابه من المدرج، وتوخي الحذر أكثر مع بلوغه المراحل النهائية للوصول للنقطة المستهدفة.

اقرأ أيضاً: مسؤولو "الفيدرالي" يشيرون إلى اقتراب خفض أسعار الفائدة

في الوقت الحاضر، ما يزال يوجد مجال كبير للمناورة. تبلغ الاحتياطيات النقدية حوالي 3.6 تريليون دولار، بالمقارنة مع أقل من 1.5 تريليون دولار خلال سبتمبر 2019. منذ أواخر 2022، جرى دعمها بتريليوني دولار تقريباً من تدفقات الأموال الخارجة من تسهيلات اتفاقية إعادة الشراء العكسي (ريبو) التابعة لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والتي تأسست باعتبارها مكاناً للمؤسسات غير البنكية على غرار الصناديق التعاونية في سوق المال لتخزين أموالها. مع بقاء 445 مليار دولار فقط في هذه التسهيلات، سينتهي هذا المعروض من الاحتياطيات النقدية قريباً، وستؤثر تخفيضات حيازات الأوراق المالية الفيدرالية على الاحتياطيات النقدية بصورة مباشرة بدرجة أكبر.

ومن ثم، باتت مسألة توقيت بدء عملية إبطاء وتيرة التشديد الكمي أكثر إلحاحاً. إلى حد الآن، قلّص بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي حيازاته من الأوراق المالية إلى 7 تريليونات دولار حالياً من 8.5 تريليون دولار في أبريل 2022. تتراجع محفظته من سندات الخزانة الأميركية بمعدل 60 مليار دولار شهرياً. تتقلص أوراق الرهن العقاري بطريقة أبطأ، بأقل من 20 مليار دولار شهرياً، حيث تعني أسعار الفائدة المرتفعة أن الأفراد لا يدفعون مبكراً، ما يبقي على معدل سداد الديون أقل كثيراً من الحد الأقصى الشهري البالغ 35 مليار دولار.

الخطوة التالية

إذا كان الأمر كذلك فما الخطوة التالية؟ أتوقع أن يقلص بنك الاحتياطي الفيدرالي معدل بيع سندات الخزانة الأميركية، ربما إلى 30 مليار دولار شهرياً، خصوصاً أنها شكلت فعلاً الفئة التي كانت تتقلص بوتيرة أسرع من غيرها. وكذلك، يريد بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في نهاية المطاف العودة إلى محفظة تتألف من سندات خزانة بالكامل. من شأن ذلك أن يتجنب التصور السائد بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يخصص الائتمان بطريقة تفضيلية تعمل لصالح قطاع الإسكان.

اقرأ أيضاً: أبرز 5 استنتاجات من شهادة رئيس الاحتياطي الفيدرالي أمام مجلس الشيوخ

المسألة الثانية تتمثل في تحديد أي من سندات الخزانة التي ينبغي الاحتفاظ بها. اختيار المزيد من السندات قصيرة الأجل سيكون مفهوماً، إذ تتحرك عوائدها المرتبطة بصورة وثيقة مع أسعار الفائدة المدفوعة على ودائع البنوك لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، ما يحد من مخاطر تجاوز تكاليف تمويل البنك المركزي مستوى دخله من العائدات.

وخلال السنة المنصرمة، مثلاً، تكبد بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خسائر 110 مليارات دولار، إذ تفاقمت تكلفة دفع الفائدة على الاحتياطيات النقدية بطريقة كبيرة بالمقارنة مع العائد على محفظة سندات الخزانة والرهن العقاري ذات آجال الاستحقاق الطويلة. ومن المحتمل وقوع خسائر أكثر السنة الجارية. ستزيد الحيازات من السندات قصيرة الأجل أيضاً من قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على تنفيذ عملية التيسير الكمي عن طريق إعادة استثمار سندات الخزانة في أصول طويلة الأجل عوضاً عن زيادة حيازاته، ما يعد خياراً جذاباً لصناع السياسات النقدية الذين يساروهم القلق إزاء حجم حضور البنك المركزي الأميركي في الأسواق المالية.

عوائد سندات الخزينة

أسعار الفائدة

بالرغم من إيلاء اهتمام كبير بقرارات الميزانية العمومية لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، من المفترض أن يكون تأثيرها على أسعار الفائدة طويلة الأجل بسيطاً، لأسباب مختلفة. أولاً، أثبت أحد التحليلات الدقيقة أنه من شأن إعلانات التشديد الكمي أن تسفر عن تحريك أسعار الفائدة بما لا يتجاوز 8 نقاط أساس، وهو أقل كثيراً من تأثير إعلانات التيسير الكمي.

يعد ذلك منطقياً بالنظر إلى عدم التوازن في التوقعات. يحتاج التيسير الكمي صدمة كبيرة للأسواق أو الاقتصاد، وبالتالي عادة ما يكون حدوثه مفاجأة. بمجرد تطبيقه بصورة فعالة، فمن المؤكد سيعقبه تشديد نقدي، لتبقى فقط أسئلة تتعلق بالتوقيت والحجم والمدة.

ثانياً، نقطة البداية هي ما يعد مهماً فعلاً لتحديد مستوى الاحتياطيات النقدية المطلوبة لتلبية طلب البنوك، وتفادي حدوث اضطرابات بالسوق والتأكد من أن سعر الفائدة على الاحتياطيات النقدية سيبقى المحرك الرئيسي للسياسة النقدية.

وزادت الوفرة الناجمة عن مشتريات الأصول السابقة لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من اعتماد البنوك على الاحتياطيات النقدية بوصفها مصدراً للسيولة المالية. على إثر ذلك، أتوقع أن يستهدف البنك المركزي الأميركي احتياطيات 3 تريليونات دولار، أي ضعف مستوى في سبتمبر 2019.

أخيراً، لا تؤثر القرارات المرتبطة بالتشديد الكمي على توقيت وحجم تخفيضات سعر الفائدة قصير الأجل المستهدفة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. يقلص البنك المركزي الأميركي ميزانيته العمومية ليس لتشديد السياسة النقدية، بل لإعادة بناء قدرته على التيسير الكمي مستقبلياً. لن يصبح هذا مهماً إلا إذا بلغت أسعار الفائدة قصيرة الأجل مرة أخرى النطاق الأدنى الذي يصل إلى الصفر أو في حال وقع خلل وظيفي جسيم ومفاجئ في سوق سندات الخزانة الأميركية.