روسيا ترفع مستويات المعيشة مع اقتراب الانتخابات بدعم من اقتصاد الحرب

تكلفة وعود بوتين قبل الانتخابات قد تبلغ عشرات المليارات على مدى 6 سنوات مقبلة

شاشة على واجهة أحد المباني تعرض صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
شاشة على واجهة أحد المباني تعرض صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المصدر: أ.ف.ب، و"غيتي إيمجز"
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد عامين من غزو الكرملين لأوكرانيا، أصبح لدى الكثيرين في روسيا مبرر لأن يشعروا بأن الاقتصاد في زمن الحرب يحقق أداءً جيداً بالنسبة لهم، ما يمثل انتكاسة للعقوبات الغربية التي تهدف إلى تأليب الشعب ضد زعيم البلاد فلاديمير بوتين.

ارتفعت الأجور بأرقام مزدوجة (أكثر من 10%)، واستقر سعر الروبل، وبلغت معدلات الفقر والبطالة أدنى مستوياتها على الإطلاق. بالنسبة إلى أصحاب الدخل الأدنى في البلاد -وهم كتلة تصويتية كبيرة للكرملين- ارتفعت الرواتب خلال الأرباع الثلاثة الماضية بشكل أسرع مقارنة ببقية الشرائح الأخرى من المجتمع، مسجلة معدل نمو سنوي يبلغ حوالي 20%، حسبما تظهر بيانات دائرة الإحصاء الفيدرالية الروسية.

قبيل الانتخابات الرئاسية الروسية التي ستُجرى في الفترة من 15 إلى 17 مارس، ومع تأكد فوز بوتين بولاية خامسة، فإن السخط العام بشأن الاقتصاد ليس موجوداً إلى حد كبير. رغم أن الحرب خلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى، واستمرار التحديات طويلة المدى في التراكم حيث لا يزال المسؤولون يكافحون التضخم الذي يزيد فوق هدفهم في الوقت الحالي، يستشهد الزعيم الروسي بالاقتصاد زاعماً أنه حقق النجاح.

قالت صوفيا دونيتس، الخبيرة الاقتصادية في "رينيسانس كابيتال" (Renaissance Capital)، إن روسيا تقترب من إجراء الانتخابات وهي في "وضعية جيدة"، مشيرة إلى معنويات المستهلكين "المتفائلة للغاية" وتقييمات الوضع المالي الحالي والمستقبلي في استطلاعات الرأي. أضافت: "المستهلكون يظهرون بالفعل مستوى كما لو أنه لا توجد أزمة على الإطلاق".

اقرأ أيضاً: صادرات النفط الروسية تتعافى لأعلى مستوياتها في 2024

تنفق الحكومة بشكل كبير على الدعم الاجتماعي للأسر وزيادة المعاشات التقاعدية ومساعدات الرهن العقاري وتعويضات لذوي المجندين في الجيش. قد تبلغ تكلفة الوعود التي أعلنها بوتين قبل الانتخابات عشرات المليارات من الدولارات على مدى السنوات الست المقبلة.

فاقمت الحرب على أوكرانيا من النقص الحاد في العمالة حيث أدى التجنيد في الجيش إلى نقص الأيدي العاملة بالسوق، وقال بوتين في الشهر الماضي إن أرباب الأعمال يواجهون عجزاً بـ2.5 مليون شخص. استفاد من الوضع الحالي المواطنون الروس العاديون الذين أصبحوا نتيجة لذلك يتمتعون بالأمان الوظيفي على المدى القريب، مع عزوف المديرين عن تسريح الموظفين. وفي حين أن معدل البطالة لا يزال عند أدنى مستوى تاريخياً، فقد ارتفعت توقعات التوظيف إلى مستوى قياسي، وفقاً للبنك المركزي.

"التضخم يؤرق الكرملين"

مصدر المخاوف الاقتصادية الكبير والمستمر بالنسبة للكرملين يتمثل في الزيادة السريعة في الأسعار، وهو ما يؤدي إلى تآكل مداخيل الروس. في حين أن هذا الوضع (زيادة الأسعار) لا يتراجع، إلا أن الرواتب تتزايد بشكل أسرع، مدفوعة بالإنفاق الحكومي الضخم ونقص العمالة. ارتفع متوسط الأجر الشهري في عام 2023 فوق 74 ألف روبل (814 دولاراً)، ما يزيد بنحو 30% عن قيمته قبل عامين. فقبل العام الماضي، لم تشهد روسيا زيادة في الدخل الحقيقي المتاح لأكثر من 5% لسنوات عديدة.

"بالنسبة إلى عدد كبير من الروس، أصبحت الحرب فرصة للحراك الاجتماعي والاقتصادي الذي كان مستحيلاً في السابق. تمكن البعض من إطلاق مشروع تجاري جديد"، حسبما قالت آنا كوليشوفا، عالمة الاجتماع لدى "سوشيال فورسايت غروب" (Social Foresight Group).

أضافت: "تلقى البعض مدفوعات مقابل مشاركة أزواجهن وأبنائهن على الجبهة، مما مكّنهم من شراء شقة أو سيارة، أو الانتقال من قرية إلى مدينة في الآونة الأخيرة".

اقرأ أيضاً: روسيا تبقي سعر الفائدة دون تغيير عند 16% قبل الانتخابات الرئاسية

يتفاخر بوتين بأن العقوبات الدولية غير المسبوقة قد أخفقت في عرقلة الاقتصاد الروسي، والذي حقق نمواً بدلاً من ذلك، ويُعزى بشكل كبير إلى ضخ أموال ضخمة من الميزانية، والإنتاج العسكري، والتجارة القياسية مع الصين. كدليل على نجاح موقفه، يشير بوتين إلى بيانات توضح أن روسيا أصبحت من أكبر خمسة اقتصادات في العالم من حيث تعادل القوة الشرائية، بعد أن تجاوزت ألمانيا.

بدأ الاقتصاد الروسي هذا العام بتحقيق زخم مماثل. جاءت بيانات شهر يناير بشأن مبيعات التجزئة والأجور الحقيقية والإنتاج الصناعي أفضل من توقعات السوق.

رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"

"فورة الإنفاق العسكري الحكومية ليست مجانية، فهي تأتي على حساب انخفاض عائدات تصدير الطاقة وتضاؤل احتياطيات النقد الأجنبي التي تراكمت لدى روسيا قبل بدء الحرب. في الأمد القريب سوف يستمر السخاء المالي في دعم ارتفاع ثقة المستهلك، ولكن مع استنفاد روسيا لما تبقى من صندوق الثروة الوطني، فإن الحكومة سوف تواجه خيارات مالية صعبة بين قبول ارتفاع معدل التضخم، أو خفض الإنفاق، أو زيادة الضرائب".

- أليكس إيساكوف، اقتصادي روسي.

"اتساع عجز الميزانية"

يتمثل الوجه الآخر للوضع في أن ارتفاع الإنفاق الاجتماعي والحربي أدى إلى اتساع عجز الميزانية، والتهديد بأن الاقتصاد المحموم، قد يستمر بالفعل في رفع الأسعار. لا يزال التضخم أعلى من المعدل المستهدف الذي وضعه بنك روسيا (المركزي)، حتى بعد تشديد السياسة النقدية بشكل كبير، ما يؤدي إلى تقليص منح الائتمان في البلاد. تسارع نمو الأسعار السنوي في فبراير إلى 7.7% من 7.4% في الشهر السابق عليه، على الرغم من الجهود التي بذلها المسؤولون بهدف تشديد السياسات النقدية.

في الوقت نفسه، بلغ عجز الميزانية الفيدرالية منذ بداية العام 1.5 تريليون روبل بنهاية فبراير، في حين تستهدف وزارة المالية أن يسجل العجز 1.6 تريليون روبل للعام الجاري بأكمله، وانخفضت احتياطيات صندوق الثروة الروسية المتاحة إلى النصف بالفعل.

تدرس الحكومة، التي تعتبر بداية فترة رئاسية جديدة بمثابة فرصة سانحة لإصلاحات لا تحظى بشعبية، زيادة الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة.

اقرأ أيضاً: روسيا تدرس زيادة الضرائب بعد الانتخابات لتمويل الحرب

قالت دونيتس: "قصة النجاح لعام 2023 تعكس تعافي النمو، وسيكون من الصعب تكرارها"، مضيفة أنه خلال العام الجاري، قد يبدأ التحفيز المالي في التراجع كون "الاحتياطيات التي كانت المصدر الرئيسي له قد تم استخدامها بالفعل إلى حد كبير".

أضافت: "الزيادات الضريبية أمر حتمي، وستكون كبيرة للغاية"، منوّهة بأن عدم اليقين لا يزال التحدي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد الروسي، و"قد يسبب لنا المزيد من المشاكل".