بلدات أميركية تنتظر طفرة في عدد السياح بسبب كسوف أبريل

بعض البلدات تزيد إنفاقها لتستعد لتقاطر سياح المشاهدة وتحقيق أرباح

دانيال شنايدرمان، منسق شراكات فعاليات ظاهرة الكسوف في متحف ومركز علوم روشستر
دانيال شنايدرمان، منسق شراكات فعاليات ظاهرة الكسوف في متحف ومركز علوم روشستر المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم يكن غاري ويليامز يعرف ما ينبغي أن يستعد له قبيل وقوع كسوف الشمس الكلي في أميركا الشمالية عام 2017، وكانت بلدة كاربونديل في ولاية إلينوي، حيث يعمل ويليامز مديراً للبلدية، في مسار الكسوف الكلي، أي في نطاق جغرافي يمكن فيه رؤية القمر يحجب قرص الشمس برمته.

كانت تقديرات المستشارين الذين تحدث ويليامز معهم تشير إلى حضور ما بين 50 ألفاً و150 ألف شخص ليشهدوا الظاهرة، وهو سيناريو ضخم جداً على بلدة يقطنها 22 ألف إنسان.

خصص ويليامز نحو 250 ألف دولار من أجل مساحات انتظار السيارات الإضافية وخدمات نقل الركاب والحفلات الموسيقية، إلى جانب مخصصات سخية للدفع مقابل وقت العمل الإضافي لرجال الشرطة والإطفاء إذا شهدت حركة المرور وضعاً متفاقماً. كما رفعت أنشطة الأعمال المحلية في البلدة من مخزوناتها، إذ توقعت أن ينفق القادمون المال أثناء تواجدهم في البلدة.

والآن، في ضوء التوقعات بحدوث كسوف كلي آخر للشمس في 8 أبريل، تتجه أنظار البلدات في أنحاء الولايات المتحدة إلى عام 2017 من جديد فيما تستعد لجني الثمار الممكنة. من قبيل الصدفة أن ذلك يشمل بلدة كاربونديل، وذلك لأنها في نطاق الكسوف الكلي مجدداً.

فيما تستعد بلدة ويليامز للحظة تكرار هذا الحدث في ظل القمر، يباشر هو تقديم المشورة للبلدات التي تستعد للمرة الأولى لاستقبال الحشود لمتابعة ظاهرة الكسوف. قال: "ما نصحت به كثيراً منهم هو التركيز على قطاع الضيافة، لأن ذلك أمر يمكنك أن تتحكم به".

متابعو ظاهرة كسوف الشمس في استاد سالوكي بجامعة جنوب إلينوي في بلدة كاربونديل بولاية إلينوي في 21 أغسطس 2017
متابعو ظاهرة كسوف الشمس في استاد سالوكي بجامعة جنوب إلينوي في بلدة كاربونديل بولاية إلينوي في 21 أغسطس 2017 المصدر: غيتي إيمجز

دروس مستفادة

كان أحد الدروس المهمة المستفادة من الكسوف الكلي في 2017 هو أن توقعات السياحة هي مجرد توقعات. في كاربونديل، اتضح أن أعداد الزوار القادمين ليشاهدوا الكسوف كانت في نطاق الحد الأدنى للتوقعات، ولم تتحقق الأرباح المفاجئة المرجوة كما كان متوقعاً.

لكن بعض المناطق وجدت أنها حققت أرباحاً قوية، فقد أشارت تقديرات تقرير لمكتب وايومنغ للسياحة إلى أن الكسوف الذي شهدته الولاية في 2017 جذب 261 ألف زائراً، وولّد إنفاقاً حجمه 63.5 مليون دولار. أما إدارة الحدائق والترفيه والسياحة في كارولينا الجنوبية، فقد قدّرت أن الأثر الاقتصادي كان 1.6 مليون زائر و269 مليون دولار.

تستخدم بعض البلدات التي تشهد ظاهرة كسوف الشمس في 2024 هذه التحليلات كأساس لتوقعاتها. لكن أنجيلا سبيك، أستاذة الفيزياء الفلكية في جامعة تكساس في سان أنطونيو والرئيسة المشاركة لمجموعة العمل المكلفة بمتابعة كسوف الشمس التابعة للجمعية الفلكية الأميركية، حذرت من أن القادة المحليين لا ينبغي أن يفرطوا في التشبث بالأهداف الطموحة. قالت: "لديك عدد من العوامل المختلفة التي ستكون عنصراً مؤثراً في تحديد مدى التأثير الذي قد تجده في مناطق مختلفة على مسار الكسوف".

العامل الرئيسي

الطقس هو العامل الرئيسي. سيكون كسوف الشمس في 8 أبريل، الذي سيوافق يوم الاثنين أيضاً مثل الكسوف في 2017، مرئياً بالكامل في شريط عريض من أميركا الشمالية، امتداداً من مقاطعة نيو برونزويك في كندا وحتى مدينة مازاتلان في المكسيك.

قالت سبيك إنه في ضوء التوقعات بسماء صافية وطقس دافئ لهذا اليوم، تشير التوقعات إلى أن تكساس ستتلقى أكبر عدد من الزائرين في الولايات المتحدة. في سان أنطونيو، حيث سيكون الكسوف مرئياً بالكامل في شطرها الواقع إلى الشمال الغربي، حجز الزوار كثيراً من الغرف الفندقية وأماكن التخييم منذ يناير.

تضخ البلدات والمدن الأصغر، وهي مناطق لا تتلقى عادةً قدراً كبيراً من السياحة، موارد في تحويل الحدث إلى عامل جذب للسياح. رغم احتمال أن يكون الطقس غائماً، فإن القادة في روشستر بنيويورك يتوقعون أن تتحول منطقتهم إلى وجهة مفضلة لمتابعي الكسوف من المناطق الحضرية في كل من نيويورك وبوسطن، إذ إن كليهما على مسافة بضع ساعات بالسيارة.

قالت كارا أوسيبوفيتش، مديرة الفعاليات الخاصة في روشستر، إن المدينة تتوقع ما بين 300 ألف و500 ألف زائر في أنحاء منطقة روشستر خلال عطلة نهاية الأسبوع الطويلة التي ستشهد الكسوف، إلى جانب أثر اقتصادي حجمه 10 ملايين دولار على الأقل.

بضائع مرتبطة بكسوف الشمس معروضة للبيع في روشستر
بضائع مرتبطة بكسوف الشمس معروضة للبيع في روشستر المصدر: بلومبرغ

استعدادات ضخمة

تنفق حكومة مدينة روشستر نحو 70 ألف دولار لدعم فعاليات مشاهدة الكسوف المتعددة والاحتفالات التي تعقدها مؤسسات محلية. في متحف ومركز علوم روشستر، حيث يخطط العاملون لهذه الفعالية منذ أكثر من عقد، تُباع التذاكر لحضور مهرجان الكسوف الذي يمتد ثلاثة أيام، بما يشمل الأداءات الترفيهية والمطاعم المتنقلة ورصد الحدث من خلال تليسكوب مقابل 50 دولاراً، كما تُباع تذاكر لحضور سهرة افتتاحية يوم الجمعة لكبار الشخصيات مقابل 150 دولاراً.

ستكون هناك فعاليات مجانية أيضاً. قال دانييل شنايدر، منسق شراكات فعاليات ظاهرة الكسوف في متحف ومركز علوم روشستر، إنه حين علم مسؤولو المتحف أن نظارات مشاهدة الكسوف قد نفدت في بعض البلدات، طلبوا 550 ألف نظارة لبيعها أو توزيعها مجاناً بتكلفة بلغت 130 ألف دولار.

في 2017، تعرضت مناطق تعليمية عدة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة لانتقادات بسبب إبقاء الطلاب داخل الفصول خلال كسوف الشمس. لذا قررت روشستر إلغاء الدراسة في ذلك اليوم لجميع طلاب المدارس من رياض الأطفال وحتى المرحلة الثانوية، لتضمن أن يتمكن الطلاب من مشاهدة الظاهرة، ولتضبط حركة المرور في وقت انصراف الطلاب بعد الظهر الذي سيتزامن مع وقوع الكسوف الكامل في الساعة 3:23 عصراً.

يمكن تلمس الحماسة التي تعم البلدة. شارفت الفنادق أن تبلغ الإشغال الكامل، كما تُعِدّ مصانع الجعة المحلية أنواعاً مخصوصة منها، وتبيع محطات البنزين قمصاناً تذكارية. رغم ذلك، في ضوء عدم إمكانية التنبؤ بحجم الإنفاق، قال مسؤولو المدينة إنهم يركزون بشكل أساسي على تحويل روشستر إلى وجهة ترحب بالزوار، وبدرجة أقل على الأرباح التي قد يحققونها. قالت أوسيبوفيتش: "ممتع أن يكون هنالك شيء إيجابي يلتف الجميع حوله. إنه أمر نادر حقاً".

توقعات بزيادة الأرباح

لدى تريش إرزفِلد، مديرة إدارة السياحة التراثية في مقاطعة بيري في ولاية ميزوري، خبرة سابقة لأن منطقتها شهدت الخسوف الكامل في 2017 أيضاً. قالت إرزفِلد إن قياس الأثر المحلي المادي كان صعباً، إذ كان الإنفاق خلال عطلة نهاية الأسبوع تلك موزعاً على نطاق كبير.

رغم ذلك، تعتبر إرزفِلد أن عطلة نهاية الأسبوع تلك كانت نجاحاً هائلاً بسبب مستوى الاهتمام غير العادي الذي جذبه الحدث لمقاطعتها التي يعيش فيها 19 ألف شخص. تنفق إرزفِلد هذا العام نحو 95 ألف دولار، أي نحو سبعة أمثال ميزانيتها في 2017، على المراحيض المتنقلة، والفرق الغنائية التي ستعزف الموسيقى مباشرة للجمهور، والعروض العلمية، وتأجير مساحات لاستضافة فعاليات في بيريفيل وهي مقر المقاطعة.

في مناطق أخرى من بيريفيل، تسعى أنجي هيكلي، المالكة المشاركة لـ"مخبز وبقالة هيكلي"، أن يكون لديها ما يكفي من العاملين في فترة فعالية هذا العام بعد أن ساهم الكسوف الكلي في 2017 في تحقيق مبيعات أكبر بنحو 20% مقارنة بعطلة نهاية الأسبوع العادية.

كما يعتزم متجر بيع الورود "مونيير فلوريست" (Moonier Florist) أن يبيع نوعاً من أزهار البتونيا هو (Moonstruck petunias) التي يشير اسمها بالإنجليزية إلى التأثر بالقمر، وهو خيار ملائم نظراً لأن أبريل يمثل بداية موسم زراعة هذه الزهرة.

تنفق حكومة مدينة روشستر نحو 70 ألف دولار لدعم عدد من فعاليات واحتفالات مشاهدة الكسوف الكلي
تنفق حكومة مدينة روشستر نحو 70 ألف دولار لدعم عدد من فعاليات واحتفالات مشاهدة الكسوف الكلي المصدر: بلومبرغ

جامعة جنوب إلينوي تستعد

اتجه أصحاب أعمال آخرون متمرسون لتقليص حجم نشاطهم. في إشارة إلى الكسوف الكلي الذي حدث في 2017، قال ويليامز، مدير إدارة كاربونديل: "أعتقد أن بعض الأنشطة الفردية شهدت بعض الفوائد، لكن حين أنظر إلى المجتمع ككل وإلى الإيرادات الضريبية للمبيعات لذلك العام، فالأمر ليس ملحوظاً".

قال ويليامز إنه يتوقع أعداداً أقل من الزوار هذا العام نظراً للتوقعات بطقس ملبد بالغيوم، كما سينفق جزءاً ضئيلاً مما أنفقه في المرة السابقة.

لكن جامعة جنوب إلينوي في كاربونديل ستكون وجهة مفضلة لمشاهدة الكسوف في حد ذاتها. تستعد الجامعة، مثلما فعلت في 2017، لاستضافة عشرات الآلاف من مراقبي السماء في أماكن من بينها استاد سالوكي مقابل 25 دولاراً للشخص، وذلك في فعالية تستمر ثلاث ساعات تستضيفها الجامعة بالتعاون مع وكالة "ناسا" وقبة أدلر السماوية في شيكاغو.

يقدم معلقون خبراء توجيهات للحضور خلال الكسوف الكلي الذي سيستمر أربع دقائق وتسع ثوان، فيما سيُعرض ما يلتقطه التلسكوب الشمسي من مواقع أخرى على شاشات عملاقة.

قال بوب باير، عضو هيئة التدريس في كلية الفيزياء بجامعة جنوب إلينوي والرئيس المشارك للجنة التوجيهية للكسوف بالجامعة، إن بعد الكسوف الذي شهدوه في 2017، تمكَّن منظمو الفعاليات من قضاء فترة أقل من الوقت في التفكير في إدارة حركة المرور وإعداد المراحيض، ومزيد من الوقت في التخطيط لأكثر التجارب تعمقاً على الإطلاق. قال: "نحن نحقق أي شيء ضخم جداً نرغب في تحقيقه".