الدولار الأميركي سلاح مخيف وليس مجرد عملة

العملة الأميركية تتفوق على منافسيها رغم التوقعات... أسباب أخرى وراء قوة العملة الأميركية إلى جانب أسعار الفائدة

موظف يعد أوراقاً نقدية بالدولار الأميركي في مكتب صرف العملات في جاكرتا، إندونيسيا
موظف يعد أوراقاً نقدية بالدولار الأميركي في مكتب صرف العملات في جاكرتا، إندونيسيا المصدر: بلومبرغ
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا يمكن تجاهل سيادة الدولار، بغض النظر عن مدى تمني المشككين في النفوذ الأميركي أو تحسر المضاربين على الين.

توقع الكثيرون تراجع الدولار باستمرار، لكنه في كل مرة يتفوق على الجميع. هذه المرونة قد لا تدوم، ولكن طالما استمرت، فإنها تذكر العالم الذي كان يوماً ما مفتوناً بصعود الصين، بأن الولايات المتحدة هي القوة الاقتصادية الأساسية. فقط اسألوا جميع محافظي البنوك المركزية الذين يتم استجوابهم حول نوايا مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بقدر ما يتم استجوابهم حول نوايا البنوك المركزية الخاصة بهم، إن لم يكن أكثر، ما يوحي أن السيادة قد تكون نسبية.

رغم التوقعات بتراجع الدولار إلا أن المؤشرات لم تشهد تأثيراً يذكر: قرار اليابان بإنهاء ثماني سنوات من أسعار الفائدة السلبية لم يُجدِ في الأسواق؛ واضطر وزير مالية البلاد للتدخل لتعزيز الين، ويتوقع المتداولون تدخلاً محدوداً من قبل طوكيو. حتى توقعات خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لا تؤثر؛ فمن المرجح أن تكون التخفيضات متزامنة بين أكبر السلطات النقدية، مما يمنع أي عملة رئيسية من التفوق على الدولار. كان من المتوقع أن يكون هذا العام هو عام انخفاض الدولار، إلا أن مؤشراً رئيسياً على قوته يشهد بداية قوية.

هذا هو الوضع على المدى القصير. الأسواق تتقلب، ومعها العملات التي تشهد سنوات جيدة وأخرى أقل نجاحاً تماماً مثل سوق الأسهم والسندات. ولكن قوة الدولار خلال الربع الماضي - والسنوات القليلة الماضية - لا تعتمد فقط على فروق أسعار الفائدة.

القصة الأطول لقوة الدولار هي قصة عملة تصدت للتحديات المتكررة على مدار عدة سنوات. في أواخر التسعينات، كان من المفترض أن يضاهي اليورو قوة الدولار. وبعد عامين، أصبح عجز الحساب الجاري هو الشماعة التي تُعلَّق عليها جميع مشاكل الدولار. (عندما كنت أدير قسم العملات الأجنبية في بلومبرغ في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان السبب الأكثر شيوعاً وراء أي يوم تداول صعب للدولار هو العجز التجاري. وكان السبب الثاني الشائع هو الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تخلت بهدوء عن سياسة الدولار القوي التي طُورت خلال إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون).

العقوبات والبحث عن بديل

بعد ذلك جاء انهيار الرهن العقاري دون المستوى المطلوب، ثم التيسير الكمي، تلاه صعود اليوان الصيني المحتمل. يتمثل القلق الحالي بالاستخدام العدواني للعقوبات، والتي قال منتقدون إنها ستؤدي إلى إزالة الدولرة العالمية.

يبدو الأمر وكأن بقية العالم يبحث عن منقذ كل بضع سنوات. وفقاً لدراسة حديثة أجراها ستيفن ب. كايمن، الرئيس السابق لقسم الشؤون المالية الدولية في الاحتياطي الفيدرالي، ومارك سوبل، الذي شغل منصب وكيل مساعد وزير الخزانة، فإن التأكيدات على تراجع الدولار مبالغ فيها.

اقرأ أيضاً: قوة الدولار الأميركي تضغط على أسعار النفط وتدفعها للهبوط

يقول كامين وسوبيل إن هيمنة الدولار مترسخة في النظام الاقتصادي العالمي بطرق يصعب تغييرها. حتى لو انخفضت قيمته النسبية مقابل عملة أخرى، سيظل الدولار الأول بين المتساويين. وفقدان القدرة على الوصول إلى الأسواق الأميركية والقطاع المصرفي الأميركي يعني أن العقوبات لا تزال مهمةً للغاية. تظل العملة الأميركية أصلاً جيوسياسياً حيوياً لكل من واشنطن وحلفائها.

يجادل الثنائي بأن السؤال الخاطئ هو ما إذا كان الدولار سيظل في المقدمة أم لا. من الأفضل أن نتساءل عما إذا كانت العوامل التي دعمت مثل هذه المكانة المهيمنة ستستمر. وهم على ثقة بأنها ستستمر، لكنهم يضيفون تحذيراً مخيفاً: قد يكون أكبر خطر يهدد الدولار هو الولايات المتحدة نفسها.

النفوذ الجيوسياسي

يرى كامين وسوبيل في ورقتهما لمعهد المشاريع الأميركية أن "هيمنة الدولار ليست غايةً في حد ذاتها. بل هي تذكير حاسم بالحاجة إلى اتباع سياسات سليمة والتصرف بمسؤولية على الصعيد الداخلي والحفاظ على ثقة العالم". (تناول الاثنان الموضوع بمزيد من التفصيل في بودكاست "ماكرو ميوزينغز - Macro Musings" الشهر الماضي).

الدولار هو أيضاً أداة استراتيجية يتم التقليل من شأنها غالباً في المناقشات الجيوسياسية التي تميل إلى التركيز على بحر الصين الجنوبي أو تهديدات دونالد ترمب ضد الشركاء في المعاهدات. كذلك فإن النظام الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة، مع الدولار في صميمه، ليس مجرد نتاج للانتصار في الحرب العالمية الثانية. إذ تم إنشاء الاحتياطي الفيدرالي في عام 1913، وكان لاعباً رئيسياً وراء الكواليس في الحرب العالمية الأولى.

وبينما كان الرئيس وودرو ويلسون يحاول التوسط في السلام بين قوى الحلفاء والمحور عام 1916، كان الاحتياطي الفيدرالي قلقاً من أن البنوك الأميركية استثمرت بشكل مفرط في آفاق انتصار بريطانيا وفرنسا، وهو أمر غير مؤكد بأي حال من الأحوال.

كتب فيليب زيليكو في كتاب "الطريق الأقل سلوكا: نقطة التحول السرية للحرب العظمى، 1916-1917" أن البنك المركزي حذر المقرضين الأميركيين من الإفراط في الانكشاف، وهي خطوة أدت إلى اضطراب الأسواق الأوروبية. أدركت القوى المتحالفة أنها ستعاني قريباً لتمويل الحرب.

اقرأ أيضاً: مكانة الدولار تهددها اضطرابات في الولايات المتحدة وخارجها

تأمّل ويلسون بأنه من خلال الضغط عليهم، يمكنه التوصل إلى حل. فشلت جهوده بعد أن استأنفت ألمانيا حرب الغواصات غير المقيدة في المحيط الأطلسي، وانضمت الولايات المتحدة إلى الصراع. وعكس الاحتياطي الفيدرالي موقفه وبدأ الدعم يتدفق مرة أخرى - بسخاء. وكذلك كان الحال: كانت احتياطيات النقد البريطانية على وشك النضوب. تم تمرير عصا القيادة النقدية.

دعونا نحتفي بالدولار، فهو أكثر فائدةً من حاملة طائرات، ويمتلك عمراً افتراضياً أطول. حتى لو حدث تحول تاريخي في هيمنته، فمن غير المرجح أن يكون شيئاً واضحاً مثل تغير في دورة تكاليف الاقتراض المعاصرة. قد يكون شيئاً أكثر دقة، وإن كان واضحاً عند النظر إلى الوراء. في الوقت الحالي، من الأفضل تجاهل تلك التنبؤات بشأن أفول عصر الدولار.