ماركوس أشورث: على المركزي الأوروبي وضع خفض الفائدة على طاولته هذا الشهر

الانتظار حتى شهر يونيو يهدد بمزيد من التدهور في اقتصاد منطقة اليورو

لماذا الانتظار لشهر يونيو
لماذا الانتظار لشهر يونيو المصدر: غيتي إيمجز
Marcus Ashworth
Marcus Ashworth

Marcus Ashworth is a Bloomberg Opinion columnist covering European markets. He spent three decades in the banking industry, most recently as chief markets strategist at Haitong Securities in London.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ربما لا يتباطأ التضخم في منطقة اليورو بوتيرة سريعة تعادل سرعة العام الماضي، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يردع البنك المركزي الأوروبي عن السير على خطى البنك الوطني السويسري بخفض أسعار الفائدة.

مع صدور الأرقام الأخيرة في ألمانيا ومنطقة اليورو، ظهرت أدلة دامغة على تراجع التضخم، وكذلك الاقتصاد للأسف. فقد كشفت أرقام يوم الثلاثاء عن ارتفاع أسعار المستهلكين في ألمانيا بنسبة 2.3% فقط خلال الشهر الماضي، وأظهرت أرقام يوم الأربعاء لمنطقة اليورو تباطؤ التضخم إلى 2.4%، متراجعاً بوتيرة أسرع من المتوقعة مقارنة بمستوى شهر فبراير الذي بلغ 2.6%.

لذلك ينبغي على صناع السياسة النقدية، الذين أفصحوا بوضوح عن تفكيرهم في خفض تكاليف الاقتراض في يونيو القادم، أن يتحلوا بالشجاعة وأن يعجلوا بضربتهم عبر تطبيق أول خفض لأسعار الفائدة الرسمية بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعهم يوم الخميس المقبل.

هناك فجوة زمنية طويلة جداً بين الحادي عشر من أبريل واجتماع السادس من يونيو تصل إلى 39 يوماً من أيام العمل، وأي قرار بإبقاء أسعار الفائدة دون تغيير في الأسبوع المقبل ربما يعني انتظاراً مؤلماً بلا حراك وسط تدفق الأرقام الاقتصادية الماضية في تدهورها.

انخفض مؤشر التضخم الأساسي عن شهر مارس إلى 2.9% من 3.1% في شهر فبراير. وكما هو الحال في أماكن أخرى، تبين أن معدل التضخم في قطاع الخدمات بمنطقة اليورو شديد التماسك، وقد كان بطيئاً عند صعوده، فلا غرابة أيضاً في أن يكون آخر ما يتراجع من مؤشرات، حيث سجل 4% خلال الشهر الماضي.

تراجع التضخم في منطقة اليورو يعزز آمال خفض الفائدة في يونيو

التعجيل بخفض أسعار الفائدة

رئيس بنك فرنسا المركزي فرنسوا فيليروا دي غالو هو غالباً من يتصدر خطوات تغيير السياسة النقدية في البنك المركزي الأوروبي، وقد كان دي غالو وما يزال هو الأعلى صوتاً بين صناع السياسة النقدية في تأييده للتعجيل بالخفض المحتمل في أسعار الفائدة ليوم الخميس المقبل.

وفي كلمة ألقاها الأسبوع الماضي، شدد على أن احتمال أن يتباطأ معدل النمو الاقتصادي أكثر من ذلك يشير إلى أن "الوقت قد حان للتحوط ضد هذه المخاطر عبر خفض أسعار الفائدة".

إن فرنسا من بين أكبر اقتصادات منطقة اليورو. ومن الواضح أن معدل التضخم فعاد إلى اتجاه الهبوط من جديد بعد ثباته جزئياً في شهري يناير وفبراير. وكان التضخم في ألمانيا أقل في جميع المجالات. وفي فرنسا، تباطأ التضخم إلى 2.4% في مارس من 3.2% في الشهر السابق. وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في إيطاليا إلى 1.3% من 0.8%، ولكن هذا الارتفاع أقل من المتوقع ولا يزال أقل بكثير من الهدف العام للبنك المركزي الأوروبي. وقد شذت إسبانيا عن القاعدة، إذ ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في مارس إلى 3.2% من 2.9%، غير أن ذلك يعود جزئياً إلى إلغاء تخفيضات ضرائب الطاقة.

حتى أكثر الأعضاء تشدداً في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، وهو رئيس البنك المركزي النمساوي روبرت هولتزمان، يرى الإشارة التحذيرية، إذ قال في مقابلة صحفية يوم السبت إن "الاقتصاد الأوروبي ينمو بوتيرة أبطأ من الولايات المتحدة. وقد يعني ذلك أن ديناميكية الأسعار لدينا تضعف بمعدل أعلى".

وحذّر هولتزمان من أن خفض أسعار الفائدة في البنك المركزي الأوروبي قبل تحرك الاحتياطي الفيدرالي ينطوي على مخاطر. وهو محق في ذلك، لا سيما بالنسبة لقيمة اليورو، لكنها مخاطر لن يستطيع مجلس محافظي البنك تحجيمها بتأخير التدخل، ذلك أن مشكلات أوروبا الاقتصادية أكبر من مشكلات الولايات المتحدة. واحتمال أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة في يونيو يبلغ حالياً 50%، استناداً إلى توقعات سوق العقود الآجلة، وذلك بعد صدور بيانات قوية على غير المتوقع من معهد إدارة العرض عن شهر مارس.

الصناديق تقلص رهاناتها على قوة اليورو وسط توقعات خفض الفائدة

ضغوط زيادة الأجور

يتوقع البنك المركزي الأوروبي أن ينخفض مؤشر أسعار المستهلكين إلى 2.2% بحلول أغسطس، ولكنه قد يعاجلنا بتسجيل هذا المستوى المنخفض خلال شهر أبريل الجاري. وتشير تقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس" إلى أن التضخم سيتباطأ إلى 1.8% هذا الصيف، ثم ينخفض إلى 1.4% في أوائل عام 2025. والأهم من ذلك أن توقعات التضخم المستقبلية حتى عام 2026 مستقرة، مع وصوله في عقود مقايضة التضخم لأجل خمس سنوات إلى مستوى 2.3%.

من المتوقع أن يكون نمو الأجور قد انخفض في منطقة اليورو إلى معدل سنوي يبلغ 4% خلال الربع الأول، وذلك من 4.6% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023، وأن يتراجع أكثر إلى 3.5% بحلول الصيف.

انحسار الضغوط الناجمة عن اتفاقيات الأجور هو أحد المعايير الثلاثة الرئيسية التي أشارت إليها رئيسة البنك المركزي كريستين لاغارد في الاجتماع الأخير، إلى جانب هوامش أرباح الشركات ونمو الإنتاجية. غير أن عضو المجلس التنفيذي بييرو سيبولوني، في أول خطاب رئيسي له بشأن السياسة النقدية في بروكسل يوم الأربعاء الماضي، دعا البنك المركزي الأوروبي إلى خفض أسعار الفائدة حتى لو ظلت مستويات الأجور قوية، وذلك لدعم النمو.

وصلت أسعار الفائدة الرسمية إلى أعلى مستوى لها خلال ربع قرن من وجود اليورو، ومجرد الإبقاء عليها عند مستوياتها الحالية يفاقم من حالة التقشف النقدي.

أسعار الفائدة وتقليص برامج التيسير

يقل معدل التضخم بنحو 150 نقطة أساس فعلاً عن معدل الفائدة على الإيداع البالغ 4%، ومعنى ذلك أن أسعار الفائدة الحقيقية إيجابية. ولكن البنك المركزي يقوم أيضاً بامتصاص السيولة، فهو يقلص برنامجي التيسير الكمي لديه، كما أن وقف عمليات التمويل السخية طويل الأجل أدى إلى رد البنوك 250 مليار يورو (270 مليار دولار) الأسبوع الماضي. ومعني ذلك أن ديوناً بنحو 140 مليار يورو تستحق السداد بحلول نهاية العام. وهكذا يجري تضييق الخناق في مختلف أركان النظام المصرفي.

وتتوقع "بلومبرغ إيكونوميكس" أن يبلغ إجمالي خفض سعر الفائدة 100 نقطة أساس هذا العام، وعلى الأرجح أن البنك المركزي الأوروبي سيجري سلسلة من تخفيضات أسعار الفائدة خلال الربع الأخير من العام إذا تحققت توقعات ضعف الأجور والتضخم.

حتى البنك الوطني السويسري الحذر قام بخفض أسعار الفائدة في 21 مارس، مما يدل على أن لديه من الثقة ما يشجعه على استباق كل من جاره الأكبر والبنك المركزي الأميركي. وهو يعلم أن البنك المركزي الأوروبي سيخفض أسعار الفائدة قريباً.

استمرار التقشف في منطقة اليورو

ستستمر حالة التقشف المالي في منطقة اليورو حتى بعد عدة تخفيضات في أسعار الفائدة. فقد شهدت البيانات النقدية لشهر مارس تحسناً طفيفاً، ولكن من مستويات ضعيفة للغاية. وسجل مؤشر الدافع الائتماني لإقراض الأسر والشركات، الذي يقيس القروض الجديدة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، سالب 3.6%، وهو أقل من أدنى مستوى له عندما بلغ سالب 3.1% خلال أزمة اليورو.

في الآونة الأخيرة، في منتصف عام 2022، كان مؤشر الدافع الائتماني يرتفع بأكثر من 3%، لذلك لا عجب أن اقتصاد اليورو لم يحقق نمواً على الإطلاق. فلا تزال مخاطر حدوث مشكلة خطيرة -مثل أزمة في قطاع العقارات التجارية– حاضرة بقوة، في حين يستمر الضغط على الطلب الاستهلاكي بشكل عنيف.

استقرت مؤشرات عرض النقود بمعناه الواسع في منطقة اليورو، ولكن عرض النقود بمعناه الضيق "M1" يتراجع بنسبة 7.7% سنوياً. وبلغ معدل نمو الائتمان للأفراد سالب 0.3%. وتتمثل مهمة البنك المركزي الأوروبي في الحفاظ على معدل التضخم عند 2% أو قريباً منها، ولكنه مسؤول أيضاً عن الحفاظ على الاستقرار المالي، فإذا انخفض التضخم إلى أقل من 2% بكثير، سيعود صناع السياسة النقدية إلى المأزق الذي أجهدهم في تجاوزه على مدى عشر سنوات.

اقتصاد منطقة اليورو يفقد الزخم وسط ضعف آفاق النمو

قد يؤدي الركود إلى عرقلة الاتحاد الأوروبي بأكمله دون داعٍ، ولا تزال هناك فرصة لتجنب حدوثه. إن السيطرة على جموح الأسعار لم تكن سهلة في يوم من الأيام، ولكن الخطر الأكبر الآن هو المبالغة في تناول الدواء. فانتظار بلوغ التضخم مستوى مثالياً لن ينجم عنه سوى أزمة قد تتحول إلى انكماش. وقد حان وقت التدخل.