تباطؤ الاقتصاد الأميركي يضغط على مؤشرات وول ستريت

شاشة تظهر أسهم شركات مدرجة في بورصة نيويورك. الولايات المتحدة
شاشة تظهر أسهم شركات مدرجة في بورصة نيويورك. الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اهتزت مؤشرات وول ستريت بسبب البيانات التي أظهرت تماماً ما لم يرغب المستثمرون في سماعه: تباطؤ حاد في أكبر اقتصاد في العالم، وضغوط تضخمية عنيدة.

تم بيع سندات الخزانة، مع وصول العائدات إلى مستويات قياسية في 2024، إذ أحيت البيانات الاقتصادية أحاديث "الركود التضخمي"، ما أدى إلى مزيد من عدم اليقين بشأن مسار سياسة الاحتياطي الفيدرالي.

قام تجار المبادلة بتعديل توقيت التخفيض الأول لسعر الفائدة إلى ديسمبر. كافحت الأسهم أيضاً، لكنها قلصت معظم الانخفاضات السابقة، وسط ارتفاع في شركتين رئيسيتين "تسلا" و"إنفيديا"، وقد عوض ارتفاعهما الانخفاض في أسهم "ميتا بلاتفورمز" الضخم.

تشهد السندات الممتازة خروج الاستثمارات للمرة الأولى خلال السنة، مع تحول الاحتياطي الفيدرالي نحو التشدد.

"يوم ماتت الموسيقى"

أوقفت أحدث البيانات الاقتصادية موجة من الطلب القوي، وخففت من ضغوط الأسعار التي غذت التفاؤل بشأن "هبوط الاقتصاد الناعم". وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي 1.6%، مخالفاً كل التوقعات. وارتفع مقياس التضخم الأساسي الذي يتم مراقبته عن كثب، بشكل أكبر من المتوقع، مسجلاً 3.7%.

وقال كريس زاكاريللي من "إندبندنت أدفايزور آليانس" (Independent Advisor Alliance)، إن هذا التقرير يعتبر بمثابة الأسوأ في كلا العالمين، فالنمو الاقتصادي يتباطأ، والضغوط التضخمية مستمرة". وأضاف أن "بنك الاحتياطي الفيدرالي يريد أن يلمس بداية انخفاض التضخم بطريقة مستمرة، لكن السوق تريد أن ترى نمواً اقتصادياً، وزيادة في أرباح الشركات". وتابع أنه في حال لم يتجه أي منهما في الاتجاه الصحيح، فستكون هذه "أخباراً سيئة" للأسواق.

اقرأ أيضاً: الشركات المصدرة إلى أميركا أبرز المستفيدين من قوة الدولار

انخفض مؤشر "إس آند بي 500" إلى حوالي 5050 نقطة، مقلصاً مكاسب هذا الأسبوع. وفي الوقت نفسه، ارتفعت عائدات السندات لأجل 10 سنوات بمقدار ست نقاط أساس إلى 4.70%. وتم بيع عرض بقيمة 44 مليار دولار لسندات مدتها سبع سنوات، بما يتماشى تقريباً مع التوقعات.

وكتب بيل غروس، المؤسس المشارك لشركة "باسيفيك إنفستمن مانجمنت" (Pacific Investment Management Co) في منشور على "إكس" (تويتر سابقاً) "يوم ماتت الموسيقى" (وذلك في استعادة لمقولة شهيرة أطلقت عند وفاة موسيقيي الروك الأميركيين بادي هولي، وريتشي فالينز، وجي بي ريتشاردسون في حادث تحطم طائرة عام 1959).

أضاف غروس: "ارتفعت سندات الخزانة لمدة 10 سنوات إلى 4.75%. لماذا تملك السندات؟"، وقال أيضاً: "التزم بأسهم القيمة، وتجنب تلك المرتبطة بالتكنولوجيا في الوقت الحالي".

خفض أسعار الفائدة

يتوقع هوارد لوتنيك، الرئيس التنفيذي لشركة "كانتور فيتزغيرالد" (Cantor Fitzgerald)، أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مرة واحدة هذا العام، قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وقال لوتنيك في مقابلة يوم الخميس مع تلفزيون "بلومبرغ": "أفكر في شهر سبتمبر، وهو ليس في الواقع لتحريك الاقتصاد، بل للتباهي قليلاً".

من جهته، أشار كريشنا جوها من "إيفركور" (Evercore) إلى البيانات الاقتصادية الحديثة يجب أن تزيد من حدة لهجة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع المقبل. وقال: "لا يزال الاحتياطي الفيدرالي يسير في نمط الدوران حول خفض الأسعار، إلى حين حصوله على قراءة أفضل لديناميكيات التضخم المستقبلية".

يقول أوستان غولسبي من بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، إن البنك المركزي بحاجة إلى "إعادة ضبط" السياسة.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد الأميركي ينمو بأبطأ وتيرة في عامين

رأى مايك رينولدز من "غلينميد" (Glenmede) أن النمو الاقتصادي "يعود إلى الأرض" بعد النصف الثاني القوي بشكل غير عادي من العام الماضي.

لا شك أن الجمع بين تباطؤ النمو والتضخم الثابت سيزيد من الهمسات حول "خطر الركود التضخمي" المحتمل، مما قد يعقد مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي، وفقاً لجيم بيرد من "بلانت موران" للاستشارات المالية (Plante Moran).

وقال إيان لينجن من شركة "بي أم أو كابيتال ماركيتس" (BMO Capital Markets): "من المؤكد أن الأحاديث عن الركود التضخمي سترتفع في أعقاب هذه الأرقام، لكننا أقل اهتماماً بمثل هذه النتيجة طالما ظل سوق العمل قوياً للغاية".

أما جيف روتش "إل بي إل فاينانشيال" (LPL Financial)، فرجح أن يتباطأ الاقتصاد بشكل أكبر في الأرباع التالية، حيث من المحتمل أن يقترب المستهلكون من نهاية إنفاقهم الباذخ.

وأشار إلى أنه "يجب أن نتوقع أن يتراجع التضخم طوال هذا العام مع تباطؤ الطلب الكلي، على الرغم من أن الطريق إلى هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي للتضخم البالغ 2%، يبدو بعيد المنال".

تخفيف الضغوط في السوق

اعتبر كريس لاركين من "إي ترايد" في "مورغان ستانلي"، أنه "على المدى القصير، لا يبدو أن أرقام يوم الخميس تمثل ضوءاً أخضر للمضاربين على صعود الأسهم، أو المضاربين على الانخفاض".

وأشار إلى أنه "من غير المرجح أن تؤدي حالة عدم اليقين إلى تخفيف الضغوط في السوق التي تشهد أعمق تراجع لها منذ العام الماضي".

اعتبر ديفيد دونابيديان من "سي آي بي سي برايفت ويلث" (CIBC Private Wealth US) أن الانتكاسة الأكثر صلة بالبيانات هي تسارع التضخم الأساسي، مضيفاً: "لسنا بعيدين عن تراجع توقعات المستثمرين بشأن كل التخفيضات في أسعار الفائدة"، متوقعاً أن يلجأ رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلى لهجة أكثر تشدداً خلال اجتماع البنك الأسبوع المقبل.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر تأجيل الفيدرالي لخفض الفائدة على أميركا والعالم؟

سيدقق المتداولون في تعليقات باول بحثاً عن أدلة حول أحدث الأفكار المرتبطة بسياسة التيسير النقدي. قال باول سابقاً إن النمو يمكن أن يسير بمعدل أسرع من دون إثارة التضخم.

استبعاد تحركات كبيرة

ويرى متداولو المقايضة الآن حوالي 35 نقطة أساس فقط من تخفيضات أسعار الفائدة الفيدرالية طوال عام 2024، وهو أقل بكثير من التخفيضات التي زادت عن ستة تخفيضات بربع نقطة مئوية لكل منها، في بداية العام.

قال سكوت هلفستين من "غلوبال إكس" (Global X)، إن "القصة الرئيسية تبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي مقابل الاقتصاد". ويعتقد أن البنك المركزي ليس مستعداً للقيام بأي تحركات كبيرة قبل الانتخابات في سبتمبر أو نوفمبر. لذا، يتعلق الأمر باجتماعات يوليو وديسمبر. وخلص إلى القول إن "هناك الكثير من البيانات التي ستصدر قبل ديسمبر - لكن خفضاً واحداً في عام 2024 يبدو معقولاً".

أما كريس زاكاريللي من "إندبندنت أدفايزور آليانس" فأشار إلى أنه يتطلع إلى أرقام نفقات الاستهلاك الشخصي يوم الجمعة، لأن تباطؤ التضخم هو القضية الأولى بالنسبة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.

اقرأ أيضاً: الاحتياطي الفيدرالي: ترسخ التضخم على رأس المخاطر المالية

بالإضافة إلى ذلك، أشار إلى أن النقاش بشأن خفض سعر الفائدة (أو حتى زيادة سعر الفائدة) قد احتدم، وهذا ما أدى إلى زيادة عدم اليقين في أسواق السندات والأسهم في الآونة الأخيرة.

من جهته، قال بريان روز من "يو بي إس" (UBS) لإدارة الثروات العالمية إن "قاعدتنا الأساسية تبقى أن التضخم سوف يتباطأ في الأشهر المقبلة، مما يسمح لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بالبدء في خفض أسعار الفائدة في سبتمبر".