شبح الإفلاس يخيم على أرقى مناطق سياتل بسبب "كورونا"

الوباء أضر بأصحاب المشروعات الصغيرة في سياتل
الوباء أضر بأصحاب المشروعات الصغيرة في سياتل المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تسير سلسلة "حي واحد، عام واحد"One Year، One Neighborhood" على نهج الشركات الصغيرة المتواجدة في ممر "بايك باين" بمدينة سياتل، أول منطقة شهدت تفشي فيروس كورونا في الولايات المتحدة، من أجل إعطاء لمحة بشأن ما سيكون عليه شكل المدن عند إعادة فتحها عقب الوباء.

أمضت ليز دن سنوات في تحويل عدد قليل من العقارات المتاخمة في سياتل إلى تطور عمراني مشهود يضم شققا ومكاتب وعددا من المساحات المخصصة للبيع بالتجزئة. وكان من بين مستأجريها مطاعم وصالون ومحل لبيع السلع المنزلية ومتجر دراجات وآخر لأجهزة الكمبيوتر وإحدى صالات "كروس فيت" للألعاب الرياضية. وكان الكثيرون قد وقعوا في مأزق بعد أن أقرت الحكومة قيودًا شاملة في مارس للسيطرة على انتشار الفيروس التاجي الجديد في أول مركز لتفشي "كوفيد-19" بالولايات المتحدة.

لمدة عشرة أشهر، استطاعت "دن" الصمود من خلال إبرام الصفقات مع البنوك الثلاثة التي حصلت من خلالها على قروض عقارية بضمان ممتلكاتها. ولكن لن يكون اجتياز السنوات العشر القادمة سهلاً دون مصدر دخل آخر. وتقول دن: "سأحتاج إلى مزيد من المساعدة. ستتوقف شركتي عن العمل".

أحد الجوانب المدهشة للوباء هو أنه لم يؤد بعد إلى انهيار العقارات في الشارع الرئيسي لسوق البيع بالتجزئة.

وفي ظل مواجهة الأعمال التجارية للإغلاق وإبقاء الموظفين بالمنزل، أصبحت جميع حلقات سلسلة الالتزامات المالية، من المستأجر إلى المالك إلى المستثمر إلى المقرض، تعاني تحت وطأة الضغط بشكل مفاجىء.

ومع ذلك، تمكنت العديد من الشركات الصغيرة من النجاة، بطريقة ما، وتجنب أصحاب العقارات التجارية حبس الرهونات بصورة جماعية. وتُظهر قصة نجاح "دن" والمستأجرين منها في الصمود حتى عام 2021 كيف أن مزيجًا من البرامج الحكومية، وإمهال البنك للمدينين، والكثير من الارتجال غير المترابط، استطاعت جميعها منع سلسلة الالتزامات المالية من الانهيار، على الأقل حتى الآن.

50 مليار دولار إيجارات لم تسدد

ولا تزال الضغوط تتزايد، حيث قام أصحاب العقارات المخصصة للبيع بالتجزئة في الولايات المتحدة بحساب أكثر من 50 مليار دولار من مدفوعات الإيجار التي لم يتم سدادها خلال العام الماضي، وفقًا لتقديرات شركة "كوستار CoStar"، والتي قد لا يتم دفع بعضها أبدًا. وحتى مع بدء طرح التطعيمات، تتزايد حالات الإصابة بفيروس "كوفيد-19"، ويزداد بقاء الموظفين بعيداً عن مقار العمل، وقد أدى الطقس الشتوي إلى تقليل تناول الطعام في الهواء الطلق في معظم أنحاء البلاد. وبذلك، يدخل أصحاب العقارات الأصغر مثل دن، والمستأجرين منها، في مرحلة قد تمثل أصعب أزماتهم خلال الوباء. يقول زاكاري ستريت، نائب الرئيس الأول في شركة "جورج سميث بارتنرز George Smith Partners"، لاستشارات الديون العقارية ورأس المال "لقد كانوا في وضع صعب في شهر مارس. والآن، هم في موقف صعب حقًا مرة أخرى".

الشركات الصغيرة تضررت بشدة

وعلى الرغم من وجود مجموعة من الشركات الصغيرة التي تضررت بشدة، إلا أن "دن" تمتعت ببعض الأمور التي كانت لصالحها. أولاً، مبانيها لا تقع في وسط المدينة، ولكنها داخل مبنى في ممر بايك باين في كابيتول هيل، أحد أفضل الأحياء للتنزه في سياتل، على الأقل قبل انتشار "كوفيد-19". كما تقع عقارات "دن" على بعد ميل من مقر شركة "أمازون" بالمدينة، وهي منطقة يقطنها العديد من الأشخاص. وفي حين أن الطلب على الشقق في الحي قد تراجع، إلا أنها لم تصبح خاوية بقدر المناطق التجارية المركزية في جميع أنحاء البلاد.

وساعد "دن" أيضًا قيام العديد من مستأجري متاجر البيع بالتجزئة، البالغ عددهم نحو 20، بإعادة جمع شتاتهم بسرعة، حيث عرضت المطاعم وجبات سريعة وأعادت تنظيم مساحاتها للامتثال للقيود الجديدة.

وأطلق متجر الدراجات نشاطًا تجاريًا لتوصيل وجبات الطعام المحلي إلى المنازل. وفي غضون أسبوع من الإغلاق في مارس، بدأت صالة الألعاب الرياضية "كروس فيت" في تقديم دروس افتراضية، وتأجير الأثقال والمعدات الأخرى للأعضاء. و يقول توني لاو، أحد مالكي الصالة الرياضية: "كان هناك عدد قليل من الأشخاص الذين وضعوا مجدفًا على ظهورهم وقاموا بدحرجته إلى المنزل".

حزمة التحفيز الفيدرالية

وفي أواخر الربيع، جاءت حزمة التحفيز الفيدرالية لتشكل انفراجة. ومن جانبها، ساعدت دن المستأجرين في الحصول على الأموال التحفيزية، ومنحهم المعلومات وتيسير اتصالهم بالبنوك التي كانت تقوم بتوزيع الأموال. وتلقت الشركات التي تُدرج ممتلكات "دن" كعنوان لها ما يقرب من 1.4 مليون دولار في صورة قروض من "برنامج حماية شيكات الرواتب Paycheck Protection Program"، بالإضافة إلى 705600 دولار في صورة منح وقروض من برنامج القروض لمواجهة الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الكوارث التابع لإدارة الأعمال التجارية الصغيرة. ومن الممكن إعفاؤهم من بعض هذه الديون في نهاية الأمر.

ومع ذلك، فقد تسبب الوباء في خسائر كبيرة لجميع الأعمال التجارية. يقول لاو، مالك صالة الألعاب الرياضية، إن إيراداته انخفضت بنسبة 65% خلال العام الماضي. بينما تقول يوكيكو سودوس، التي تمتلك مقهى "بيتي روسو" بالمشاركة مع أختها في أحد مباني دن، إنها تحملت ديونًا إضافية تزيد عن 500000 دولار للحفاظ على هذا النشاط التجاري وغيره من الأعمال التي يديرونها. وتساءلت سودوس"كم عدد المعجنات واللاتيه التي يمكنني بيعها لسداد نصف مليون دولار؟".

قدمت "دن" للمستأجرين الذين تأثروا بالوباء شكلاً من أشكال تخفيض الإيجار العام الماضي. لكن كانت هناك أشياء أخرى لم تستطع المساعدة فيها. فقد أدت سنوات من الارتقاء بالحي وارتفاع قيمة العقارات في كابيتول هيل إلى زيادة تكلفة استئجار المساحات التجارية بشكل حاد، إذ يتحمل المستأجرون عادةً نصيبهم من ضرائب الملكية كجزء من الإيجار. وبحسب دن، فإنه إلى جانب التأمين على المباني وصيانتها، والتي يدفع تكلفتها المستأجرون أيضًا، فغالبًا ما تمثل هذه التكاليف الإضافية ربع إجمالي فاتورة الإيجار أو أكثر. وتابعت: "لا يمكننا دفع هذه النفقات نيابة عن المستأجرين. حرفياً، سنخسر كل ما نملك إذا ما فعلنا ذلك".

تكلفة الخدمات الأمنية

وعلى تلك الحال، كانت دن تتجنب الغرق بالفعل. وقد كان المستثمرون الذين يدعمونها على استعداد للتوقف عن أخذ توزيعات الأرباح للحفاظ على السيولة. ومع ذلك، فإن "المعدات تبلى، والمصاعد تتوقف عن العمل، ولا شيء من هذه الأشياء يحتفظ بحالته بسبب كوفيد-19"، على حد قولها. كما ارتفعت تكلفة الخدمات الأمنية بعد أن أصبحت كابيتول هيل مركزًا محليًا لاحتجاجات العدالة العرقية في يونيو.

وتحطمت النوافذ في مطعم تايلاندي في أحد مبانيها، وكذلك في متجر لأجهزة الكمبيوتر. ودفعت شركة دن لكلا المتجرين لتركيب ألواح من الخشب الرقائقي لبعض الوقت. وقام فريقها الأمني باستنفاد ستة طفايات حريق ذات ليلة لإخماد الحرائق في الشارع خارج مبانيها.

كانت دن لا تزال تتلقى معظم الإيجار من مستأجري الشقق في ممتلكاتها. ولكن بشكل عام، كان إجمالي متحصلاتها يقدر بحوالي 80% في مبنى واحد، و 65% في آخر، وأكثر بقليل من 50% في الثالث، "والتي، كما سيخبرك معظم الملاك، لا تكفي عادةً لتغطية الرهن العقاري" كما تؤكد دن. والأسوأ من ذلك، كان انتهاء العديد من عقود إيجار المكاتب، ولم يكن العديد من مستأجريها ليجددوا العقود، فقد قرر المزيد من الأشخاص أنه يمكنهم العمل من المنزل لفترة طويلة.

وقبل الوباء، تجاوزت ديونها بضمان ممتلكاتها 25 مليون دولار. وبحسب دن، فقد كانت نسبة المديونية الخاصة بها تقليدية، إذ بلغ متوسط نسبة القرض إلى القيمة نحو 60%، ولم تكن هناك شواغر في ممتلكاتها. وبعد أن مرّت بأوقات عصيبة خلال فترة الركود العظيم مع مقرض وطني كبير، تحولت دن إلى إبقاء علاقاتها المصرفية داخل الإطار المحلي. الأمر الذي يعني أنه كان لديها شخص ما للاتصال به والدفاع عن قضيتها عندما أصبح الوضع صعباً، وهو بالضبط ما فعلته مع تدهور الأمور في الربيع الماضي.

وقد ساعدتها جميع بنوك الرهون العقارية الثلاثة ببعض التخفيف، وهو ما استثمرته دن في تخفيض الإيجار لمستأجريها. ولكن بحلول نهاية العام، كانت الاتفاقات مع المقرضين قد انتهت. يقول مارك ماسون، الرئيس التنفيذي لشركة "هوم ستريت"، وهو بنك مقره سياتل أصدر قرضًا بقيمة 15 مليون دولار على أحد عقارات دن، "اعتقدنا في أبريل أنه بحلول أغسطس أو سبتمبر، ستعود الأمور، إن لم يكن إلى الوضع الطبييعي، فسنقترب منه. لكن ذلك لم يحدث".

كل ما نحتاجه هو الوقت

الآن، تقول دن، إنها "عادت إلى حيث بدأت بشكل أساسي" حيث تخمن، جنبًا إلى جنب مع الآخرين، مدى سرعة خروج البلاد من الوباء. وبدون تلقي المزيد من المساعدة، لن يمكنها تقديم تخفيضات الإيجار الإضافية التي يحتاجها العديد من المستأجرين بشدة، والذين يشعرون بالإحباط كونهم لا يتمتعون بالإيجار المخفض في الوقت الحالي.

لكن هناك ما يدعو للاعتقاد بإمكانية تلقي المزيد من المساعدة، حيث صرح الرئيس المنتخب جو بايدن إنه سيدفع من أجل تريليونات الدولارات في صورة حوافز إضافية، والتي يمكن أن يساعد بعضها الشركات الصغيرة. كما أنه من المرجح أن يبقي الاحتياطي الفيدرالي الباب مفتوحاً لمزيد من التحفيز في المستقبل المنظور. وبينما سيصبح بعض المقرضين عدوانيين مع مالكي العقارات الذين تخلفوا عن الدفع، يختار العديد من الدائنين العمل مع المقترضين، خاصة الآن بعد أن أصبح من الممكن تصور وضع حد للوباء. ويقول مايكل نوت، المدير الإداري في شركة "جرين ستريت" للأبحاث العقارية: "إذا ما أمعنت النظر بعيداً بما يكفي، ستتمكن من رؤية شاطئ النجاه. ولكن الوصول إليه سينطوي على مواجهة بعض التقلبات".

يقول ماسون، الذي ساهم في تغيير "هوم ستريت" كلياً بعد الأزمة المالية في عام 2008، إن التحديات التي تواجه سوق العقارات اليوم تختلف كثيرًا عن تلك التي تواجدت قبل عقد من الزمن. حينها، انخفضت الأسعار كثيرًا لدرجة أن أصحاب المباني كانوا غارقين في الديون بالفعل. وفي كثير من الحالات، لم يكن أمام المقرضين خيار سوى حبس الرهون. ويقول ماسون: "الأمر حالياً ليس كذلك على الإطلاق". لقد احتفظت الكثير من العقارات التجارية بقيمتها خلال الوباء. وعلى الرغم من أن مساحات البيع بالتجزئة كانت من بين أكثر الأماكن تحديًا، فإن عقارات مثل المملوكة لدن تعد أحد الأصول الجيدة على المدى الطويل، بحسب ماسون. "الوقت هو حقًا كل ما تحتاجه هنا".