في أستراليا.. الغاز لن ينقذ دولة لا تستطيع ملء خزاناتها

عامل يعبر ممشى في معمل للغاز الطبيعي المسال تديره "كيو جي سي" التابعة لشركة شل في غلادستون بأستراليا
عامل يعبر ممشى في معمل للغاز الطبيعي المسال تديره "كيو جي سي" التابعة لشركة شل في غلادستون بأستراليا المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إذا كان البترول سينقذ قطاع التصنيع الأسترالي، فلماذا تركع مصافي النفط في البلاد على ركبتيها؟.

هذا الأسبوع أعلنت شركة "إكسون موبيل" إغلاق محطتها للمعالجة في ضاحية "ألتونا" في مدينة "ملبورن" بعد أكثر من سبعة عقود. كانت البلاد تمتلك سبع مصافي تكرير منذ ثماني سنوات مضت، ولم تبقَ سوى اثنتين. و تجري بالفعل دراسة ما إذا كان يجب إغلاق إحداهما. وبالنسبة للأخرى فإنها ستبقى في العمل بفضل الدعم الحكومي الذي سيصل إلى 30 مليون دولار أسترالي (23 مليون دولار) في النصف الأول من هذا العام.

مصافي التكرير القديمة

من غير الصعب معرفة سبب حدوث ذلك، فعلى الرغم من تفوق صادراتها على مستوى العالم من الفحم والغاز الطبيعي المسال، فإن أستراليا تعاني من نقص حاد في النفط، وكانت على مدار معظم فترات تاريخها غير قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، باستثناء فترة وجيزة للغاية في الثمانينيات عندما جلبت الهيدروكربونات من الحقول البحرية والصحراء الوسطى. وفي هذه الأيام، يعتمد أكثر من 80% من الاستهلاك على الاستيراد. ويعتبر معظم الإنتاج المحلي من المكثفات الخفيفة وشبه الغازية غير المناسبة لوقود النقل.

في هذا العالم، أصبح من غير المنطقي أكثر من أي وقت مضى تصنيع البنزين والديزل ووقود الطائرات في مصافي التكرير الصغيرة القديمة في أستراليا. كقاعدة عامة، تزداد ربحية مثل هذا المصنع مع تعقيده، حيث تمنح كل وحدة تقطير أو تكسير إضافية المرونة لصنع مزيج مخصص من المنتجات التي يريدها السوق. وهذا بدوره ناتج عن الحجم، ولا يمكن لشركة "ألتونا" (Altona)، التي يمكنها تجاوز حوالي 80 ألف برميل يوميا، منافسة محطات التكرير الآسيوية والشرق أوسطية الكبيرة التي تستهلك 10 أضعاف أو أكثر.

إلى جانب الانخفاض طويل المدى في تكلفة النقل - سجل مؤشر بورصة البلطيق لأسعار ناقلات منتجات النفط التي تحمل الوقود انخفاضا قياسيا في شهر نوفمبر الماضي، مما يجعل شحن البنزين في جميع أنحاء العالم أرخص من أي وقت مضى، ببساطة لا يوجد سبب في أستراليا لتكرير الخام الأجنبي في الداخل.

آمال حكومية في الغاز

تلقي حتمية هذا الانخفاض الضوء على النسخة الأسترالية السيئة من استراتيجية إعادة البناء على نحو أفضل استعدادا لمواجهة المخاطر المستقبلية. على عكس إدارة بايدن، التي جعلت القضاء على الانبعاثات من قطاع الطاقة في أمريكا محورا لخطط إعادة التشغيل الاقتصادي بعد نهاية وباء فيروس كوفيد 19 علقت الحكومة المحافظة آمالها على التعافي باستخدام الغاز. وقد وعدت ببناء خطوط أنابيب ومحطة طاقة غاز طبيعي جديدة إذا لم يختر القطاع الخاص ذلك، بحجة أن الوقود ضروري لقطاع التصنيع.

إلى الحد الذي يكون فيه هذا هو الحال، فإنه يمثل رمزا ليوضح كيفية أن قطاع التصنيع في أستراليا ليس كما يعتقد الناس. وتعتبر بقايا قطاع السيارات، المثال الأكثر وضوحا لمصنع يوفر فرص عمل عالية التقنية وذات أجر جيد، أُغلقت أبوابه منذ أكثر من ثلاث سنوات عندما أغلقت شركة جنرال موتورز وشركة تويوتا موتور آخر خطوط الإنتاج المحلية، أحدها كان جزءا من نفس القطاع الصناعي مثل مصفاة ألتونا.

ما تبقى، وبشكل متزايد، ليس التصنيع المتطور وفقا للخيال الشعبي، ولكن تحويل المواد الأساسية، مثل صهر المعادن، وتغليف الأطعمة والمشروبات، والمواد الكيماوية والبلاستيكية، ولب الخشب والورق، وفي الواقع، تكرير النفط. وشكلت تلك الصناعات وحدها حوالي 56% من الوظائف و65% من عائدات المبيعات في قطاع التصنيع في عام 2019.

سلاسل التوريد العالمية

على النقيض من شركات التصنيع الأكثر تقدما، والتي تستخدم الكهرباء لتشغيل أجهزتها، فإن هذه غالبا ما تعتمد على الوقود الأحفوري الرخيص للقيام بعملها القوي للغاية المتمثل في التسخين وتكسير الروابط الكيميائية. تكمن المشكلة في أن معظمهم يعانون من نفس مشاكل المنشآت الصغيرة والعتيقة، علاوة على البعد عن سلاسل التوريد العالمية التي جرى الحكم عليها بالفشل في مجال التكرير.

كانت شركة صهر الألمنيوم التابعة لمجموعة شركة ريو تينتو أحد المستفيدين المحتملين من مقترحات تعافى أنشطة الغاز التي تقودها الحكومة، تجد صعوبة في تحقيق نقطة التعادل (السعر يعادل التكلفة) على مدى عقد من الزمان. حاولت الشركة بيعها وفشلت عدة مرات. كما جرى في السنوات الأخيرة وقف مصنع الأمونيا التابع لشركة يارا إنترناشيونال أيه إس أيه (Yara International ASA ) في الشمال الغربي، وهو مستخدم رئيسي آخر للغاز، بسبب التخمة العالمية من المعروض. البلد الذي يعد أكبر مورد في العالم للمواد الخام لصناعة الصلب لديه مصنعان فقط يواجهان صعوبات في العمل.

الحقيقة الصعبة هي أن أستراليا ببساطة صغيرة جدا وبعيدة عن سلاسل التوريد الرئيسية في شمال آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية بحيث لا يكون لديها قطاع تصنيع قادر على المنافسة. ما تجيده، وما زال طوال تاريخها الحديث، هو أن تصبح ثرية بتزويد الصناعة بالطاقة في بلدان نصف الكرة الشمالي الذي يتمتع بالقوى العاملة والأسواق النهائية لدعمها.

ومع كونها واحدة من البلدان الأغنى بالثروات من المعادن ومصادر الطاقة المتجددة والتي سيكون مطلوب منها إنتاج وقود سائل خال من الكربون، فإن أستراليا في وضع جيد للاستفادة من طفرة السلع التالية. وإذا ظلت الحكومة متمسكة بصناعة الوقود الأحفوري المتدهورة، فلن ينتهي الأمر بركوب هذه الموجة، بل ستغرق بسببها.