المساواة بين الجنسين في دول مجلس التعاون الخليجي ومواصلة أجندة الإصلاح

مشاة يعبرون من أمام مقر مجموعة البنك الدولي في العاصمة الأمريكية واشنطن
مشاة يعبرون من أمام مقر مجموعة البنك الدولي في العاصمة الأمريكية واشنطن المصدر: ( ا ف ب)
عصام أبو سليمان
عصام أبو سليمان

المدير الإقليمي للبنك الدولي في دول مجلس التعاون الخليجي

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في مقال الرأي السابق عن خارطة طريق الإصلاحات في دول مجلس التعاون الخليجي، تحدثتُ عن أهمية رأس المال البشري. والآن ومع احتفال العالم باليوم الدولي للمرأة في الثامن من مارس من هذا العام، فإن الوقت مناسب لتقييم التقدُّم المُبهِر الذي تحرزه بعض دول مجلس التعاون الخليجي على صعيد زيادة الفرص المتاحة للنساء من أجل الاستفادة من جميع مواردها البشرية لتحقيق الأهداف الإنمائية التي رسمتها لمستقبلها. وقد برز ما حققته المملكة العربية السعودية والإمارات من سَبقٍ في هذا الصدد على مدى العامين الماضيين. فقد قامتا، إلى جانب البحرين، بتطبيق إصلاحات رائدة تتيح للنساء المشاركة بصورة كاملة في الأنشطة الاقتصادية كما أنها تدعم المعاملة المتساوية لهن في شؤون حياتهن الشخصية.

ولا يمكن التهوين من المنافع التي تعود من هذه الإصلاحات المُحدِّدة للتوجُّهات على مجتمعات هذه الدول الثلاث واقتصاداتها. بل إن آثارها غير المباشرة تُشاهَد في بقية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولا تُمكِّن الإصلاحات التي تركِّز على المرأة من إصلاح اقتصادات البلدان بالاستفادة من إنتاجية نصف السكان فحسب، بل تسهم كذلك في الحد من الفقر وتحقيق النمو المستدام، والأهم من ذلك هو المساواة بين الجنسين في المجالين العام والخاص. ولضمان تعظيم أثر هذه المنافع، فإنه يتعيَّن على بلدان المجلس التي أدخلت إصلاحاتٍ مواصلة التركيز بدقة على فعالية التنفيذ، فيما يمكن لبلدان المنطقة التي لم تقم بعد بزيادة الفرص المتاحة للنساء في النظر إلى جيرانها للتأسي والاستلهام.

في عام 2019، قفز ترتيب المملكة العربية السعودية في تقرير مجموعة البنك الدولي المعنون "المرأة وأنشطة الأعمال والقانون" بأكبر عدد من النقاط عن أي بلد في العالم، وذلك مقارنة بترتيب المملكة في عام 2018.

تحوُّل تاريخي

ويُعزَى هذا بدرجة كبيرة إلى ما قامت به المملكة في يوليو 2019 من تحوُّل تاريخي بسن مجموعة من التدابير لتوسيع أدوار المرأة في المجتمع السعودي ومنحها حريات اقتصادية غير مسبوقة. وشملت هذه الإصلاحات زيادة حرية السفر والتنقل بمنح النساء الحق في استخراج جوازات السفر بمفردهن، وتمكين المرأة من أن تكون رباً للأسرة مثل الرجل والسماح لها باختيار مكان السكن، وحظر فصل المرأة الحامل من العمل، والأمر بعدم التمييز على أساس نوع الجنس في إتاحة الحصول على الائتمان، وحظر التمييز على أساس نوع الجنس في التوظيف، والمساواة في سن التقاعد بين النساء والرجال، وإلغاء أحكام بيت الطاعة. وبعد مرور عام، أُتبِعت هذه الإصلاحات بتعديلات على نظام العمل قضت برفع القيود عن عمل النساء ليلاً وأجازت لهن العمل بجميع الصناعات بما فيها التعدين.

أما دولة الإمارات، فقد أصبحت في سبتمبر 2020 أول دولة بالمنطقة تمنح إجازة والدية مدفوعة الأجر للعاملين في القطاع الخاص. وجاء هذا الإصلاح التاريخي في إطار حزمة واسعة أقرتها الإمارات لدعم مشاركة النساء في القوى العاملة والتي تبلغ نسبة مشاركتهن 57.5%، وهي إحدى أعلى النسب في المنطقة. وتبني حزمة الإصلاحات لعام 2020 على الجهود التي تبذلها الإمارات منذ عام 2019 لإعطاء الأولوية للمساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي للمرأة. وفي عام 2019، طبَّقت الإمارات أول مجموعة من الإصلاحات شملت ضمان المساواة بين النساء والرجال في طلب استخراج جوازات السفر، والسماح للمرأة بأن تكون رباً للأسرة مثل الرجل، وإصدار تشريع لمكافحة العنف الأسري وفرض عقوبات جنائية على التحرش الجنسي في مكان العمل، وحظر التمييز على أساس نوع الجنس في التوظيف وفصل المرأة الحامل، وإزالة القيود المفروضة على عمل النساء في قطاعات محددة مثل التعدين. وتمت الإشادة بهذه الإصلاحات في تقرير "المرأة وأنشطة الأعمال والقانون" لعام 2021 والذي احتلت فيه الإمارات المرتبة الأولى بين دول المنطقة.

تعالج الإصلاحات الإضافية المُطبَّقة في عام 2020 أوجه التفاوت وعدم المساواة المزمنة في القوانين بما فيها تلك المتعلقة بقدرة المرأة على التنقل، وحقوقها الزوجية وفيما يخص الأبوة، وقدرتها على التصرف في أموالها وممتلكاتها. وعلى وجه التحديد، تشمل الإصلاحات تعديل قانون الأحوال الشخصية بإلغاء الأحكام التي تُلزِم النساء بطاعة أزواجهن ورفع القيود المفروضة على سفرهن خارج البلاد، ووضع أحكام جديدة تسمح لهن باختيار مكان السكن والتنقل خارج المنزل مثلما يُسمَح للرجال، فضلاً عن تعديل لقانون العمل ينص على المساواة في الأجر عن العمل متساوي القيمة في الصناعات والقطاعات المختلفة.

الدروس المستفادة ومقومات النجاح

هناك ثلاثة عناصر مشتركة يرتكز عليها نجاح جهود الإصلاح هذه، وهي: قوة الالتزام الحكومي، والتعاون الفعّال فيما بين الوزارات، وإطلاق حملات إعلامية لدعم وتأييد الإصلاحات.

تُعد قوة الالتزام الحكومي أمراً بالغ الأهمية لأنها لا تضمن تمرير التشريعات ذات التوجُّهات الإصلاحية في المقام الأول فقط، بل أيضا التشريعات التي تستند إلى أدوات تضمن تنفيذها. وفي دولة الإمارات على سبيل المثال، قامت الحكومة بتحديث المذكرة الإيضاحية لقانون الأحوال الشخصية لدعم تنفيذ المحاكم للإصلاحات المتعلقة بالأسرة بصورة فعّالة ولضمان تفسير الأحكام الجديدة بدقة من جانب القضاة. ولمساندة التنفيذ في السعودية، حدَّثت الحكومة جميع لوائح العمل بما يعكس الإصلاحات التشريعية الجديدة.

يمثل التعاون الفعّال فيما بين الوزارات الحكومية عنصراً ضرورياً كذلك. وفي كل من السعودية والإمارات، ساندت مجموعة واسعة من الجهات الحكومية الإصلاحات الأخيرة. ففي السعودية على وجه التحديد، صدر مرسوم ملكي في يونيو 2019 بإنشاء لجنة تمكين المرأة التي تضم ممثلين من طائفة واسعة من الوزارات وتتمثل مهمتها في تنسيق الجهود لتحقيق تمكين المرأة من خلال الإصلاحات القانونية.

ويُعد هذا التعاون فيما بين الوزارات مهماً لأنه يمكن أن يساعد في دعم تفعيل عملية اتخاذ القرار داخل الحكومات في المستقبل. وعلى وجه التحديد، يمكن لجميع الوزارات المعنية بالقضايا المتعلقة بالمرأة أن تقوم بجمع بيانات موثوق بها وموحَّدة لاستخدامها في دعم خيارات السياسات الرامية إلى مساعدة النساء والاقتصاد على حد سواء. وفي الإمارات على سبيل المثال، تجمع الوزارات بيانات مصنَّفة حسب نوع الجنس عن موضوعات تتراوح بين فرص النساء في ريادة الأعمال ومعدلات تسرُّبهن من سوق العمل وصولاً إلى معدل انتشار العنف المنزلي.

وشملت جهود فعالية التنفيذ أيضا إطلاق حملات قوية للتواصل ونشر المعلومات. وقد أولت حكومتا الإمارات و المملكة العربية السعودية اهتماماً كبيراً للتوعية بالأحكام الجديدة لضمان الالتزام بالإطار القانوني ولإظهار المنافع الاقتصادية والاجتماعية لهذه الإصلاحات. وحظيت هذه الإصلاحات بتغطية واسعة في وسائل الإعلام المحلية والدولية. كما عملت الحكومة على إذاعة هذه الإصلاحات ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية الحكومية، والندوات وحلقات العمل التي تُنظَّم تحت رعاية الحكومة وبمشاركة مختلف أصحاب المصلحة.

لقد لعبت المرأة على مر التاريخ دوراً بالغ الأهمية في تحقيق التعافي الاقتصادي في أعقاب الأزمات العالمية. وفيما يواصل العالم التكيُّف مع آثار جائحة كورونا، تمكِّن الإصلاحات القانونية في دول الخليج النساء من الإسهام بفعالية أكبر في تحقيق التعافي هذه المرة أيضا. وسيكون للدول الرائدة في المنطقة، أمثال المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، دور حاسم الأهمية في المرحلة المقبلة ليس فقط لاستلهام الإصلاحات منها، بل أيضا لعرض التجارب الإصلاحية وعوامل النجاح والدروس المستفادة من جهود الإصلاح. ويمكن لهذه الدول الثلاث أن تلعب دوراً في إحداث تحوُّل بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها في تشجيع ودعم تنفيذ قوانين لا تفرِّق بين الجنسين.