جوازات السفر الصحية تكشف كوارث في البيانات الحكومية

كورونا تكشف عن أزمة حادة في البيانات
كورونا تكشف عن أزمة حادة في البيانات المصدر: بلومبرغ
Leonid Bershidsky
Leonid Bershidsky

Leonid Bershidsky is Bloomberg Opinion's Europe columnist. He was the founding editor of the Russian business daily Vedomosti and founded the opinion website Slon.ru.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كانت أزمة كوفيد19 منذ أيامها الأولى كارثة بيانات، بالإضافة إلى كونها كارثة صحة عامة، فبعد عقدين من تعزيز الحكومة الإلكترونية، لا تزال معظم البلدان، حتى المتقدِّمة منها، تملك آلاف قواعد البيانات التي تديرها الحكومة، التي لا تتواصل مع بعضها، كما أنَّها بطيئة جداً في تقديم الرؤى اللازمة لإدارة أزمة بهذا الحجم، وتفتقر إلى الشفافية. من المحتمل أن يكون هذا الفشل التكنولوجي - أو بالأحرى فشل الإرادة السياسية - قد زاد من عدد ضحايا الفيروس وعمَّق الركود الاقتصادي. تظهر الآن مزيد من الأدلة على أنَّ الحكومات لا تزال متأخرة بشكل مؤسف وخطير، عندما يتعلَّق الأمر بإدارة البيانات، وقد يتسبب الصراع من أجل إنشاء جوازات سفر تعتمد اللقاح في تسريع إعادة فتح الاقتصاد.

وتبدو عدم قدرة الحكومات على تتبُّع البيانات الأساسية حول بداية الجائحة ومعدَّلات العدوى والانتقال، وعدد أسرة المستشفيات، وأجهزة التنفس المستخدمة، والوفيات الزائدة في الوقت الفعلي أو على الأقل على أساس يومي، من مظاهر الفشل المبكرة، بعد شهور من الأزمة. كما كانت بيانات الوفيات في الدول الأوروبية

لاتزال متأخرة بأيام عن العدد الفعلي للضحايا.

الافتقار إلي البيانات الكافية

و أفادت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أواخر عام 2020 أنَّ ثلاثة فقط من أصل 16 دولة أوروبية شملتها الدراسة لديها بيانات عن المستشفيات والرعاية الطارئة التي يتمُّ تحديثها إما يومياً أو أسبوعياً، وأنَّ دولتين فقط لديهما بيانات الوفيات في الوقت الفعلي. تفتقر معظم الدول الغنية في العالم حتى الدول القليلة التي لديها سجلات طبية موحَّدة، إلى القدرة على استخراج البيانات المعمَّمة منها التي يمكن أن تكون مفيدة في التنبؤ بالإجابات وإبلاغها.

بعبارة أخرى، أدَّى الافتقار إلى البيانات الكافية إلى تأجيج حالتي إنكار وجود كوفيد، وردود فعل الحكومة المبالغ فيها باسم "تسطيح المنحنى"، والحفاظ على تشغيل أنظمة الرعاية الصحية. و تمكَّنت كوريا الجنوبية - برغم أنَّها لم تحقق نجاحاً مطلقاً بأي حال من الأحوال - من دون عمليات إغلاق كاملة، وإغلاق أعمال بالجملة من إدارة الأزمة، لأنَّها جمعت البيانات، واستفادت منها بسرعة وفعالية.

ومن بعض الأمور التي قامت بها كان الاستخدام الوقح لبيانات الهاتف الخاص، وبطاقة الائتمان في تتبُّع جهات الاتصال، وهي من الأمور المسلَّم بها على أنَّها أعمال الولايات المتحدة (الأخ الأكبر). لكنَّني سأقوم بمقايضة هذه المعلومات التي أقدِّمها بالفعل، بشكل غير طوعي بالكامل إلى شركات مثل "غوغل"، و"فيسبوك" من أجل إنهاء عمليات الإغلاق.

موقف ألمانيا وبريطانيا

الآن ومع ازدياد وتيرة التلقيح حتى في البلدان المتخلفة، قد تتيح أحد أشكال جوازات السفر الصحية للقاح، والمقبول على نطاق واسع لبعض الشركات ببدء العودة إلى العمل. وبغض النظر عن مدى الظلم الذي قد يبدو عليه لأولئك الذين ليس لديهم فرصة للحصول على اللقاح في أي وقت قريب، فإنَّ عدداً قليلاً من العملاء يمكنه أن ينقذ الفنادق وأماكن الحفلات الموسيقية والأعمال الأخرى. أما في ألمانيا التي أنكرت حكومتها لوقت طويل أنَّها ستدعم أي شكل من أشكال جوازات السفر الصحية هذه حتى عام 2022، لأسباب تتعلَّق بالإنصاف إلى حد كبير، فيبدو أنَّ المسؤولين قد غيَّروا رأيهم؛ ويتحدَّث وزير الصحة يانز سبان إلى عدد من شركات التكنولوجيا حول إنتاج شكل ما من الإثبات الإلكتروني على عملية التلقيح هذا العام. ولعله مدفوع بمحاولة مقاطعة في بافاريا لإنشاء جواز سفر خاص بها، وإن كان لا يتوافق مع أي أنظمة وطنية أو دولية.

لكن لحظة، ألا يحمل معظم الألمان بالفعل بطاقات هوية ممكّنة للاستخدام الإلكتروني؟ ألا يمكن تحميل معلومات التلقيح على جوازات السفر هذه مع بصمات الأصابع، ومعلومات التعريف الأخرى؟ يا له من سؤال غبي.

و برغم أنَّ المعرفات الجديدة مستخدمة منذ عام 2017، إلا أنَّ 6% فقط من سكان ألمانيا استخدموا الوظائف الإلكترونية في العام الماضي. وأنا من بينهم، ولكن هذا فقط لأني فضولي من الناحية التكنولوجية؛ ولا تزال جميع أعمالي البيروقراطية تقريباً تعمل دون اتصال بالإنترنت؛ لأنَّ البطاقة تدعم عدداً ضئيلاً فقط من الخدمات الحكومية، وخدمات القطاع الخاص. وحتى إذا تمَّت إضافة بيانات التلقيح إلى التصاريح، فإنَّ معظم الأماكن التي قد ترغب في قراءتها لن يكون لديها التكنولوجيا للقيام بذلك - واستخدام هذا الحل للسفر إلى الخارج سيمثِّل مشكلة منفصلة، من الأسهل محاولة بناء نظام منفصل من البداية، وتوزيع ملايين البطاقات الإضافية على كل من يتم تلقيحه.

و تواجه بريطانيا مشكلات مماثلة مع قواعد البيانات المتعددة غير المتوافقة التي تملكها، ويبقى أن نرى ما إذا كانت البلدان الأصغر المتقدِّمة تكنولوجياً، مثل الدنمارك، يمكنها جعل جوازات السفر هذه فعَّالة في الوقت المناسب حتى تكون مفيدة في تسريع إعادة فتحها. كما هو الحال في مراحل ما قبل التلقيح لمكافحة الفيروس، فإنَّ السلاح الأكثر حدَّة – ألا وهو الحفاظ على القيود حتى ينخفض ​​معدَّل الإصابة إلى مستوى ضئيل - هو صاحب الاحتمال الأكبر لاستخدامه حتى النهاية المريرة.

حكومات غير مؤهلة

وربما نعيش اليوم في عصر التكنولوجيا الرقمية، لكنَّ حكوماتنا ليست كذلك. إنَّهم يجمعون محيطات من البيانات، لكنَّهم يفعلون ذلك بطرق قديمة. وفيما يتعلَّق بإتاحة البيانات على نطاق واسع وتحليلها بسرعة، فإنَّ هذا الحلم بعيد المنال كما كان في مطلع القرن. وأظهرت مراجعة للكتابات الأكاديمية حول قابلية التشغيل البيني لأنظمة الحكومة الإلكترونية، التي نشرها فريق من جامعة تالين العام الماضي، أنَّه بالرغم من أنَّ الاهتمام بهذه القضية بدأ في عام 2010، إلا أنَّه تضاءل منذ ذلك الحين، ويقارب الآن مستواه في عام 2001. كما يجب أن يعرف الباحثون حالياً أنَّ مشكلة أنظمة تكنولوجيا المعلومات الحكومية المتعددة غير المتوافقة التي تكون غالباً غير قابلة للاستخدام، هي مشكلة سياسية بقدر ما هي مشكلة تقنية. كما تفشل مشاريع تكنولوجيا المعلومات الحكومية طوال الوقت - قد يجادل بعضهم أنَّها تفشل بشكل افتراضي - لأسباب بيروقراطية وهندسية مختلفة، ولكن يمكنها أن تنجح في ظل إرادة سياسية.

أدركت حكومة كوريا الجنوبية أهمية قابلية التشغيل البيني للنظام الحكومي منذ عام 2001. وجاء الدفع من أجل التشغيل البيني من رئيس الدولة، مما أدَّى إلى تطوير معايير مشتركة لجميع أنظمة تكنولوجيا المعلومات التي تسيطر عليها الدولة. وفي الوقت الحاضر وببساطة، لا يجري بناؤها ما لم تكن قادرة على التفاعل مع ما هو قائم منها. ونتيجة لذلك، يمكن الوصول إلى معظم الخدمات الحكومية من الهاتف المحمول، مما جعل حكومة كوريا الجنوبية رائدة عالمياً في انفتاح البيانات، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

حجج الخصوصية

أما إستونيا، فقد أتت الإرادة السياسية لحكومة إلكترونية قوية من القمة أيضاً، وهي دولة أخرى تمكَّنت من بناء منصة تبادل بيانات بين مكاتبها الحكومية؛ ونشرت برنامج التشغيل البيني "إكس رود" (X-Road) الخاص بها في العديد من البلاد؛ وإن لم يكن على النطاق كما هو الحال في إستونيا نفسها.

إن كان مثال إستونيا الصغيرة غير مقنع، فإنَّ كوريا الجنوبية، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 50 مليون نسمة؛ تثبت أنَّ الحجم ليس عقبة. كما يمكن للمرء أن يجادل، بالطبع، في أنَّ الكوريين أكثر استعداداً من غيرهم للسماح لحكومتهم بتشغيل قواعد بيانات ضخمة. في مكان آخر، قد يمثِّل ذلك مشكلة، فالتكنولوجيا الحكومية في روسيا متطوِّرة بما يكفي لخدمة الضرائب لرؤية تاريخ مشتريات بطاقة ائتمان المواطن، مما يسمح للمسؤولين الفاسدين ببيع كميات هائلة من البيانات الشخصية في السوق السوداء. وفي الصين، يمكن تسليح البيانات ضد المواطنين "غير الموثوق بهم" باستخدام نظام الائتمان الاجتماعي المشؤوم في البلاد.

ومع ذلك، لا تبرر حجج الخصوصية التخلف التكنولوجي، ويمكن لأي حكومة أن تعرض على مواطنيها مقايضة واضحة؛ ففي مقابل بعض البيانات الخاصة، التي تنوي الحكومة استخدامها بطرق معينة، سيحصل المواطن على خدمات محدَّدة عبر الإنترنت. ويمكن أن يكون هذا اقتراحاً مغرياً، خاصة في بلاد مثل ألمانيا، إذ تشتهر البيروقراطية بأنَّها مرهقة وبطيئة الحركة. و تقدِّم شركات التكنولوجيا الكبيرة مقايضة مماثلة، وبرغم أنَّها ليست منفتحة تماماً بشأن ما تحصده من بيانات، فإنَّ خدماتها جذَّابة بما يكفي لدرجة أنَّ مئات الملايين من الأشخاص يتخلون عن بياناتهم، حتى لو اشتكى بعضهم من ذلك. ويمكن للحكومات تحسين ممارسات شركات التكنولوجيا بجعلها أكثر شفافية بشأن ما تحصده ولماذا، ويمكنهم أيضاً التأكُّد من حصول الجهات الخارجية، أو حتى الوكالات الحكومية الأخرى، على موافقة صريحة من المواطن لكل محاولة وصول إلى أنواع معينة من البيانات.

استثمار الثقة

و أظهر المواطنون في كل مكان ثقة كبيرة بالحكومات أثناء الوباء، والتزمنا بقواعد شديدة التقييد، وتنازلنا عن حريات أكثر مما كنا نظن أنَّه يمكننا في وقت السلم. إذاً يجب على القادة السياسيين استخدام هذه الثقة لإصلاح أزمة البيانات التي تؤدي إلى تفاقم تداعيات الوباء. ويجب عليهم في النهاية التأكُّد من أنَّ قواعد البيانات الحكومية قابلة للتشغيل البيني، وأنَّ البيانات متاحة في الوقت الفعلي، أو على الأقل في الوقت المناسب، لصانعي القرار والمواطنين والباحثين. وإلا سينتهي الأمر بالحكومات بالتعامل مع حالة طوارئ "البجعة السوداء" التالية بطريقة خرقاء، كما تعاملت مع أزمة كوفيد.