رغم عدم إثبات فعاليته لعلاج "كوفيد".. شركات الأدوية تواصل حصد أرباح "إيفرمكتين"

تزايد الطلب على عقار "إيفرمكتين" بشكل كبير خلال العام الماضي
تزايد الطلب على عقار "إيفرمكتين" بشكل كبير خلال العام الماضي المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قبل الوباء، كانت شركة "تاج" للأدوية (Taj Pharmaceuticals) تشحن كميات ضئيلة من عقار "إيفرمكتين" (ivermectin) إلى روسيا للاستخدام البيطري. ولكن خلال العام الماضي، أصبح العقار منتجاً رائجاً لصانعة الأدوية الهندية، حيث بلغت مبيعات "تاج فارما" من النسخة المخصصة للاستخدام البشري من الدواء ما قيمته 5 ملايين دولار داخل الهند وخارجها منذ يوليو 2020، ما يعتبر بمثابة منجم ذهب بالنسبة لشركة صغيرة عائلية تبلغ إيراداتها السنوية نحو 66 مليون دولار.

ارتفعت مبيعات العقار، الذي تمت الموافقة عليه بشكل أساسي لعلاج الأمراض التي تسببها الطفيليات في الماشية والبشر، في جميع أنحاء العالم، وذلك في ظل الترويج له من قبل دعاة مكافحة اللقاحات وغيرهم باعتباره علاجاً لـ"كوفيد-19".

تصاعد "حرب الأفيون" بين سلاسل الصيدليات والمقاطعات الأمريكية

يزعم مؤيدو "إيفرمكتين" أنه يمكنه إنهاء الوباء، فقط إذا فتح أناس مثل الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، أعينهم على أهميته.

يقول شانتانو كومار سينغ (30 سنة) المدير التنفيذي لـ"تاج فارما": "نحن نعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لتلبية الطلب الضخم على العقار".

توزيع اللقاحات.. أزمة تجارية بعواقب صحيّة

تعد شركة صناعة العقاقير الدوائية، التي تملك ثمانية منشآت إنتاج في الهند، واحدة من بين عدد كبير من شركات الأدوية (العديد منهم في الدول النامية) التي تسعى للاستفادة من الشعبية المفاجئة لعقار "إيفرمكتين"، بدون أن تزعجهم التحذيرات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية وهيئة الغذاء والدواء الأمريكية التي تفيد بأن الدراسات السريرية لم تظهر دليلاً قاطعاً على فعالية الدواء ضد عدوى فيروس كورونا. كما لم تثنِ تلك النتائج، المصنعين غير العابئين عن زيادة عروض مبيعاتهم وزيادة الإنتاج.

طلب هائل

دخل عقار "إيفرمكتين" دائرة الضوء العام الماضي، بعد أن أشارت بعض الدراسات الأولية إلى أنه ينطوي على إمكانية علاج فيروس "كوفيد-19". وبعد حصول زعماء العالم، بمن فيهم الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو والمشاهير مثل جو روغان، على عقار "إيفرمكتين"، تعرض الأطباء في جميع أنحاء العالم لضغوط لوصفه كعلاج للفيروس المتفشي.

ومنذ انتهاء صلاحية تسجيل براءة الاختراع التي تملكها صانعة العقار الأصلية "ميرك آند كو" (Merck & Co) في عام 1996، كانت شركات إنتاج الأدوية النوعية الصغيرة مثل "تاج فارما" تصنّع "إيفرمكتين"، وهي اليوم أصبحت تمتلك حصة من الإمدادات العالمية للعقار.

من جهتها، كانت شركة "ميرك آند كو"، التي لا تزال تبيع "إيفرمكتين" تحت الاسم التجاري "ستروميكتول"، قد حذرت في فبراير من "عدم وجود دليل كافٍ" على فعاليته ضد "كوفيد".

غير أن كل هذه التحذيرات لم تثنِ الملايين من الأمريكيين عن الحصول على وصفات طبية للعقار من الأطباء المتوافقة آراؤهم على استخدام "إيفرمكتين" عبر مواقع التطبيب عن بُعد.

وقد ارتفعت الوصفات الطبية لمرضى العيادات الخارجية بأكثر من 24 ضعفاً عن مستويات ما قبل الجائحة بواقع 88 ألف وصفة طبية أسبوعياً، وذلك خلال الأسبوع المنتهي في 13 أغسطس.

حقيقة الادعاءات

في عام 2015، فاز ويليام كامبل وساتوشي أومورا، بجائزة نوبل لاكتشافهم "إيفرمكتين"، الذي عادة ما يستخدم لعلاج العدوى الناتجة عن الدودة الأسطوانية لدى البشر والماشية. ووفقاً للباحثين في "جامعة أكسفورد"، فقد أظهرت بعض الدراسات أن العقار يمكن أن يقلل الحمل الفيروسي لـ"كوفيد". لكن العديد من الدراسات التي أجريت حول جدوى "إيفرمكتين" في علاج مرضى "كوفيد" تعتبر صغيرة وتفتقر إلى استخلاص أدلة يمكن الأخذ بها، وذلك بحسب مراجعة حديثة أجرتها مجموعة "كوكرين" للأمراض المعدية المعنية بتقييم الممارسات الطبية.

من جهةٍ أخرى، حذر مسؤولو الصحة من أن الجرعات غير الصحيحة حتى لنسخة العقار المخصصة للاستخدام البشري يمكن أن تسبب الغثيان والدوار والنوبات المفاجئة والغيبوبة وحتى الوفاة في بعض الحالات. كما أفادت وسائل الإعلام المحلية في سنغافورة هذا الشهر عن رواية ضمن أحد المنشورات على موقع "فيسبوك"، ذكرت فيها كاتبتها أن والدتها تجنبت اللقاح وتناولت "إيفرمكتين" بدلاً من ذلك، بعد أن تأثرت بآراء بعض من أصدقائها الذين يرتادون كنيستها ذاتها، وهو ما نتج عنه إصابتها بمرض خطير.

مخاطر الاستخدام

وبالرغم من مخاوف السلامة وارتفاع حالات التسمم، إلا أن شعبية الدواء لم تتزعزع بين أولئك الذين يعتبرون الوباء بمثابة مؤامرة. أيضاً، أصبح "إيفرمكتين" هو العقار الأمثل في الدول الفقيرة، حيث يصعب الحصول على علاجات "كوفيد" وتصبح اللوائح التنظيمية أكثر تراخياً. وكونه متوفراً من دون وصفة طبية، فقد كان هناك إقبال شديد على العقار المثير للجدل خلال موجة المتحول "دلتا" التي اجتاحت الهند.

الصين تتهم الولايات المتحدة بتضخيم نظرية تسرّب فيروس كورونا من مختبر

وعملياً، فإن بعض شركات الأدوية تغذي الاهتمام بالعقار، حيث استقطبت "تاج فارما"، التي تقول إنها لا تقوم بتصدير "إيفرمكتين" إلى الولايات المتحدة، وإنه لا يشكل جزءاً كبيراً من أعمالها، المؤمنين بفعالية العقار، واستعانت بتصريحات تجارية على وسائل التواصل الاجتماعي مفادها أن صناعة اللقاحات تتآمر بنشاط ضد الدواء.

وكان قد تم تعليق حساب "تويتر" الخاص بالشركة لفترة وجيزة بعد الترويج للدواء بوسوم مثل (إيفرمكتين يعمل).

أما في إندونيسيا، فقد بدأت الحكومة تجربة سريرية، في يونيو، بغرض اختبار فعالية "إيفرمكتين" ضد "كوفيد". وفي الشهر نفسه، بدأت شركة "إندوفارما" (Indofarma) المملوكة للدولة في إنتاج نسخة من الدواء. ومنذ ذلك الحين، قامت شركة الأدوية الإندونيسية بتوزيع أكثر من 334 ألف زجاجة تحوي حبوب العقار على الصيدليات في جميع أنحاء البلاد.

يقول وارجوكو سومدي، سكرتير الشركة: "نقوم بتسويق "إيفرمكتين" بما يتماشى مع وظيفته الرئيسية كدواء مضاد للطفيليات"، مضيفاً أن بعض التقارير المنشورة تقول إن العقار فعال ضد كورونا. وقال سومدي: "استخدامه كعلاج لمرض آخر هو أمر من اختصاص الأطباء الذين يقومون بوصفه".

وحتى الآن، يعتبر حجم أعمال "إيفرمكتين" صغير بالنسبة لشركة "إندوفارما"، التي بلغ إجمالي إيراداتها 1.7 تريليون روبية (120 مليون دولار) العام الماضي. بينما حقق لها العقار 36 مليار روبية خلال الأشهر الأربعة منذ بدء إنتاجه. من جانبها، ترى الشركة المزيد من الإمكانات، ما جعلها تستعد لطرح علامتها التجارية الخاصة بعقار "إيفرمكتين" تحت اسم "إيفركوف 12"، بحلول نهاية العام.

تسابق على الأرباح

أيضاً، باعت شركة الأدوية البرازيلية "فيتاميديك للصناعات الدوائية" (Vitamedic) ما قيمته 470 مليون ريال (85 مليون دولار) من عقار "إيفرمكتين" خلال العام الماضي، ارتفاعاً من 15.7 مليون ريال في 2019. وقال مدير "فيتاميديك"، جايلتون باتيستا، في 11 أغسطس أثناء الإدلاء بشهادته أمام المشرعين البرازيليين الذين يحققون في طريقة تعامل الحكومة مع الوباء، إن الشركة أنفقت 717 ألف ريال على الإعلانات التي تروج لـ"إيفرمكتين" كعلاج مبكر ضد "كوفيد". هذا، ولم ترد الشركة على طلبات التعليق على الأمر.

إلى ذلك، يبحث البعض عن بديل العقار البيطري في الدول التي يوجد بها نقص في "إيفرمكتين" المخصص للاستخدام البشري، أو تلك التي لا يمكن للناس فيها الحصول على الوصفات الطبية للدواء، مما قد يشكل تهديداً لحدوث آثار جانبية خطيرة.

وكانت شركة "أفريفيت بيزنس مانجمنت" (Afrivet)، وهي شركة كبرى لتصنيع الأدوية البيطرية في جنوب أفريقيا، قد شهدت ارتفاع سعر منتجها من "إيفرمكتين" في منافذ البيع بالتجزئة في البلاد بمقدار عشرة أضعاف، بواقع ما يقرب من ألف راند (66 دولاراً) لكل 10 ملليلتر، وكما يقول الرئيس التنفيذي للشركة الجنوب أفريقية، بيتر أوبيرم:

قد يكون العقار فعالاً ضد "كوفيد" أو لا، لكن الناس يشعرون باليأس

يذكر أن مخزون الشركة، التي تستورد المكون الصيدلاني الفعال للدواء من الصين، كان قد نفد في بعض الفترات.

من جانبه، استبعد المجلس الهندي للأبحاث الطبية "إيفرمكتين" من إرشاداته السريرية لعلاج "كوفيد" لدى البالغين في سبتمبر. ومع ذلك، فإن عدداً من شركات الدواء الهندية (التي تنتج نحو ربع الأدوية العامة منخفضة التكلفة حول العالم) تسوّق "إيفرمكتين" كدواء لعلاج "كوفيد"، بما في ذلك واحدة من أكبر تلك الشركات، وهي "سن للصناعات الدوائية" (Sun)، فضلاً عن شركة "إمكيور للأدوية" (Emcure) في مدينة بيون الهندية، المدعومة من شركة الاستثمار الأمريكية "بين كابيتال" (Bain).

من جهتها، قالت شركة "باجاج للرعاية الصحية" (Bajaj) في إيداع ملفاتها بتاريخ 6 مايو إنها ستطرح علامة تجارية جديدة لـ"إيفرمكتين"، تحت اسم "إيفيجاج"، وقال أنيل جين، المدير العام بالشراكة في "باجاج"، إن ذلك سيساعد في تحسين صحة مرضى "كوفيد" ويوفر لهم "خيار العلاج في الوقت المناسب". وبينما رفض المتحدثون الرسميون بأسماء شركات "سن فارما" و"إمكيور" التعليق على الأمر، لم ترد "باجاج" ولا "بين كابيتال" على طلبات التعليق كذلك.

"شيونوغي" اليابانية تتوقع مبيعات بـ2 مليار دولار من الأقراص المضادة لفيروس كورونا

رأي الخبراء

ووفقاً لشيتال سابالي، مديرة قسم التسويق في شركة "فارماسوفت تك" (Pharmasofttech )، فقد تضاعفت مبيعات منتجات "إيفرمكتين" في الهند، خلال العام الجاري، بثلاث مرات حتى أغسطس الماضي، لتصل إلى 3.87 مليار روبية (51 مليون دولار) مقارنة بفترة الاثني عشر شهراً السابقة. وقالت سابالي: "دخلت العديد من الشركات السوق لاغتنام هذه الفرصة واستفادت منها إلى أقصى حد. وبالنظر إلى انخفاض حالات الإصابة بـ "كوفيد" بشكل كبير، فقد لا يُنظر إلى هذا الأمر على أنه توجه طويل الأجل".

أما كارلوس شكور، أستاذ الأبحاث المساعد في "معهد برشلونة للصحة العالمية"، والذي درس فعالية "إيفرمكتين" في مكافحة الملاريا، فقال إنه في حين تروج بعض الشركات بنشاط لإساءة استخدام الدواء، فقد التزم العديد منها الصمت. وتابع: "هناك أشخاص قاموا بالترويج في هذه السوق المنتعشة دون قيود، واستغلوا ذلك الوضع للحصول على بعض الأرباح".

دليل الأفراد لتقييم مخاطر كوفيد

من ناحيتها، لم تقم شركة الأدوية البلغارية "هوفيفارما" (Huvepharma)، التي تمتلك أيضاً مصانع في فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، ببيع "إيفرمكتين" المخصص للاستهلاك البشري في موطنها حتى 15 يناير. حينئذ، حصلت "هوفيفارما" على موافقة الحكومة لتسجيل الدواء، ولكن ليس كعلاج لـ"كوفيد" وإنما لداء الأسطوانيات (الديدان الخيطية)، وهي عدوى نادرة تسببها أنواع من الديدان، وذلك بالرغم من عدم وجود حالات إصابة حديثة بهذا الداء في بلغاريا.

مع ذلك، فقد ساعدت الموافقة الشركة، التي تتخذ من العاصمة صوفيا مقراً لها، في جلب "إيفرمكتين" إلى الصيدليات، حيث يمكن للناس شراؤه كعلاج غير مصرح به لـ"كوفيد" يصرف بناءً على وصفة طبية. ولم تستجب "هوفيفارما" لطلبات التعليق.

دور الأطباء

وبحسب ماريا هيلين جريس بيريز فلورنتينو، المستشارة التسويقية والطبية لشركة "أبحاث دكتور زين" (Dr. Zen’s)، الذراع التسويقية لمجموعة "لويد" (Lloyd) في العاصمة مانيلا، والتي كانت قد بدأت في توزيع "إيفرمكتين" محلي الصنع في مايو، فإنه يتعين على صانعي الأدوية الاعتراف بأن بعض الأطباء سيستخدمون منتجاتهم بطرق غير مصرح بها، حتى عندما تكافح الحكومات استخدام "إيفرمكتين".

وفي هذا الإطار، عقدت شركة "دكتور زين" مؤتمرين للأطباء الفلبينيين عبر الإنترنت لمناقشة استخدام العقار، وقد شارك في كلا المؤتمرين متحدثون من الخارج، وقدموا معلومات حول الجرعة والآثار الجانبية لـ"إيفرمكتين". الأمر الذي وصفته بيريز فلورنتينو بكونه إجراءً عملياً حيث قالت: "إننا نتحدث إلى الأطباء المنفتحين على استخدام "إيفرمكتين". ونجمع المعلومات المعرفية حول المنتج وآثاره الجانبية والجرعة المناسبة، ونبلغهم بذلك".

وشأنهم شأن شركة "ميرك آند كو"، اتسم بعض صانعي الدواء بالصراحة في تحذيراتهم من إساءة استخدام "إيفرمكتين". ويشمل ذلك شركة "بيميدا" (Bimeda) الأيرلندية و"دورفيت" (Durvet)، ومقرها ميزوري في الولايات المتحدة، و"بوهرينغير" (Boehringer) الألمانية. لكن البعض الآخر، مثل "تاج فارما"، التي نشرت مقالات تروج لعقار "إيفرمكتين" على موقعها على الإنترنت، كان أقل تردداً بشأن الربط بينه وبين "كوفيد". يقول سينغ من "تاج فارما" إن الشركة تتصرف بمسؤولية: "لا ندعي أن العقار له أي تأثير على "كوفيد". فنحن لا نعرف حقاً ما الذي سينجح في علاج الفيروس".

غير أن عدم اليقين هذا لم يمنع الشركة الهندية من الترويج للعقار مرة أخرى على "تويتر"، حين استعادت حسابها. حيث نشرت في التاسع من أكتوبر الحالي تغريدة تروج فيها لمجموعة سمتها "عدة الأمان من تاج"، وهي تضم حبوب "إيفرمكتين" مع زنك ودواء "دوكسيسايكلين"، وأرفقت التغريدة بوسم (أدوية كوفيد).