الولايات المتحدة لا يمكنها مواصلة التهرب من قضية التجارة في آسيا

الولايات المتحدة تأمل في حشد الحلفاء لتأمين سلاسل التوريد
الولايات المتحدة تأمل في حشد الحلفاء لتأمين سلاسل التوريد المصدر: بلومبرغ
محررو بلومبرغ
محررو بلومبرغ

الهيئة التحريرية في (رأي بلومبرغ)

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

انتهت أول زيارة رسمية لوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى جنوب شرق آسيا بإعلان محبط، حيث اختُتمت بعد إصابة أحد أفراد حاشيته بـكورونا. لكن الأمر الأكثر إحباطاً للآمال لم يكن الطريقة التي غادر بها وزير الخارجية الأمريكية المنطقة، وإنما ما لم يقله أثناء تواجده هناك.

لقد أمضى بلينكن وقتاً طويلاً في الحديث عن أولويات الولايات المتحدة في آسيا، من أنشطة الصين في بحر الصين الجنوبي إلى الانقلاب في ميانمار. لكنه تجنب، بشكل عام، الحديث عن الموضوع الذي يفضل القادة المحليون مناقشته، ألا وهو التجارة. أيضاً، لا تزال تفاصيل "إطار العمل الاقتصادي لمنطقة الهندي- الهادئ"، الذي روج له في خطاب ألقاه في جاكرتا، يوم الثلاثاء، غامضة لدرجة تثير الغضب.

تشير القليل من البوادر التي اتضحت بشأن ذلك الإطار منذ قيام الرئيس جو بايدن بطرح الفكرة لأول مرة، في أكتوبر، إلى أن الولايات المتحدة تأمل في حشد الحلفاء لتأمين سلاسل التوريد، وتعزيز ضوابط التصدير، وصياغة قوانين ومعايير فنية لمواجهة الصين. وبصورة مفهومة، تخشى الدول الآسيوية من أن المسعى برمته يهدف إلى صرف الانتباه عن عدم رغبة الإدارة أو عدم قدرتها على توفير وصول أكبر لسلعها إلى السوق الأمريكية.

استراتيجية تعوزها الحكمة

لكن مراوغة كهذه من شأنها أن تشكل استراتيجية تعوزها الحكمة بشكل كبير. فمنذ تولي بايدن منصبه، استعادت الولايات المتحدة الكثير من النفوذ الذي خسرته لصالح الصين في المنطقة، وذلك من حيث تعزيز العلاقات الأمنية مع الحلفاء والشركاء، واستعادة دورها في المبادرات الدبلوماسية بشأن قضايا تتراوح بين اللقاحات والمناخ، وكذلك الثقة في القيادة الأمريكية. لكن، في الوقت نفسه، لا تزال الإدارة الجديدة متخلفة بشدة فيما يتعلق بتدابير المشاركة الاقتصادية، إذ يبلغ حجم التجارة بين الصين وبقية دول المنطقة ثلاثة أضعاف حجم التجارة الأمريكية مع الدول ذاتها، بل إن الدبلوماسية الصينية لبكين تفوقت، بشكل كبير، على واشنطن. وقد قدرت الأمم المتحدة، هذا الأسبوع، أن الصين ستكون واحدة من أكبر المستفيدين من زيادة التجارة البينية الإقليمية بمجرد دخول اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة حيز التنفيذ العام المقبل.

حتى أن الصين تقدمت بطلب للانضمام إلى اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، والتي خلفت اتفاقية كانت قد تفاوضت عليها إدارة أوباما لاستعادة الريادة الاقتصادية للولايات المتحدة في المنطقة إلى حد كبير. من جهةٍ أخرى، لدى الأعضاء الحاليين، وخاصة حلفاء الولايات المتحدة مثل اليابان وأستراليا، الكثير من الأسباب للتساؤل عما إذا كانت الصين ستلتزم بروح الاتفاقية والمعايير العالية التي تنطوي عليها. ولكن، بالنظر إلى المكاسب الاقتصادية المحتملة، ستتعرض تلك الدول لضغوط شديدة إذا واصلت معارضة انضمام الصين بصورة دائمة، وذلك حال امتناع الولايات المتحدة عن تقديم أي بديل.

المسار الأكثر تفضيلاً

وعليه، فإن المسار الواضح- والأكثر تفضيلاً من قبل شركاء أمريكا في المنطقة- هو أن تنضم الولايات المتحدة إلى اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ. وفي حين أن مسؤولي الإدارة قد يكونون محقين في افتراض أن انقلاب الولايات المتحدة على أعقابها بهذا الشكل يعد بمثابة مخاطرة سياسية قبل الانتخابات النصفية، إلا أنه لا ينبغي لهم استبعاد ذلك الاحتمال بشكل كامل. فقضية التجارة تحظى بدعم أوسع بين عامة المواطنين عنها بين الدوائر الديمقراطية الرئيسية. وإذا ما أقر الكونغرس مشروع قانون "إعادة البناء بشكل أفضل" الذي اقترحه بايدن، فيمكنه أن يدعي بمصداقية أنه أوفى بوعده بتوظيف العمال الأمريكيين قبل توقيع أي صفقات تجارية. أيضاً، من الناحية النظرية، ينبغي أن يكون صقور الصين من الجمهوريين داعمين لتلك الاتفاقية.

حتى أن سلف بايدن طور نموذجاً لإبرام الاتفاقيات، والذي يبدأ بالإعلان عن الصفقة القائمة بينما يشوبها بعض أوجه القصور، ثم التفاوض لاحقاً على بعض التغييرات الرئيسية، وأخيراً، إعلان النصر. على سبيل المثال، قد تساعد استعارة بعض الإجراءات الحمائية العمالية والبيئية الأكثر صرامة من اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA)، على الأقل، في تبديد بعض مخاوف التقدميين، فضلاً عن أن الاتفاقية لم تعد تتضمن بعض أحكام الملكية الفكرية، التي عارضوها سابقاً. كذلك، يمكن أن تساعد إضافة بند خاص بالمناخ في تعزيز السلع والخدمات الخضراء.

تعطيل العرض الصيني

من ثم، فإن مجرد الإشارة إلى الاهتمام بإعادة الانضمام إلى الاتفاقية قد يشجع حلفاء الولايات المتحدة على تعطيل العرض الصيني على الأقل. وحتى إذا أثبتت تلك البادرة كونها محفوفة للغاية بالمخاطر السياسية، فستكون الإدارة الأمريكية بحاجة إلى التأكد من تضمين "إطار العمل" الخاص بها بعض الزيادة القابلة للقياس في إتاحة الوصول إلى الأسواق الأمريكية، وألا يتم عرض ذلك فقط كوسيلة لاحتواء بكين. قد يكون الخيار الأفضل للإدارة هو تضمين بند قوي يختص بقواعد التجارة الرقمية استناداً إلى الاتفاقية القائمة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، والتركيز بشكل أساسي على إجراءات تسهيل التجارة عبر الحدود، بما في ذلك إتمامها عبر رقمنة الوثائق والمدفوعات الجمركية، والتي من شأنها مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة بشكل كبير.

إن احترام بايدن لشركاء الولايات المتحدة في آسيا واهتمامه بالعمال الأمريكيين تعد مواقف جديرة بالثناء. لكن على الرئيس الأمريكي أن يعي أن انتهاج سياسة تجارية أكثر انفتاحاً، ومصممة بشكل صحيح، ستفيد الطرفين كليهما.