سلاح النفط قد يكون أكثر فاعلية لروسيا من الغاز

فلاديمير بوتين
فلاديمير بوتين المصدر: غيتي إيمجز
Meghan L. O'Sullivan
Meghan L. O'Sullivan

Meghan L. O’Sullivan is a Bloomberg Opinion columnist. She is a professor of international affairs at Harvard’s Kennedy School, the North American chair of the Trilateral Commission, and a member of the board of directors of the Council on Foreign Relations and the board of Raytheon Technologies Corp. She served on the National Security Council from 2004 to 2007.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يمكن أن يؤدي العمل العسكري الروسي في أوكرانيا إلى أزمة طاقة أكثر حدة من الأزمة التي تضرب أوروبا حالياً. فكما ذكر سابقاً، إذا ردّ الغرب على روسيا بعقوبات قاسية جديدة، قد يقطع الرئيس فلاديمير بوتين صادرات الغاز الطبيعي، تاركاً القارة ترتجف في منتصف الشتاء. لكن، هناك سلاح محتمل آخر من الأسلحة الروسية لم يتم الحديث عنه كثيراً، وقد يكون فعالاً للغاية: القدرة على تعطيل أسواق النفط العالمية، ما من شأنه إلحاق الضرر بالمستهلكين الأمريكيين بشكل مباشر.

اقرأ أيضاً: قطر لن تستطيع نجدة أوروبا إن تعطل تدفق الغاز الروسي

ليس هناك شك في أن تأثير روسيا على صادرات الغاز الطبيعي إلى أوروبا يعطي بوتين سبباً للاعتقاد بأن بإمكانه تجنب العقوبة القاسية التي سيواجهها إذا قام بغزو أوكرانيا، أو بذل جهود كبيرة لزعزعة استقرار حكومة كييف. ورغم حديث إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن إيجاد إمدادات لأوروبا من أماكن أخرى، فإنه وببساطة، لا يوجد ما يكفي من الغاز الطبيعي غير المتعاقد عليه في النظام العالمي، الذي يمكن إعادة توجيهه إلى أوروبا بسعر معقول. إذ لا يمكن أن يتدفق الغاز الطبيعي سوى عبر الأنابيب فقط، حيث تستقبله البنية التحتية القائمة فعلاً.

اقرأ المزيد: المطلوب من واشنطن عزل روسيا عن شبكة "سويفت"

هناك أيضاً مسألة القيود على الغاز الطبيعي المسال، الذي يمكن إعادة توجيهه بسهولة أكبر باستخدام سفن الحاويات: فاعتباراً من عام 2020، كانت 60% من تجارة الغاز الطبيعي المسال تحكمها عقود متوسطة وطويلة الأجل. حتى لو نجحت أوروبا في جلب تجارة الغاز الطبيعي المسال الحالية في السوق الفورية إلى صالحها، فإن ذلك يعني أنه سيتوجب عليها دفع أسعار مرتفعة للغاية في حرب العطاءات مع العملاء الآسيويين وغيرهم.

اقرأ أيضاً: انهيار الروبل وحده لن يثني بوتين عن خططه في أوكرانيا

العلاقات الروسية الأوروبية

مع ذلك، فإن قطع إمدادات الغاز له بعض الجوانب السلبية الملحوظة بالنسبة إلى بوتين. أولاً، من شأنه أن يضر إلى الأبد بعلاقة روسيا مع الأوروبيين. لن يكونوا قادرين بعد الآن على المجادلة -مثلما عبّر الأمريكيون عن عدم رضاهم بشأن الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي- بأن "غازبروم"، الشركة الروسية العملاقة المملوكة للدولة، "كانت لعقود مورداً موثوقاً به". حتى بعد هذه الأزمة الاستثنائية، لن تكون هناك عودة إلى الوضع الراهن. وكما قال مفوض المناخ في الاتحاد الأوروبي، فرانس تيمرمانز، لوزراء الطاقة والبيئة في الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، "إذا كنا نريد حقاً التوقف عن جعل بوتين ثرياً للغاية على المدى الطويل، فعلينا الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، ونحتاج إلى القيام بذلك بسرعة".

كلفة تغيير الوجهات

بالإضافة إلى ذلك، يعتبر استهلاك أوروبا من الغاز الروسي أمراً رئيسياً لاقتصاد بوتين. في عام 2021، شكل الغاز الطبيعي الروسي ما يقرب من 13% من إجمالي صادرات روسيا، إذ أودع ما يقرب من 62 مليار دولار في خزائن الكرملين. وبينما كانت روسيا تتطلع إلى تحويل غازها الطبيعي إلى أسواق أخرى، يتم نقل الغالبية العظمى منه عبر خطوط أنابيب تتدفق من الشرق إلى الغرب، لذا فإن إعادة توجيهه إلى الأسواق الأكثر تعطشاً مثل الهند أو الصين سيكون مكلفاً للغاية، ومن الناحية اللوجستية شبه مستحيل على المدى القصير والمتوسط.

علاوة على ذلك، فإنه في الوقت الذي قد تتسبب فيه تصرفات روسيا بارتفاع كبير في أسعار الغاز الطبيعي، فإن الخزينة الروسية لن تستفيد بشكل كبير. فعدم القدرة على إعادة توجيه معظم الغاز إلى أسواق أخرى، يعني أن بإمكان روسيا من خلال الأسعار المرتفعة تعويض جزء متواضع فقط من الإيرادات المفقودة بسبب انخفاض المبيعات. ومن المفارقات، أن قطع الغاز الطبيعي الروسي عن أوروبا يمكن أن يفيد مصدري الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، من خلال توفير إمكانية وصول جديدة للمستهلكين في القارة.

الرد في سوق النفط

بالنظر إلى هذه المخاطر المحتملة، قد تجد روسيا في أسواق النفط مكاناً أكثر منطقية للرد. فالسوق العالمي للنفط ضيق للغاية في الوقت الحالي، ويتضح ذلك من خلال ارتفاع أسعار النفط حتى خلال شعور الاقتصاد بثقل متحور "أوميكرون". (لاحظ أن صندوق النقد الدولي قد عدل توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي في عام 2022 وخفضها بمقدار 0.5%). يمكن لروسيا أن ترفع الأسعار العالمية من جانب واحد، إذا خفضت إنتاجها النفطي الحالي البالغ 10 ملايين برميل يومياً، حتى ولو كان ذلك بكمية صغيرة نسبياً.

سيؤثر ارتفاع أسعار النفط بشكل مباشر على الولايات المتحدة - وإدارة بايدن حساسة تجاه أسعار البنزين بشكل يسهل تفهمه. ورغم أنه ما من شك في وجود ضغوط قوية على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لإنتاج المزيد من النفط على الفور، إلا أنه ليس من الواضح تماماً كيف سيستجيب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمثل هذه المناشدات، لا سيما بالنظر إلى عدم رغبة بايدن في التحدث معه منذ وصوله إلى البيت الأبيض.

الإنتاج ومحدودية الاستثمار

علاوة على ذلك، حتى إذا استجابت المملكة العربية السعودية من خلال زيادة إنتاجها، فإن هذه الخطوة يمكن أن تستنفذ فعلياً السعة الفائضة الموجودة حالياً - القدرة على جلب المزيد من النفط إلى السوق بسرعة - في النظام العالمي. وتتوتر الأسواق عندما تتقلص الطاقة الإنتاجية الفائضة أو تختفي؛ على الرغم من أن الأرقام الدقيقة غير معروفة، إلا أن وكالة الطاقة الدولية وآخرين يعتقدون بأن الطاقة الإنتاجية الفائضة في العالم تتضاءل وسط محدودية الاستثمار. وعند نقطة معينة، يمكن أن يؤدي استغلال السعة الفائضة الحالية إلى رفع الأسعار بقدر ما يؤدي إلى خفضها.

أخيراً، اعتماداً على مقدار تقليص موسكو لإنتاجها النفطي ورد فعل المنتجين الآخرين، قد تقلص روسيا حتى إمدادات النفط العالمية لتصبح محايدة من حيث الإيرادات. وبالنظر إلى عدم مرونة الطلب على النفط، فإن أي تحرك حاد مفاجئ لخفض العرض، يمكن أن يرفع الأسعار إلى المستوى الذي تجلب فيه روسيا المزيد من الأموال من خلال انخفاض الصادرات.

الثمن الروسي

بالطبع، وكما هو الحال مع قطع الغاز الطبيعي عن أوروبا، لن يكون العبث بأسواق النفط من دون ثمن على روسيا. فكما ذكّرني دان يرغين، مؤلف كتاب "الجائزة: ملحمة البحث عن النفط والمال والسلطة" الحائز على "جائزة بوليتزر"، عندما قال "على المرء أن يتذكر أن روسيا تجني أموالاً من صادراتها النفطية أكثر بكثير مما تجني من الغاز". إن الارتفاع الحاد في أسعار النفط من شأنه أن يثير استياء الصين، ما يجهد دعم بكين للجهود الروسية لإعادة كتابة قواعد النظام الدولي، بدءاً من الهيكل الأمني الأوروبي.

قد يؤدي اللعب بورقة النفط أيضاً إلى حدوث خلاف كبير بين روسيا والمملكة العربية السعودية -على الرغم من أن ذلك لن يكون مفاجئاً لدول الخليج، التي تتذكر انسحاب روسيا المتسرع وغير المدروس من اتفاقية "أوبك+" في مارس 2020، تماماً عندما بدأ وباء "كوفيد" بإنهاك الطلب العالمي على النفط. لهذه الأسباب، قد ترتب روسيا استراتيجية انتقامية عبر النفط، مدعية وقوع انفجار في خط أنابيب أو كارثة بيئية. إذ يُزعم أن روسيا قلصت من صادراتها النفطية في ظل ظروف غامضة في الماضي.

يظل تقليص تدفقات الغاز الطبيعي إلى أوروبا هو نقطة النفوذ الأكثر وضوحاً لروسيا في تجنب عقوبات أشد. لكن لا شك في أن بوتين فكر في خياراته من حيث صلتها بالنفط أيضاً. يحتاج صانعو السياسة الغربيون إلى التركيز على الاستجابة بسرعة لإحدى هاتين الحالتين الطارئتين، أو لكليهما. وهذا يعني زيادة استخدام احتياطي البترول الاستراتيجي للولايات المتحدة، والتنسيق مع الحلفاء والدول المستهلكة الأخرى حول ما الذي يجب فعله عندما تتصرف (أو إذا تحركت) روسيا، وإقناع المملكة العربية السعودية بأن العالم بحاجة إليها لتلعب دورها طويل الأمد في تهدئة الأسواق أثناء النزاعات العالمية.