كيف تتفادى أوروبا مخاطر عمليات شراء تعويضات الكربون؟

تسعى أوروبا لتسريع جهودها للتخلص من ثاني أكسيد الكربون من أجل مكافحة التغير المناخي
تسعى أوروبا لتسريع جهودها للتخلص من ثاني أكسيد الكربون من أجل مكافحة التغير المناخي المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ترغب أوروبا في أن تصبح الرائدة على مستوى العالم في التخلص من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء. لكن قبل أن تستطيع فعل ذلك، سيتطلب الأمر وضع معايير متينة وآليات سوق ذكية.

يعد تحدي التخلص من الكربون مسألة ملحة.

أولاً، توجد عقبة تتعلق بالحجم. يسعي الاتحاد الأوروبي إلى التقاط وتخزين ما يصل إلى 5 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام مع حلول سنة 2030 باستعمال تكنولوجيا الانبعاثات السلبية و40 مليون طن أخرى من خلال الأساليب الطبيعية (بما يتخطى 270 مليون طن ملتقطة عبر مصارف الأرض والغابات اليوم) .

يعد ذلك جزءاً ضئيلاً فقط من مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون التي يلقي بها البشر في الغلاف الجوي كل سنة.

بيل غيتس يستثمر في شركة ناشئة لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء

بيد أنه من المهم أن تنطلق من موقع ما. أثبتت دراسة منشورة السنة الماضية في مجلة "نيتشر كوميونيكشنز" أن الإخفاق في تعظيم سوق إزالة الكربون خلال العقد الحالي من الزمان ربما يعني مبلغاً يصل إلى 190 مليار يورو (217 مليار دولار) من الإنفاق السنوي الإضافي من أجل اللحاق بالركب خلال أعوام تالية.

ثم تأتي معضلة تحديد الاختيار بين الأساليب المختلفة للتخلص من الكربون.

حلول طبيعية

تشمل الحلول المعتمدة على العوامل الطبيعة، نمو الغابات والجمع بين الزراعة الدورية واستزراع الغابات واستعادة أراضي المستنقعات وتغيير الممارسات الزراعية لالتقاط كربون أكثر. تعتبر هذه الوسائل ناضجة واقتصادية وجاهزة للتوسع، ومن الممكن أن توفر أيضاً فوائد أخرى على غرار زيادة التنوع البيولوجي. بيد أن الأشجار والأراضي ليست سوى مخازن مؤقتة للكربون حيث إنه من الممكن أن تتحلل التربة ومن الممكن أن تشتعل الحرائق بالغابات.

غولدمان ساكس: التحول نحو صفر انبعاثات كربونية يزيد التضخم

في الوقت نفسه، من الممكن أن تتضمن الخيارات التكنولوجية استعمال الآلات لترشيح ثاني أكسيد الكربون من الهواء بطريقة انتقائية، أو حرق الأخشاب في محطات توليد الطاقة، ثم دفن الكربون الناتج عن الحرق تحت الأرض، أو استعمال المعادن المكسرة من أجل تحسين صحة التربة في فترة حبس الغازات المسببة للاحتباس الحراري. تبقى تلك الخيارات حديثة ومرتفعة التكلفة، لكن دفن ثاني أكسيد الكربون فقط في أعماق الأرض، من الممكن أن يستمر عبر آلاف السنين.

يعتبر تنوع المسارات المتوفرة والامتدادات المتباينة التي تبقى على الكربون من خلالها خارج الهواء كابوساً بالنسبة لبناء معايير متينة. يعتقد داني كولينوارد، مدير السياسات في منظمة "كاربون بلان" غير الهادفة للربح أن ذلك يأتي بطريقة استثنائية نظراً لأنه ليس هناك في الوقت الراهن بروتوكولات جيدة للتخلص من الكربون عبر الأنشطة الزراعية أو استزراع الغابات، وهي الأسلوب الأكثر انتشاراً.

إنفوغراف.. ماكدونالدز تتسبب في انبعاثات كربونية تزيد عن بلجيكا

يرغب الاتحاد الأوروبي في معالجة ذلك الأمر. قال رئيس المناخ في التكتل الأوروبي، فرانس تيمرمانز، خلال مؤتمر عقد الأسبوع الماضي: "نحتاج إلى فعل أمر ما سريعاً". تابع: "يتعين أن تتسم عملية المساءلة بالمصداقية".

مخاطر التوسع سريعاً

في حال ذهب الاتحاد الأوروبي سريعاً بطريقة كبيرة نحو التوسع، فإن كولينورد يخشى أنه ربما يستعمل في نهاية الأمر منهجية موجودة ربما يسفر عنها أنواع من المشكلات التي يتعرض لها سوق الكربون الطوعي في الوقت الراهن، حيث يؤدي وجود معايير ضعيفة إلى إخفاق في تحقيق التعهدات المناخية. قال: "ستحوز سباقاً نحو القاع".

في حال وجود إمكانية لوضع بروتوكول جيد، فإن كولينورد يشعر بالقلق من تواجد لخطر إنفاق مبالغ إضافية. تسدد الشركات في أوروبا في الوقت الحالي ما يصل إلى 100 يورو لكل طن من انبعاث الكربون. ورغم ذلك، ستكون تعويضات الكربون عالية التكامل المعتمدة على أمور طبيعية على الأرجح أقل تكلفة بكثير، وربما أقل من 50 يورو للطن.

أزمة الطاقة في أوروبا ترفع أسعار الكربون إلى أكثر من 70 يورو لأول مرة

يظن كولينوارد أنه ربما يوجد أسلوب لتحقيق التوازن بين الحجم والسعر. من الممكن أن يستنسخ الاتحاد الأوروبي ما تقوم به شركة الدفع "ستريب" (Stripe Inc.). هناك إمكانية متاحة للعملاء تسمح باختيار إضافة مبلغ صغير إلى المعاملات باستعمال تكنولوجيا شركة "ستريب" التي تجمع ملايين الدولارات سنوياً. تستعمل شركة "ستريب" تلك الأموال في تدعيم الشركات الناشئة الحديثة في مجال التخلص من الكربون من خلال الدفع لهم في مقابل التقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء.

توفر بعض من تلك الشركات الناشئة عملية التخلص من الكربون بمقابل يبلغ 200 دولار للطن في حين يحصل البعض الآخر على حوالي 2000 دولار للطن. في حال اهتمت شركة "ستريب" فقط بعدد الأطنان من ثاني أكسيد الكربون التي يمكن التخلص منها، فإن الشركة التي تعرض أرخص الأسعار ستستحوذ على كافة أموالها. لكن في ظل تحديد هدف أساسي بالنسبة لشركة "ستريب" يتمثل في تقديم الدعم لأكبر عدد ممكن من تكنولوجيات التخلص من الكربون، فإنها توجه أموالها لدعم شركات ناشئة عديدة.

وعاء التخلص من الكربون

بحسب كولينوارد فإن تنفيذ نموذج "ستريب" يظهر من خلال برنامج التخلص من الكربون في الاتحاد الأوروبي أمراً كما يلي: ينظم الاتحاد الأوروبي مزادات لعدد محدد من الائتمانات في برنامج نظام تجارة الانبعاثات (ETS) لجمع الأموال لصالح "وعاء التخلص من الكربون".

ثم يستعمل هذه الأموال للوصول للمشروعات مرتفعة الجودة التي تضمن التخلص من ثاني أكسيد الكربون بطريقة من الممكن التحقق منها وتقوم بتخزينه لأطول مدة زمنية ممكنة. ربما تنفذ معايير أخرى، على غرار ضمان إنفاق الأموال على أنواع متباينة من الحلول ولدى أكبر عدد ممكن من الدول الأعضاء.

في حال اشترى الاتحاد الأوروبي الكربون الذي جرى التخلص منه عبر خليط من الحلول قليلة التكلفة المعتمدة على عوامل طبيعية والخيارات المعتمدة على التكنولوجيا مرتفعة التكلفة، ربما يجري شراء ثاني أكسيد الكربون أكثر في نهاية الأمر من الائتمانات التي بيعت عبر المزاد في برنامج نظام تجارة الانبعاثات. ما يعد أكثر أهمية من ذلك هو أنه أزال فعلاً ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتفادى التعويضات التي لا طائل منها.

توجد نسخة من الفكرة حازت فعلياً تأييد فيل نينيستو، العضو الفنلندي في البرلمان الأوروبي، والذي يعد مسؤولاً عن قيادة تمرير تشريع التخلص من الكربون.

واقعياً، يوجد لديه اعتقاد بأنه في الإمكان أن يكون لدى الاتحاد الأوروبي طموح أكبر. يرغب نينيستو في جعل المستهدف للتخلص من الكربون الإضافي المعتمد على العوامل الطبيعة للتكتل الأوروبي 220 مليون طن مع حلول نهاية العقد الحالي من الزمان (بجانب ما يتحقق فعلياً من خلال المصارف الطبيعية المتواجدة حالياً)، ويحض على استعمال 5% من الإيرادات التي حققها برنامج نظام تجارة الانبعاثات لتدعيم عملية إدارة الأراضي.