الناخبون الأمريكيون ضاقوا ذرعاً بقيود "كوفيد" وهم ينقلبون ضد بايدن والديمقراطيين

الأمريكيون يتفقون على رغبتهم بالتعايش مع كوفيد باعتباره مرضاً مستوطناً
الأمريكيون يتفقون على رغبتهم بالتعايش مع كوفيد باعتباره مرضاً مستوطناً المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بالتزامن مع انحسار موجة "أوميكرون" عبر الولايات المتحدة، يتزايد إحباط الأمريكيين من عمليات الإغلاق والقيود الوبائية.

على اختلاف شرائح المجتمع الأمريكي، الملقحين وغير الملقحين منهم، جمهوريون كانوا أو ديمقراطيون، سكان مدن وحتى أقاربهم في الأرياف، فإن أعداداً متزايدة منهم تميل لفكرة التعايش مع كوفيد-19، حتى لو كان ذلك يعني قبول واقع أن المزيد من الناس سوف يمرضون ويلاقون حتفهم بسببه. إلا أن إدارة بايدن لم تغيّر رسالتها، حيث قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، جين بساكي، للصحفيين في يناير: "هدف الرئيس هو هزيمة الفيروس".

استياء الناخبين

يُشكل هذا الانفصال بين الجماهير والموقف الرسمي تحدياً سياسياً رئيسياً للرئيس جو بايدن بينما يستعد لإلقاء خطاب حالة الاتحاد في الأول من مارس. ومع تزايد استهجان الناخبين من تعامله مع الأزمة، يقف الرئيس الأمريكي بعيداً عن الرأي العام، بما في ذلك، رأي حاسم للعديد من الديمقراطيين. وعليه، فإن حالة الاستياء التي تجتاح صفوف الأمريكيين تهدد بخسارة مرشحي الحزب في الانتخابات المزمع إجراؤها هذا الخريف، وتقويض السيطرة الضئيلة التي يحظى بها الديمقراطيون على الكونغرس.

كيف كان بإمكان بايدن جعل 2021 أفضل؟

في هذا الإطار، وجدت دراسة استقصائية أجرتها شركة "سيغنال" (Cygnal) الجمهورية للاستطلاعات في الولايات الحاسمة أن معظم الناخبين باتوا الآن قلقين اتجاه الخسائر الاقتصادية التي يسببها "كوفيد"، بشكل يفوق قلقهم من تبعاته الصحية. ويقول مدير "سيغنال"، برنت بوكانان: "يرجع ذلك إلى غضب الناخبين المستقلين وناخبي الضواحي، والذي تجلى بالفعل في وجهة نظرهم حول المسار الذى تتخذه البلاد وتعامل الرئيس بايدن مع الأزمة".

غير الملقحين

من جهةٍ أخرى، لا تزال المخاوف بشأن الإصابة بفيروس "كوفيد" تنتشر على نطاق واسع، حيث قال نصف المشاركين في استطلاع جديد أجرته جامعة "مونموث" إنهم يخشون الإصابة بالفيروس.

لكن في الوقت نفسه، اتفق 70% منهم مع فكرة أن "الوقت حان لنقبل بأن "كوفيد" باقٍ، وأننا نحتاج لمواصلة حياتنا". كما تملَّك هذا الشعور أغلبية من قالوا إنهم سبق وأصيبوا بـ"كوفيد" (78%)، وأولئك الذين لم يصابوا به (65%)، وكذلك الجمهوريون (89%)، والمستقلون (71%)، وما يقرب من نصف الديمقراطيين (47%).

وبحسب باتريك موراي، مدير معهد الاقتراع في جامعة "مونموث"، فإن هناك تفسيراً بسيطاً خلف كيفية التوفيق بين خوف الناس من "كوفيد" ورغبتهم بتطبيع الحياة اليومية معه بالوقت ذاته، ويرجع ذلك لكون المشككين في اللقاح أضعفوا إرادة الأمريكيين بالاستمرار في محاولة التغلب على المرض. يقول موراي: "إن الرغبة في المضي قدماً وقبول الاضطرار إلى التعايش مع "كوفيد" مدفوعة بالاعتراف بأن شريحة أساسية كبيرة من الجمهور ترفض اللقاح، لذا فإننا لن نصل إلى مناعة القطيع. وبينما لا تزال الإدارة تعيش في حالة طوارئ، لسان حال الجمهور يقول: أتعلم ماذا؟ تجاوز الأمر، لقد حان الوقت للمضي قدماً".

التعايش مع الفيروس

ومع أن المعارك حول إلزامية ارتداء الأقنعة وإغلاق المدارس لم تختفِ، إلا أن هناك مؤشرات على أن الأمريكيين يتأقلمون مع الحياة تحت وطأة "كوفيد" المستوطن حتى في غياب إعلان حكومي رسمي. حيث أفاد مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، في الرابع من فبراير، بأن أرباب الأعمال أضافوا 467 ألف وظيفة في يناير، متجاوزين بذلك توقعات سوق العمل بكثير، فضلاً عن زيادة معدلات التوظيف خلال شهري نوفمبر وديسمبر، مما رسم صورة لاقتصاد كان أكثر مرونة وسط تفشي "أوميكرون" بشكل أكبر مما كان يعتقده الخبراء.

وبالمثل، تُظهر البيانات من تطبيق "أوبن تيبل" (OpenTable) لخدمات حجز المطاعم أن الحجوزات قد عادت تقريباً إلى مستويات ما قبل الأزمة. كما أفادت إدارة أمن النقل بأن عدد الأشخاص الذين مروا عبر نقاط التفتيش التابعة لها هذا العام بلغ ضعف عدد الأشخاص الذين مروا بالنقاط ذاتها خلال نفس الفترة من عام 2021 (على الرغم من أن حركة المرور بلغت حوالي 78% من مستويات عام 2019).

عام رئاسي صعب مرَّ على بايدن.. فهل يستطيع التعافي؟

بشكل عام، ليس بايدن وحده من يواجه معارضة حول التعامل مع أزمة "كوفيد"، حيث تواجه الحكومات في جميع أنحاء العالم غضباً متزايداً مع دخول الوباء لعامه الثالث.

في السادس من فبراير، أعلن عمدة أوتاوا حالة الطوارئ بعد أن احتل سائقو الشاحنات وسط المدينة للاحتجاج على إلزامية اللقاحات. وانضم آلاف الأشخاص إلى المسيرات الأخيرة فيما لا يقل عن ستة دول أوروبية، مما يعكس الإحباط من عمليات الإغلاق وقواعد اللقاحات وإلزامية ارتداء الكمامات.

غضب من القيود

من السهل أن نتفهم سبب تزايد حديث الأشخاص الذين أنهكهم "كوفيد" عن استيائهم. في الولايات المتحدة، أدى التقيد غير المتسق بالقواعد، حتى بين الديمقراطيين الداعمين لارتداء الكمامات، إلى تأجج الغضب المتزايد.

وفي السادس من فبراير، غردت ستايسي أبرامز، زعيمة الأقلية السابقة في مجلس النواب بجورجيا، والمرشحة لمنصب حاكم الولاية، بوضع صورة لها وهي تبتسم دون كمامة أمام فصل من الأطفال الذين يرتدون الكمامات. ورغم أنها سرعان ما حذفت التغريدة، إلا أنها كانت قد أثارت جدلاً بالفعل، حيث وصف خصمها الجمهوري تصرفها بالنفاق.

يقول موراي، خبير الاستطلاعات في "مونموث"، إنه يتوقع أن تشكل بطولة "السوبر بول" مصدراً آخر للإحباط، حيث أُجبر آباء الأطفال في سن المدرسة على ارتداء الكمامات على مرأى من 70 ألفاً معظمهم من مشجعي نوادي "سينسيناتي بنغالز" و"لوس أنجلوس رامز" وهم يهتفون تشجيعاً لفرقهم دون أقنعة.

ومع بدء تسلل الإرهاق الناجم عن "كوفيد" إلى نفوس الأمريكيين، يخاطر بايدن وغيره من الديمقراطيين المتشددين بنفور مزيد من الناخبين ممن لم يحسموا آراءهم في الضواحي، والذين قادوا المكاسب الديمقراطية في عامي 2016 و2018. في ولاية فرجينيا، وقد سئم الكثير من هؤلاء الأشخاص القيود المستمرة، وانتخبوا الجمهوري غلين يونغكين حاكماً في نوفمبر الماضي.

وبحسب الاستراتيجيين في كلا الحزبين، فإنه بدون تصحيح للمسار، يمكن أن يتكبد الديمقراطيون خسائر في الكونغرس أيضاً. قال ليسل هيكي، الخبير الاستراتيجي الجمهوري، الذي يدرس الناخبين في الضواحي: "الآباء غاضبون حقاً، وسيحاسبون شخصاً ما". مضيفاً: "سيكون آباء الطلاب في المدارس من الحضانة حتى الثانوية هم من يغذون اجتياح الجمهوريين في الخريف".

مأزق الديمقراطيين

يتمثل أحد سبل خروج بايدن من مأزق الاستياء العام هذا، في اتباع نهج الحكام الديمقراطيين الذين بدأوا قبول فكرة أن غمامة "كوفيد" لن تنقشع قريباً. وكان جاريد بوليس، حاكم كولورادو، قد استغل خطاب حالة الولاية الذي ألقاه في 13 يناير لتأييد الفكرة القائلة بأن "وضع الوباء وراءنا يعني تعلم التعايش مع العثرات التي قد يضعها كوفيد في طريقنا". وفي 7 فبراير، أعلن حكام كونيتيكت وديلاوير ونيوجيرسي إنهاء متطلبات ولاياتهم الخاصة بارتداء الطلاب وموظفي المدارس للكمامات، فيما يعد خطوة للتعامل مع الفيروس باعتباره جزءاً من الحياة اليومية. وقال نيد لامونت من ولاية كونيتيكت: "نحن في وضع مختلف عما كنا عليه قبل ستة أشهر".

مستقبل بايدن

لذلك، سيحمل خطاب حالة الاتحاد الذي سيلقيه بايدن أكثر من القوة الرمزية المعتادة له، سواء للأفضل أو للأسوأ. حيث يمكنه إما إعلان انتصار المُلقحين والبدء في إعداد الأمريكيين لاستراتيجية الخروج من الأزمة وقيودها، أو بإمكانه أن يدع ملايين المشاهدين يتابعون الخطاب وهم يشاهدون الوجوه المقنَّعة في غرفة نصف فارغة في مجلس النواب، ليذكرهم بأن العودة إلى "الوضع الطبيعي" لا تزال بعيدة المنال.

غير أنه من شبه المؤكد أن فرص الديمقراطيين في الحفاظ على السلطة في انتخابات التجديد النصفي ستتوقف على اعتقاد الجماهير بأن أمامهم فرصة للعودة إلى حياتهم القديمة.

يقول بريان سترايكر، الشريك في "إمباكت ريسيرش" (Impact Research)، وهي شركة ديمقراطية لاستطلاعات الرأي: "إذا كنا سندخل شهر نوفمبر بينما لا نزال نتحدث عن قيود "كوفيد"، فإننا بعيدون عما يريده الناخبون. ونكون عالقين في الماضي".