بالنسبة إلى بوتين.. القلق هو الهدوء الجديد

لا تدعه يهزمك
لا تدعه يهزمك المصدر: غيتي إيمجز
Clara Ferreira Marques
Clara Ferreira Marques

Columnist for Bloomberg Opinion in Hong Kong. Commodities, ESG, Russia & more. Via Singapore, Mumbai, London, Milan, Moscow, Paris, Cape Town, Lisbon.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قبل أيام فقط، بدا فلاديمير بوتين على وشك الإقدام على ما لا يمكن تصوره في أوكرانيا، حيث حشد 130 ألف جندي على الحدود. وسحبت السفارات موظفيها من كييف، وحذرت واشنطن من تهديد فوري. الآن، يدعم الزعيم الروسي بحكمة الحراك الدبلوماسي. تُظهر المشاهد المصورة الدبابات عائدة على ما يبدو إلى قواعدها، ويسخر الخبراء على التلفزيون الروسي من التقارير الغربية عن هجوم وشيك، والتي وصفوها بالهستيريا. كما سخر المتحدث باسم الكرملين، قائلاً إنه على الأوكرانيين أن يضبطوا المنبهات للتأكد من أنهم لن يفوتوا الحدث.

لم تنته أزمة أوكرانيا بعد، ومع ذلك، مهما حدث بعد ذلك، فإن بوتين قد أعطى بالفعل درساً من الدرجة المتقدمة في المراوغة والإرباك، إذ خلق حالة من التوتر، مصلحته أن يحافظ عليها. تبين أن الإجابة عن السؤال المطروح في كل مكان حول "ما الذي يريده بوتين حقاً؟"، قد تكون بسيطة بشكل خادع، وهي: القلق.

اقرأ أيضاً: كيف فاز بوتين وبايدن وخسرت أوكرانيا في الأزمة الأخيرة؟

ظهر هذا الغموض الإستراتيجي للعيان، عندما وقف بوتين بجوار المستشار الألماني أولاف شولتس في وقت سابق من هذا الأسبوع. أعلن الرئيس الروسي أنه يريد حل الأزمة الحالية "الآن، وعلى الفور، من خلال المفاوضات والوسائل السلمية". لكنه شجب أيضاً أفعال أوكرانيا في المناطق الانفصالية المدعومة من روسيا، ووصفها بأنها "إبادة جماعية". وفي اليوم ذاته، صوّتت الغرفة الثانية في مجلس النواب على إرسال طلب إلى بوتين، للاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبية اللتين أعلنتا استقلالهما من جانب واحد، وهو مطلب ذو "شعبية" من شأنه أن يرقى إلى حد الاستفزاز العلني، ويقوض "اتفاقية مينسك" للسلام. في الوقت الحالي، تمت تنحية هذه الفكرة جانباً.

اقرأ المزيد: قلعة بوتين المالية تحدّ من تأثير التهديد بالعقوبات

تلاعب بالعقول

أصبح التحرك المفاجئ سمة من سمات المرحلة الأخيرة لـ"البوتينية". إنه نظام يتطلب، في الداخل والخارج، حالة من عدم اليقين الدائم، سواء كان ذلك بشأن خليفة بوتين المعين أو الغزو العسكري، حيث يتغذى هذا النظام على المعلومات المضللة والتلاعب بالعقول.

اقرأ أيضاً: الرئيس الأمريكي: الهجوم الروسي على أوكرانيا لا يزال محتملاً

يأتي الكثير من المخاطر، بالتزامن مع الدبلوماسية القسرية غير التقليدية التي اتبعت في الأسابيع والأشهر الماضية، لكن الفوائد التي تأتي من زرع القلق -وإذكاء الارتباك حتى بشأن القضايا الأساسية، مثل أهداف بوتين الحقيقية- واضحة بالفعل. إنه يمنع الولايات المتحدة من تحويل انتباهها إلى مكان آخر، ويفرض التركيز الدولي على الاستمرار في معالجة مظالم بوتين، ويمكِّن روسيا من اللعب بما يتجاوز ثقلها الجيوسياسي.

هذا فوز يدّعيه مروجو دعاية الكرملين بالفعل، في لهجة حددها وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي قال لبوتين: "من الواضح أن مبادرتنا بشأن الأمن الأوروبي... هزت زملاءنا الغربيين، وهذا يعني أنهم لم يعودوا في وضع يسمح لهم بتجاهل مناشداتنا العديدة السابقة". هذا مهم بالنسبة إلى الزعيم الروسي، الذي تعتبر مظالمه بشأن أوكرانيا، وتسوية ما بعد الحرب الباردة، مسائل شخصية للغاية.

الرجل الوحيد

بالطبع، هناك دوافع وعواقب داخلية للأفعال الروسية في الخارج. قد يكون من التبسيط الادعاء بأن مناورات روسيا المزعزعة للاستقرار هي إلهاء عن المشكلات المحلية العديدة -فعلى الرغم من وجود الكثير منها، من التضخم إلى دخل الأسرة المتضائل، والحصيلة الهائلة التي تتكبدها البلاد من الوباء، في ظل تطعيم أقل من نصف السكان بالكامل، رغم الترويج المكثف للقاح المنتج محلياً. ربما تكون مثل هذه المناورات مفيدة. لكن بوتين وضع نفسه لفترة طويلة فوق نزاع الصداع الداخلي اليومي.

بدلاً من ذلك، يساعد عدم اليقين هذا في المحافظة على حالة الحصار التي يحتاجها النظام، دون صراع فعلي. بثت البرامج الحوارية التلفزيونية الحكومية الروسية، حتى مع تزايد المخاوف خلال الأيام والأسابيع الأخيرة، موجة من الانتقادات اللاذعة بعناوين (نحن ضدهم)، والسخرية، والغضب من الترويج الغربي للحرب المزعومة. وبطبيعة الحال، فإن هذا الإحساس بالتعرض للهجوم، يجعل بوتين هو الرجل الوحيد الذي ينقذ الأمة. وتبعاً لذلك، يصف المعارضون على أنهم متعاونون مع الغرباء. النتيجة الوحيدة المؤكدة من هذه الأزمة، هي إحكام قبضة الكرملين على أي شكل متبقي من المعارضة -إما لأن الكرملين المتشجع يمكنه إسكات المزيد من الخصوم المدعومين من الخارج، أو لأنه بحاجة إلى ذلك.

البحث عن الشعبية

نتائج الحرب ليست مؤكدة. لا شك في أن بوتين يدرك أن توغلاً اليوم، أو حتى قيامه بعمل في دونباس، من غير المرجح أن يؤدي إلى نفس الزيادة الثابتة في الشعبية التي تمتع بها بعد ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. لدى الكثير من الروس ارتباطات بأوكرانيا ويعتبرونها أمة مستقلة، وليست إقليماً روسياً تاريخياً. قدَّر استطلاع أُجري في ديسمبر أن نسبة الدعم لإرسال قوات عسكرية لمحاربة القوات الحكومية الأوكرانية في شرق أوكرانيا بلغت 8% فقط.

لا تزال المخاطر قائمة. إذ يجادل "بن نوبل"، الأستاذ المشارك في السياسة الروسية في "كلية لندن الجامعية"، بأن بوتين غالباً ما يُنظر إليه بشكل خاطئ على أنه صاحب "عرض رجل واحد"، بينما هناك العديد من الفئات المعنية المشاركة. لكنه أوضح أن بوتين يلعب دوراً كبيراً في السياسة الخارجية، مع وجود عدد أقل بكثير من الأفراد الذين تتم استشارتهم أو مشاركتهم. إنها فكرة أكدها المسرح السياسي حول مقترحات اعتراف دونباس، وهو خيار مصمم ليكون ذا جاذبية شعبية لبوتين نفسه.

يواجه القادة المتفردون بالحكم القليل من الضوابط على سلطتهم، والقليل من العواقب المترتبة على زلاتهم، وبالتالي هم أكثر ميلاً إلى المقامرة. إنهم يفشلون في تقييم حدودهم دون عاطفة، ورؤية المخاطر طويلة الأجل بوضوح. إنهم يبالغون في تقدير أنفسهم ويقللون من شأن الأعداء. بوتين، المنعزل والمفرط في الثقة بجيشه الذي تم إصلاحه، ليس استثناءً.

لكن بعد أن وضع نفسه في زاوية غير مريحة، يعتبر بوتين بالتأكيد هذا التوازن نتيجة جيدة، ولذلك لدى الكرملين كل الأسباب التي تجعله يحافظ على حرب أعصاب طويلة الأمد. يجب على الغرب، المسلح بالعقوبات والعقول الهادئة، أن يتعلم التأقلم.