بوتين يسابق الزمن وسط مقاومة أوكرانية تبطئ وتيرة العمليات العسكرية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تواجه خطط روسيا لمواصلة اجتياح أوكرانيا تكلفة مرتفعة بوتيرة متسارعة بسبب التأخير الناجم عن مقاومة أقوى من المتوقع من قبل القوات الأوكرانية، حتى على الرغم من امتلاك روسيا لقوة عسكرية بمزايا ساحقة.

قال شخص مطّلع على التخطيط الروسي إن الجيش كان يأمل في إحراز تقدم أسرع. ورفض الكرملين التعليق على تفاصيل العملية العسكرية، وتقول وزارة الدفاع إن الحملة حققت نجاحاً.

وصرح مسؤول عسكري أمريكي بارز بأن لدى الولايات المتحدة مؤشرات على أن موسكو أصيبت بالإحباط خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية بسبب بطء التقدم الناجم عن دفاع أوكراني قوي بشكل غير متوقع، وفشلت في تحقيق هيمنة جوية كاملة. ومع ذلك، ففي ظل إغلاق القوات الروسية للعاصمة كييف وسط معارك شرسة في الشوارع أمس السبت، أوضح المسؤول أن روسيا التزمت حتى الآن بنحو 50% فقط من قوتها النارية المتاحة للحرب.

أسبوع أو اثنان

قال مسؤول روسي مطلع على تخطيط الحملة، ردّاً على التقارير التي تفيد بأن الغزو قد تعثر ويستهدف المراكز السكانية، إن الحملة تسير على ما يرام وتستهدف تجنب حرب الشوارع في المدن.

وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية الأمور، أن الإطار الزمني للأهداف العسكرية للعملية كان بين أسبوع وأسبوعين، وليس بضعة أيام، وهي المدة الكفيلة بسحق الجيش الأوكراني واستبدال الحكومة الحالية بأخرى موالية لموسكو. وأضاف المسؤول أن الاستيلاء على المدن لم يكن مطروحاً، لا سيما الخسائر الفادحة في الأرواح بين المدنيين التي قد تترتب على ذلك.

يتناسب هذا التقدير للأهداف الروسية إلى حد كبير مع تحليل المتخصصين العسكريين في الغرب والهدف المعلن للرئيس فلاديمير بوتين المتمثل في "نزع السلاح" بدلاً من احتلال أوكرانيا، على الرغم من أنه لا يبدو أنه يتطابق مع كل ما يحدث على الأرض.

قال بافيل فيلغنهاور، المحلل العسكري في موسكو لمؤسسة "جيمستاون" (Jamestown Foundation)، وهي مؤسسة أبحاث أمريكية: "لا تزال روسيا تملك المبادرة، لكنها لا تحقق الأهداف التي أرادتها فعلياً في هذه المرحلة، لأن الأوكرانيين يقاومون"، مضيفاً بأنه ربما أساء القادة في موسكو التقدير بشأن قوة المشاعر المؤيدة لروسيا في أوكرانيا.

معنويات أوكرانيا

قال فيلغنهاور إن أي هجوم سريع من هذا النوع يجب أن تعقبه صدمة سريعة أولية للغزو لتوضيح أن المقاومة غير مجدية. ومع مرور كل يوم يستمر فيه الدفاع المنظم من قبل أوكرانيا، سترتفع الروح المعنوية ومعها عدد الأشخاص الذين يحملون السلاح ضد الغزو.

وينطوي هذا على تداعيات بالنسبة إلى قدرة روسيا على فرض السيطرة دون الاضطرار إلى القضاء على المقاومة بالقوة، لا سيما في المدن، وفقاً لفيلغنهاور، حيث فشل الانقلاب العسكري الذي يبدو أن بوتين دعا إليه في تصريحات في اجتماع لمجلس الأمن القومي في موسكو.

أضاف فيلغنهاور: "سيكون الأسبوع المقبل حاسماً"، مضيفاً أنه بينما لا يزال الانهيار العسكري الأوكراني أو الانقلاب العسكري ممكناً في أي لحظة، فقد يتعين الاستيلاء على المدن، وهي مهمة دموية حتمية وتهديد لأهداف موسكو السياسية بمجرد أن يتم استبدال الحكومة. "الخطة الروسية بها الكثير من الثغرات".

ستتيح حملة أطول من حيث المدة مزيداً من الوقت لحلفاء أوكرانيا الغربيين لتوجيه أسلحة جديدة لتعزيز دفاعاتها، مثل الصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ المحمولة المضادة للطائرات. ومنذ بدء الصراع في 24 فبراير الماضي، وافقت الولايات المتحدة على 350 مليون دولار إضافية لإمدادات الأسلحة العاجلة إلى كييف، وقالت إستونيا إنها سترسل المزيد من صواريخ "جافلين" المضادة للدبابات، ووافقت هولندا على تزويد 200 صاروخ محمول من طراز "ستينغر" مضاد للطائرات. وأجرت ألمانيا تعديلاً تاريخياً حول سياسة الأسلحة في فترة ما بعد الحرب، وهي الآن ترسل أسلحة أيضاً.

قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي في تغريدة على "تويتر" أمس السبت: "أسلحة ومعدات من شركائنا في طريقها إلى أوكرانيا. التحالف المناهض للحرب يعمل!"

وبحلول صباح اليوم الأحد، كان من الواضح أيضاً أن روسيا ستواجه عقوبات اقتصادية أكثر صرامة مما كان متوقعاً، مما يمثل ضغوطاً على مواردها المالية. وافقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على معاقبة البنك المركزي الروسي واستبعاد بعض البنوك التجارية من نظام "سويفت" الدولي. وحتى الآن، يواجه بوتين معارضة محدودة للغاية لحملته في الداخل، كما أن سيطرة الكرملين المشددة على السياسة والاحتجاجات تحد من أي تهديد لحكمه. ولكن إذا تسببت العقوبات الغربية الجديدة في حدوث اضطرابات اقتصادية أكثر عمقاً، فقد يؤدي السخط إلى زيادة الضغط على الرئيس الروسي.

اعتداءات فاشلة

وفقاً لتقييم عسكري أجراه "معهد دراسة الحرب" أمس السبت، وهو مؤسسة أمريكية غير ربحية، حاولت القوات الروسية الاستيلاء على خاركيف ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، وكذلك تشيرنيهيف بالقرب من الحدود مع بيلاروسيا، لكنها تخلت عن هذا الجهد، وهي الآن متجهة نحو كييف. وفي الجنوب، تخلت الوحدات التي تدفقت من شبه جزيرة القرم المحتلة عن التوجه شرقاً نحو أوديسا، متجهة بدلاً من ذلك نحو مدينة ماريوبول الشرقية لمحاصرة القوات الأوكرانية المتمركزة في الخطوط الأمامية الممتدة لأراضي دونباس الخاضعة لسيطرة الانفصاليين.

أصابت الهجمات الجوية الروسية ليلاً البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا، بما في ذلك مستودعاً للنفط وخط أنابيب غاز. وقالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية أمس السبت إنها أسقطت طائرة نقل روسية قادرة على حمل قوات أو معدات هجومية محمولة جواً، بالإضافة إلى طائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر، وهي مزاعم لم يتسن التحقق منها بشكل مستقل. وذكرت أيضاً أن العديد من المركبات الروسية تعطّلت بسبب نقص الوقود. وأثارت صور مبنى شاهق تعرض لهجوم صاروخي في ضواحي كييف مزاعم بأن القوات الروسية تستهدف المدنيين، وهو ما تنفيه موسكو.

تصريحات متفائلة

اتسمت التصريحات بشأن التقدم من قبل المسؤول الروسي بأنها أكثر تفاؤلاً. وأضاف بأن التشكيلات القتالية الرئيسية للجيش الأوكراني في الجنوب والشرق يتم تطويقها وتم القضاء غالباً على الدفاعات الجوية في البلاد، وهي تقييمات لا تتماشى مع ما يقوله بعض المحللين العسكريين والمسؤولين في الولايات المتحدة. وتشير تقديرات الولايات المتحدة إلى أن روسيا أطلقت 250 صاروخ "كروز" وصواريخ باليستية على المطارات ومنشآت الدفاع الجوي وأهداف أخرى.

وقال المسؤول الروسي إن ما تبقى عبارة عن معدات تعود إلى الحقبة السوفيتية لا تشكل تهديداً إلا لإبطاء حركة طائرات النقل والمروحيات.

وأوضح المسؤول أن الهدف من العملية في كييف ليس الاستيلاء على المدينة بأكملها ولكن ممارسة ضغوط كافية على زيلينسكي، إما بالفرار أو الاستسلام. وهناك وحدات روسية أكبر بكثير تشق طريقها نحو كييف، فيما وردت تقارير يوم السبت تفيد بتبادل لإطلاق النار بالقرب من ساحة الاستقلال المركزية.

تقسيم أوكرانيا

قال المسؤول إن الحكومة المنتظرة التي تدعمها روسيا ستتولى زمام الأمور وتجري الانتخابات في نهاية المطاف. وسيتم تقسيم أوكرانيا إلى ثلاثة أجزاء: المقاطعتين الشرقيتين دونيتسك ولوغانسك التي اعترف بهما بوتين أخيراً كدولتين مستقلتين؛ وأوكرانيا الخاضعة للسيطرة الروسية الفعلية التي من شأنها أن تدفع تكاليف إعادة الإعمار؛ والمنطقتين الغربيتين إيفانو فرانكيفسك ولفيف، وهما معقلان للمؤيدين لأوروبا، حيث ستُتركان وشأنهما.

ولن يكون للنسخة الجديدة المنكمشة من أوكرانيا قوات مسلحة خاصة بها. وقال المسؤول إن مجالها الجوي سيصبح، رغم ذلك، جزءاً من نظام الدفاع الجوي الروسي، وقد يكون هناك وجود عسكري روسي دائم.