بوتين وفأره.. والسيناريوهات الستة لنهاية حربه في أوكرانيا

المصدر: غيتي إيمجز
Andreas Kluth
Andreas Kluth

Columnist at Bloomberg Opinion. Previously editor-in-chief of Handelsblatt Global; 20 years at The Economist. Author of "Hannibal and Me."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بقلم: أندرياس كلوت

لا أحد يعرف كيف ستنتهي الحرب العدوانية التي شنتها روسيا ضد جارتها أوكرانيا. لكن معظم السيناريوهات تتراوح بين سيئ وأسوأ. من أجل فهم تلك السيناريوهات، عليك أن تبدأ بتخيل أكثر الفئران شهرة في العالم دون منازع.

إنه ذلك الفأر الذي زعم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مطاردته ذات مرة داخل أحد الأروقة، عندما كان صبياً، في ما كان يعرف آنذاك بمدينة لينينغراد. ورغم كونه محاصراً، فقد استدار الجرذ وهاجم الرئيس الروسي.

لماذا حرص بوتين على إعادة تدوير هذه الحكاية بين مراقبي روسيا حول العالم؟ الحكمة التقليدية هي كونها تمثل أحد تهديداته الضمنية. وكأن لسان حال الرئيس الروسي يقول: أنا ذلك الجرذ، غير أن لدي مخالب نووية.. لذلك لا تحاصروني.

اقرأ أيضاً: ما الذي تعنيه هزيمة بوتين؟

علينا أن نأخذ بهذا المنظور -دعونا نسميه "منظور الجرذ"- في الاعتبار، في كل السيناريوهات المحتملة. لو كان التحليل يتعلق فقط بما يصب في مصلحة روسيا، لما كان الغزو ليبدأ من الأساس، وكان من الممكن إنهاؤه في أي وقت بتسوية تفاوضية. لكن في النهاية، أضر الغزو فقط بالمصالح الوطنية، وذلك من خلال عزل البلاد على الصعيد الدولي، وإفقار المزيد من سكانها. غير أن روسيا ليست الطرف الفاعل المعني، بل هو الجرذ المجازي في الكرملين.

اقرأ المزيد: بوتين يطلق عصراً جديداً من انتشار التسلح النووي

وفقاً لكل ما هو ظاهر، فإن بوتين معزول في عالمه العقلي الخاص في الوقت الحالي. وعلى عكس أسلافه السوفيت، فهو لا يحظى بمكتب سياسي حوله، أو غير ذلك من الضوابط والتوازنات الموثوقة، كما إنه يتخذ قراراته بمفرده. وشأنه في ذلك شأن غيره من الطغاة الحاليين والسابقين -يتبادر إلى الذهن صدام حسين في هذا الصدد- فإن بوتين لديه سبب للقلق من أن فشله السياسي، على الأرجح، لن ينتهي بتقاعد ممل هادئ، بل بشيء أكثر عنفاً لا يتوقعه.

لذلك، إذا نظرنا إلى الأمر من منظور الجرذ، نجد أن هناك الكثير من الأروقة المسدودة من حوله. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، تبدو السيناريوهات المحتملة لنهاية الحرب الروسية-الأوكرانية على النحو التالي:

انتصار أوكرانيا

لا يزال الدفاع الأوكراني البطولي الذي يصد القوات الروسية أمراً مستبعداً عسكرياً، لكنه بالطبع النتيجة التي تفضلها غالبية دول العالم. وإذا ما حدث ذلك، سترتبط أوكرانيا الجريحة رغم انتصارها، باتحاد أوروبي يتمتع بعهد حديث من التماسك وقوة الإرادة، وستسرع اندماجها مع الغرب الديمقراطي. كما سيكون لدى "الناتو" إحساس جديد بالغرض من وجوده. بينما ستفكر الصين، وعينها على تايوان، مرتين قبل أن تتسبب في مشكلاتها الخاصة.

لكن بوتين سيكون محاصراً في ذلك الركن المجازي. فقد كان يتظاهر بأنه المدافع عن روسيا ضد الغرب العدواني المزعوم، وأنه مخلص الإثنيات الروسية والأشقاء السلافيين في كل مكان. إن انتصار أوكرانيا سيجعل كل هذه الدعاية غير ممكنة. فهو لن يستطيع النجاة من الهزيمة سياسياً ويعرف ذلك. ولذلك، لن يسمح بحدوث هذا السيناريو. وبدلاً من الانسحاب، سيتبع أحد المسارات الثلاثة الأخرى.

عهد جديد من الإرهاب الروسي

يمكن أن يصعد بوتين الهجوم بشكل كبير -ولكن باستخدام الأسلحة التقليدية فقط. الأمر الذي يعني، بشكل أساسي، قصف أوكرانيا لإجبارها على الخضوع. ستكون الخسائر في أرواح المدنيين والعسكريين مروعة، لكن الرئيس الروسي لن يهتم. سيدمج أوكرانيا الغاضبة والمستاءة -إما كدولة دمية مستقلة اسمياً، أو ككيان فرعي منبثق عن روسيا العظمى- وربما يضم بيلاروسيا لأسباب وجيهة.

لقمع المعارضة في الداخل وفي أوكرانيا، سيتعين على بوتين الانتهاء من تحويل روسيا إلى دولة بوليسية، وذلك عبر الاضطهاد والقضاء على البقية الباقية من حرية التعبير. ستصبح إمبراطوريته منبوذة بشكل دائم في المجتمع الدولي. وسيسدل العالم ستاراً حديدياً جديداً.

أفغانستان أخرى

إما ذلك، أو أن يتجه بوتين إلى تصعيد الحرب بصورة أقل خطورة، وذلك عبر إرسال ما يكفي من القوة العسكرية الروسية إلى أوكرانيا لتجنب الهزيمة الواضحة. بعد ذلك، يمكن أن تتحول أوكرانيا إلى ما كانت عليه أفغانستان بالنسبة إلى الزعيم السوفيتي، ليونيد بريجنيف، بعد عام 1979، أو إلى ما كانت علية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها بعد عام 2001، محض مستنقع.

ستظل التكلفة البشرية مروعة -خصوصاً بالنسبة إلى الأوكرانيين، ولكن أيضاً بالنسبة إلى الروس من الجنود، والبسطاء الذين يعانون تحت وطأة قمع أشد ويكابدون مشقة العقوبات، على حد سواء. لكن بوتين لا يمانع في ذلك، شريطة أن يعتقد بأن مكانه في الكرملين سيظل مؤمناً. ولكن من منظور الجرذ، فإن المستنقع يشبه إلى حد كبير المحاصرة في ركن الرواق ذاك، إلى أجل غير مسمى.

التصعيد من أجل التهدئة

إذا كان حقاً مثل الجرذ الذي هاجمه، فسيفكر بوتين على الأقل في خيار آخر -وهو الخيار النووي. إنه ذاك الخيار الذي ألمح إليه بالفعل. وبدعوى أن "الناتو" والاتحاد الأوروبي يحاصرانه من خلال دعم أوكرانيا بالأسلحة وغيرها من الموارد، يمكنه شن واحدة أو أكثر من الضربات النووية "المحدودة"، بما يسمى بالرؤوس الحربية التكتيكية (تعني هنا منخفضة القوة).

سيراهن بوتين على أن الغرب لن ينتقم نيابة عن أوكرانيا، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تبادل نووي بأسلحة "إستراتيجية" أكبر، وينتهي بالتدمير المتبادل المؤكد، والذي اشتهر خلال الحرب الباردة بـ"ماد" (MAD). لكنه، مثل الفأر، سيخاطر.

بحسب هذا السيناريو، ستصبح أوكرانيا مثل اليابان في عام 1945، ولن يكون أمامها خيار سوى الاستسلام. لهذا السبب يطلق الخبراء العسكريون على هذه الإستراتيجية "التصعيد من أجل التهدئة". لكن العالم لن يعود إلى ما كان عليه أبداً، حيث سينضم إلى أسماء هيروشيما وناغازاكي أسماء أخرى على قائمة قدر البشرية المشؤوم. ومع ذلك، سيكون ممكناً لبوتين القول إنه أخرج نفسه من ركن معين من الرواق.

ثورة روسية أخرى

هناك أيضاً سيناريوهات أكثر تفاؤلاً. على الرغم من ستار الدعاية والتضليل الذي يتخفى وراءه بوتين، فإن عدداً كافياً من الروس يفهمون ظروف غزوه غير المبرر، والمخاطر الكارثية التي تنطوي عليها تلك الخطوة، ويمكنهم أن يثوروا ضده. قد تأتي تلك الثورة عبر حركة واسعة النطاق تتمحور حول زعيم معارضة مثل أليكسي نافالني. إما ذاك، أو أن يتمخض التمرد عن انقلاب عسكري، أو من داخل النخبة الحاكمة.

لسوء الحظ، لا يبدو أي نوع من التمرد محتملاً في الوقت الحالي. فمن جهة، ربما لاحظ الروس أن جيرانهم البيلاروس يقاومون ديكتاتورهم بشكل بطولي منذ أغسطس 2020 دون نجاح. إلا أن تزايد القمع الوحشي أظهر ذلك. ومن جهةٍ أخرى، فإن أي عضو في بقية الدائرة المقربة من بوتين يفكر في الانقلاب، سيتذكر مصير المتآمرين الذين التفوا حول كلاوس فون شتاوفنبرغ في عام 1944.

مع ذلك، فإن ثورة روسية وطنية ستكون النتيجة الأفضل إلى حد بعيد. قد يلقي النظام الجديد في موسكو باللائمة في الغزو على بوتين وحده، وهي حقيقة. لذلك، ستتمكن روسيا من الانسحاب دون أن تبدو ضعيفة. ولاحقاً، يمكن للمجتمع الدولي أن يرحب بعودة روسيا بأذرع مفتوحة. وسيصبح العالم، بما في ذلك روسيا، مكاناً أفضل.

تدخل الصين

يتعلق ثاني أفضل سيناريو، والذي يعد أكثر منطقية، ببكين. رسمياً، تعد الصين في عهد الرئيس شي جين بينغ، إن لم تكن حليفاً لروسيا، على الأقل شريكاً لها في التحديق المشترك في فوهة سلاح الغرب الذي تتزعمه الولايات المتحدة. لكن الصين تعتبر نفسها قوة صاعدة وروسيا منهارة. فمن وجه نظر شي، يكون بوتين مفيداً في بعض الأحيان، ولكنه يشكل أيضاً مسؤولية محتملة.

بشكل خاص، تعيش الصين في صراع داخلي عميق فيما يتعلق بغزو بوتين لأوكرانيا، كونه ينتهك السيادة الوطنية لدولة أخرى، وهو المبدأ الذي سيتذرع به شي إذا التهم تايوان (التي يعتبرها مقاطعة صينية) وطالب الولايات المتحدة بالبقاء بعيداً. كما إن الصين، التي تمتلك ترسانة نووية صغيرة ولكنها سريعة النمو، لن تقبل بالتأكيد استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، والفوضى العالمية الناتجة عنها.

في الوقت الحالي، حكم تناقض شي على بكين، بموقف مزدوج غير مستدام. وفي هذا الإطار، صوتت 141 دولة في الأمم المتحدة هذا الأسبوع على قرار يستنكر عدوان بوتين. كان بإمكان الصين أن تنضم إلى الدول المارقة الأربع (بيلاروسيا وكوريا الشمالية وإريتريا وسوريا)، التي صوتت مع روسيا ضد القرار. ولكنها بدلاً من ذلك، امتنعت مع 34 دولة أخرى عن التصويت.

إذا قررت الصين كبح جماح بوتين، فسيكون لها نفوذ سياسي، إذ يمكنها سحب شريان الحياة الاقتصادي والدبلوماسي الذي تحتاجه موسكو. وفي الوقت ذاته، يمكن لبكين أن تتروى في إيجاد أبواب سرية لمصائد الفئران في نهايات الأروقة. فرغم كل شيء، تتمثل أفضل طريقة للتعامل مع الفئران المحاصرة، عادةً، في تركها تهرب قبل أن تتسبب في المزيد من الضرر.