الاستيلاء على يخوت الأثرياء الروس.. ليس بالمهمة السهلة

يخت "أمرو فيرو" المتوقف في ميناء لا سيوتات الفرنسي
يخت "أمرو فيرو" المتوقف في ميناء لا سيوتات الفرنسي المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، تباهى السياسيون حول العالم عبر أحاديثهم الصارمة حول مزاعم نزع الراحة من النخبة الثرية الروسية.

لكن، على أرض الواقع؛ فإنَّ الاستيلاء الفعلي على تلك الأصول، سيكون أمراً أكثر صعوبة.

صعوبة التطبيق

حول العالم، توجد طبقات متعددة من الشركات الوهمية، وكميات هائلة من الثروات المخبّأة في الملاذات الضريبية. ومن المحتمل أن تنقل هذه النخبة الثرية أصولها إلى بعض أقاربها، أو في حالة اليخوت العملاقة والطائرات الخاصة؛ فإنَّها قد تضعها في مناطق قضائية بعيدة المنال. هذا عدا عن أنَّ العملات المشفَّرة تزيد من تعقيد عمليات البحث العالمي عن الأصول.

يخوت أثرياء روسيا تتجه لجزر المالديف وسيشل بعد فرض العقوبات

ويتمثل الاختلاف الرئيسي، وفقاً للمحامين والاقتصاديين والمسؤولين الحكوميين السابقين الذين قابلتهم "بلومبرغ" للسؤال عن الموضوع، أنَّه في حين من الممكن إقرار العقوبات بسرعة نسبياً؛ فإنَّ مصادرة الأصول تمثل خطوة أكثر صرامة، وقد تنطوي على عمليات قانونية طويلة.

ومع ذلك؛ فإنَّ الحكومات أشارت إلى مستوى تعاون عالمي غير مسبوق، مع تطبيق عقوبات موازية في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، في حين تناقش هيئة الرقابة المالية العالمية نهجاً لتتبّع تدفقات الأموال الروسية للحد من التهرب من العقوبات.

ومؤخراً؛ قالت إدارة الرئيس جو بايدن، إنَّها ستعاقب ثمانية أثرياء روس وعائلاتهم، من بينهم الملياردير أليشر عثمانوف. وذلك بعد الكشف عن وحدة خاصة تسمى "كليبتو كابتشر" (KleptoCapture)، ستكون مُكملة لعمل الفرق الخاصة في المحيط الأطلسي.

وبالنظر فيما إذا كانت هذه التحركات رمزية إلى حد كبير، أو أنَّها ستحقق ما هو أكثر من ذلك؛ فإنَّ ذلك يعتمد على عدة عوامل حاسمة. وفيما يلي نستعرض بعضها:

حقوق الملكية

يعتبر الاستيلاء على الأصول أمراً صعباً بشكل خاص عند التعامل مع روسيا، فقد وضع كبار رجال الأعمال أسس ثروتهم منذ عقود، وأعادوا استثمار عائدات الخصخصة السوفيتية في أعمال مشروعة.

يقول أليكس إيفتيمي، الشريك في "موريسون آند فوريستر"، والمسؤول السابق في الأمن القومي في وزارة العدل، إنَّ المصادرة تتطلب إجراءات قانونية مدنية أو جنائية تحتاج إلى موافقة المحكمة.

ويعد انتهاك قوانين غسل الأموال من الأسباب التي يشيع استخدامها في هذا الإطار. وفي السعي وراء الثروة الروسية، من المرجح أن تشمل جهود مصادرة الأصول جمع معلومات من دول أخرى، وفقاً لـِ أندرس أسلوند، الأستاذ في "جامعة جورج تاون" والذي كتب عن فعالية الجولات السابقة من العقوبات على روسيا.

وتُمثل حقوق الملكية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأماكن أخرى أساس التحديات القانونية للاستيلاء على الأصول. إذ يقول جوستين والكر، الرئيس العالمي للعقوبات والامتثال والمخاطر في "إيه سي إيه إم إس"، وهي منظمة تجارية للمتخصصين في الكشف عن الجرائم المالية: "يجب أن تكون في غاية الوضوح بشأن ماهية تلك الأصول. هل هي عائدات من جريمة؟ وإذا كان الأمر كذلك؛ فما هي الجريمة؟".

وقال أوري ليف، الشريك في ماير براون الذي كان مسؤولاً سابقاً لقسم الإنفاذ في مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة في الولايات المتحدة، إنَّه حتى بالنسبة للأصول المجمّدة بموجب العقوبات؛ فإنَّ الأفراد يمكنهم الاستئناف ليتم شطب العقوبات عنها، أو رفع الحظر عنها.

ومع ذلك؛ قال ليف، إنَّ المحاكم رأت أنَّ الأفراد غير المقيمين في الولايات المتحدة، لا يتمتعون بحقوق الإجراءات القانونية المنصوص عليها بموجب الدستور.

إيطاليا تُجمّد أصول أثرياء روس تصل قيمتها إلى 140 مليون يورو

في حين قال غابرييل زوكمان، أستاذ الاقتصاد في "جامعة كاليفورنيا" في بيركلي، والذي يبحث في الثروة وعدم المساواة والملاذات الضريبية، إنَّ المخاوف بشأن الإجراءات القانونية الواجبة يمكن معالجتها من خلال جعل مصادرة الأصول تقتصر على الأشخاص المرتبطين ببوتين، والحفاظ على "عتبة عالية" للأهداف في هذا الإطار.

حظر القوارب

يشير حدوث موقفين خلافيين حول اليخوت الفاخرة في الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع، إلى أنَّ العقوبات لا تصل إلى حد المصادرة.

ففي فرنسا؛ منع مسؤولو الجمارك يخت إيغور سيتشين، الرئيس التنفيذي لشركة "روزنفت" من المغادرة العاجلة من ميناء لا سيوتات على البحر المتوسط، بالقرب من مرسيليا، وفقاً لوزارة المالية الفرنسية.

وفي حين فرضت الكتلة عقوبات على سيتشين يوم الإثنين. لكنَّ الدولة لم تستولِ على أصوله.

وفي ألمانيا، يرسو يخت عثمانوف الفاخر في هامبورغ في انتظار تصريح للمغادرة. وقالت وزارة محلية: "لن يغادر أي يخت غير مسموح له من أي ميناء".

في الوقت نفسه، تبدو العديد من اليخوت الفاخرة المملوكة لروسيا بعيدة عن متناول الدول التي فرضت العقوبات عليها. ومن بين السفن التي تجوب جزر المالديف في الوقت الحالي؛ هناك السفينة "نورد" التي يبلغ طولها 465 قدماً (1 قدم = 0.30 متراً)، والتي يملكها أليكسي مورداشوف، ملياردير الفولاذ الذي فرض عليه الاتحاد الأوروبي عقوبات مؤخراً.

لعبة الشركات الوهمية

تُمثل اليخوت الفاخرة والطائرات الخاصة جانباً واحداً من القصة فقط؛ في حين تبدو أشكال الثروة الأخرى مثل الحسابات المصرفية، أو الصناديق الائتمانية، أو الشقق الموجودة داخل سلسلة من الشركات الخارجية أقل وضوحاً.

تقول يوليا جوسيفا، الأستاذة في "كلية روتجرز" للقانون: "قد تصبح الجهات التنظيمية التي تتبع الأصول والمعاملات بالمجموع مضطربة بسبب الحجم الكبير لهذه الأصول".

وتعتبر الشركات الوهمية عقبة واحدة هائلة في إطار هذه الجهود. وتقول ريبيكا لي، كبيرة مسؤولي التأثيرات في "أوبن كوربوراتس" التي تحتفظ بقاعدة بيانات عالمية للشركات: "يمكن إنشاء الشركات ودمج المئات منها في شبكات معقدة في جميع أنحاء العالم بسرعة وسهولة، وغالباً في ولايات قضائية خارجية شديدة السرية". وأضافت: "غالباً ما يكون من المستحيل معرفة من الذي يملك السيطرة المطلقة".

وكانت المملكة المتحدة وضعت في الأسبوع الحالي تشريعات جديدة لإنشاء سجل للمالكين الأجانب للممتلكات البريطانية، وتوسيع صلاحيات الحكومة للتحقيق في مصادر ثروتهم، إلى جانب أمور أخرى. وتتطلب القوانين من المالكين الخارجيين المجهولين الكشف عن هوياتهم حتى لا يتمكّنوا من الاختباء وراء "سلاسل سرية من الشركات الوهمية".

وتمتلك النخب الروسية تاريخاً من التهرب من العقوبات من خلال هذه الطريقة.

العقوبات على روسيا تثير قلق أكبر موانئ أوروبا

وقد حوّلت شركات وهمية مرتبطة بالأخوين "أركادي وبوريس روتنبرغ"، المقربين من بوتين، أكثر من 120 مليون دولار إلى روسيا على فترة استمرت لمدة أربعة أيام، في عام 2014، بعد ضم شبه جزيرة القرم لروسيا، وذلك وفق تقرير صدر عام 2020 عن اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي.

كما ورد في التقرير، فإنَّ الأخوين استخدما وسيطاً لشراء الأعمال الفنية للشركات التي يمتلكونها أو يموّلونها، علماً أنَّ الولايات المتحدة عاقبتهما مرة أخرى مؤخراً. وقد بلغت قيمة المشتريات في دور المزادات ومن خلال تجار خاصين تابعين لهم في نيويورك 18.4 مليون دولار.

يقول ليف: "يستخدم الأفراد المستهدفون طرقاً معقدة لإخفاء أصولهم. ولا يمكن للنهج الدولي متعدد الأطراف إلا أنْ يزيد من فعاليتها".

تحديات العملة المشفَّرة

من جهة أخرى، تزيد العملات المشفَّرة من تعقيد الجهود المبذولة لفرض العقوبات. فهي تلتف حول المؤسسات المالية التقليدية، وتمنح المجرمين والمشتبه بارتكابهم مخالفات طرقاً جديدة لإخفاء المصادر غير المشروعة للأموال.

في مقابلة لها على تلفزيون "بلومبرغ"، قالت نائبة المدعي العام ليزا موناكو: "نحن على مفترق طرق مع العملات المشفَّرة، وبصراحة؛ نحتاج إلى التركيز على فئة جديدة من الجريمة؛ ألا وهي استخدام العملة المشفَّرة للقيام بنشاط إجرامي".

وقد حقّقت وكالات إنفاذ القانون مؤخراً انتصارات في تعقّب ثروات العملات المشفَّرة. ومع ذلك؛ فقد استغرق الأمر من الولايات المتحدة أكثر من خمس سنوات للاستيلاء على 3.6 مليار دولار من عملة بتكوين سُرقت خلال اختراق بورصة العملات "بيتفينكس".

التسارع

يتوجب على الحكومات التصرف بسرعة لممارسة الضغط على بوتين. وبالنسبة لبعض الخبراء؛ فإنَّ التعاون من خلال إيجاد فريق يعمل على جانبي الأطلسي يشير إلى أنَّ المصادرات المحتملة ستكون أسرع هذه المرة.

ويقول إفتيمي، إنَّ السلطة التي أعطتها وزارة العدل لحشد موارد الفروع الحكومية؛ ستساعد في ضمان عدم نسيان هذه الجهود في خضم المعارك القضائية في المحاكم. مضيفاً: "تتحرك عجلات العدالة ببطء، لذا؛ فإنَّ أساس عمل هذا الفريق هو أن يعمل كمُسرّع".

ويقول زوكمان، إنَّ قيام كبار رجال الأعمال الروس المستهدفين بما يسمى بخلط الأصول يمكنه أن يمثل مشكلة محتملة. ومن الممكن معالجة ذلك من خلال دفع المراكز الخارجية للانضمام إلى هذا الجهد. وقد اتبعت سويسرا خطى الاتحاد الأوروبي، وهي التي طالما كانت جذابة بالنسبة للأثرياء الروس بسبب كتمانها للوائحها غير المتطلبة. كما اعتمدت موناكو عقوبات أيضاً.

طائرات المليارديرات الروس ويخوتهم ما زالت تجوب العالم

تحدّثت "مجموعة العمل المالي"، وهي هيئة حكومية دولية تضع معايير لمكافحة غسيل الأموال، عن الولايات القضائية ذات الأولوية في تلقي تدقيق إضافي لضمان عدم قدرة رأس المال الروسي على التهرب من العقوبات الأخيرة، بحسب ما قال أشخاص مطّلعون على الأمر لـ"بلومبرغ نيوز".

وقالت جوستينا جودزوفسكا، مديرة سياسة التمويل غير المشروع في "سنتري" (Sentry)، وهي منظمة تحقق في الشبكات العالمية التي تستفيد من الصراع والفساد: "إذا تم إغلاق الطرق في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، حتى سويسرا وسنغافورة؛ فأين ستذهب الأموال؟" وتابعت قائلةً: "إنَّها ستنتقل إلى الحلقة الأضعف".