كيف أخطأ مسؤولو "وول ستريت والفيدرالي" في تقدير أسواق الأسهم والسندات؟

بيانات تداول الأسهم على شاشة العرض في "ناسداك ماركت سايت" بنيويورك.
بيانات تداول الأسهم على شاشة العرض في "ناسداك ماركت سايت" بنيويورك. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أخطأ الجميع في "وول ستريت" التقدير في عام 2022 حتى الآن، وكذلك بالنسبة إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي ومسؤولي البنوك المركزية على مستوى العالم.

بالعودة إلى شهر ديسمبر الماضي، فقد كان المحللون الإستراتيجيون في أكبر بنوك الاستثمار بالعالم، مثل "جيه بي مورغان" (.JPMorgan Chase & Co) يتوقعون أن يربح مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 5% خلال 2022. ورأى الاقتصاديون أن عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات يصل إلى 2% في المتوسط بنهاية العام. وحتى "غولدمان ساكس غروب" (.Goldman Sachs Group Inc) أضفى مصداقية على مطالبات "بتكوين" التي كانت في طريقها للوصول إلى 100 ألف دولار.

مع ذلك، وبعد ستة أشهر، أدت مجموعة غير مسبوقة من الصدمات إلى إنهاء إحدى أقوى الأسواق الصاعدة للأسهم والحيلولة دون ارتفاع السندات الحكومية الآمنة وغيرها من الأصول. وانخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 23%، فيما بلغت العائدات على السندات لأجل 10 سنوات 3.23%، وخسرت "بتكوين" أكثر من نصف قيمتها.

اقرأ أيضاً: تدهور الأسهم والسندات يعيد التذكير بسياسية الاحتياطي الفيدرالي في أواخر 2018

من الشراء إلى البيع

تحوّلت السوق بسرعة من حالة "شراء كل شيء" إلى "بيع كل شيء"، مع اختفاء ظاهرة "لا يوجد بديل" في الأسهم والتي استمرت لعدة سنوات. أسهمت الأحداث غير المتوقعة، بما في ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، في مواجهة المستهلكين لأعلى الأسعار منذ 40 عاماً. ونتيجة لذلك، تبخرت أسعار الفائدة شديدة الانخفاض والتحفيز النقدي، والتي كانت أساس الانتعاش الذي أعقب الوباء، حيث سعى بنك الاحتياطي الفيدرالي ونظرائه من البنوك المركزية على مستوى العالم إلى كبح التضخم.

قال جيمس آثي، مدير الاستثمار في "أبردن" (abrdn) بلندن: "هذه هي نهاية ظاهرة "لا يوجد بديل" في المستقبل المنظور. ففي ظل وجود نسبة تضخم تبلغ 8%، ليس هناك الكثير من الجاذبية على أساس حقيقي".

حتى جيروم باول، رئيس البنك المركزي، لم يلاحظ الاضطرابات التي تمخّضت نتيجة التضخم، وتوقع أن تتراجع الزيادات في الأسعار إلى مستويات أقرب إلى هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي على المدى الطويل، وهو 2% بحلول نهاية عام 2022. لكن أسواق السندات الآن تومض بإشارات الركود، حيث إن الزيادات الشديدة في أسعار الفائدة من جانب "الاحتياطي الفيدرالي" تشكّل خطراً على نمو الاقتصاد.

قال جيم ريد، الخبير الإستراتيجي في "دويتشه بنك": "في هذه الفترة ذاتها من العام الماضي، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي نفسه لا يزال يتوقع انخفاض أسعار الفائدة بالقرب من الصفر في هذه المرحلة". وفي أقل من نصف عام، يتحرك هذا المؤشر حالياً إلى 3.5% بحلول نهاية عام 2022.

اقرأ أيضاً: الأسهم الأمريكية تسجل أكبر وتيرة تخارج هذا العام وسط مخاوف الركود

قوة التحمل

لا يزال جون ستولتزفوس من شركة "أوبنهايمر" (Oppenheimer) يرى أن مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" سينتهي به الحال في عام 2022 عند 5330 نقطة، ما يتطلب ارتفاعاً بـ 45% في الأشهر الستة المقبلة. هناك مجموعة من بنوك الاستثمار، بما في ذلك "جيه بي مورغان" ( JPMorgan) و"كريدي سويس غروب" (Credit Suisse Group AG)، حددت أهدافاً يتطلب لتحقيقها أن يرتفع المؤشر بـ30% على الأقل، ويرى المحللون الإستراتيجيون في "وول ستريت"، أن مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" ارتفع في المتوسط بـ22% عن مستوى يوم الجمعة الماضي وفقاً لأحدث استطلاع أجرته "بلومبرغ".

لا شك أنه يكاد يكون من المستحيل توقع متى ستنتهي حرب روسيا في أوكرانيا، أو متى سيتم تخفيف القيود المفروضة على سلسلة التوريد بسبب السياسات الصارمة التي تتبعها الصين بشأن "كوفيد"، بحيث تخف ضغوط الأسعار، بالإضافة إلى نهج التشديد الذي يتبعه بنك الاحتياطي الفيدرالي.

لكن بالنسبة لماكس كيتنر، وهو كبير الاستراتيجيين للأصول المتعددة في "إتش إس بي سي غلوبال ريسيرش" (HSBC Global Research)، فإن الأسهم لم يتم تسعيرها بشكل كامل في فترة الركود، مقارنة بفئات الأصول الأخرى. وأضاف: "بشكل عام، فإن هذا يعني أن هناك المزيد من الضعف الكامن للأصول المحفوفة بالمخاطر خلال أشهر الصيف".

اقرأ أيضاً: خسائر السندات الأميركية قد لا ينتهي قبل بلوغ عوائدها 4%

وانخفض "ستاندرد آند بورز 500" القياسي بـ51% من الذروة إلى القاع بين عامي 2000 و2002، وبنسبة 58% خلال فترة الأزمة المالية العالمية.

بالمثل، قال مايكل ويلسون من "مورغان ستانلي" (Morgan Stanley)، وهو أحد الأصوات المتشائمة القليلة، في ديسمبر الماضي إن انخفاض السوق بأكثر من 20% لا يزال غير معبّرٍ بالكامل عن المخاطر في أرباح الشركات.

لا مفرّ

ظاهرياً، فإن كل ما يمكن للمرء أن يفعله هو أن يكنز النقود مع الذهب وسندات الخزانة الأمريكية، والتي يمكن القول إنها الأصول المالية الأكثر أماناً في العالم، إلا أنها أيضا تشهد انخفاضاً.

تمضي الأسهم والسندات معاً في مسارها نحو أسوأ ربع على الإطلاق. وفي غضون ذلك، تعرضت أسواق الائتمان أيضاً لضربة كبيرة.

وحتى الوقت الحالي هذا العام، فقدت مجموعة ديون الشركات عالمياً، وهي الأكثر أماناً، أكثر من 900 مليار دولار، مسجلة أسوأ فترة في النصف الأول من لأي عام على الإطلاق، وذلك وفقاً لبيانات مؤشر "بلومبرغ". كما أن مقاييس مخاطر ائتمان الشركات آخذة في الارتفاع أيضاً، حيث بلغت مقايضات التخلف عن سداد ديون الشركات الأوروبية عالية الجودة أعلى مستوياتها منذ أبريل 2020.

رهان خاسر

قد لا توجد فئة أصول أخرى تُعتبر تقلبات كبيرة في عام 2022 مثل العملات المشفرة. وبالنسبة لجميع التقديرات بأن تصل "بتكوين" إلى 100 ألف دولار في وقت سابق من العام الجاري، والمزاعم بأنها بمثابة أداة تحوط ضد التضخم، فقد شهدت سوق الأصول الرقمية دوامة هبوط،

وفقدت "بتكوين" أكثر من ثلثي قيمتها منذ أن وصلت إلى ما يقرب من 70 ألف دولار في نوفمبر الماضي.

وكانت الحجج بشأن أكبر عملة مشفرة في العالم شبيهة بالذهب، كما ذهبت العملة التي اعتبرت مخزناً مستقلاً للقيمة تدريجياً. وفي الوقت نفسه، تخضع منظومة العملات المشفرة، بدءاً من شركات التعدين القائمة عليها والمتداولين والبورصات، إلى تدقيق متزايد وسط موجة تسريح للموظفين وتجميد عمليات السحب ومشكلات السيولة.

اقرأ أيضاً: خريف "بتكوين".. كيف تحطمت أسطورة النظام "المُحصن" للعملات المشفرة؟

لا يزال يتعذر الحصول على أي شيء بشكل صحيح في هذا السوق، حيث كانت هناك حالات صعود وهبوط كبيرة، الأمر الذي رسم صورة قاتمة. لكن "كيتنر" من بنك "إتش إس بي سي" أشار إلى أن عوامل التحريك هذا العام كانت واضحة.

وأضاف: "تماماً مثلما كان المستثمرون مهووسين بفكرة" التضخم العابر" في العام الماضي، كان هوس 2022 حتى الآن هو "ذروة التضخم". فلم يكن من الواضح ما إذا كان التضخم مؤقتاً أو أنه لم يبلغ ذروته بعد. وعلى هذا النحو، "كانت الأيام القليلة الماضية قاسية".