النفط مجدداً في سوق هابطة.. ولسبب مقنع

أسعار الوقود في إحدى المحطات التابعة لشركة "شل" في مدينة هيركوليس بولاية كاليفورنيا، يوم 22 يونيو 2022. أسعار مرتفعة ترهق ميزانيات الأسر الأميركية، لكنها قد تنخفض قريباً
أسعار الوقود في إحدى المحطات التابعة لشركة "شل" في مدينة هيركوليس بولاية كاليفورنيا، يوم 22 يونيو 2022. أسعار مرتفعة ترهق ميزانيات الأسر الأميركية، لكنها قد تنخفض قريباً المصدر: بلومبرغ
Jared Dillian
Jared Dillian

Jared Dillian is the editor and publisher of The Daily Dirtnap, investment strategist at Mauldin Economics, and the author of "Street Freak" and "All the Evil of This World." He may have a stake in the areas he writes about.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تراجعت العقود الآجلة لـ"خام غرب تكساس الوسيط" إلى أقل من 102 دولار للبرميل الأربعاء، وهو ما يشكل هبوطاً بنسبة 22% في أسبوعين، ويحقق التعريف التقني لما يُعرف بالسوق الهابطة. من المؤكد أنها لا تبدو سوقاً هابطة، لا سيما وأن النفط الخام لا يزال مرتفعاً بنسبة 40% منذ بداية العام الجاري. وإذا كنت تقضي بعض الوقت على "تويتر"، فربما تكون على علم بأن هناك مؤيدين متحمسين تماماً للنفط وأسهم الطاقة، ومعظمهم يتوقعون صعود سعر النفط إلى 200 دولار للبرميل. في الواقع، جرى تداول عقود خيارات الشراء بسعر تنفيذ عن 200 دولار بصورة سريعة إلى حد ما في الأسابيع الأخيرة.

اقرأ أيضاً: شبح تباطؤ الاقتصاد الأميركي يعمق تراجعات أسعار النفط

تدور حالة سوق النفط الصاعدة في جزء كبير منها، حول الطرح المزدوج المتمثل في عدم كفاءة الحوكمة والمسؤولية الاجتماعية، والاستثمار، حيث يفرض كلاهما قيوداً على أعمال التنقيب، ويرفعان تكلفة رأس المال لمنتجي النفط، وهو ما يقلّص بالتالي المعروض. حالياً، تدرس الحكومة الأميركية تعليق الضريبة على البنزين، وكذلك إصدار بطاقات خصم للمساعدة في الحد من تأثير ارتفاع سعره، الأمر الذي يعني دعماً مباشراً للطلب. حتى طالب الاقتصاد في سنته الجامعية الأولى، يدرك أنه إذا رفعت الطلب على سلعة ما وخفضت المعروض منها، فأنت على الأرجح ترفع سعر هذه السلعة. لكن هذا الأمر -كما هو الحال بالنسبة إلى السوق الصاعدة - لا يفسر الهبوط الأخير في أسعار النفط.

اقرأ المزيد: بايدن يصعّد الحرب الكلامية مع شركات النفط الكبرى

سبب التراجع

من هنا يأتي السوال: لماذا هذا التراجع في أسعار النفط؟ حسب اعتقادي، فإن هذا التراجع هو انعكاس لتزايد احتمالات الركود، والذي إن حدث، سيقضي على الطلب. هبطت أسعار النفط بنسبة بلغت 8.24% يوم الأربعاء، وهي أكبر نسبة انخفاض منذ أوائل شهر مارس الماضي، بعدما قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، إن حدوث ركود اقتصادي أمر ممكن، معتبراً أن الهبوط السلس مسألة "صعبة تماماً". وقد ترافق التراجع في أسعار النفط مع هبوط كبير في عائدات السندات الأميركية.

اقرأ أيضاً: بايدن: قرار وشيك بتعليق ضريبة البنزين الفيدرالية

إذا تراجع سعر النفط، ستنخفض معها معدلات التضخم، لأن النفط هو العامل الرئيسي الذي يحرك التضخم. وإذا حدث ذلك، لن يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى زيادة أسعار الفائدة كثيراً، ما سيسفر بالتالي عن تراجع عائدات السندات. مع الإشارة أيضاً إلى أن سوق الأسهم صعدت أيضاً، فيما تراجع سعر صرف الدولار، ما يعني أن سعر النفط هو الذي يقود حالياً جميع الأسواق والاقتصاد ككل، وبالتالي، إذ هبطت أسعار النفط، سيصبح كل شيء أفضل.

الأسعار إلى أين؟

على الأرجح، كانت هناك معنويات عالية أكثر من اللازم في أسواق الطاقة. فرغم كل شيء، سجل مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" المدمج للنفط والغاز، والذي كان الأفضل أداء هذا العام حتى الآن، ارتفاعاً بنسبة بلغت 40% تقريباً حتى يوم الثلاثاء الماضي، مقارنة مع هبوط بنسبة 21% في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500". والسؤال المطروح الآن هو، إلى أين سيتجه النفط بعد هذه النقطة؟ هل سيعود إلى مستويات التوازن عند 80 دولاراً للبرميل؟ أم أنه سيصعد بسرعة الصاروخ إلى 200 دولار، كما يعتقد جمهور السيناريو الأسوأ؟ مما لا شك فيه أن سوق النفط عرضة لتقلبات هائلة. تراجع النفط الخام بنسبة بلغت 23% خلال الفترة ما بين 8 و16 مارس الماضي، وبنسبة 18% خلال الفترة ما بين 23 مارس و11 أبريل الماضيين، ثم تعافى مسجلاً زيادات كبيرة بعد هاتين الجولتين من الهبوط.

شخصياً، أميل أكثر نحو الفرضية الأولى. لا يعتبر البنزين سلعة غير مرنة بشكل كامل. ففي حال صعود سعره بصورة كافية، سيستهلك الناس قدراً أقل. وهذا ما يجري حالياً. قدت سيارتي مؤخراً من أوهايو إلى ساوث كارولينا. ورغم أنها من نوع "ميني كوبر"، وتقطع حوالي 42 ميلاً لكل غالون واحد، إلا أنني أنفقت نحو 150 دولاراً على البنزين. سينفق شخص ما يقود سيارة من نوع "شيفروليه سيلفرادو" قرابة 3 أضعاف هذا المبلغ، ما يجعل تكلفة قيادة السيارة مساوية لتكلفة الطيران. كان سعر البنزين منخفضاً للغاية لفترة زمنية طويلة، لدرجة أن الأشخاص لم يفكروا حتى في تكلفته.

استهلاك أقل

لكن، هناك مرونة في الطلب، وعندما يجتمع صعود أسعار البنزين مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والكهرباء والاحتياجات الضرورية الأخرى، سيختار الناس أن يقللوا من قيادة سياراتهم. حتى شهر أبريل الماضي، كانت الأميال المقطوعة في الولايات المتحدة، والتي جرى قياسها على أساس 12 شهراً متعاقبة، قد عادت في معظم الأحيان إلى أعلى مستوياتها التي شهدتها قبل وباء كورونا. لكنني لن أقوم باستبعاد حدوث تراجع إلى المستويات التي سُجلت أوائل عام 2010، عندما كان الاقتصاد في طور الخروج من الأزمة المالية العالمية. هناك أمر آخر علينا مراعاته، وهو أن مقياس الأميال المقطوعة لا يأخذ في الحسبان عدد الأميال المقطوعة بالسيارات الكهربائية، والتي تتزايد أعدادها بشكل سريع. عملياً، نحن نستهلك من البنزين أقل مما نظن.

نظرة مستقبلية

معظم التداولات المتعارضة مع الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية، تجري غالباً في هذه المرحلة. لفترة ما، أصبح شراء الأسهم التي تستثنيها مؤشرات الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية، أمراً مألوفاً. حتى أنه جرى إطلاق صندوق مؤشرات متداولة بالبورصة على هذا الأساس. تفوقت الأسهم التي استبعدتها معايير الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية بشكل كبير على مؤشرات الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية. لكن يمكنني القول إننا بلغنا ذروة "الذعر الأخلاقي" حيال الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية. يتمثل علاج أي شيء في أن يكون لديك الكثير من ذلك الشيء. وفي حال كنت تؤمن بأن غياب كفاءة الحكومة هو المحرك الرئيسي لأسعار النفط، لا تنس أن هناك انتخابات الكونغرس النصفية التي ستجرى في شهر نوفمبر المقبل، والتي من المتوقع أن تكون غير متوازنة تماماً ضد الحزب الحالي في السلطة.

الثابت الوحيد في الأسواق المالية، هو أنه عندما تزدحم المعنويات، وتُجمع على وجود اتجاه محدد للسوق، سواء كان صعوداً أو هبوطاً، يكون التحرك في الاتجاه المعاكس عادة، هو السلوك المربح. هذا تحديداً، ما نشهده اليوم.