خريطة تحركات السلع بالنصف الثاني من 2022.. هل تستمر الأزمة؟

النصف الأول من العام الجاري شهد تقلبات حادة في أسعار كافة السلع والمواد الأولية
النصف الأول من العام الجاري شهد تقلبات حادة في أسعار كافة السلع والمواد الأولية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ستخضع السلع لمراقبة شديدة خلال الفترة المتبقية من العام الجاري، بعد النصف الأول الذي ساده اضطراب في الإمدادات والأزمات التضخمية التي أطلقها هجوم روسيا على أوكرانيا. هنا، نسعى في السطور التالية للنظر فيما يخفيه المتبقي من العام للمواد الخام بداية من النفط الخام والغاز الطبيعي وصولاً إلى الحبوب والذهب وخام الحديد.

سيدور النصف الثاني من العام حول طُرق تعامل المستهلكين والشركات والحكومات مع موجات الأزمة في تدفقات السلع، فإما أن يستطيع الاقتصاد العالمي تحمل الأسعار العالية تماماً التي يلزمها بقاء شح الإمدادات - خاصة بالنسبة للطاقة - أو أن الأسعار العالية ستُعالج من خلال الركود الاقتصادي.

على صعيد الغاز الطبيعي، تفتح تخفيضات الإمدادات الروسية عصراً جديداً مضطرباً بالنسبة لأوروبا. وفي قطاع النفط، تعتبر الخطوة القادمة لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) حيوية، وفي قطاع الغذاء، توجد بعض العلامات على هبوط الأسعار. سيكون مصير قطاع العقارات المتأزم في الصين حيوياً للمعادن، في حين أن إجراءات البنك المركزي لسحق التضخم تمثل رياحاً غير مواتية على نطاق واسع.

اقرأ أيضا: البنك الدولي: أسعار السلع الأساسية ستظل مرتفعة حتى 2024

شتاء قارس

قال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك إنه: "حتى لو لم نكن نشعر بذلك حتى الآن فنحن نعيش أزمة نقص غاز". وينذر ضغط روسيا على التدفقات إلى أوروبا بخطر حدوث نقص عالمي تاريخي - وما زالت الأسعار أعلى – في ظل اقتراب ذروة الطلب خلال الشتاء المقبل. وتتأهب الدول المستهلكة للقيام بإدارة اقتصاداتها دون وجود وقود، وستتصاعد المنافسة على الغاز الطبيعي المسال بين أوروبا وآسيا، وسيزداد الطين بلة في حال بقيت محطة التصدير الأميركية الرئيسية مغلقة.

سيسفر الغاز باهظ الثمن عن ارتفاع في فواتير الكهرباء للعائلات والشركات، وستغلق أزمة شاملة قطاعات بداية من الكيماويات وصولاً إلى الأسمدة، ما سيؤجج نيران التضخم على مستوى العالم.

تتأهب ألمانيا لبدء المرحلة التالية من خطتها للطوارئ، ووضع حصص مقننة للحصول على الغاز في كافة أنحاء أوروبا وهو ما يعد احتمالاً حقيقياً. وفي اليابان، التي تعتبر إحدى أكبر مستوردي الغاز الطبيعي المسال حول العالم، تسعى الحكومة للحد من الاستهلاك، وتدرس اتخاذ إجراءات لم يسبق لها مثيل لشراء وقود أكثر.

اقرأ أيضا: من الذهب إلى الحبوب.. أسعار السلع تصعد فيما تواجه روسيا العزلة

هوس التغذية

هل عبرت أزمة الغذاء العالمية أسوأ ما فيها؟ يوجد حديث متنامٍ حول صعود أسعار الحبوب وزيت الطهي إلى مستويات ذروتها، وربما زادت أيضاً تكاليف الغذاء حول العالم.

هناك إمدادات أكثر في الطريق، مع انطلاق موسم حصاد القمح الشتوي في نصف الكرة الشمالي، وقمح موسم الربيع والذرة وفول الصويا في وقت لاحق. سينتقل التركيز نحو الإنتاج في أستراليا والبرازيل والأرجنتين. وعدا مشكلات الطقس، من الممكن أن يزداد الإنتاج، حيث يزرع المزارعون مساحات أكثر استجابة لصعود الأسعار.

ستبقى المخزونات على مستوى العالم عالقة خلال الموسم القادم – مع وجود ملايين الأطنان من الحبوب محتجزة في أوكرانيا - لكنها قد لا تصبح أكثر شحاً بطريقة ضخمة. تصل بعض الشحنات الأوكرانية إلى أوروبا، بينما تتجه روسيا نحو تحقيق محصول وفير. وهبط سعر زيت النخيل، وهو زيت الطعام الأكثر استهلاكاً حول العالم، إلى أدنى مستوى له خلال السنة الجارية في ظل زيادة صادرات إندونيسيا، في حين انخفضت أسعار القمح والذرة وفول الصويا من أعلى مستوياتها. وتقلصت تكاليف الغذاء على مستوى العالم فعلاً من مستويات ذروتها التاريخية في شهر مارس الماضي، ومن الممكن أن يعقب ذلك المزيد من التراجعات.

اقرأ أيضا: إنفوغراف.. ارتفاعات قوية لأسعار السلع في 2021

خريطة تحركات السلع بالنصف الثاني من 2022
خريطة تحركات السلع بالنصف الثاني من 2022 المصدر: بلومبرغ

معضلة النفط

تعتبر منتجات عملية التكرير بداية من البنزين إلى الديزل هي البؤر الساخنة في سوق النفط في الوقت الراهن، والسؤال الكبير خلال النصف الثاني من العام هو ما مدى احتمالية استدامة الطلب في ظل صعود الأسعار.

وأسفر خليط مكون من دعم الوقود الذي يُبقي الاستهلاك صامداً – علاوة على قدرة التكرير المحدودة - على تعزيز الزيادات التي تجاوزت أسعار النفط الخام. واستحوذ البنزين الأميركي الذي يبلغ سعره 5 دولارات لكل غالون على الاهتمام السياسي، ما قد يسفر عن فرض تدابير سياسية قبيل إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي خلال شهر نوفمبر المقبل.

هناك إجماع محدود على ما سيجري بعد ذلك في سوق النفط الخام، لكن نستطيع أن نتوقع حدوث مناقشات أعلى صخباً حول مقدار ما يمكن أن تضخه منظمة أوبك وحلفاؤها، لا سيما في حال استمرت الأسعار أعلى من 100 دولار لكل برميل.

في حين يتوقع إد مورس، وهو مراقب محنك لقطاع النفط لدى شركة "سيتي غروب"، هبوط سعر النفط الخام إلى 80 دولاراً مع حلول الربع الأخير من العام الجاري على خلفية "الرياح القوية غير المواتية لتحقيق النمو"، يعتبر مصرف "غولدمان ساكس غروب" من بين المراهنين البارزين على صعود الأسعار، حيث تحتاج أسعار النفط إلى مزيد من الارتفاعات لإعادة مخزونات منخفضة بطريقة غير مستدامة إلى طبيعتها.

اقرأ أيضا: النفط مجدداً في سوق هابطة.. ولسبب مقنع

عامل الصين

أسفرت الاضطرابات في أوروبا والتحول للسياسية النقدية المتشددة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عن جعل المشكلات في الصين أقل حسماً من المعتاد بالنسبة لأسواق السلع الأساسية. لكن، بكين، أكبر مستوردة للطاقة والمعادن والمحاصيل ستبقى عاملاً أساسياً خلال الشهور القادمة، لا سيما في حال انتعاش الاقتصاد ليحقق هدف الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي يتمثل في بلوغ مستوى نمو سنوي يصل إلى 5.5%.

من الممكن أن يسفر ذلك عن زيادة حجم الطلب، لكن أسواق المعادن بصفة خاصة تبين السبب الذي ربما يجعل الرهانات على أي تعزيز كبير لبرامج التحفيز تنذر بوجود مخاطر.

يتمثل أساس المشكلة في سوق العقارات المتداعية بالصين، والتي كانت في حالة تراجع طويلة الأمد منذ أن وجه "شي" تحذيراً من أن سوق الإسكان "ليست من أجل المضاربة".

هناك دلائل محدودة على أن الحكومة توشك أن تقوم بعكس ضغطها على قطاع كان جوهرياً للغاية في عملية إعادة تشغيل أسواق خام الحديد والنحاس عقب فترات تراجع سابقة. ويعد الإنفاق الإضافي على البنية التحتية غير كافٍ لتعويض الخسارة، وهو ما يجعل أهداف نمو "شي" عرضة للخطر، ما سيؤدي إلى أن خام الحديد قد يواجه صعوبة في مضاهاة أعلى مستوياته خلال السنة الجارية.

اقرأ أيضا: الاقتصاد الصيني ينتعش في مايو بدعم الصناعة وتخفيف قيود كورونا

الوسط الذهبي

في أعقاب الصعود إلى مستوى قياسي على إثر الغزو الروسي، عاد الذهب إلى حيث بدأ السنة الحالية، وتضع التوقعات المُجمع عليها للربع الأخير من العام الجاري الأسعار أعلى مما هي عليه في الوقت الراهن.

في حال كان هذا يظهر كأمر ممل بعض الشيء، فعليك أن تتذكر أن القوى المتينة التي تُبقي المعدن الثمين تحت السيطرة ترتبط بطريقة مباشرة مع الديناميكيات التي تشكل أسواق السلع على نطاق أوسع. ولا شك أن الذهب يتعرض لبعض الرياح غير المواتية المستترة وهي الزيادات الضخمة في أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الأخرى، والدولار القوي، كما أنها تناضل في مواجهة الطلب المادي في الصين التي تعد أكبر مستهلك.

اقرأ أيضا: الذهب يفقد بريقه في 2021 ويسجل أسوأ أداء منذ 2015

غير أن الشكوك حول قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على مكافحة معدلات التضخم دون الدخول في ركود اقتصادي في الولايات المتحدة توفر الدعم، وربما يسفر الهبوط الحاد للاقتصاد على مستوى العالم إلى إحياء الطلب على الملاذ الآمن.

ومن هذا المنطلق، سيكون الذهب مقياساً لتحديد ما إذا كان يوجد لدى البنوك المركزية إمكانية لكبح ضغوطات الأسعار دون تحطيم النمو الاقتصادي.

وكان الأصل المستخدم كملاذ آمن الذي جرى تجربته وإخضاعه للاختبار أعلى من 1800 دولار لأغلب فترات النصف الأول، وربما ينتهي العام عند ذلك المستوى ما لم توجد أزمة كبرى أخرى.