بوريس جونسون في ورطة لكن الاقتصاد البريطاني على ما يرام حالياً

بوريس جونسون، رئيس وزراء المملكة المتحدة
بوريس جونسون، رئيس وزراء المملكة المتحدة المصدر: بلومبرغ
Marcus Ashworth
Marcus Ashworth

Marcus Ashworth is a Bloomberg Opinion columnist covering European markets. He spent three decades in the banking industry, most recently as chief markets strategist at Haitong Securities in London.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا شك في أنَّ بريطانيا تشعر حالياً بحالة ضعف في ظل التضخم الجامح والحرب في أوكرانيا وكل الصعوبات المحلية التي يواجهها الكيان السياسي في البلاد. لقد واجه رئيس الوزراء بوريس جونسون، الذي يعاني بالفعل من فضائح وانتكاسات انتخابية مختلفة، ضربة مزدوجة يوم الثلاثاء بعد استقالة وزير الخزانة ريشي سوناك ووزير الصحة ساجد جافيد، وهما من الأعضاء الرئيسيين في مجلس الوزراء.

بالرغم من الأنباء المحبطة عن التضخم والطاقة؛ لكنَّ الأمر مختلف تماماً بالنسبة للاقتصاد، فالوضع في بريطانيا ليس مريعاً بهذا الشكل في الواقع وسط وجود تحفيز وبائي متداول بقيمة 400 مليار جنيه إسترليني (480 مليار دولار).

إذا عانى العالم من ركود في قطاع الطاقة، فيجب أن تصمد هذه الدولة الجزرية الصغيرة الممطرة المزدحمة بشكل أفضل من معظم الدول. وهذا من منطلق أنَّ التوظيف الكامل، والقطاع المصرفي القوي، والميزانيات العمومية القوية للأسر والشركات، والقدرة على إضافة المزيد من الحوافز المالية الحكومية- برغم ما قاله وزير المالية السابق- بإمكانهم المساعدة في خفض حدّة أي انكماش.

طالع المزيد: الزهاوي يرث اقتصاد بريطانيا المتعثّر ويخطط لكبح التضخم وخفض الضرائب

نسبة الدين

تظل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة أقل بقليل من 100%، وهي أفضل من اقتصادات كبرى أخرى عديدة لذلك هناك مجال للاقتراض. (إيطاليا المثقلة بالديون تتجاوز ديونها حاجز الـ150%).

كان سوناك قد أعلن بالفعل عدة مرات عن خطة لزيادة الإنفاق منذ تقديم تفاصيل الميزانية في أكتوبر. يكاد يكون من المؤكّد أنَّ خليفته نديم الزهاوي سيفعل الأمر نفسة مرة أخرى في أي ميزانية طارئة لمحاولة السيطرة على الوضع. يمكن التحدث بصوت خافت عن ذلك، لكن هناك الكثير من المرونة المتاحة إذا دعت الحاجة السياسية لذلك، كما أنَّ التخفيضات الضريبية قادمة، ويمكن لسوق السندات الحكومية البريطانية التعامل مع أي عرض إضافي في حدود المعقول.

من الصعب وضع نموذج لهذا التفاخر المالي المحتمل في التقديرات الاقتصادية، لذلك كن حذراً عند الاستماع إلى بعض التوقُّعات المروعة. تمتلك منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية -التي أُشير إليها مراراً وتكراراً في الآونة الأخيرة- سجلاً ضعيفاً بشكل خاص في التنبؤ بالنمو الاقتصادي للمملكة المتحدة.

اقرأ أيضاً: اقتصاد بريطانيا المنهك ينزلق نحو الأسوأ

تجديد الثقة

ما يهم حقاً هو أنَّ البنك المركزي البريطاني قد جدد الثقة لمواصلة دورة رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، فهو يتمتع بوضع أفضل بوضوح من البنك المركزي الأوروبي الذي ما زال عالقاً في أسعار فائدة سلبية للغاية.

يحتمل أن تظل أفضل مؤشرات النمو المستقبلية في المملكة المتحدة- استطلاعات مديري المشتريات- أعلى من خط النمو، على عكس اقتصادات عديدة في أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، صمدت مدينة لندن، وهي مصدر رئيسي للأرباح والإيرادات الضريبية، بشكل أفضل مما كان يُخشى، كما أنَّ أداء مؤشر فوتسي 100 كان أفضل من المؤشرات الرئيسية الأخرى.

قد يبدو كل هذا وكأنَّه يمثل محاولات تجريبية لإصلاح الأوضاع، لكنَّ الاقتصاد الأساسي قوي كفاية لتحمل الكثير من الصدمات المنهجية، وسعى القطاع المصرفي- في ظل رقابة الهيئة التنظيمية العليا (Prudential Regulation Authority)- جاهداً لعدم مواجهة مخاطر القروض المتعثرة المحتملة. لنفترض أنَّ البنوك حذرة لكنَّها تستمر في اتخاذ إجراءات، فهي تظل واثقة عند تقديم القروض للشركات، وكذلك قروض الرهن العقاري.

الركود غير مطروح

مع ذلك، لا شيء من هذه الأمور يعني أنَّ الركود غير مطروح على الطاولة، بل يبدو بالنسبة للكثيرين أنَّنا نعاني بالفعل من واحد منها. فقد كان النمو الاقتصادي منخفضاً في الأشهر الأخيرة، وأزمة تكلفة المعيشة بدت حقيقية جداً بالنسبة للكثيرين. ويكاد يكون من المؤكد أنَّ التضخم يتجه لتسجيل أرقام من خانتين بحلول الخريف، لكن يجدر به الاستقرار في وقت لاحق من هذا العام قبل التراجع سريعاً بعد ذلك، ما لم توقف روسيا إمدادات الطاقة إلى أوروبا.

لكنْ هناك صندوق حرب، إنْ صح القول، حيث تعد الموارد المالية للأسر البريطانية جيدة، بل إنَّها في الواقع الأفضل نسبياً بين جميع الاقتصادات الكبرى مع تراكم مدخرات بنحو 200 مليار جنيه إسترليني خلال فترة تفشي الوباء. من الواضح أنَّ عدم استغلال هذه المدخرات بعد يشكّل دليلاً على خوف المستهلكين، خاصة أنَّ أسعار المنازل كانت آخذة في الارتفاع.

عادة في مثل هذا السيناريو الحميد، سيُضاف الإنفاق على التجزئة بقوة إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي. كذلك، تتغذّى هذه السلبية في الإنفاق على ذاتها، لكن في مرحلة ما ستنعكس وتعطي دفعة صحية أعلى لأي حالة انتعاش اقتصادي.

التوظيف

كذلك، يعد التوظيف القوة الأكثر وضوحاً بالنسبة للاقتصاد البريطاني، خاصة أنَّ ضغوط تكلفة المعيشة أصبحت بالفعل أزمة أوسع نطاقاً مع ارتفاع معدلات البطالة بحدة. ربما تبدو الجهود الحثيثة لمخطط سوناك للإجازات المؤقتة قد ولّت منذ فترة طويلة، لكنَّها أبقت الشركات والموظفين صامدين أثناء عمليات الإغلاق. يبلغ معدل البطالة 3.8% فقط مع وجود وظائف شاغرة عددها يبلغ 1.7 مليون، وهذا أمر جيد حقاً.

بطبيعة الحال، هناك الآن تداعيات للتدابير السابقة، إذ يتم سحب التحفيز الوبائي تدريجياً، لكنَّ الآثار الداعمة المتبقية يجب أن توفر حماية مستقبلية لبعض الوقت، ولا شك في أنَّ الإيرادات الضريبية الحكومية تصمد بشكل جيد. جدير بالذكر أنَّ الوضع ليس جيداً وسلساً بأي شكل من الأشكال، لكن جميع الأجزاء الرئيسية للاقتصاد في وضع معقول عندما تفكر في إغلاق العالم بأسره ثم استئناف العمل مرة أخرى بشكل كبير.

لقد تسبب ضعف الجنيه الإسترليني في تفاقم تكلفة استيراد السلع المسعرة بالدولار بشكل كبير، لكنَّ الجنيه الإسترليني ليس العملة الوحيدة التي تعاني من القوة الهائلة للدولار الأميركي.

لذلك اِبقَ مبتهجاً، ولا تتذمر، فنحن لسنا في أسوأ حال من الآخرين، طالما أنَّك تغض بصرك عن "وستمنستر".