الماركات العالمية أولى ضحايا التعامل الحذر مع الجنيه في السوق المصرية

الجنيه المصري
الجنيه المصري المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يواجه المصريون صعوبة متزايدة في الحصول على بعض السلع الاستهلاكية، بينما تتردد أصداء محاولة دعم الجنيه عبر اقتصاد الدولة الذي تبلغ قيمته 400 مليار دولار والذي يعاني من نقص الدولار.

في حين توجد السلع الأساسية بوفرة، أصبح نقص المنتجات الفاخرة - بدءاً من الملابس الصيفية إلى السيارات المستوردة - أمراً شائعاً في الأسواق. وتراجعت اختيارات المستهلكين لمجموعات الموضة السريعة مثل "مانغو"(Mango) و"زارا" (Zara) و"إتش آند إم" (H&M).

عندما يتعلق الأمر بواردات السلع الغذائية؛ فإنَّ بعض العلامات التجارية لحبوب الإفطار ورقائق البطاطس والـ"هوت دوغ" البقري، وكذلك الأصناف المتنوعة من صلصة "بيستو" و"اللازانيا"، يمكن أن تنفد بسرعة أو يصبح الحصول عليها صعباً، بحسب ما قال متسوقون تواصلت "بلومبرغ" معهم.

نتاج السياسات

إنَّ ما يحدث هو ناتج عن سياسات مُطبّقة منذ ستة شهور، والتي شدّدت الرقابة على الواردات، وبالتالي؛ أدخلت الطلب على العملة الصعبة في عنق زجاجة. وفي ظل تفاقم مجموعة من الآثار الجانبية عبر اقتصاد البلاد، اضطرت الحكومة لاتخاذ خطوات إضافية دعماً لماليتها العامة، وهي في خضمّ محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج جديد.

يُقدّر "غولدمان ساكس" أنَّ مصر قد تحتاج لحزمة بقيمة 15 مليار دولار من صندوق النقد الدولي للوفاء باحتياجاتها التمويلية خلال السنوات الثلاث المقبلة، لكنَّ وزارة المالية أكّدت أنَّ المبلغ المطلوب أقل من ذلك. ويُضاف ذلك إلى تعهدات بأكثر من 22 مليار دولار على شكل ودائع واستثمارات من السعودية والإمارات وقطر.

فاروق سوسة، وهو اقتصادي ببنك "غولدمان ساكس" في لندن، يؤكد أنَّ "هناك نقصاً بالعملة الأجنبية في الدولة"، مستشهداً بتدهور صافي الأصول الأجنبية للبنوك وتراجع الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي كدلائل على النقص.

باعتبارها أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان وإحدى أكبر مستوردي القمح في العالم؛ كانت مصر من بين الاقتصادات الناشئة الأكثر عرضةً للصدمات التي عصفت بأسواق السلع بعد غزو روسيا لأوكرانيا. وساهمت موجة التضخم وما يرافقها من اضطرابات بنشوب أسوأ أزمة على صعيد سعر الصرف، منذ أن أدّت ندرة الدولار في السوق المصرية قبل 5 سنوات إلى خفض قيمة الجنيه، ودفع الدولة في النهاية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار.

البنك الدولي يدعم الأمن الغذائي المصري بنصف مليار دولار

لكنَّ إجراءات الحكومة منذ بداية العام لكبح الاستيراد، سلّطت الضوء كيف أنَّ مغازلة مصر لمستثمري المحافظ الدوليين، بالتزامن مع سعيها الدؤوب لجذب رأس مال أجنبي للمدى الطويل، جعلت الاقتصاد مكشوفاً عند دنو تأثيرات الصراع في أوروبا من البلاد.

أدّت العجوزات المالية الراسخة في الحساب الجاري، والمستمرة منذ أكثر من عقد، إلى الاعتماد على التدفقات الأجنبية المتقلّبة إلى الأوراق المالية المحلّية لتمويل النقص المزمن في العملة الصعبة.

في غضون ذلك، شهد الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي طالما روّجت له السلطات باعتباره أولوية، ركوداً بعد انتعاش لفترة قصيرة.

أبقت سياسات الحكومة على استقرار الجنيه إلى حدٍّ كبير، بعد تخفيض قيمته في عام 2016، إلى أن سمح البنك المركزي له بالتراجع بشكل حاد في مارس 2022.

انخفضت العملة المصرية يوم الثلاثاء إلى ما يزيد عن 19 جنيهاً للدولار للمرة الأولى منذ يناير 2017. مما أدّى لتراجعها بنسبة 3% تقريباً عن أدنى مستوى سجلته عام 2016، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".

الحكومة المصرية أعلنت في مايو أنَّ المستثمرين الأجانب سحبوا نحو 20 مليار دولار من سوق الدين المحلية منذ بداية 2022. بينما انخفض صافي الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي المصري، والتي كانت تنمو منذ منتصف عام 2020، خلال ثلاثةٍ من الأشهر الأربعة الماضية.

احتياطي مصر من النقد الأجنبي يفقد 18.45% من قيمته في 6 أشهر

لتهدئة الطلب على الدولار، طبّقت مصر نهجاً، يُلقى باللوم عليه في حال حدوث فجوات بالمعروض من بعض المنتجات.

منذ فبراير، بدأت السلطات بمطالبة المستوردين بتأمين ما يسمى بخطاب اعتماد من بنوكهم حتى يتمكّنوا من شراء البضائع المستوردة.

قال مسؤول في شركة مصرية رئيسية تبيع السلع الاستهلاكية الأجنبية إنَّ وارداتها تراجعت من إجمالي شهري يبلغ حوالي 25 مليون دولار إلى حوالي مليون دولار في الأشهر الأربعة التي أعقبت تطبيق القواعد الجديدة. وأضاف الشخص، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أنَّ جميع السلع المستوردة للشركة نفدت حالياً.

كما يتفاقم مأزق شركة مصرية أخرى تستورد السيارات، إذ لم تحصل على موافقة واحدة لشحن مركبات من الخارج منذ نهاية مارس، بحسب مسؤول بالشركة.

في حين أنَّ القواعد الجديدة أعفت عدداً من المنتجات الأساسية، بما في ذلك الأدوية وبعض المواد الغذائية، ولا تُطبّق إلا على المعاملات التي تتجاوز 5000 دولار؛ فإنَّ الإجراء الجديد (الحصول على الاعتمادات المستندية) عملية أكثر تعقيداً من ذي قبل، مما أدّى إلى ارتفاع التكاليف، وتسبّب في تأخير أعمال الشركات.

دفع تأخر مَنح الموافقة على الاستيراد في نهاية المطاف الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى إصدار إعفاءات إضافية للمواد الخام والمنتجات الوسيطة، في محاولةٍ لتحفيز الإنتاج المحلي. لكن هذا القرار تطلّب توفير العملة الصعبة لاستيراد تلك البضائع.

تجدر الإشارة إلى أنَّه يمكن لأصحاب الحسابات الفردية شراء العملات الأجنبية بشكل عام من البنوك لأغراض السفر المزمع، برغم فرض حدود أدنى (على المبالغ المطلوبة) منذ مارس، في حين لا توجد قيود صارمة سارية على معاملات بطاقات الائتمان في الخارج.

كارلا سليم، الخبيرة الاقتصادية في "ستاندرد تشارترد" (Standard Chartered)، لفتت إلى أنَّ إدارة العملة في مصر ربما تكون حالياً محط تركيز بالغ الأهمية في مناقشاتها مع صندوق النقد الدولي.

مصر تأمل الوصول لاتفاق مع صندوق النقد قبل نهاية العام

وأوضحت أنَّ الصندوق "سيجعل على الأرجح مرونة سعر الصرف أولوية". وكان هذا بالفعل من بين دعواته بعد تخفيض قيمة العملة المصرية في مارس، وحثّ صندوق النقد الدولي أيضاً الحكومة على إجراء إصلاحات أعمق.

من المحتمل أن تكون مصر على مسافة أيام، إن لم يكن أسابيع، للتوصل لاتفاق مع الصندوق، مما يترك المستهلكين يواجهون صعوبات حتى حينه.

كشفت أم ليلى: "عندما ذهبت لشراء بعض الملابس الصيفية لأولادي، كانت معظم المتاجر تعرض أشياء أساسية للغاية، بالإضافة إلى ملابس شتوية مختلفة".

كما أفصحت الأم لثلاثة أطفال، التي طلبت عدم استخدام اسمها الكامل لأسباب تتعلق بالسلامة، أنَّ مندوب مبيعات في متجر بمركز تسوق بالقاهرة ألقى باللوم إزاء ما يحدث على المخزونات التي أوشكت على النفاد، وأخبرها أنَّ الملابس الشتوية يجب أن تملأ الفراغ.

أم ليلى قالت: "لم أصدق ما رأيته بعيني".