تحديد سقف لأسعار النفط الروسي يهدد بأزمة يسعى دُعاته لتجنبها

وزارة الخزانة ترى أن الخطة قد تسهم بكبح ارتفاع أسعار النفط بسبب العقوبات وسط تشكيك بنجاحها

عجلة تحكم بصمام أنبوب نفط خام في حقل نفط في جمهورية باشكورتوستان في روسيا
عجلة تحكم بصمام أنبوب نفط خام في حقل نفط في جمهورية باشكورتوستان في روسيا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حصل أمر غريب هذا الربيع فيما كانت الحكومات الأوروبية تعدّ حزمتها السادسة من العقوبات على روسيا، فقد راودت واشنطن، التي تزعمت المساعي الدولية لتشديد الضغوط على موسكو منذ غزوها لأوكرانيا، مخاوف حيال تداعيات محتملة لجزء من تلك الخطة. يسعى مسؤولو وزارة الخزانة جاهدين منذئذ للتوصل إلى حلّ بديل.

لا تخطئن الظنّ، فإدارة بايدن ليست قلقة إزاء إلحاق كثير من الأذى بالكرملين، لكنها تخشى أن تؤدي العقوبات الأوروبية لنتائج عكسية وأن تكون لها تبعات وخيمة على المستهلكين والمؤسسات في الولايات المتحدة وأوروبا ودول أخرى بدأت بالفعل تحسّ بمواجع ارتفاع أسعار الطاقة. لذا ابتكرت وزارة الخزانة حلاً يبدو ذكياً، إلا أنه قد يؤدي إلى مواجهة خطيرة مع موسكو.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلقي خطاباً عبر تقنية الفيديو أمام قادة دول مجموعة السبع، بينهم الرئيس جو بايدن (إلى اليسار) في قمة مجموعة السبع في ألمانيا في 27 يونيو.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلقي خطاباً عبر تقنية الفيديو أمام قادة دول مجموعة السبع، بينهم الرئيس جو بايدن (إلى اليسار) في قمة مجموعة السبع في ألمانيا في 27 يونيو. المصدر: غيتي إيمجز

أسعار نفط شاهقة

تستهدف هذه العقوبات النفط الروسي، فإلى جانب حظر يشمل تقريباً كافة واردات النفط الخام الروسي عبر البحر، وافق الاتحاد الأوروبي في يونيو على منع الشركات في الدول الـ27 الأعضاء في التكتل من تقديم خدمات بحرية لناقلات النفط الروسية، التي تحمل شحنات نفط مشكوك بها في أي مكان في العالم، ابتداءً من 5 ديسمبر. وقد أعلنت المملكة المتحدة وسويسرا أنهما ستحذوان حذو الاتحاد.

توقع مسؤولون في وزارة الخزانة أن يؤدي الحظر الذي فرضه الاتحاد لعزل جزء كبير من النفط الروسي المنقول بحراً من السوق العالمية نظراً لهيمنة الشركات الأوروبية والبريطانية على قطاع تأمين شحنات ناقلات النفط وتمويلها، ما قد يعني أن مؤشرات أسعار النفط ربما تجمح لأكثر من 140 دولاراً للبرميل.

الاتحاد الأوروبي يقترح فرض عقوبات جديدة على روسيا

ينبئ ذلك بمشاكل اقتصادية وسياسية ستتردد تبعاتها على امتداد العالم المثقل أصلاً بالتضخم. تذكروا كيف وجّه ارتفاع متوسط سعر البنزين إلى ما فوق 1.25 دولار للتر في الولايات المتحدة في يونيو ضربة قاسية لمستوى تأييد الرئيس جو بايدن ولحظوظ الديمقراطيين في الحفاظ على الغالبية في الكونغرس في الانتخابات المقررة في نوفمبر. كان سعر برميل النفط حينئذ 120 دولاراً.

قالت حليمة كروفت، محللة أسواق النفط في شركة "أر بي سي لأسواق رأس المال" (RBC Capital Markets): "في حال دخول الحزمة السادسة حيز التنفيذ ستحدث اضطرابات كبرى".

سقف لأسعار النفط

يعمل الحلّ الذي تقترحه وزارة الخزانة لتفادي ذلك عبر ما يلي: فيما يستمر التخلي عن النفط الروسي، يتفق ائتلاف من الحكومات على منح استثناء من الحظر المفروض على خدمات الشحن الأوروبية للشراة الذين تفاوضوا على سعر للنفط دون سقف يُتفق عليه، على أن يكون هذا السقف أعلى من تكلفة الإنتاج الروسي ولكن بما يكفي فقط لمنح موسكو حافزاً للاستمرار في تصدير النفط. سيحول ذلك دون حصول ارتفاع مخيف بالأسعار، فيما يحدّ بشكل كبير من الإيرادات الروسية، ما يضعف قدرة الكرملين على دعم الاقتصاد وتمويل الحرب في أوكرانيا.

أٌعلن عن هذه الفكرة في مايو بعدما ناقشها وزراء خارجية مجموعة الدول السبع في اجتماعهم في بون. لكن لم يحقق مؤيدو هذا الخيار تقدماً يذكر على مدى أسابيع تلت ذلك رغم الضغوط التي مارستها وزيرة الخزانة الأميركية جانيت ييلين وطاقمها حول العالم. إلا أنهم تمكنوا من تسجيل اختراق كبير في الاجتماع التالي لوزراء مالية دول مجموعة السبع الذي عُقد إلكترونياً عبر الفيديو في 2 سبتمبر، حين أيدت المجموعة رسمياً الخطة.

الاتحاد الأوروبي يُسرّع جهوده للموافقة على وضع سقف لسعر النفط الروسي

مع ذلك، ما تزال هذه المساعي تواجه عراقيل ضخمة وكثيراً من التشكيك. إذ يتعين على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تُجمع على تضمين عقوباتها هذا الاستثناء الممنوح للشحنات الخاضعة للسعر الأقصى، وهي خطوة لم تقتنع بعض الحكومات الأعضاء بالاتحاد، أبرزها المجر، بضرورتها أو ملاءمتها. يُرجح عديد من المحللين والمتداولين والمديرين التنفيذيين في مجال الطاقة أن تفشل الخطة. كان غال لوفت، المدير الشريك لمعهد تحليل الأمن العالمي، وهي مؤسسة بحثية في واشنطن، استبعد نجاح الخطوة في مقابلة مع قناة "سي أن بي سي" وقال إنها "فكرة سخيفة".

على سبيل المثال، مُنعت الشركات الغربية من تأمين شحنات النفط الإيرانية وتمويلها بشكل متقطع منذ 2012، لكن ذلك لم يمنع النفط الخام الخاضع لعقوبات من الوصول إلى زبائن صينيين مستعدين لشرائه. لذا في حال لم تلتزم كلّ من الهند والصين، أكبر مستهلكين للنفط الروسي بتحديد سقف السعر، فإن الخطة ستبوء بالفشل، حسب ما يرى منتقدوها.

مساومة على السعر

ما لا تستوعبه وجهة النظر هذه هو أن وزارة الخزانة تريد في الواقع أن يصل الخام الروسي إلى الشارين، حتى لو كان ذلك عبر الالتفاف تماماً على حظر الخدمات وعلى سقف السعر . قالت كروفت التي حضرت لقاءات حول تحديد سقف للسعر مع مسؤولين في وزارة الخزانة إن "الهدف كلّه هو تفادي حصول اضطراب كبير في السوق... معيار النجاح هو ما إذا ما كان النفط الروسي سيستمر ببلوغ آسيا".

قد لا يحرم ذلك الكرملين من حجم إيرادات ترغبه واشنطن، لكنه قد يسهم في تجنب حدة ارتفاع الأسعار. بما أن دول الاتحاد الأوروبي والأعضاء في مجموعة الدول السبع لم تعد تشتري إلا قليلاً جداً من النفط الروسي المنقول بحراً، فإن الطلب الأساسي سيأتي فقط من الصين والهند وتركيا، وهذا ليس وضعاً مثالياً بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين.

روسيا تقلل من التأثير الاقتصادي للعقوبات وسط تصعيد الحرب

قال جوليان لي، الخبير الاستراتيجي في مجال النفط في مقابلة مع بلومبرغ إنه في حال لم يتبق إلا "ثلاثة شراة كبار للخام الروسي، فسيمنحهم ذلك قدرة مساومة هائلة على السعر... يُستبعد أن يضيّعوا مثل هذه الفرصة". ثمة إشارات بأن روسيا بدأت تعرض أسعاراً مخفضة لشراة في آسيا.

يروّج مسؤولو وزارة الخزانة لمثل هذا السيناريو بالذات ويقولون إنهم يرحبون به. علّق مساعد وزيرة الخزانة بن هاريس في جلسة استضافها معهد "بروكينغز" في 9 سبتمبر قائلاً: "في حال تحقق ذلك عبر البيع بلا سقف للسعر، أو عبر زيادة قدرة مستهلكي النفط على المساومة، فالأمر سيان".

خيارات صعبة

إلا أن بعض المتابعين المخضرمين للكرملين يحذرون من سيناريو آخر أخطر. يرى كريغ كينيدي، الباحث في مركز ديفيس للدراسات الروسية والأوراسية في جامعة هارفرد، أن ما لا يقلّ عن نصف الصادرات الروسية التي تبلغ اليوم 7.5 مليون برميل في اليوم قد تبقى عالقة في روسيا بسبب العقوبات الأوروبية لأن الشراة الذين لم يلتزموا بالسعر الأقصى المحدد، لن يتمكنوا من الحصول على خدمات الشحن من مصادر أخرى.

قال كينيدي، النائب السابق لرئيس مجلس إدارة "بنك أوف أميركا ميريل لينش" في لندن: "إن كان المسؤولون الروس يعتقدون أن بإمكانهم القيام ببعض الرحلات الجوية وإقناع عشرات شركات الشحن وشركات التأمين والحكومات الآسيوية بنقل مليارات الدولارات المخصصة لتغطية المسؤولية التأمينية نحو ناد جديد من شركات التأمين بقيادة روسيا، لتعاود دفع سعر أعلى للنفط الروسي، فأعتقد أنه سيخيب أملهم".

في حال أصاب كينيدي في وجهة نظره، فإن روسيا ستواجه خيارين أحلاهما مرّ، إمّا بيع النفط ملزمة بسقف السعر المحدد، وهو خيار كان بوتين قد سخر منه، أو تخفيض الإنتاج بشكل كبير، ما يؤدي لارتفاع حاد في الأسعار العالمية. لن يكون اتخاذ القرار سهلاً على بوتين، فالأمر لا يقتصر على خسارة مزيد من إيرادات النفط، لكنه قد يشكل تهديداً بالإضرار بآبار النفط الروسية على المدى الطويل.

ألمانيا والمملكة المتحدة تكشفان عن خطط إنقاذ لاحتواء تداعيات أزمة الطاقة

قال كينيدي إنه لن يتفاجأ إن هدد بوتين بخفض صادرات النفط والغاز قبل شهر ديسمبر، حين يدخل تحديد سقف السعر حيز التنفيذ سعياً لتقويض عزم الغرب. أضاف قوله: "الطريقة الأفضل حتى يحقق ذلك هي تعجيل حصول أزمة طاقة". أضاف أن بوتين يريد توجيه رسالة للغرب مفادها أن "هذه الإجراءات ستؤذيكم أنتم، الغرب، أكثر من روسيا. لدينا عزيمة كبرى وسننتصر".

عندها سيكون على أوروبا والولايات المتحدة أن تتخذا القرار الصعب، إمّا التراجع المهين عن العقوبات وعن تحديد سقف للسعر، أو مواجهة الأزمة التي كانت الخطة الأميركية تسعى لتجنبها أصلاً.