بنك إنجلترا بصدد اتخاذ خطوة تاريخية لبيع سندات بقيمة 838 مليار جنيه إسترليني

أول بنك مركزي بالاقتصادات الكبرى يتجه للتحول نحو سياسة التشديد الكمي

مبنى بنك إنجلترا (يسار الصورة) ومبنى "رويال إكستشينج" في الحي المالي بمدينة لندن، المملكة المتحدة.
مبنى بنك إنجلترا (يسار الصورة) ومبنى "رويال إكستشينج" في الحي المالي بمدينة لندن، المملكة المتحدة. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من المرتقب أن يصبح بنك إنجلترا اليوم الثلاثاء أول بنك مركزي في البلدان الكبرى يبيع الأصول المتراكمة خلال برنامج التحفيز الذي استمر 13 عاماً، ليصبح بمثابة حالة اختبار لمدى سرعة تحول الأسواق بعيداً عن سياسات الأموال الرخيصة.

يخطط البنك المركزي البريطاني، الذي اشترى سندات الخزانة منذ بضعة أسابيع لتهدئة الضغوط بالسوق، لإطلاق العطاء الأول لبيع ما قيمته 750 مليون جنيه إسترليني من الأوراق المالية قصيرة الأجل التي يسعى للتخلص منها. ومن المقرر إعلان نتائج العطاء في نحو الساعة الثالثة بعد الظهر في لندن.

تهدف هذه الخطوة إلى عكس مسار برنامج التسهيل الكمي الذي ساعد في دعم الاقتصاد خلال الأزمة المالية العالمية والوباء. بموجب البرنامج، اشترى بنك إنجلترا سندات من الأسواق المالية لدفع أسعار الفائدة إلى ما يقرب من الصفر، على أمل أن تمنح الأموال الرخيصة المستثمرين الثقة وتساعد على تعزيز النمو.

في حين كبح التيسير الكمي جماح أسعار الفائدة في السوق، يأمل المحافظ أندرو بيلي أن يعمل التشديد الكمي، وهو بخلاف التيسير الكمي، بشكل تلقائي، ويترك مهمة التركيز على سعر الإقراض القياسي لبنك إنجلترا هي الأداة الرئيسية لإدارة السياسة النقدية.

قال بول هولينغسورث، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في بنك "بي إن بي باريبا": "تشديد السياسة النقدية عبر أداة سعر الفائدة تمّ اختبارها وتجريبها".

وأضاف: "في ظل التشديد الكمي، تدخل البنوك المركزية إلى منطقة مجهولة- من الواضح أن مخاطر العواقب غير المقصودة مرتفعة".

يمثّل عطاء اليوم الثلاثاء خطوة كبيرة أخرى نحو اقتراب سياسة بنك إنجلترا من الإعدادات التي كانت سائدة قبل صدمة 2008-2009، على الرغم من أن بيلي قال إن قائمة المركز المالي لن تتقلص إلى حجم ما قبل الأزمة المالية.

السندات البريطانية تحقق مكاسب قياسية مع قرب تولي ريشي سوناك رئاسة الوزراء

تضخم مقلق

يشعر المحافظ وزملاؤه بالقلق من أن التضخم قد قفز إلى أعلى مستوى في 40 عاماً ليصل إلى 10.1%، أي أكثر من خمسة أضعاف مستهدفهم البالغ 2%.

رفع بنك إنجلترا سعر الفائدة الأساسي سبع مرات منذ ديسمبر 2021 ومن المتوقع أن يرفع سعر الفائدة بأكبر وتيرة خلال 33 عاماً يوم الخميس. من شأن تلك الخطوة رفع معدل الفائدة الرئيسي إلى 3%، أعلى مستوى منذ نهاية 2008، قبل بدء برنامج التيسير الكمي مباشرة.

بدأ البنك المركزي في تقليص آلية مشتريات الأصول في فبراير عندما وافق على السماح للسندات المستحقة الأجال بمغادرة قائمة المركز المالي بدلاً من استبدالها. في حين أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي لديهما أيضاً برامج للتيسير الكمي، لم يبدأ أي منهما المبيعات النشطة حتى الآن.

"الفيدرالي" قد يرفع الفائدة إلى 5% ويتسبب بركود عالمي

قالت دانييلا راسل، رئيسة استراتيجية أسعار الفائدة في المملكة المتحدة لدى "إتش إس بي سي": "نتوقع أن يمضي بنك إنجلترا قُدماً متوخياً الحذر.. وبالتالي يمكن أن يتجه نحو وتيرة أبطأ من التشديد في الوقت الحالي، وبالتالي توفير مزيد من الزخم الصعودي لسندات الخزانة البريطانية".

اضطرابات السوق

يُعتبر السماح بإجراء المزاد إشارة ثقة بأن الأسواق تتسم بالهدوء الكافي لاستيعاب مشتريات السندات الإضافية. ودائماً ما يقول بيلي إن مبيعات السندات يمكن أن تتوقف في أوقات الاضطرابات.

تجدر الإشارة إلى أن عطاء مبيعات السندات كان قد تمّ تأجيله من 3 أكتوبر إلى اليوم الثلاثاء للسماح للسوق بالتخلص من الاضطرابات قبل بضعة أسابيع أثناء الضغوط البيعية التي ضربت السندات طويلة الأجل، والتي تمّ استبعادها حالياً من مبيعات بنك إنجلترا.

تخلص المستثمرون من سندات الخزانة البريطانية والجنيه الإسترليني بعد أن وضعت رئيسة الوزراء آنذاك ليز ترَس برنامجاً لتخفيضات ضريبية كبيرة يتم تمويلها من خلال الاقتراض الإضافي. ساهم هذا الأمر في قرار ترَس بالاستقالة وتسليم السلطة إلى ريشي سوناك، الذي تراجع عن الخطة سريعاً.

وقت صعب

تأتي مبيعات السندات في وقت حرج بالنسبة لوزارة الخزانة وبنك إنجلترا. يُطلب من المستثمرين بالفعل استيعاب الإصدار القياسي من جانب مكتب إدارة الديون، والعجز المتزايد بسرعة في الموازنة.

وفقاً للاتجاهات الحالية، يمكن أن يصل عجز ميزانية الحكومة لعام 2022-2023 ككل إلى ما يصل إلى 170 مليار جنيه إسترليني، أي ما يقرب من ضعف ما توقعه مكتب مسؤولية الميزانية في مارس والبالغ حينذاك 99 مليار جنيه إسترليني.

المملكة المتحدة تسعى لسد 35 مليار جنيه عجزاً مالياً في نوفمبر

يقوم بنك إنجلترا أيضاً ببيع السندات بأسعار أقل من سعر الشراء، مما يجبره على إدراج الخسائر. يقوم بنك إنجلترا بتمرير الأعباء إلى وزارة الخزانة، والتي من المقرر أن تحول هذه السنة المالية أكثر من 11 مليار جنيه إسترليني (12.4 مليار دولار) إلى بنك إنجلترا لتغطية الخسائر المتوقعة.

كلفة التشديد الكمي

قالت إيموجين باشرا، رئيسة استراتيجية أسعار الفائدة بالمملكة المتحدة لدى "نات ويست ماركتس" (NatWest Markets)، التي تتوقع ارتفاع عوائد الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 4.3% من نحو 3.5% حالياً: "من المتوقع أن تجعل البداية النشطة للمبيعات الأسبوع الجاري المستثمرين يركزون على التكاليف المحتملة للتشديد الكمي، والتي تضاف في النهاية إلى المعروض الكبير بالفعل من السندات التي تطرجها وزارة الخزانة". وأضافت: " قد لا تبالغ الأسواق في تقدير تأثير التحولات بالسياسة المالية على توقعات العرض".

بالنسبة لـ"بيلي"، يعد تقليص حجم المركز المالي لبنك إنجلترا جزءاً من الجهود للتحضر لمواجهة أزمة أخرى محتملة.

في مقال "رأي بلومبرغ" نُشر في يونيو 2020، قال بيلي إن الاحتياطيات الضخمة لدى البنك المركزي "يمكن أن تحد من مجال المناورة في حالات الطوارئ المستقبلية" وخلص إلى أنه "قد يكون من الأفضل التفكير في تعديل مستوى الاحتياطيات أولاً دون انتظار رفع أسعار الفائدة على أساس مستدام".

السندات طويلة الأجل

يقوم بنك إنجلترا بالتنسيق مع الحكومة بشأن السندات التي يتم بيعها وتوقيت البيع. يُستثنى من عملية البيع اليوم الثلاثاء سندات الخزانة البريطانية المستحقة في عام 2029 نظراً لطرحها في العطاء مؤخراً من جانب مكتب إدارة الديون.

أقر روبرت ستيمان الرئيس التنفيذي لمكتب إدارة الديون بأن مبيعات بنك إنجلترا ستسهم في زيادة التقلبات بالسوق.

قال هوارد كننغهام، مدير المحافظ في "نيوتن إنفستمنت مانجمنت" (Newton Investment Management): "في حين يستدعي تأثر الثقة وتوقعات النمو بسبب التراجع عن السياسة المالية لوزارة الخزانة بعض الانخفاض في توقعات العائد على المدى الطويل، نعتقد أنه تجاوز الحد المسموح للطلب النهائي غير المؤكد".

وأرجع كننغهام سبب قيامه ببيع سندات الخزانة البريطانية على المكشوف إلى توقعات العرض القياسي لمكتب إدارة الديون بمجرد أخذ مبيعات بنك إنجلترا في الاعتبار.

أحد الأسئلة التي لم يجب عنها بنك إنجلترا هو كيف سيتخلص من السندات طويلة الأجل والمرتبطة بالتضخم التي قام بشرائها خلال الآونة الأخيرة في عمليته المؤقتة للعمل على استقرار الأوضاع المالية. ويتم الاحتفاظ بها في محفظة منفصلة رئيسية لسندات الخزانة البريطانية لدى البنك المركزي.

صندوق النقد: تنسيق الحكومة مع "بنك إنجلترا" ضروري لحل أزمة المعيشة

قال بنك إنجلترا يوم 20 أكتوبر إنه سيحدد منهجه للتخلص من مشترياته لسندات الخزانة خلال الآونة الأخيرة "بشكل منفصل في الوقت المناسب".

قال ميجوم موهيك، المحلل في "آر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets) "بعد أن يقوم البنك بتخفيض حيازاته من برنامجه المؤقت، نعتقد أنه سيبدأ في بيع سندات الخزانة طويلة الأجل من محفظته بموجب آلية تسهيل مشتريات الأصول".

أضاف موهيك: "نحن لا نتصور أن بنك إنجلترا يريد أن يضيف بلا داع إلى صافي المعروض من السندات طويلة الأجل العام المقبل ويزيد من مخاطر تكرار أزمة ضمانات صناديق التقاعد قبل بضعة أسابيع".