استنساخ النموذج الصيني لن يخفف تباطؤ اقتصاد الهند في 2023

عامل يلحم مكونات موقد داخل مصنع في ماهاراشترا، الهند
عامل يلحم مكونات موقد داخل مصنع في ماهاراشترا، الهند المصدر: بلومبرغ
Andy Mukherjee
Andy Mukherjee

Andy Mukherjee is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies and financial services. He previously was a columnist for Reuters Breakingviews. He has also worked for the Straits Times, ET NOW and Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا يتضح حتى هذه اللحظة إن كان التباطؤ الاقتصادي العالمي قد وصل إلى الهند أيضاً، فالاستثمارات في المصانع والطرق والأصول الثابتة الأخرى في هذا البلد ناهزت 35% من الناتج المحلي، ولم تكن بهذا الارتفاع منذ 10 سنوات. كما ينمو الطلب على القروض بسرعة كبيرة، إلى درجة لا يتسنى للودائع مواكبة ذلك.

ما الذي يدفع فورة النشاط في الهند وسط حالة من التشديد النقدي حول العالم؟ يعود جانب من ذلك إلى إعادة فتح الاقتصاد بالكامل. فقد عادت الخدمات القائمة على التواصل المباشر، مثل السفر والضيافة، بشكل قوي في النصف الأول من العام، ما زاد التفاؤل. السبب الآخر كثير الرواج هو ما تشير إليه الشركات متعددة الجنسيات باستراتيجية "الصين+1".

قيّم المصنّعون العالميون أنباء الاحتجاجات العنيفة التي قام بها العمال الخاضعون لقيود كوفيد في أهم مصنع لتجميع هواتف "أيفون" التابع لشركة "أبل" في الصين. وقادهم مسعاهم لتقليص المخاطر إلى ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان، التي تقدم دعماً سخياً لصناعة كل شيء، من أشباه الموصلات والألواح الشمسية إلى بطاريات السيارات الكهربائية والمنسوجات. تخلق هذه الحالة مزيجاً معقولاً من الدفع والجذب.

"أبل" تعتمد مورداً جديداً لأجهزة "أيفون 14" في الهند

رهانات الأجانب على الأسهم الهندية تقودها لمستويات تاريخية

لكن استراتيجية "الصين+1" لن تساعد كثيراً على تجنب التباطؤ الاقتصادي على المدى القريب. فلسبب واحد، كانت الحكومة الفيدرالية هي الدافع وراء الزيادة في الإنفاق الرأسمالي. ومنحها التضخم القابع فوق الهدف موارد ضريبية إضافية، فضخّتها في البنية التحتية. وحذا القطاع الخاص حذوها، رغم أنه واجه ضغطاً على هامش الربحية بسبب عدم قدرته على نقل التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين بشكل كامل. كانت البنوك الهندية، المتحمسة لتجميع دفاتر أصولها بعد الوباء، أكثر استعداداً لمساعدة الشركات على التغلب على أزمة النقد لديها. ونتيجة لذلك، قد تتجاوز قيمة النفقات الرأسمالية المجمعة من قِبل الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات وكذلك الشركات الكبيرة المدرجة هذه السنة المالية 21 تريليون روبية (258 مليار دولار)، أي ضِعف معدل الاستثمار السنوي بين عامي 2016 و2018، وفقاً لـ "آي سي آي سي آي سيكيوريتيز" (ICICI Securities).

ضربة مزدوجة.. التضخم والضرائب

مع ذلك، لهذه القصة السعيدة جانب آخر. الآن وقد أُنهك الاستهلاك المضغوط بسبب الوباء، بدأت الضربة المزدوجة المتمثلة في ارتفاع التضخم والضرائب غير المباشرة، بصفتهما مصدرَي الإيرادات الحكومية المزدهرة، في إلحاق الضرر بالأُسَر ذات الدخل المتوسط ​​والمنخفض.

انخفض مؤشر "نومورا" (Nomura) لتتبع معدل الاستهلاك من 11 نقطة مئوية فوق القراءة السابقة للوباء في الربع المنتهي في يونيو إلى أقل من ذلك المستوى في أكتوبر. ويصعب اعتبار 2023 عاماً رائعاً بالنسبة إلى الطبقة المتوسطة الحضرية، إذ تؤثر عمليات تسريح العمال في صناعة التكنولوجيا العالمية في الوظائف وتوافر رأس المال للشركات الناشئة. يتسم الطلب في المناطق الريفية بالبطء على أي حال، وفقاً لشركات السلع الاستهلاكية. بعد توسع الناتج المحلي الإجمالي بـ6.3% في الربع المنتهي في سبتمبر، أي أقل من نصف معدل النمو في الأشهر الثلاثة السابقة، كتب محللو "نومورا" الأسبوع الماضي: "نعتقد أن دورة معدل النمو في الهند بلغت ذروتها، وأن هناك تباطؤاً واسع النطاق". وفي تقديرهم، قد يبلغ معدل النمو لسنة 2024 بأكملها 5.2% عشية الانتخابات العامة في الهند التي ستعقد في صيف ذلك العام، 2024}.

سياسة صناعية مكلّفة

بغضّ النظر عن سنوات الوباء، سيكون هذا ثاني أسوأ معدل نمو اقتصادي في البلاد منذ أكثر من عقد. وسيضع علامات استفهام حول السياسة الصناعية المكلفة التي يتبعها رئيس الوزراء ناريندرا مودي. تحتاج البلاد إلى مزيد من الإنفاق العام لتضييق العجز التعليمي الحادّ لدى الطلاب نتيجة "كوفيد-19"، وسدّ الفجوات الكبيرة في الرعاية الصحية العامة، والتعامل مع التغير المناخي.

تُعَدّ هذه التحديات عاجلة. تأمل سلاسل التوريد في الهند أن تنشأ من الصفر من خلال تقديم الدعم للمستثمرين، ومنحهم الحماية من قيود الرسوم الجمركية المرتفعة. لكن ذلك يمثل مقامرة طويلة الأجل. حتى الآن، نجح 15% فقط من الاستثمارات الخاصة البالغة 33 مليار دولار التي وافقت عليها الحكومة في إطار برنامج الحوافز المرتبط بالإنتاج. فقد جرى توفير أقل من 200 ألف وظيفة حتى سبتمبر، مقارنة مع التوقعات بنحو 6 ملايين، وفقاً للبيانات الرسمية المذكورة في مقال على موقع "كوينت" (Quint) الإخباري. حتى لو تعمّقت حالة القطيعة بين الغرب والصين، أو إذا تأجلت النهاية التي طال انتظارها لسياسات الرئيس شي جين بينغ بشأن "كوفيد-19"، فلا يوجد ما يؤشر على أن الاستثمار الخاص سيرفع كثيراً من العبء الثقيل عن الهند العام المقبل.

الهند تقول إن سياسة الفيدرالي الأميركي تهدد تدفقات رأس المال الأجنبي

صندوق بـ85 مليار دولار يراهن على الأسهم الهندية وسط مخاطر الركود

يعود هذا أيضاً إلى أن الصادرات بدأت في التباطؤ بالنسبة إلى معظم الموردين الآسيويين، إذ سجلت الشحنات من الهند أدنى مستوى لها في 20 شهراً في أكتوبر الماضي. وتُظهر بيانات الناتج المحلي الإجمالي الأخيرة إشارات واضحة على فقدان القطاع الصناعي الزخم في البلاد، وسط ارتفاع معدل البطالة إلى 8%.

يبدو دليل سياسة نيودلهي ضعيفاً نوعاً ما. نعم، ستبلغ أسعار الفائدة المحلية قمتها في أوائل عام 2023، ولكن ليس قبل أن ترتفع في الدورة الحالية إلى أكثر من نقطتين مئويتين. ويمكن أن تصبح الظروف المالية أكثر قسوة. إذا تصاعدت الحرب في أوكرانيا، أو إذا تخلّت الصين فجأة عن قيودها الصارمة التي فرضتها بسبب الفيروس، فقد يندلع نقص في السلع مرة أخرى مقارنة بالطلب. سيؤدي ذلك إلى إعاقة التدفقات النقدية للشركات الهندية، ودفع مزيد منها للبحث عن تمويل خارجي لتلبية احتياجات أطول لرأس المال العامل. البنوك، التي تتعرض لضغوط لرفع أسعار الفائدة على الودائع لدعم مركز السيولة لديها، قد لا تكون قادرة على استيعاب مخاطر الائتمان كما كانت هذا العام. فإن كانت كذلك فإنها لا تفعل سوى تأجيل المشكلات.

توقعات النمو للهند في العام المقبل ضعيفة. يعتمد نطاق الصعوبة التي يمكن أن تواجهها البلاد على مدى سوء تدهور الاقتصاد العالمي. ستكون هناك فوائد طويلة الأجل من وضع الهند بصفتها وجهة ثانية جذابة للمنتجين الذين يحاولون الحد من انكشافهم على الصين. لكن الحكمة من جمع أموال عامة بقيمة 24 مليار دولار على مدى خمس سنوات لتسريع التحول في سلاسل التوريد العالمية لا بد أنها ستكون موضع تساؤل، خصوصاً إذا وجدت الهند في عام 2024 نفسها في حالة النمو المنخفض نفسها التي أوصلت رئيس الوزراء مودي إلى السلطة في عام 2014.