سعر النفط الأكثر أهمية في العالم على وشك التغيُّر إلى الأبد

الخام المعياري الحالي "برنت المؤرخ" ينفد ببطء من سوق النفط القابلة للتداول إلى درجة تحول دون بقائه معياراً موثوقاً

ناقلات نفط ترسو بالقرب من ميناء لونغ بيتش بولاية كاليفورنيا، الولايات المتحدة
ناقلات نفط ترسو بالقرب من ميناء لونغ بيتش بولاية كاليفورنيا، الولايات المتحدة المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد سنوات من الجدل، يوشك سعر النفط الأكثر أهمية في العالم أن يتغيَّر إلى الأبد، بما يسمح لإمدادات الخام من غرب تكساس بتحديد سعر ملايين البراميل يومياً في المعاملات البترولية.

يُعزا هذا التحول إلى أن الخام المعياري الحالي، وهو برنت المؤرخ، ينفد ببطء من سوق النفط القابل للتداول، لدرجة تحوُل دون بقائه معياراً موثوقاً. ونتيجة لذلك، اضطرت ناشرته "إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس" -المعروفة بين المتداولين بـ"بلاتس" (Platts)- إلى إجراء تعديل كبير.

توقف ارتفاع النفط مع ضعف الطلب على الوقود وتراجع المضاربة

هذا التحول مثير للجدل، وقد تسبب في توتر شديد بين تجار النفط الفوري، لكنه مع ذلك، كان ضرورياً. وفي وقت سابق، قالت شركة "بي بي" (BP) إن خام برنت المؤرخ يخضع "لاختلالات منتظمة بشكل متزايد".

لكن مستقبل برنت المؤرخ حُسم الآن، واعتباراً من الشحنات تسليم يونيو وما بعده، سيصبح خام غرب تكساس الوسيط ميدلاند، وهو النفط القادم من حوض البرميان، واحداً بين درجات قليلة التي ستحدد سعر المعيار المؤرخ.

في ما يلي نظرة على ما يعنيه ذلك مع اقتراب هذا التحول:

1- لماذا يعتبر هذا التحول مهماً؟

يساعد "المؤرخ"، كما هو معروف بين متداولي النفط، في تحديد أسعار حوالي ثلثي نفط العالم، حتى إنه يستخدم في تسعير بعض صفقات الغاز.

وعادة ما تبيع الدول المنتجة للنفط براميلها بعلاوات أو خصومات صغيرة مقارنة بـ"المؤرخ"، وبالتالي فإن الآليات الدقيقة لكيفية تكوينه مهمة بالنسبة إليهم. وعلاوة على ذلك، يقع المعيار في قلب شبكة معقدة من المشتقات، ويشكل بالأخير العقود الآجلة لخام برنت المتداولة في البورصة.

متداولو مشتقات النفط يتغلبون على تجار الخام.. رؤيتهم المتشائمة قد تسود

يؤثر "المؤرخ" على مجموعة من أسعار النفط، وبالتالي حتى الخام في دبي قد تطاله تأثيرات هذا التحول، بحسب أدي إمسيروفيك، متداول نفط مخضرم وزميل باحث بارز في معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة.

2- ما الذي يحدث بالضبط؟

سيتمكن التجار من توفير خام غرب تكساس الوسيط ميدلاند للبيع من ساحل الخليج الأميركي، وسيتم تسليمه إلى روتردام، ثم يعاد تسعيره باستخدام "عامل تعديل الشحن"، أي كما لو أنه مشحون من بحر الشمال.

ثم عبر عملية دقيقة، تقيّم "بلاتس" ما إذا كان النفط يعرض بأسعار أعلى أو أقل من الخمس درجات الحالية التي تحدد "المؤرخ" وهي برنت، وفورتيس، وأوزبرغ، وإكوفيسك، وترول.

النفط الأميركي ينخفض دون 70 دولاراً وسط تباطؤ تعبئة الاحتياطي الاستراتيجي

إذا ارتأت "بلاتس" أن خام غرب تكساس الوسيط ميدلاند معروض -أو بيع بالفعل- بالسعر الأكثر تنافسية، حينها سيُحدد هذا الخام سعر "المؤرخ".

وبالتالي، فإن خام غرب تكساس الوسيط ميدلاند يمكن أن يؤثر حينها على السعر الذي يفرضه بائعٌ لبراميل من حوضٍ في المحيط الأطلسي على مصفاة في الصين.

3- كيف تسير عملية تحديد السعر؟

تخيل لو أن سعر درجات "المؤرخ" الحالية، والتي يطلق عليها اختصاراً (BFOET)، عند 80 دولاراً للبرميل.

قد يختار متداول شراء شحنة من خام غرب تكساس الوسيط ميدلاند بسعر 79 دولاراً من محطة في الخليج الأميركي مضافاً عليه دولاران تكلفة التوصيل إلى روتردام التي تبعد أكثر من 6 آلاف ميل وتستغرق 17 يوماً من الإبحار.

يتعين على "بلاتس" أن تجعل هذه الشحنة المسلمة مكافئة لدرجات (BFOET) الحالية التي تتداول وفق ما يعرف بأساس التسليم على ظهر السفينة في بحر الشمال.

تراجع أسعار النفط يدفع المستهلكين للتحوط تحسباً لارتفاعه مجدداً

لفعل ذلك، ستستخدم الشركة ما تطلق عليه "عامل تعديل الشحن"، وتخصم التكلفة المقدرة للنقل عبر بحر الشمال إلى روتردام. وإذا كانت تلك التكلفة دولاراً واحداً، إذاً سيكون السعر الضمني لخام غرب تكساس الوسيط ميدلاند المباع على أساس التسليم على ظهر السفينة في بحر الشمال حوالي 80 دولاراً.

وهذه العملية تعطي أهمية لتقييمات "بلاتس" لتكاليف الشحن بالناقلات.

4- ما هو الجدول الزمني للتحول؟

بعض التغيرات جارية بالفعل. ففي فبراير، بدأت "بلاتس" تقييم الأسعار الآجلة بناءً على أداة التقييم الجديدة، وسيُسمح للشحنات الفعلية للخام من الولايات المتحدة بالانضمام اعتباراً من أوائل مايو.

سيعتمد انتهاء العقود الآجلة لخام برنت تسليم مايو في نهاية مارس، على بعض الصفقات التي تتضمن مبادلة العقود الآجلة لمزيج برنت تسليم يونيو بعقود فورية تأخذ في حسبانها التغييرات الجديدة.

ستحدد أدوات المشتقات الرئيسية تلك، بجانب سوق العقود الآجلة، السعر الأساسي الفوري لخام برنت المؤرخ تسليم يونيو.

هناك تفصيل مهم منتظر في الأسابيع المقبلة، يتمثل في مقدار الارتفاع في تداول عقود برنت المؤرخ الآجلة. حتى الآن، نفذت 12 مؤسسة معاملات بناءً على الشروط الجديدة، وفق "بلاتس".

بورصة "إنتركونتيننتال" تطلق سوق غاز منافسة في لندن

في نهاية المطاف، ستحدد تلك الصفقات ما يعرف بمؤشر برنت، وهو سعر ينشر مرة واحدة في الشهر من قبل بورصة "إنتركونتيننتال إكستشينج أوروبا" للعقود الآجلة، والذي يستخدم في التسويات النقدية للعقود الآجلة.

قال كيرت تشابمان، متداول نفط مخضرم، وهو رئيس سابق للخام في "ميركوريا إنرجي غروب" (Mercuria Energy Group) استقال في 2018 بعد ثلاثة عقود تقريباً من تواجده في قلب ساحة تداول النفط العالمية: "من دون سوق آجلة، لا توجد طريقة لتسوية عقد برنت لدى بورصة (إنتركونتيننتال إكستشينج) مالياً".

5- هل سيصبح المزيج المؤرخ أفضل في ظل التعديل الجديد؟

بافتراض تبني المتداولين للتعديلات، فستكون لها تأثيرات تحويلية في ما يخص أحجام النفط الأساسية التي يمكن تداولها.

في مارس وحده، كان يُتوقع أن تصل حوالي 60 ناقلة تحمل ما يناهز 1.8 مليون برميل يومياً من النفط إلى أوروبا، وهو الحجم الأعلى منذ 2016، وفق بيانات جمعتها "بلومبرغ".

التجار يفضلون الناقلات العملاقة لنقل النفط الأميركي إلى أوروبا.. فما السبب؟

وسيكون هناك ما يقرب من مليون برميل يومياً من خام غرب تكساس الوسيط ميدلاند مؤهلاً نظرياً للانضمام إلى مزيج "المؤرخ"، ومع ذلك، قد تكون الأحجام هامشية حتى يزداد تداول مزيج "المؤرخ" الجديد.

6- ما هي المخاوف الرئيسية؟

لا يوجد نوعان من الخام متطابقان. وبالنهاية سيتعين على "بلاتس" إجراء تقييم دقيق لكيفية مقارنة خام غرب تكساس الوسيط ميدلاند مع الدرجات الأخرى داخل مزيج (BFOET).

يقول البعض إنه درجة ممتازة بسبب كثافته ومستويات الكبريت فيه.

مع ذلك، أعرب بعض المتداولين عن مخاوفهم من أن خصائص شحنات خام غرب تكساس الوسيط قد لا تتطابق مع ما تم الاتفاق عليه عند إجراء صفقة التداول، وذلك لأن خام غرب تكساس هو في الحقيقة مزيج من درجات خام مختلفة.

ارتفاع الدولار يضغط على أسعار النفط.. والسوق تراقب صادرات العراق

وبالتالي، إذا ظهر عيب في شحنة نفط تم شراؤها أو بيعها بهدف وضع معيار عالمي لتحديد الأسعار عالمياً، فستكون تلك مشكلة.

يقول مشغلو محطات التصدير الأميركيون إنه لا يوجد ما يدعو إلى القلق. وأضافوا أن المحطات الإحدى عشرة التي اعتمدتها "بلاتس" لإرسال الخام، قادرة جميعها على ضمان تحقيق جودة عالية باستمرار تتناسب مع مزيج "المؤرخ".

كذلك، هناك مشكلة أخرى، وهي حجم الشحنة التي سيسمح بإدراجها، وفي ظل وقوفها حالياً عند 700 ألف برميل، فهي لا تتطابق مع واقع تداول النفط الأميركي حالياً، إذ كان هناك طوفان من الناقلات العملاقة التي تنقل مليوني برميل من الشحنات عبر المحيط الأطلسي، لكن ذلك النفط لن يكون مؤهلاً للانضمام لتحديد مزيج "المؤرخ".

وأخيراً، تأتي كافة درجات الخام الخمس (BFOET) ببرامج التحميل الخاصة بها، وكل شحنة تُعطى بيانات تعريف فريدة، بحيث توفر للمتداولين رؤية واضحة حول معروض النفط. لكن لا يتحقق ذلك حتى الآن مع شحنات خام غرب تكساس الوسيط ميدلاند، وهو ما قد يسبب بعض الغموض حول عدد وكميات الشحنات المعروضة.