آخر ما يحتاجه الاقتصاد الأميركي المضطرب هو شح في الإقراض

تراجع الإقراض المصرفي ورفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة قد يؤديان إلى تسريع الركود

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: ألامي
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ستتردد أصداء أكبر ذعر مصرفي ضرب الولايات المتحدة منذ أزمة 2008 المالية عبر قطاعات الاقتصاد لأشهر فيما تواجه الأسر والشركات على حد سواء صعوبات في الاقتراض.

تواجه الولايات المتحدة هذا السيناريو في على خلفية انهيار ثلاثة مصارف إقليمية وآخر عالمي خلال 11 يوماً، وفقاً لتوقعات عديد من الاقتصاديين.

قال نيل كاشكاري، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، في مقابلة مع برنامج "فيس ذا نيشن" بثتها قناة "سي بي إس" يوم 26 مارس، إن الاضطرابات "تقربنا بالتأكيد" من الركود مشيراً إلى أن المسؤولين يراقبون التطورات عن كثب تحسباً لظهور بوادر أزمة ائتمانية واسعة النطاق.

لعل أبرز ما يُقلق هو احتمالية أن تتجه البنوك للحد من الإقراض استجابة لعوامل مثل تزايد تدقيق الهيئات الناظمة لممارساتها وتآكل الودائع، أو انخفاض قيمة أسهمها في وقت يمضي فيه الاحتياطي الفيدرالي قدماً بانتهاج أكثر دورات رفع أسعار الفائدة جرأةً خلال أربعة عقود.

مقر "سيليكون فالي بنك" في مدينة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا في 9 مارس.
مقر "سيليكون فالي بنك" في مدينة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا في 9 مارس. المصدر: بلومبرغ

تداعيات التشديد

بلغ سعر الفائدة المرجعي لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي أعلى مستوياته منذ 2007، عشية اندلاع الأزمة المالية. لذلك يُرجح أن تشدد البنوك الصغيرة ومتوسطة الحجم، على وجه الخصوص، معايير الإقراض.

سيضر هذا بالأسر وأسعار العقارات والشركات متوسطة الحجم، حيث تشكل الأخيرة عماد الاقتصاد الأميركي. يُقدر بنك "يو بي إس" أن البنوك الصغيرة والإقليمية تحوز نحو 39% من ديون العقارات التجارية.

هل تدمّر الأزمة المصرفية الراهنة الاقتصاد؟

برغم أن ظهور اتجاهات قوية قوامها البيانات المتاحة حول الإقراض المصرفي سيستغرق شهوراً، إلا أن التاريخ حافل بأمثلة على أن تشديد شروط الائتمان تتسبب بزيادة البطالة وتباطؤ النشاط الاقتصادي.

خَلُص تحليل بنك "غولدمان ساكس" لثلاث دراسات أكاديمية إلى أن الاضطرابات الأخيرة قد تؤدي إلى انخفاض معدلات الإقراض في الولايات المتحدة بنسبة تتراوح بين 2% و5%.

يعتقد مارك زاندي، كبير اقتصاديي "موديز أناليتكس"، الذراع التحليلية لوكالة التصنيف الائتماني العملاقة، أن تشديد القيود الائتمانية أكثر من شأنه أن يؤدي إلى خفض النمو على مدى ما تبقى من هذا العام بمقدار 0.3 نقطة مئوية. بينما يقول مايكل فيرولي، كبير خبراء اقتصاد الولايات المتحدة لدى بنك "جيه بي مورغان أند تشيس"، إن الخسائر قد تتضخم بما يتراوح بين نصف نقطة ونقطة مئوية خلال هذا العام وتاليه.

لحظة مينسكي

قال ماركو كولانوفيتش كبير استراتيجيي السوق لدى بنك "جيه بي مورغان أند تشيس"، إن الضغط المصرفي عزز فرص حدوث ما يُعرف بـ"لحظة مينسكي"، أي انهيار هائل ومفاجئ لأسواق واقتصادات اعتادت سياسات التيسير النقدي.

القواعد التنظيمية لن تحول دون وقوع الأزمة المالية المقبلة

كان منحنى مؤشر "بلومبرغ للأوضاع المالية الأميركية" قد تراجع في نقطة ما في مارس الجاري إلى مستويات لم تشهدها السوق الأميركية منذ مايو 2020.

غير أن أثراً أكثر اعتدالاً لذلك التراجع يتمثل في تبدد تقلبات السوق مستقبلاً مع إدراك المستثمرين أن التراجع الحالي ليس تكراراً لما حدث في 2008.

قال روب سوبارامان كبير الاقتصاديين لدى شركة "نومورا هولدينغز"، إن البنوك تتمتع بمعدلات رسملة جيدة ويبدو أن أحجام القروض الرديئة تحت السيطرة، فضلاً عن استجابة الهيئات الناظمة مبكراً لاحتواء الأزمة. أضاف: "يُرجح بشدة أن يتباطأ نمو القروض المصرفية، لكنني أعتقد أنه سابق لأوانه بعض الشيء استنتاج انهيار معدلاته مستقبلاً".

وجد تحليل "غولدمان ساكس" أن عدوى الفشل تميل إلى الانتشار بالفعل في أحوال ثلاثة فقط: إما أن أساسيات البنوك ضعيفة، أو أنها شديدة الاعتماد على بعضها البعض، أو أن الفشل الأول كشف عن مخاطر نظامية تعتري النظام المصرفي برمته.

زد على ذلك أن تشديد سياسات الإقراض كان سريعاً هو ما يرمي صُناع السياسة النقدية إلى تحقيقه على وجه التحديد لإبطاء التضخم.

يقدّر تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين لدى "أبولو غلوبال مانجمنت"، أن الصدمة المصرفية من شأنها رفع تكلفة الاستدانة ممثلةً في زيادة سعر الفائدة المستهدف من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي بمقدار 1.5 نقطة مئوية.

قال جان هاتزيوس كبير اقتصاديي "غولدمان ساكس"، في تقرير نُشر في 27 مارس، إن افتراض خط الأساس بحسب تقدير فريقه يفيد أن تراجع الوفرة الائتمانية سيبرهن على كونه "رياحاً معاكسةً تساعد الاحتياطي الفيدرالي على إبقاء النمو دون المتوقع" وليس "إعصاراً يدفع الاقتصاد صوب الركود."

الدافع الائتماني

تشير الدلائل على تشديد الإقراض قبل الحوادث المصرفية المفاجئة التي وقعت أخيراً، وأنه سيستحكم أكثر مستقبلاً. يُظهر "متتبع بلومبرغ للإفلاسات" تقدمت 52 شركة كبرى بطلبات للحماية من الدائنين خلال عام نهايته 27 مارس، وهو أكبر عدد من الطلبات تتقدم به شركات أميركية في فترة مماثلة منذ 2009.

الأزمة المصرفية تثير مخاوف الديون الخفية في النظام المالي

على المقلب الآخر، قد لا يرغب المستهلكون بالاستدانة حتى إن كانت البنوك ما تزال على استعداد لإقراضهم. كان تحليل من بنك "سيتي غروب" لبيانات بطاقات الائتمان خلال الفترة التي تصدرت فيها انهيارات البنوك عناوين الأخبار قد أظهر تراجع إنفاق المستهلكين بصورة غير مسبوقة منذ تفشي الوباء.

أشار اقتصاديو ومحللو "معهد التمويل الدولي"، في مذكرة نُشرت في 23 مارس، إلى أن الاقتصاد الأميركي لا يعتمد مثل الاقتصادات الأخرى على الإقراض المصرفي لأن أسواق رأس المال الأميركية متنوعة وواسعة النطاق، وبالتالي فإن حدوث "الركود ليس استنتاجاً قاطعاً على الإطلاق".

مع ذلك، لاحظ مؤلفو المذكرة أن العبرة مما عانته البلدان الأخرى كانت أن تفاوتات ما يسميه الاقتصاديون الدافع الائتماني، وهو مقياس للتغيرات في وتيرة نمو الائتمان، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتقلبات الناتج الاقتصادي.

خلص خبراء معهد التمويل الدولي إلى أن "صانعي السياسات بحاجة إلى أخذ التطورات في مجال الائتمان على محمل الجد، وهو ما يفعلونه واقعياً، إضافة إلى استباق الأحداث عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على تدفق الائتمان".