ذعر المودعين يفاقم أزمات مصرفية يمكن درءها

منذ القرن الرابع عشر، ينشأ الذعر عن دورة بلا نهاية من الشعور بالرضا عن الذات والمجازفة والخوف

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اتصلت إحدى بنات جيمي ديمون مع والدها من مدرستها منذ أكثر من عقد لتسأله: "أبي، ما هي الأزمة المالية؟". حاول الملياردير الذي يدير "جيه بي مورغان تشيس" أن يردّ عليها بإجابة مرضية، فقال: "هي الشيء الذي يحدث كل خمس إلى سبع سنوات". كان ذلك قبل أن يمثُل ليشهد أمام لجنة تحقيق في الأزمة المالية.

سألته في تلك المكالمة لماذا بدا الناس وكأن الكارثة باغتتهم؟ عندما روى هذه القصة في واشنطن، قال إنه لم يكن ينبغي لنا أن نتفاجأ بذلك.

ذلك لأن تاريخ الأعمال المصرفية، على الأقل جزئياً، تسوده قصة مروّعة ما تزال تتكرر. إنا عدنا إلى البندقية في عصر النهضة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، نجد أن أعمال البنوك اتسمت بهشاشة شديدة لدرجة أن إشاعة أن شخصاً ما سحب أموالاً كانت تكفي لبث حالة ذعر بين المودعين. بالنسبة إلى المصرفيين في أمستردام خلال عام 1763، كانت صفقة حبوب مع الروس في نهاية الحرب هي التي أجّجت الأزمة.

هذا العام، أسهم قلق بشأن خسائر استثمارات السندات والودائع الكبيرة غير المؤمّنة بالتسبب باثنتين من أكبر حالات إفلاس البنوك الأميركية على الإطلاق. المشكلات عتيقة، والنظام المصرفي حساس، ذلك لأننا نسمح للبنوك بإجراء استثمارات طويلة الأجل، تشمل قروضاً وسندات، فيما تأخذ ودائع من العملاء الذين يمكنهم المطالبة بها وقتما شاءوا.

مأساة متجددة

يقلل التأمين على الودائع ودعم البنوك المركزية واللوائح التنظيمية احتمال حدوث حالات ذعر. مع ذلك، فإن الأزمات المصرفية والمالية "متأصلة في الطبيعة البشرية بقدر ما هي في أي نظام قانوني أو اقتصادي أو سياسي معين"، كما قال كينيث روغوف، الاقتصادي بجامعة هارفرد الذي ألّف بالتعاون مع كارمن راينهارت كتاباً رائجاً عن تاريخ الأزمات المالية الأكثر بعنوان "هذه المرة مختلفة".

أضاف: "بعد انقشاع الأزمة، تصبح اللوائح التنظيمية أكثر صرامة حتماً، لكن بعد ذلك مع تناسي الذكريات، غالباً ما تتراخى قبضة اللوائح. أياً كانت القواعد التي يضعها المنظمون، فإن الممولين سيجدون في نهاية المطاف طرقاً مبتكرة للالتفاف حولها بمرور الوقت".

من المسؤول عن الأزمة المصرفية الأخيرة في أميركا؟

كان الطلبة الذين يدرسون التاريخ المالي في جامعة "تكساس كريستيان" في فورت وورث قد أرسلوا رسائل إلى أستاذهم، ستيفن كوين، حين انهار مصرف "سيليكون فالي بنك". فلم يصدقوا أن حالات السحوبات من البنوك والتي كانوا يدرسونها تتكرر. كان ردّه: "هذا مفرح... لكن لا أعني أنني أرغب بالذعر". كذلك، كانت حماته قد سألته عما إذا كان يتعين عليها أن تسحب أموالها من مصرفها.

بالنسبة لمعظم الناس في الولايات المتحدة اليوم، فإن تأمين الودائع الذي يصل إلى 250 ألف دولار يزيل الحاجة لهذا الإجراء. لكن بالإضافة لهذا المبلغ، فإن المنطق الأساسي للسحوبات من البنوك قوي بلا هوادة، ذلك أنه إذا كنت تشكّ في أن أموالك قد تكون في مأزق، فلماذا تنتظر؟

تاريخ انهيارات طويل

منذ ما يقرب من قرن، خلال فترة الكساد الكبير، انهار نحو 9 آلاف بنك في الولايات المتحدة وحدها. خلال الفترة بين عامي 1340 و1500، وفقاً للوتشيانو بيزولو من جامعة كا فوسكاري في البندقية: "تجنب عدد قليل من البنوك الكبرى في المدينة نهاية مريرة".

إن نحينا نصيحة ديمون الأبوية، نجد الخبراء يقولون إن الكارثة ليست بالضرورة دائماً جزءاً من النظام. فإلى جانب ضمان الودائع، يراقب المنظمون طريقة إدارة المصرفيين لسجلاتهم واستثمارهم للأصول. تمكّنت كندا من أن تكون لديها مصارف "غير مغامرة بشكل رائع"، كما يقول ديفيد سينغر، المتخصص في دراسة الأزمات ويرأس قسم العلوم السياسية في معهد ماساتشوستس للتقنية. قال: "تتمثل وصفة الاستقرار في أن يكون لديك بنوك ذات رسملة جيدة ومقاومة للمخاطر".

البنك ذو رأس المال الجيد أشبه بمالك عقار لديه كثير من الأسهم إذ إنه البنك الذي يحظى بأداة مالية لامتصاص الخسائر في قيمة أصوله. أضاف: "لكن البنوك لن تنجذب بطبيعة الحال نحو مثل هذا السلوك. فهي بحاجة إلى لائحة تنظيمية شاملة ومستقرة لا تُخفّف عندما يكون الاقتصاد متوتراً".

ما مستقبل قطاع البنوك الأميركي بعد انهيار "سيليكون فالي"؟

في هذا المقام، قد يكون القول أسهل من الفعل. فالمصرفيون يجيدون ببراعة ابتكار طرق جديدة لاستخلاص الأرباح، ما قد يوقعهم في مشكلات في النهاية. على سبيل المثال، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اكتشف القائمون على تصميم النظم المالية في "وول ستريت" سبلاً لجعل القروض العقارية المحفوفة بالمخاطر تبدو وكأنها استثمارات آمنة.

قال حاييم كيدار-ليفي، الأستاذ في جامعة بن غوريون في النقب، الذي ألّف كتاباً حول التاريخ الحرج للأزمات المالية: "في كثير من الأحيان، لا تدرك الجهات التنظيمية وجود مثل هذه الثغرات فوراً، لذلك فإن هناك مخاطر غير معروفة تتصاعد من وراء الكواليس، حتى تعصف الأزمة بالنظام".

من جانبها، تقول ناتاشا بوستيل-فيناي، التي تُدرِّس التاريخ المالي في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، إن الإخفاقات لن تكون حتمية عندما تتوفر الحوافز المناسبة للمصرفيين. فقد ساهمت بعض القواعد الجديدة لاسترداد تقليل المكافآت في حالة حدوث مشكلة في التأكد من أن التنفيذيين لديهم يتعرضون لخسائر إن خاطروا بأموال المودعين والمستثمرين. لكنها تضيف: "نحن بعيدون عن إصلاح حوكمة الشركات الذي سيكون ضرورياً لمعالجة المشكلة".